أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الرابع) الخاصية النكوصية (الارتدادية) : الماضي يأسر الحاضر ويؤطر المستقبل














المزيد.....

الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الرابع) الخاصية النكوصية (الارتدادية) : الماضي يأسر الحاضر ويؤطر المستقبل


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 09:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ليس في تاريخ العراق الحديث والمعاصر ما يلفت انتباه الإنسان العراقي ويستحوذ على اهتمامه ؛ لا على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الحضاري أو الإنساني ، بحيث يشده الى الواقع المعاش ويغريه للانخراط في حراك المجتمع الملموس ، اللهم سوى النكبات المتكررة والويلات المتوالية التي باتت جزء من حياته منذ لحظة ولادته في أحضان البؤس والخوف والحرمان ، وحتى لحظة مماته في شتات الغربة النفسية ومنافي الضياع الوجودي . ولهذا نجده لا يعير اهتماما"كافيا" بما يجري في الزمن الحاضر ، بقدر ما يولي اهتمامه ما جرى في الزمن الماضي ، لذلك فهو دائم التطلع الى الوراء ومشدودا"الى ما وقع في التاريخ ببعديه (الواقعي) و(المتخيل) ، حاملا"في نفسه الملتاعة حنينا"جارفا"الى كل ما له صلة بالماضي الآفل .
ولعله من المناسب الإشارة الى أن ليس كل حالة (ارتداد) صوب (الماضي) تعدّ رجوعا"بالمعنى (النكوصي) السلبي ، إذ ان الكثير من شعوب العالم – حديثها وقديمها – مارست هذا الضرب من الاستعادة (للماضي) وتحيين أحداثه واستحضار وقائعه ، ليس بدافع (الحنين) المرضيي للأمجاد السالفة والاكتفاء بتأمل رموزها والتفاخر بانجازاتها ، وإنما بوازع من الاتعاض بدروسها والاستفادة من عبرها بقصد تجنب أخطائها وتلافي عيوبها . أما في حالة الإنسان العراقي فالماضي بالنسبة إليه ليس مجرد أحداث مضت ووقائع انقضت يستطيع استدعائها في اللحظات الحرجة والمنعطفات الحادة من حياته ، لتبين المسار الذي سلكته الظاهرة أو الواقعة المعنية ما بين لحظة التكوين ولحظة التمظهر ، ومن ثم الكشف عن الخلفيات والمرجعيات التي ساهمت منحها هذه الخاصية دون تلك ، وإماطة اللثام عن السيرورات والديناميات التي ساعدت على بروزها بهذا الظرف دون ذاك ، بما يجنبه الشطط في صياغة الأحكام المنطقية ويمنعه من الانحراف عن بلورة التقييمات الواقعية . وإنما هو يدرك الماضي لا بالمعنى (النسبي) الذي يعبر عن سيرورة من المحطات الزمنية المتعاقبة التي يفضي بعضها الى بعض عبر مسار تطوري متدرج قابل الى (التراجع) و(النكوص) ، بل هو يعيش الماضي بالمعنى (المطلق) والمفارق للواقع الذي يلمسه ويمارسه بشكل يومي ، بحيث يحيله الى مجرد (فكرة) مهيمنة على سيرورة (التاريخ) بكل انقطاعاته وملابساته فحسب ، و(رؤية) متحكمة بديناميات (المجتمع) بكل تناقضاته وصراعاته .
وفي الوقت الذي حولت فيه الأنظمة السياسية المتعاقبة في العراق (سلطانية – ثيوقراطية) ، و(ملكية – ارستقراطية) ، و(جمهورية - شمولية) ، حاضر الإنسان العراقية الى جحيم حقيقي يفتقر لأبسط شروط الحياة الإنسانية الكريمة ، لم تفتأ أجهزتها البيداغوجية والإيديولوجية المتفننة في شتى ضروب الخداع والتضليل ، من تزويق وتزوير (ماضيه) بمختلف أنواع (الاختلاقات) و(التلفيقات) ، بحيث يبقى مشدودا"الى تلك الحقب الأسطورية والخرافية (الطوباوية) ومتعلقا"بها من جهة ، وزاهدا"بما يجري في (حاضره) الفائض بالمآسي والطافح بالفواجع من جهة ثانية ، مثلما يجهل أو يتجاهل ما سيكون عليه شكل (مستقبله) في القادم من الأيام من نذر ومخاطر من جهة ثالثة . هذا بالطبع دون تفرط تلك الأنظمة باستثمار الأرصدة الاعتبارية الضخمة التي تتوفر عليها وتحتكم إليها الثقافات (الفولكلورية) الملئية بقصص الأبطال الخارقين وحكايات السلف العظام ، والتي غالبا"ما كانت (مؤسطرة) و(مؤمثلة) في العقل الجمعي العراقي الذي يمتاز بالطابع العاطفي والانفعالي . ولعل هذا يفسر لنا سرّ تهيب البعض من المؤرخين والباحثين ممن يتحلون بالواقعية في التحليل والموضوعية في التأويل ، من الخوض في غمار هذه (التابوات) المعطلة للعقل والمكبلة للإرادة على خلفية إحاطتها بالممنوعات الاجتماعية والمحرمات الدينية منذ قرون .
