أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مظهر محمد صالح - حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر














المزيد.....

حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 22:39
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في أزمنةٍ تتداخل فيها القيم، وتتصدّع فيها معايير التقدير الاجتماعي، يبقى الحوار الإنساني العميق هو ما يكشف معادن الشعوب، ويرسم ملامح مصير الحضارات.
أبكتني حكايةُ الأديب محمد رؤوف عن ابنة عامل النظافة العراقي التي أصبحت طبيبة ، لكنها ظلّت تحمل على كتفيها أوزار طبقةٍ لا ترحم.
في بلادنا، لا تعفيك الكفاءة من مرارة الأصل، ولا تضمن لك الشهاداتُ كرامةً ما دامت تُوَزَع وفق الأنساب لا الأحلام.
ذكّرتني هذه القصةُ بمشهدٍ من غربتي البعيدة، يوم كنت طالبًا في ويلز، غرب المملكة المتحدة، قبل أربعين عامًا.
كنت أبحث في مساءات نهاية الأسبوع عن شيء من الدفء، في مطاعم المدينة الجامعية الصغيرة المطلة على ساحل البحر.
لم يخطر ببالي يومها أن عامل نظافة شارعنا سيكون أحد أنبل من عرفت.
كان شابًا أنيقًا حين يخلع عن كتفه ثوب العمل، ويجلس بهدوء في ركن من حانة متواضعة (pub)، محاطًا بروّادها من أهل المدينة.
لم يكن بيننا تكلّف؛ تبدأ أحاديثنا من هموم الحياة اليومية، وتمتد إلى اقتصاد مارغريت تاتشر، وضيق البرامج الاجتماعية، وتقشف الدولة.
لم يكن يتذمّر، بل كان يتحدث بفخر عن راتبه، وعن الضمان الاجتماعي، وعن الحقوق التي يصونها له القانون.
أما أنا، فكنت أحدثه عن ضيق العيش كطالب مغترب، أحاول إكمال دراستي العليا بالقليل من الجنيهات، وأتدبّر شؤوني باقتصاديات طالبٍ عربي في بلادٍ كانت تبذر مواردها في حروب لا قيمة إنسانية لها.
كنا نبتسم بألم، ونُطبق أسماعنا ونحن نتطلع إلى ملامح مستقبلٍ في كلٍّ من بلاده.
كنت أنسى أنه عامل نظافة ، وهو ينسى أنه يُزيل قاذورات الآخرين.
كنا فقط إنسانَين يتقاسمان مساءً خفيفًا، ويصغيان للعالم دون أقنعة.
كنت، في لحظات حوارنا، أنسى هموم الدراسة، وهو ينسى هموم رفع القمامة.
التقينا في نقطة واحدة: الاحترام المتبادل، والجوهر الإنساني.
هناك، في ذلك المكان البعيد على شاطئ البحر الإيرلندي الشرقي، الهادئ الأمواج والقليل الدفء على مدار العام، فهمت الفرق:
ليس في المهنة، بل في نظرة المجتمع والقانون لها.
في بعض الأمم، تُورِث المهن ذلًّا. وفي أخرى، تُكسى بالعزّ.
هناك، أدركت أن الأمم لا تنهض إلا حين يعتزّ أبناؤها بأعمالهم، أياً كانت، ما دامت توفر لهم الكرامة والأمان.
فليس العمل هو ما يصنع الفارق، بل القيمة التي تمنحها له الدولة والمجتمع.
وعندها، عرفت يقينًا أن التمايز لا تصنعه المهن ولا العرق، بل تصنعه الأنظمة الاجتماعية التي تُهين الإنسان… أو ترفعه.

ومن تلك الأمسية الباردة، خرجت بإيمانٍ دافئ:
في عالمٍ تحفظ فيه القوانين كرامة عامل النظافة ، لا تبقى الكرامة غريبة عن أحد.
وبالمحتوى الإنساني، وحده، تتقدّم الأمم.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي
- وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية ...
- شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقاف ...
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...
- الامبريالية المالية و الماركنتالية الجديدة تحت راية واحدة : ...
- نهاية الحرب الروسية الاوكرانية:القطبية الثنائية وتجارة الصدا ...


المزيد.....




- على ارتفاع آلاف الأمتار.. شاهد بحرينية تقف على حافة صخرة نحي ...
- ترامب يلتقي نتنياهو في واشنطن أوائل الأسبوع المقبل، والجيش ا ...
- ما سر إقبال كبار السن على القنب؟
- الجزائر: حكم استئناف مرتقب الثلاثاء يحدد مصير الكاتب بوعلام ...
- وقف حرب إيران وإسرائيل بعيون الصحافة الأوروبية
- كان وسط النيران.. شاهد إنقاذ مُسن مُقعَد من حريق غابات في إز ...
- الشرطة البريطانية تبدأ تحقيقاً جنائياً في -الهتافات المعادية ...
- تركيا تكافح حرائق الغابات في ظل موجة حر تجتاح أوروبا
- بعد اجتماع نتنياهو ووزرائه.. حديث عن -صفقة جزئية- في غزة
- قراصنة مرتبطون بإيران يهددون بنشر -رسائل مساعدي ترامب-


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مظهر محمد صالح - حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر