أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - فلسفة البساطة في زمن الازدحام النفسي














المزيد.....

فلسفة البساطة في زمن الازدحام النفسي


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 11:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


# مقدمة: حين تصبح البساطة طوق نجاة في عالمٍ معقّد
في عالم تتسارع فيه الإيقاعات حدّ الاختناق، وتتناسل فيه المشكلات من رحم القلق والتوتر، تغدو البساطة ليست خيارًا سلوكيًا، بل وسيلة للنجاة، وفلسفة حياة، وموقفًا وجوديًا عميقًا في مواجهة التعقيد النفسي والاجتماعي المتفشي.
لم تعد البساطة تعني فقط أن نعيش بخفّة، بل أن نفكّك صواميل التعقيد التي غُرِست في وعينا الجمعي، ونكفّ عن تأليه المشكلات وتضخيم التفاصيل.
أولًا: البساطة لا تعني السذاجة... بل وعي راقٍ بالحياة
الخطأ الأكبر أن تُختزل البساطة في مفهوم ساذج يدل على ضيق الإدراك أو ضعف الحيلة.
الحقيقة أن البساطة هي نتاج تجربة، وتراكم من الفهم العميق للناس والوقائع، وذكاء خفيّ يختار الصمت على الضجيج، واللين على الصدام، ويُدرك متى يُقاوم، ومتى يتجاوز.
أن تكون بسيطًا، يعني أنك اخترت العافية النفسية على فوضى الانفعال، وأنك فضّلت النقاء على الغوص في مستنقعات الجدال.
ثانيًا: البساطة كفنّ اجتماعي مضاد للتعقيد المَرَضي
في المجتمع العراقي، كما في مجتمعات الشرق المأزومة ، يتفشى ما يمكن أن نُسميه بـ"التعقيد المَرَضي" — حيث تتضخم الانفعالات، وتُؤلّه التفاصيل، وتتحول كلمة عابرة إلى حرب، ونقد عادي إلى معركة شرف!
في مثل هذا السياق، تكون البساطة مهارة وجودية.
أن تتعامل مع الناس ببساطة يعني أن تمنحهم الشعور بالأمان، أن تُريحهم من فخ الشك والتأويل والتصعيد.
وحين تملك هذه المهارة، تكون قد أمسكت بخيط الهدوء وسط عاصفةٍ من الفوضى.
ثالثًا: البساطة والتوازن النفسي
البساطة ليست في السلوك فقط، بل في طريقة التفكير أيضًا.
من يفكّر ببساطة، يعيش بسلام.
ومن يعقّد الأمور في رأسه، سيعيش مُثقلاً بالهواجس.
التفكير البسيط لا يعني الهروب من الواقع، بل رؤيته من زاوية غير مأزومة.
هو أن تدرك حجم الأشياء الحقيقي، فلا تُعطيها أكبر من مساحتها، ولا تُهملها حدّ التجاهل.
رابعًا: البساطة موقف سياسي في زمن الفوضى الرمزية
حتى في السياسة، البساطة موقف.
أن تتعامل مع الواقع بما هو عليه، دون مواربة أو خطابات خشبية، هو قمة النضج.
أن لا تتورط في تصنيفات إقصائية، ولا تبتلع الطعم الطائفي في كل شاردة وواردة، هو شكل من أشكال البساطة السياسية، التي تعني الوضوح، لا البلادة، وتعني الاختصار لا السطحية.
البساطة هنا تعني أن تزن الأمور بميزان المصلحة الوطنية، لا بالأحقاد والتأريخ الشخصي، وأن لا تُعقّد المسائل من أجل التميز الفارغ.
خامسًا: البساطة والكرامة... حين لا تحتاج إلى صراخ لتثبت ذاتك
البعض يعتقد أن رفع الصوت وسرعة الغضب وكثرة التعقيد هو ما يمنحه الهيبة.
والواقع عكس ذلك تمامًا.
الإنسان الواثق لا يصرخ.
الإنسان الكريم لا يُعقّد.
والرجل النبيل هو من يختار التسامح حين يكون قادرًا على البطش.
البساطة ليست ضعفًا، بل سلطة داخلية تفرض نفسها دون إعلان.
سادسًا: كيف نُعيد البساطة إلى تربيتنا وبيوتنا؟
في البيوت، يجب أن نُعلّم أبناءنا ألا يُفسّروا كل كلمة، وألا يُراقبوا كل تصرف، وألا يحملوا الآخرين فوق طاقتهم.
في التربية، البساطة هي أن نقبل أبناءنا كما هم، لا كما نتمنى.
وفي العلاقات، هي أن نُحبّ الناس دون شروط، ونتغافل كثيرًا، ونتجاوز أكثر.
إن أعظم أشكال النضج هو التغافل، وإن أنقى العلاقات هي تلك التي لم تُعقّدها التوقعات.
# خاتمة: البساطة كنمط حياة... لا بديل عنها
في النهاية، البساطة ليست حالة مؤقتة، بل خيار دائم.
أن تعيش ببساطة، يعني أن تنجو من الغرق في التفاصيل السامة، أن تهرب من غابة العلاقات المعقّدة، أن تحب نفسك من دون تعقيد...
وأن ترى الحياة كما هي: جميلة في جوهرها، إن نظفناها من كل هذا الغبار النفسي والاجتماعي الذي تراكم علينا.
البساطة ليست أن تكون خفيفًا في حضور الناس فقط، بل أن تكون عميقًا في داخلك... دون صخب.