والمفارقة أنه كلما عظم شأن الخطب الذي يحيق بحياة الإنسان العراقي وهو يجابه التحديات اليومية على مختلف الصعد والمستويات ، كلما كان ميله لاستحضار (الماضي) بكل مناقبه ومثالبه ، فضائله ورذائله أقوى وأشدّ ، لا لكي يستقرأ الأحداث ويحلل المعطيات ويستخلص الدروس ويتعظ بالعبر ، وإنما لكي يحتكم إليه في جدالاته البيزنطية ويستنجد به في صراعاته الدونكيشوتية ، دون أن يراع الفوارق الزمنية والأبعاد المكانية التي تفصل ما بين العصور والحقب والمراحل ، وما تنطوي عليه من اختلافات جوهرية في ميادين السياسة وحقول الاجتماع ومضامير الاقتصاد وأنماط الثقافة وتضاريس الجغرافيا . وهو الأمر الذي كلفه الكثير من الكوارث والمآسي ليس أقلها اجترار أوهامه وتكرار أخطائه وتواتر معاناته ، للحدّ الذي أفقده حسّ الانتماء للواقع الذي يعيش والولاء للمجتمع الذي ينتمي ، وبالتالي حصاد المزيد من حالات (الاغتراب) و(الاستلاب) و(الضياع) و(الانخلاع) .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الثالث) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الثاني) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية : مدخل تمهيدي
- احتضار الثقافة في العراق : عزوف القارئ بعد كسوف المقروء !
- كيف نتصالح مع الماضي ونخوض تجربة النسيان ؟!
- لماذا تتعصب (الأقليات) في المجتمعات الانقسامية ؟!
- ما معنى القول ان (التاريخ يعيد نفسه) ؟!
- أوزار التراث في خطاب الحداثيين العرب : بين التجاهل والتحامل
- الثروة النفطية في أتون الصراعات السياسية بين المركز والإقليم
- (المدينة) كهدف لانتقام المعارضة من السلطة
- الجدليات السوسيولوجية .. تركيبية لا تفاضلية
- سبل تطور الوعي التاريخي بين مفهومي (الاستمرارية) و(السيرورة)
- ملاحظات حول مقال (لجان مناقشة الرسائل الجامعية ليست لجان إغا ...
- (البرودويلية) ومنهجية البحث في تاريخ العراق
- ماركس ومجتمعات ما قبل الكونوليالية - قراءة في كتاب (ماركس وم ...
- مثقفو الطوائف وفتوحات عصر الذكاء الاصطناعي !
- الخلفيات التاريخية ودورها في المسارات الاجتماعية
- مصائر الرأسمال الرمزي في عصر الرقمنة !
- الاصول الماركسية للتاريخ من أسفل
- اتهام موروثنا الأسطوري ومساءلة وعينا التاريخي : العبرة والاع ...


المزيد.....




- الدفاع القطرية تثير تفاعلا بفيديو اعتراض الباتريوت لصواريخ إ ...
- شاهد كيف علق مصطفى البرغوثي على إمكانية وجود قوة دولية في ال ...
- الإمارات.. السجن المؤبد للمطعون ضدهم في قضية -تنظيم العدالة ...
- الجيش الأميركي نفذ أكبر إطلاق باتريوت في تاريخه دفاعًا عن قا ...
- مؤسس -أمازون- يقيم حفل زفافه في البندقية وسط زغاريد واحتجاجا ...
- غزة: حين تصبح لقمة العيش مغمسة بالدم
- قمة الاتحاد الأوروبي تفرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا
- جامعة إيكس مرسيليا تتحول إلى ملاذ للعلماء الأمريكيين
- آنا وينتر تتنحى عن رئاسة تحرير مجلة فوغ بعد قرابة 40 عاما
- مواجهات عنيفة بين مستوطنين وفلسطينيين في الضفة الغربية


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الرابع) الخاصية النكوصية (الارتدادية) : الماضي يأسر الحاضر ويؤطر المستقبل