أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم السادس والأخير) الخاصية الانشطارية (اللامعيارية) : تعدد الانتماءات وتنوع الولاءات














المزيد.....

الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم السادس والأخير) الخاصية الانشطارية (اللامعيارية) : تعدد الانتماءات وتنوع الولاءات


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 09:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إذا ما جمعنا ما سبق من الخصائص المعيارية السالفة بعضها الى بعض ، فإن حصيلتها ستفضي الى خاصية أخرى مهمة توفرت عليها الشخصية العرقية ، ألا وهي الخاصية الانشطارية أو (اللامعيارية) . بمعنى أن اهتمامات الإنسان العراقي لا تنحصر في موقف واحد أو توجّه معين أو تصور محدد ، بحيث يمكنك الاستدلال على ما يعتقد فيه أو يعتمد عليه أو ينتمي إليه ، وإنما هو خليط من كل هذا وذاك بما يفضي الى التشويش والبلبلة . وربما هناك من يرى أن هذه الخاصية هي من الأمور الجيدة والايجابية التي ينبغي الدعوة لها والتشجيع عليها والانخراط فيها ، بدلا"من أن ينظر إليها بمنظار النقد والتجريح ، من منطلق ان ظاهرة (التعدد) و(التنوع) هي من المؤشرات الأساسية التي أضحت تدل على النضوج الفكري والتوازن النفسي والرقي الحضاري .
والحقيقة أنه لا تثريب على من يرى في ظاهرة (التعدد) و(التنوع) دليل عافية اجتماعية ونفسية وحضارية ، ولكن بشرط ألاّ تكون هذه الظاهرة على حساب القضايا (المعيارية) التي هي بمثابة الأسس والركائز التي يقوم عليها مدماك المجتمع وتحدد مآل مصيره ، وإلاّ فأنها ستتحول – عاجلا"أم آجلا"- الى عامل نشط من عوامل الاحتراب الاجتماعي والخراب الاقتصادي واليباب الحضاري . فهل أدلكم على نموذج أو تجربة تثبت لكم ذلك ؟! أنظروا الى حال المجتمع العراقي كيف تحولت ظواهر (التعدد) و(التنوع) في الأرومات القومية – الاثنية ، والانتماءات القبلية – العشائرية ، والمرجعيات الحضارية – الثقافية ، والانحدارات الجهوية – المناطقية . الى صواعق شديدة الانفجار أحالت كيان المجتمع العراقي الذي كان يظن يوما"أنه كالبنيان المرصوص ، الى شظايا متناثرة من الأقوام والملل والطوائف والمذاهب والقبائل والعشائر ، لا يجمعها جامع سوى الضغائن والأحقاد والكراهيات .
ولعل ما يجعل من الخاصية الانشطارية (اللامعيارية) التي تتميز بها الشخصية العراقية مصدرا"لتعميق الخلافات والانقسامات القائمة ، ومنبعا"لتزايد الكراهيات والصراعات ، هي أن هذه الشخصية تفتقر لحد الآن – رغم باع تاريخها الطويل – الى ما يلم شعثها ويرمم صدوعها ويجمع شملها ، على أساس سرديات تاريخية مشتركة ، ورمزيات وطنية موحدة ، وهويات حضارية واحدة . بحيث لا تمنحها فقط (المناعة) الفكرية والنفسية حيال شتى النعرات والعصبيات التي تعصف بها من كل صوب فحسب ، بل وكذلك تمنحها (الصلابة) الوطنية والحضارية إزاء مختلف المحاولات الرامية الى تكسير إرادتها وشق صفوفها وبعثرة وحدتها ، وهو الأمر الذي يفسر لنا سرّ استمرار معاناة ومكابدات هذه الشخصية من مظاهر (الهشاشة) البنيوية إزاء الصدمات ، و(الرثاثة) الحضارية إزاء التحديات .
ومما فاقم من مساوئ هذه الخاصية وعمق تداعياتها على صعيد الوعي والسلوك الجمعيين ، هو أن هذا (التفتت) في الانتماء و(التشتت) في الولاء ، اتسما – إن جاز لنا القول – بالطابع العابر للتاريخ (اللاتاريخي) . بمعنى أنهما لا يخضعان لسيرورات التحقيب الزمني التي من شأنها تأطير الظاهرة أو الموقف بناء على مقتضيات الحالة القائمة ، واستنادا"الى معطيات السياق السائد ، بحيث يجاريان ما يتعرض له الواقع من تغييرات وتحولات ، ويحايثان ما يطرأ عليه من تطورات انزياحات . وإنما يتخطيان حدود الملموس والمعيش في ذلك الواقع ، ويتجاوزان على شروطه الموضوعية ويتساميان فوق خصوصياته الذاتية . ولذلك فليس من المستغرب بقاء هذه الخاصية (اللامعيارية) لصيقة في كينونة الشخصية العراقية كما الظل ، رغم كل ما شهده المجتمع العراقي من تقلبات سياسية ، وتغيرات اجتماعية ، وتوجهات إيديولوجية ، وتحولات تاريخية .
وعلى الرغم من مزاعم (الإصلاح) و(التحديث) التي روجت لها أنظمة الحكم السابقة في العراق ، سواء منها (السلطانية) أو(الملكية) أو (الجمهورية) ، فإن تحولا"نوعيا"في بنى الوعي وأنساق الثقافة وتمثلات الذاكرة ، لم يطرأ على ما كان سائدا"فيها ومهيمنا"عليها منذ عشرات السنين إن لم تكن المئات أي تغيير أو تطور يذكر ، الأمر الذي دأبت خلالها أجيال العراقيين المتعاقبة على مراعاة ما كانت تحمله من مضامين ، والالتزام بما كانت تحضّ عليه من قيم ، والخضوع لما كانت تمثله من رموز . ولهذا فقد حافظ أغلب العراقيين بشكل لافت على عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم المتوارثة أبا"عن جد ، حيث كانوا حريصين على استمرارها وديمومتها لا في علاقاتهم الاجتماعية وتواضعاتهم العرفية فحسب ، وإنما اجتافوها في وعيهم وتمثلوها في سلوكهم أيضا"، كما لو أنها واجب أخلاقي لا يجوز التفريط فيه أو فرض ديني لا ينبغي التهاون بشأنه .
وكما هو متوقع في مثل هذه الوضعية المأزقية ، فقد لبثت الشخصية العراقية تعاني ليس فقط حالة (الازدواج) في مهاد وعيها وأنماط سلوكها ، كما سبق للعلامة الراحل (علي الوردي) أن شخصها في وقت مبكر ، وإنما الابتلاء ب(التشظي) في الانتماء و(التشتت) في الولاء ، بقدر ما تجسّد من ثقافات فرعية ، وتحمل من هويات تحتية . ولذلك نجد ان الإنسان العراقي يعيش في حالة من (السيولة) و(الهلامية) الدائمة ، بحيث يدهشك – في بعض الأحيان – حجم التناقض في مواقفه وعمق التعارض في تصرفاته ، حتى لتظن أنه يعيش في عدة أزمنة (ماضي وحاضر ومستقبل) ، ويقيم في عدة أمكنة (أرياف وقرى ومدن) ، وينتمي لعدة جماعات (طبقية وقبلية وعشائرية) ، ويحمل عدة هويات (دينية وطائفية ومذهبية) ، ويجتاف عدة إيديولوجيات (شيوعية وقومية وإسلامية) ، ويتبنى عدة ثقافات (فولكلورية وحداثية وما بعد حداثية) (الخ . والمفارقة أنه في كل هذا الكم الهائل من التناقضات والتعارضات والتقاطعات ، لا يجد هذا (الإنسان – اللغز) ما يبعث على الحرج في نفسه ، أو يثير الدهشة لدى الآخرين ، ذلك لأنه مقتنع تماما"ان ما يعتقده به من آراء وما يفعله سلوكيات ، لا يتعارض البتة مع ما هو سائد في مجتمع تآلف مع / وتواضع على ذات القيم والأعراف والتقاليد ، حيث (اللامعيارية) فضيلة عظمى ، و(اللامبدئية) امتياز كبير ! .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخصائص المعيارية للخصية العراقية (القسم الخامس) الخاصية الم ...
- انكفاء الوعي النقدي : من النسق (الثقافي) الى النسق (الايديول ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الرابع) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الثالث) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الثاني) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية : مدخل تمهيدي
- احتضار الثقافة في العراق : عزوف القارئ بعد كسوف المقروء !
- كيف نتصالح مع الماضي ونخوض تجربة النسيان ؟!
- لماذا تتعصب (الأقليات) في المجتمعات الانقسامية ؟!
- ما معنى القول ان (التاريخ يعيد نفسه) ؟!
- أوزار التراث في خطاب الحداثيين العرب : بين التجاهل والتحامل
- الثروة النفطية في أتون الصراعات السياسية بين المركز والإقليم
- (المدينة) كهدف لانتقام المعارضة من السلطة
- الجدليات السوسيولوجية .. تركيبية لا تفاضلية
- سبل تطور الوعي التاريخي بين مفهومي (الاستمرارية) و(السيرورة)
- ملاحظات حول مقال (لجان مناقشة الرسائل الجامعية ليست لجان إغا ...
- (البرودويلية) ومنهجية البحث في تاريخ العراق
- ماركس ومجتمعات ما قبل الكونوليالية - قراءة في كتاب (ماركس وم ...
- مثقفو الطوائف وفتوحات عصر الذكاء الاصطناعي !
- الخلفيات التاريخية ودورها في المسارات الاجتماعية


المزيد.....




- انتهاء الجلسة الأولى من المفاوضات بين حماس وإسرائيل دون اتفا ...
- بدء مفاوضات الدوحة لوقف إطلاق النار في غزة وترامب يتحدث عن - ...
- عاجل| الجيش الإسرائيلي: رصد صاروخ أطلق من اليمن باتجاه إسرائ ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تكساس إلى 78 قتيلا ومواصلة البحث ...
- لبنان: حزب الله يتمسك بسلاحه ويؤكد أن التهديدات الإسرائيلية ...
- قبل لقائه نتنياهو.. ترامب يعلق على اتفاق غزة المحتمل و-نووي ...
- إسرائيل تعلن استهداف موانئ يمنية ومحطة كهرباء ومواقع للحوثيي ...
- ترامب يصف تأسيس ماسك لحزب سياسي جديد بأنه -سخيف-
- عاجل| شهيدان ومصابون بقصف على منزل وسط مخيم البريج وسط غزة
- في كهف بالعراق.. غاز الميثان يقتل 5 جنود أتراك


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم السادس والأخير) الخاصية الانشطارية (اللامعيارية) : تعدد الانتماءات وتنوع الولاءات