حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 15:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ هَلْ تُصْبِح اللِّيبْرَالِيَّة أَدَّاة لِهَيْمَنَة عِلْمِيَّةٍ؟
هَذَا التَّسَاؤُل يَطْرَحُ نُقْطَة جَوْهَرِيَّة وَمُهِمَّة لِلْغَايَة حَوْل التَّقَاطُع الْمُعَقَّد بَيْن الْفَلْسَفَةِ اللِّيبْرَالِيَّةِ، خَاصَّة جَانِبِهَا الِإقْتِصَادِيّ، وَالْعِلْم، وَتَأْثِيرُهِمَا عَلَى تَوْزِيعِ الْقُوَّة وَالْمَعْرِفَة عَالَمِيًّا. الْإِجَابَة الْمُخْتَصَرَة هِيَ نَعَمْ، يُمْكِنُ أَنْ تُسَاهِم اللِّيبْرَالِيَّة الِإقْتِصَادِيَّة فِي خَلْقِ شَكْلٍ مِنَ أشْكَال الْهَيْمَنَة الْعِلْمِيَّة وَ الْمَعْرُفِيَّة. هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ اللِّيبْرَالِيَّةَ بِطَبِيعَتِهَا شِرِّيرَة، بَلْ يُسَلَّطُ الضَّوْءَ عَلَى تَحَدِّيَاتُهَا الْكَامِنَةِ فِي عَالَمِ غَيْر مُتَكَافِئ.
1. الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الْمُوَجِّه بِالرِّبْح وَالسَّيْطَرَة: فِي ظِلِّ اللِّيبْرَالِيَّة الِإقْتِصَادِيَّة وَالرَّأْسِمَالِيَّة، يُشَجِّع الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُتَرْجِمَ إلَى إبْتِكَارُات مُرْبِحَة أَوْ يُعَزِّز الْقُدْرَة التَّنَافُسِيَّة لِلشَّرِكَات وَالدُّوَل. هَذَا التَّرْكِيزِ عَلَى الرِّبْحِ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى تَحْدِيدُ أَوْلَوِيَّات الْبَحْثُ. حَيْثُ تُصْبِحُ مَجَالَات الْبَحْث الَّتِي تُعَدُّ بِعَوَائِد إقْتِصَادِيَّة عَالِيَة مِثْل التِّكْنُولُوجْيَا الْحَيَوِيَّة، الْأَدْوِيَة، الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ، الطَّاقَةَ هِيَ الْأَكْثَرُ تَمُويلا وَ إهْتِمَامًا. فِي الْمُقَابِلِ، قَدْ تُهَمَش مَجَالَات بَحْثِيَّة أُخْرَى لَا تُقَدَّمُ رِبْحًا مُبَاشِرًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ أَهَمِّيَّة إجْتِمَاعِيَّة أَوْ بِيئِيَّة كُبْرَى. مِنْ جِهَةِ أُخْرَى يُطْرَح تَحَدَّي التَّحَكُّمِ فِي الْمِلْكِيَّةِ الْفِكْرِيَّة. الشَّرِكَات الْكُبْرَى، وَمُعْظَمُهَا يَنْتَمِي لِدُوَل لِيبْرَالِيَّة مُتَقَدِّمَة، تَسْتَثمر بِكَثْافة فِي الْبَحْثِ وَالتَّطْوِير، ثُمّ تُسَيْطِرُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ الْفِكْرِيَّة لِهَذِه الِإكْتِشَافَات. هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْطِيَهَا إحْتِكَارًا لِلْمَعْرِفَة وَالتِّقْنِيَّات، مِمَّا يُعِيقُ الدُّوَل الْأَقَلّ نُمُوًّا عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا أَوْ تَطْوِير بَدَائِلُهَا الْخَاصَّة.
2. خَلَق إسْتِعْمَار مَعْرِفِيّ جَدِيد: يُمْكِن لِتَرْكيز الْقُوَّةُ الْعِلْمِيَّة وَ الِإقْتِصَادِيَّة فِي الدُّوَلِ اللِّيبْرَالِيَّة الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ يُسْهَم بِالْفِعْلِ فِي مَا يُمْكِنُ تَسْمِيَتِه إسْتِعْمَارًا مَعْرِفِيًّا جَدِيدًا.
تَوْجِيه أَجْنَدات الْبَحْثُ فِي الدُّوَلِ الْأَقَلّ نُمُوًّا: غَالِبًا مَا تُصْبِح الْأَبْحَاثِ فِي الدُّوَلِ النَّامِيَة مُوَجَّهَة مِنْ قِبَلِ التَّمْوِيل وَ الِإهْتِمَامًات الْبَحْثَيْة لِلدُّوَل الْغَرْبِيَّةِ أَوْ الشَّرِكَات مُتَعَدِّدَة الْجِنْسَيْات. فَمَثَلًا، قَدْ تُرْكَز الْأَبْحَاث عَلَى أَمْرَاضٌ أَوْ مَحَاصِيل تَهُمّ الْأَسْوَاق الْغَرْبِيَّة، وَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ عَلَى التَّحَدِّيَاتِ الْمَحَلِّيَّة الْأَكْثَرَ إِلْحَاحًا لِتِلْك الدُّوَل. يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَخْدَمَ هَذِهِ الدُّوَلِ كَـمُخْتَبَرَاتْ لِإِجْرَاءِ تَجَارِب أَوْ جَمَعَ بَيَانَات تُفِيد الشَّرِكَات الْأَجْنَبِيَّة أَكْثَرَ مِمَّا تُفِيدُ الْمُجْتَمَعَات الْمَحَلِّيَّة.
تَصْرِيف الْعُقُول (Brain Drain): تُهَاجِرْ أَفْضَل الْعُقُولِ مِنْ الدُّوَل الْأَقَلّ نُمُوًّا إلَى الْمَرَاكِز الْبَحْثَيْة الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الدُّوَلِ اللِّيبْرَالِيَّة بَحْثًا عَنْ فُرَص أَفْضَلُ، مِمَّا يُجَرَّدُ بُلْدَانِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ الْكَفَاءَات اللَّازِمَة لِلتَّنْمِيَة الذَّاتِيَّة.
3. التَّقْلِيلَ مِنْ قِيمَةِ الْمَعَارِف التَّقْلِيدِيَّة أَوْ الْبَدِيلَة: هَذِه نُقْطَة حَسَّاسَة لِلْغَايَة. تُشَجِّع اللِّيبْرَالِيَّة، خَاصَّةً فِي سَعْيِهَا لِلتَّقَدُّم وَ الِإبْتِكَار، عَلَى الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ التَّجْرِيبِيّ.
الْهَيْمَنَةِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعِلْمِيَّة: تُحَدِّد الْمَعَايِير اللِّيبْرَالِيَّة الْغَرْبِيَّة غَالِبًا مَا يُعْتَبَرُ عِلْمِيًّا و شَرْعِيًّا فِي الْبَحْثِ. هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى تَهْمِيش أَوْ التَّقْلِيلِ مِنْ قِيمَةِ الْمَعَارِف التَّقْلِيدِيَّة، الْمَحَلِّيَّةُ، أَوْ الْبَدِيلَة مِثْل الطِّبِّ الشَّعْبِيِّ، الزِّرَاعَةِ التَّقْلِيدِيَّةِ، أَوْ الأَنْظِمَة البِيئِيَّة الْمَعْرِفِيَّة لِلشُّعُوب الْأَصْلِيَّة.
التَّحَيُّزُ لِلْمَنْهَج الْغَرْبِيّ: يُصْبِح الْمَنْهَج الْغَرْبِيّ لِلْبَحْث وَالتَّحَقُّق هُوَ الْمِعْيَارُ الذَّهَبِيّ الْوَحِيد، بَيْنَمَا تُعَدُّ الْمَعَارِف الْأُخْرَى غَيْرُ عِلْمِيَّةٍ أَوْ خُرَافِيَّة أَوْ غَيْرَ فَعَّالَة، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَدْ أَثْبَتَتْ فَعَّالِيَّتَهَا فِي سِيَاقَاتِهَا الثَّقَافِيَّة وَالبِيئِيَّة لِقُرُون. هَذَا يَفْقِد الْعَالِم تَنُوعا مَعْرِفِيًّا كَبِيرًا وَيُقَلِّلَ مِنْ فُرْصَةٍ الِإسْتِفَادَةِ مِنَ حُلُول مُخْتَلِفَة.
الِإبْتِكَار كَإمْتِلَاك: فِي هَذَا السِّيَاقِ، يُنْظَرُ إلَى الِإبْتِكَار غَالِبًا كَشَيْء يُكْتَشف وَيُسَجَّل بَرَاءَة إخْتِرَاعِه وَيُبَاع، وَلَيْس كَمَعْرِفَة تَرَاكُمِيَّة تُشَارِكُهَا الْمُجْتَمَعَات عَبَّر الأَجْيَال.
4. هَلْ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ مَحَايدا تَمَامًا فِي سِيَاقِ يُفَضِلُ هَيَاكِل قُوَّة مُعَيَّنَة؟ الْإِجَابَة بِبَسَاطَة لَا، الْعِلْمُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَايدا تَمَامًا فِي أَيِّ سِيَاق بَشَرِي، خَاصَّةً فِي ظِلِّ هَيَاكِل قُوَّة مُعَيَّنَة. تُحَدِّد مَصَادِرِ التَّمْوِيلِ الْحُكُومَات، الشَّرِكَات، الْمُؤَسَّسَات الْخَاصَّة بِشَكْلٍ كَبِيرٍ مَا يَتِمُّ بَحَثَه، وَكَيْف يَتِمّ بَحَثَهُ، وَمَنْ يَجْرِي الْبَحْث. كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ يُمَارَس مِنْ قِبَلِ بَشَر يَحْمِلُون قِيَّمًا، تَحِيزات، وَأَيْديولوجيات شَخْصِيَّةً وَثَقَافِيَّة. حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ يَسْعَى لِلْمَوْضُوعِيَّة، فَإِنْ إخْتِيَار الْأَسْئِلَة الْبَحْثَيْة، تَفْسِيرٌ النَّتَائِج، وَتَطْبِيقِهَا يَتَأَثَّر بِهَذِه الْعَوَامِل. نَاهِيكَ عَنِ الضَّغْطِ الِإقْتِصَادِيّ وَالسِّيَاسِيّ. فِي سِيَاقِ اللِّيبْرَالِيَّة الِإقْتِصَادِيَّة، يُمْكِن لِلضَّغْط مِنَ الشَّرِكَاتِ أَوْ الْمَصَالِحِ السِّيَاسِيَّة أَنْ يُؤَثِّرَ عَلَى إتِّجَاهَات الْبَحْثِ، أَوْ حَتَّى يُشَوِّه النَّتَائِج كَمَا فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ الْمُتَعَلِّقَة بِالصِّنَاعَات الْكُبْرَى. حَتَّى أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ نَفْسَهَا قَدْ تَتَأَثَّر بِالْقِيَم السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ اللِّيبْرَالِيَّة.
تَقَدَّمَ اللِّيبْرَالِيَّة، بِتَرْكيزها عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالْأَسْوَاق الْحُرَّة، بِيئَة يُمْكِنُ أَنْ تُسَرِعَ مِنْ وَتِيرَة الِإبْتِكَار الْعِلْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ. وَلَكِنْ فِي غِيَابِ آلِيَات قَوِيَّة لِلرِّقَابَة الْأَخْلَاقِيَّة، وَالْعَدَالَة الِإجْتِمَاعِيَّة، وَإِعَادَة تَوْزِيع الْمَعْرِفَةِ، يُمْكِنُ لِهَذِهِ الْبِيئَة أَنْ تُصْبِحَ أَدَّاة لِتَعْزِيز الْهَيْمَنَة الْعِلْمِيَّة وَالْمَعْرِفِيَّة لِلدُّوَل وَالشَّرِكَات الْقَوِيَّة، وَتُسْهِمُ فِي تَهْمِيش الْمَعَارِفِ الْبَدِيلَة، مِمَّا يُفَاقِمُ مِنْ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ عَالَمِيًّا وَيُقَوِّضُ التَّنَوُّع المَعْرِفِيّ الضَّرُورِيّ لِتَحَدِّيَات الْمُسْتَقْبَل. الْعِلْم، رَغْم سَعْيِه لِلْمَوْضُوعِيَّة، يَظَلُّ نَشَاطًا بَشَرِيَا يَتَأَثَّر بِالبِيئَة السِّيَاسِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ الَّتِي يَنْشَأُ فِيهَا.
_ الْعِلْم كَسُلْطَة جَدِيدَةٍ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ اللِّيبْرَالِيَّة: التَّحَدِّي وَ التَّعَامُل
أَحَدٌ أَبْرَز التَّحَدِّيَات الَّتِي تُوَاجِهُ الْمُجْتَمَعَات اللِّيبْرَالِيَّة الْحَدِيثَة، هُوَ كَيْفَ نُوَازِنُ بَيْنَ سُلّْطََة الْخُبَرَاء الْعِلْمِيَّيْن، الَّذِينَ يَمْلِكُونَ مَعْرِفَة مُتَّخَصِصَة وَحَاسِمَة، وَبَيْنَ الْمَبَادِئ الْأَسَاسِيَّة لِلدِّيمُقْرَاطِيَّة وَمُشَارَكَة الْمُوَاطِنِين؟ هَذِهِ الْمُعْضِلَةِ حَقِيقِيَّة وَ مُعَقَدَة، وَظَهَرَتْ بِوُضُوح فِي قَضَايَا مِثْل جَائِحَة كُوفِيد-19 وَ تَغَيُّر الْمُنَاخ.
كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمُجْتَمَع اللِّيبْرَالِيّ التَّعَامُلِ مَعَ سُلّْطَة الْخُبَرَاء الْعِلْمِيَّيْن؟ الْمُجْتَمَعُ اللِّيبْرَالِيّ، الَّذِي يَعْلِّي مِنْ شَأْنِ الحُرِّيَّات الْفَرْدِيَّة وَالدِّيمُقْرَاطِيَّة، يُوَاجِه هَذَا التَّحَدِّي بِعِدَّةِ طُرُقٍ، بَعْضِهَا مِثَالَيْ وَبَعْضُهَا يَتَطَلَّب تَطْوِيراً مُسْتَمِرًّا. يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْبَيَانَات وَالنَّتَائِج الْعِلْمِيَّة، وَكَذَلِك مِنْهُجِيَّات الْبَحْثُ، مُتَاحَة لِلْعَامَّة قَدْرِ الْإِمْكَانِ. هَذَا يُعَزِّز الثِّقَة وَيُمَكِن المُوَاطِنِينَ مِنْ فَهْمِ الْأَسَاسُ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ التَّوْصِيات. كَمَا أَنَّ مِنْ الضَّرُورِيّ لِلْخُبَرَاء إنْ يُوَضِّحُوا مَدَى الْيَقِينِ فِي إسْتِنْتَاجَاتِهِمْ. الْعِلْمُ يَتَطَوَّر بِإسْتِمْرَار، وَالنَّظَرِيَّات تَتَغَيَّر، لِذَا يَجِبُ الِإعْتِرَاف بِالشُّكُوك وَعَدَمُ تَقْدِيمِ الْعِلْمِ كَحَقِيقَة مُطْلَقَةً لَا تَقْبَلُ النَّقَّاش. كَمَا يَجِبُ تَجَنُّبُ الِإعْتِمَادُ عَلَى مَجْمُوعة وَاحِدَةٍ مِنْ الْخُبَرَاءِ. يَجِبُ أَنْ تَشْمَلَ الِإسْتِشْارَات مَجْمُوعَةً مُتَنَوِّعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَخْصِصَات مُخْتَلِفَةٌ وَمَنْ خَلْفِيَّات مُتَنَوِّعَة لِضَمَان رُؤْيَة شَامِلَة. وَالْأَخْذِ بِالِإعْتِبَار الْخِبْرَات الْمُتَعَدِّدَة الْأَوْجَه مِثْل الْخِبْرَة الِإقْتِصَادِيَّة، الِإجْتِمَاعِيَّة، الْأَخْلَاقِيَّة إلَى جَانِبِ الْخِبْرَة الْعِلْمِيَّة الْبَحْتَة عِنْد صِيَاغَة السِّيَاسَات. إلَى جَانِبِ تَعْزِيز التَّعْلِيم الْعِلْمِيّ وَمَهَارَات التَّفْكِير النَّقْدِيّ لَدَى الْمُوَاطِنِين. مُجْتَمَع مُطْلع يَسْتَطِيع تَقْيِيم الْمَعْلُومَات بِشَكْل أَفْضَل، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْعِلْمِ الزَّائِف وَالْحَقَائِق المَدْعُومَة بِالْأَدِلَّةِ. ثُمَّ تَشْجِيع النَّقَّاش الْعَامّ الْمُسْتَنِير حَوْلَ الْقَضَايَا الْعِلْمِيَّة الْمُعَقَّدَة، بَعِيدًا عَنْ الِإسْتِقْطاب السِّيَاسِيّ. إضَافَة إلَى إنْشَاءِ لِجَان إسْتِشَارِيَّة عِلْمِيَّة مُسْتَقِلَّة تُمَثِّلُ مَصَادِر مَوْثُوقَة لِلْمَعْلُومَات لِلْحُكُومَات. وَضَعَ إجْرَاءَات وَاضِحَة لِكَيْفِيَّة دَمْج الْمَشُورَة الْعِلْمِيَّةِ فِي عَمَلِيَّةِ صُنْعِ القَرَارِ السِّيَاسِيّ، مَعَ التَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّ الْقَرَارَ النِّهَائِيّ يَعُود لِلْمُمَثِلِيْن الْمُنْتَخَبِينَ.
هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُصْبِحَ الْعِلْمِ أَدَّاة لِلْإِقْصَاء أَوْ فَرْضَ الرَّأْي؟ نَعَمْ، لِلْأَسَف، هَذَا مُمْكِنٌ الْحُدُوث. رَغْمَ أَنَّ الْعِلْمَ يَسْعَى إلَى الْمَوْضُوعِيَّة وَالْحَقِيقَة، إلَّا أَنَّهُ، عِنْدَمَا يُدْمَجُ فِي السِّيَاقِ السِّيَاسِيِّ وَالِإجْتِمَاعِيِّ، يُمْكِنُ أَنْ يُسَاءَ إسْتِخْدَامُه. يُمْكِن لِلسِّيَاسَيِّين، أَوْ جَمَاعَات الْمَصَالِحُ، أَنْ يَنْتَقوا الْبَيَانَات الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تُدَعِّمُ أَجْنَدَاتِهِمْ، أَوْ يُضَخِّموا جَانِبًا مِنْ الْبَحْثِ وَيُهَمِشَوْا جَوَانِبَ أُخْرَى. هَذَا مَا يُصْطَلَحُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ الِإسْتِخْدَام
السِّيَاسِيّ لِلسُّلطَة الْعِلْمِيَّةِ. مِنَ جَانِب هُنَاكَ مَسْأَلَةَ دِكْتَاتُورِيَّة الْخُبَرَاء (Technocracy) حَيْثُ قَدْ تُؤَدِّي الثِّقَة الْمُفْرِطَةِ فِي الْخُبَرَاء إلَى تَهْمِيش آرَاء الْمُوَاطِنِين أَوْ الْمُنْتَخَبِين، بِحُجَّةِ أَنَّ الْعِلْمَ وَحْدَه يَمْتَلِك الْإِجَابَة. هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَلِّلَ مِنْ أَهَمِّيَّةِ النَّقَّاش الدِّيمُقْرَاطِيّ وَالْقَيِّمِ غَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ مِثْل الْعَدَالَةِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ، الْحُرِّيَّة الشَّخْصِيَّة. مِنْ جَانِبِ آخَرَ تُطْرَح مَسْأَلَة التَّعْقِيد وَغِيَاب الشَّفَّافِيَّة. وَ الَّتِي تُفَسَّرُ عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ. عِنْدَمَا تَكُونُ الْأَبْحَاثُ الْعِلْمِيَّةُ مُعَقَّدَة لِلْغَايَة وَغَيْر مَفْهُومَة لِلْعَامَّة، يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَخْدَمَ اللُّغَة الْعِلْمِيَّة كَأَدَاة لِلْإِقْصَاء، حَيْثُ يُقَالُ لِلْعَامَّة بِبَسَاطَة هَذَا عِلْمِي، لِذَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ قَبُولُهُ، دُونَ تَقْدِيمِ شَرْح كَافٍ أَوْ السَّمَاح بِالْمُسَاءَلَة. بِالْإِضَافَةِ إلَى التَّحَيُّز فِي الْبَحْثِ. وَ كَمَا نَاقَشْنَا سَابِقًا، قَدْ تَتَأَثَّر أَجْنَدات الْبَحْثُ الْعِلْمِيَّة بِالتَّمْوِيل وَالْمَصَالِح، مِمَّا يُؤَدِّي إلَى تَحَيُّزَات خَفِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تُقَدَّم لِلْجُمْهُور.
الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَالْقَرَار السِّيَاسِيُّ فِي مُجْتَمَعٍ لِيبْرَالِيّ؟ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ هِيَ تَفَاعُلٌ دَيْنٌاميكي وَتَوَازُن دَقِيق. الْعِلْمِ يُقَدَّمُ الْحَقَائِق وَالْخِيَارَات بِإعْتِبَار دُور الْعِلْمِ هُوَ تَوْفِير أَفْضَل فَهُمْ مُتَاح لِلْوَاقِع بِنَاءً عَلَى الْأَدِلَّةِ، وَتَقْدِيم الْأثَار الْمُحْتَمَلَة لِلْخِيَارِات الْمُخْتَلِفَةِ مِثْلُ إذَا فَعَلْنَا X، فَمَنْ الْمُرَجَّحُ أَنَّ تَحْدُث Y. الْعِلْم يُحَدِّد مَا هُوَ وَمَاذَا سَيَحْدُث. فِي نَفْسِ الْوَقْتِ تُحَدِّد السِّيَاسَة مَاذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ. الْقَرَار السِّيَاسِيّ هُوَ عَمَلِيَّةُ إخْتِيَارُ الْقِيِّمِ وَالْأَوَّلُوِيَّات الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَوَجَّهَ الْمُجْتَمَعُ. بِنَاءً عَلَى الْمَعْلُومَاتِ الْعِلْمِيَّة، يُقَرِّر السِّيَاسَيُّون وَ الْمَوَّاطِنُون مِنْ خِلالِهِمْ مَا هِيَ الْمَخَاطِر الْمَقْبُولَةُ، مَا هِيَ التَّكَالِيفِ الَّتِي يُمْكِنُ تَحَمُّلهَا، وَمَا هِيَ الْحُقُوقُ وَالْحُرِّيَّاتُ الَّتِي يَجِبُ حِمَايَتِهَا أَوْ تَقْيِيدُهَا. السِّيَاسَة تُحَدِّد مَاذَا يَجِبُ أَنْ نَفْعَلَ. يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ فَصْلٌ وَاضِحٌ بَيْنَ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الْمُوَجِّه بِالْفُضُول وَالْمِنْهَجِيَّة وَبَيْنَ صُنْعِ القَرَارِ السِّيَاسِيّ الْمُوَجِّه بِالْقِيَم وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. لَا يَنْبَغِي لِلسِّيَاسَيِّين إنْ يَمَلُّوا عَلَى الْعُلَمَاءِ نَتَائِجِهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْعُلَمَاء أَنْ يَتَّخِذُوا قَرَارَات سِيَاسِيَّة نِيَابَةً عَنْ الشِّعْب. لَكِنْ التَّفَاعُل حَتْمِيّ وَضَرُورِيّ. يَجِبُ أَنْ تَسْتَنِير الْقَرَارَات السِّيَاسِيَّة بِالْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة لِتَكُون فَعَّالَة وَمَسْؤُولَة، وَيَجِبُ أَنْ يُوَجَّهَ الْمُجْتَمَع الْأَسْئِلَةِ الَّتِي تُحَدِّدُ أَوْلَوِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ. يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ ثِقَة مُتَبَادَلَة بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ الْعِلْمِيّ وَصَانِعِيّ الْقَرَارُ وَالْجُمْهُور، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعُلَمَاء مَسْؤُولِين عَنْ دِقَّةٍ وَ شَفِافِيَة أَبْحَاثِهِمْ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ السِّيَاسَيُّون مَسْؤُولِين عَنْ كَيْفِيَّةِ إسْتِخْدَامِهِمْ لِلْمَعْلُومَات الْعِلْمِيَّةِ فِي خِدْمَةِ الصَّالِح الْعَامِّ.
إنْ دَمْج سُلْطَة الْعِلْمِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ اللِّيبْرَالِيَّة هُوَ عَمَلِيَّةُ مُعَقَّدَة تَتَطَلَّب يَقَظَة مُسْتَمِرَّة. بَيْنَمَا يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يُنِير طَرِيق السِّيَاسَات، فَمِنْ الضَّرُورِيِّ ضَمَانَ ألَّا يُصْبِح أَدَّاة لِلْقَمْع أَوِ الْإِقْصَاءُ. الْحِفَّاظُ عَلَى الْمَبَادِئ الدِّيمُقْرَاطِيَّة، وَتَعْزِيز التَّعْلِيم الْعَامّ، وَضَمَان الشَّفَّافِيَّة، هِيَ مَفَاتِيحُ الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ سُلْطَة الْخِبْرَة وَمُشَارَكَة الْمُوَاطِنِين.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