أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الرُّؤْيَةِ اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-















المزيد.....



الرُّؤْيَةِ اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 18:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ مَاهِيَّةِ اللِّيبْرَالِيَّة

اللِّيبْرَالِيَّةُ هِيَ فَلْسَفَةُ سِيَاسِيَّة وَأَيْديولُوجِيَّة وَاسِعَةٌ النِّطَاق تُرْكَز بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ عَلَى قِيمَتَيْ الْحُرِّيَّةَ الْفَرْدِيَّةَ وَالْمُسَاوَاة. تُعَدُّ اللِّيبْرَالِيَّة وَاحِدَةٍ مِنْ أَكْثَرَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات السِّيَاسِيَّة تَأْثِيرًا فِي الْعَالَمِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ لَعِبَتْ دُورًا مُحَوَّريا فِي تَشْكِيلِ الأَنْظِمَة الدِّيمُقْرَاطِيَّة وَالِإقْتِصَادِيات الْحَدِيثَةِ.
الْمَبَادِئ الْأَسَاسِيَّة لِلِّيبِرَالِيَّة:
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَنَوُّعٍ التَّيَّارَات اللِّيبْرَالِيَّة، إلَّا أَنَّهَا تَشْتَرِكُ فِي عَدَدِ مَنْ الْمَبَادِئ الْأَسَاسِيَّة:
1. الفَرْدَانِيَّة (Individualism): تُؤْمِنُ اللِّيبْرَالِيَّة بِأَنَّ الْفَرْدَ هُوَ الْوَحْدَةُ الْأَسَاسِيَّةَ فِي الْمُجْتَمَعِ وَالْأَخْلَاق وَالسِّيَاسَة. تُعْطَى الْأَوْلَوِيَّة لِحُقُوق وَحُرِّيَّات الْفَرْدِ عَلَى حِسَابِ الْجَمَاعَةِ أَوْ الدَّوْلَة. يُنْظَرُ إلَى كُلِّ فَرْدٍ كَـغَايَةٌ فِي ذَاتِهِ يَمْتَلِك حُقُوقًا طَبِيعِيَّة وَغَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّصَرُّف، مِثْلَ الْحَقِّ فِي الْحَيَاةِ، الْحُرِّيَّة، وَالْمِلْكِيَّة.
2. الْحُرِّيَّةَ (Liberty/Freedom): هِيَ الْمَبْدَأ الْمَرْكَزِيّ فِي اللِّيبْرَالِيَّة. تُفْهَم الْحُرِّيَّةِ هُنَا بِمَعْنَاهَا السَّلْبِيّ وَالْإِيجَابِيّ.
الْحُرِّيَّةُ السَّلْبِيَّة تَعْنِي التَّحَرُّرِ مِنْ الْقُيُودِ الْخَارِجِيَّة وَالتَّدَخُّل الْحُكُومِيّ أَوْ الْمُجْتَمَعي فِي حَيَاةِ الْفَرْدِ مِثْل حُرِّيَّة التَّعْبِير، حُرِّيَّةُ الدِّينِ، حُرِّيَةُ الصَّحَافَةِ، حُرِّيَّة التَّجَمُّع.
الْحُرِّيَّة الْإِيجَابِيَّة فِي بَعْضِ التَّيَّارَات اللِّيبْرَالِيَّة خَاصَّة اللِّيبْرَالِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة، تَعْنِي إمْتِلَاك الْقُدْرَة وَالْفُرَص لِتَحْقِيق الذَّات، وَاَلَّتِي قَدْ تَتَطَلَّب بَعْض التَّدَخُّل الْحُكُومِيّ لِضَمَان التَّعْلِيم، الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ، أَوْ الْحِمَايَةِ الِإجْتِمَاعِيَّة.
الْحُرِّيَّةَ الْفَرْدِيَّةَ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً، بَلْ تَتَوَقَّفُ عِنْدَ حُدُودِ التَّعَدِّي عَلَى حُرِّيَّات الْآخَرِين.