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سطوة المال في عالم السياسة والانتخابات
- أعداء الداخل وتفكيك الخديعة: قراءة فكرية في الطائفية السياسي ...
- لا تُضيء في الظلام... ما لم تكن مستعدًا للنجاة من الحريق
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (5)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (4)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (3)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (2)
- الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (1)
- العراق أولاً: الوطنية كميزان للعلاقات الخارجية والانتماء الح ...
- الهوية العراقية بين التعدد والتماسك
- الجولاني: عميل بصيغة -ثائر-.. من سجون الاحتلال إلى حضن الاست ...
- أنت لستَ فاهمًا، ولا أنا جاهلٌ
- معاداة الشيعة.. عقدة مستعصية و عداء بلا منطق و-إيران- مجرد ذ ...
- الهوية المستلبة : استغلال الاغلبية العراقية بين الطقوس الدين ...
- دور الأموال في تغيير القناعات وشراء الذمم : الانتخابات بين ا ...
- في زمن العبث والانكسار... حين يغدو الزيف قانوناً
- عصابات الجولاني في خدمة الاستكبار : من تواطؤ معلن إلى عدوان ...
- تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية على ايران
- بين سحر الجماعة وكآبة الهُوة الفردانية
- الحرب الاقتصادية : سلاح صامت دمّر العراق بصمت أشد من دوي الم ...


المزيد.....




- مع استمرار غموض موقف السعودية.. قائمة حضور قمة بريكس بغياب ز ...
- خال من البشر.. مصور يسكتشف الجمال السريالي لمصنع سيارات كهرب ...
- من هو الدالاي لاما وكيف يعمل مبدأ التناسخ في البوذية التبتية ...
- خلال ساعات الليل.. موجة هجمات متبادلة بالمسيّرات بين روسيا و ...
- جسد صغير مثقل بالحرب.. طفل مصاب بتلف دماغي في غزة يُصارع للب ...
- ألمانيا - دعاوى جديدة ضد تعليق البت في طلبات اللجوء عند الحد ...
- الفكر الريعي
- قادة مجموعة بريكس في ريو دي جانيرو لمواجهة سياسة دونالد ترام ...
- فيديو: أول ظهور علني للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي منذ ا ...
- هجوم مستوطنين مسلحين على بلدة بيتا جنوبي نابلس


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - فلسفة البساطة في زمن الازدحام النفسي