3. الْمُسَاوَاة (Equality): تُؤْمِن اللِّيبْرَالِيَّة بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ، وَلَكِنْ تَفْسِيرُهَا لِلْمُسَاوَاة يَخْتَلِفُ بَيْنَ التَّيَّارَات.
الْمُسَاوَاةِ أَمَامَ الْقَانُونِ: الْمَبْدَأ الأَسَاسِيّ هُوَ أَنْ جَمِيعَ الْأَفْرَادِ مُتَسَاوُونَ فِي الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ أَمَامَ الْقَانُونِ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ عِرْقِهِمْ، جِنْسِهِمْ، دَيْنَهُمْ، أَوْ وَضْعِهِمْ الِإجْتِمَاعِيّ.
تَكَافُؤَ الْفُرَصِ: بَعْض التَّيَّارَات اللِّيبْرَالِيَّة تُرَكِّزُ عَلَى ضَرُورَةِ تَوْفِير فُرَص مُتَسَاوِيَة لِلْأَفْرَاد لِتَحْقِيق إمْكَانًاتُهُمْ، مِمَّا قَدْ يَتَطَلَّب تَدْخُلَا حُكُوميا لِتَقْلِيلِ الْفَوَارِق الِإجْتِمَاعِيَّة.
4. العَقْلَانِيَّة (Rationalism): تَعْلِي اللِّيبْرَالِيَّةُ مِنْ شَأْنِ الْعَقْلَ الْبَشَرِيَّ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّفْكِيرِ النَّقْدِيّ. تُشَجِّعُ عَلَى النَّقَّاش الْعَقْلَانِيّ، الْجَدَل الْحُرّ، وَالْبَحْثُ عَنْ الْحَقِيقَةِ مِنْ خِلَالِ الْمَنْطِق وَالْبُرْهَان، وَلَيْسَ مِنْ خِلَالِ التَّسْلِيم الْأَعْمَى لِلسُّلطَة أَوِ التَّقَالِيدِ.
5. التَّسَامُح (Tolerance): تَعْتَرِفْ اللِّيبْرَالِيَّة بِضَرُورَة التَّسَامُح مَعَ الْآرَاءِ وَالْمُعْتَقَدَات وَ الْمَمَارَسَات الْمُخْتَلِفَةِ، طَالَمَا أَنَّهَا لَا تَلْحَقُ الضَّرَر بِالْآخَرِين. هَذَا الْمَبْدَأِ أَسَاسِيّ لِحُرِّيَّة الدِّينِ وَالْفِكْرِ وَالتَّعْبِير.
6. الْحُكُومَة الْمَحْدُودَة (Limited Government): تُعَارِضُ اللِّيبْرَالِيَّة الْحُكُومَة الْمُطَلَّقَةُ أَوْ الشُّمُولِيَّة. تُفَضِلُ حُكُومَةَ ذَاتِ سُلُطَات مَحْدُودَة وَمُقَيَّدَة بِمُوجِب دُسْتُور وَقَوَانِين وَاضِحَة لِحِمَايَة الحُرِّيَّات الْفَرْدِيَّة وَمَنَع الِإسْتِبْدَاد
تُدَعِّم اللِّيبْرَالِيَّة فَصْل السُّلُطَات التَّشْرِيعِيَّة، التَّنْفِيذية، الْقَضَائِيَّةِ لِضَمَانِ عَدَمِ تَرَكُز الْقُوَّةِ فِي يَدِ وَاحِدَة.
7. الدِّيمُقْرَاطِيَّة (Democracy): تُعَدُّ الدِّيمُقْرَاطِيَّة خَاصَّة الدِّيمُقْرَاطِيَّة الدُّسْتُورِيَّة التَّمْثِيلِيَّة الشَّكْل الْمُفَضَّل لِلْحُكْم لَدَى اللِّيبْرَالِيِّين، لِأَنَّهَا تَوَفُّر إلَيْه لِمُسْاءَلَة الْحُكُومَةُ، وَحِمَايَة حُقُوق الْأَقَلِّيَّات، وَتَمْكِين الْأَفْرَادِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي صُنْعِ القَرَارِ.
8. إقْتِصَادٌ السُّوق الْحُرّ (Free Market Economy): تُؤَيِّد اللِّيبْرَالِيَّة الِإقْتِصَادِيَّة وَهِيَ جُزْءُ مَنْ اللِّيبْرَالِيَّة بِشَكْلٍ عَامٍّ مَبْدَأ السُّوق الْحُرِّ، حَيْثُ تُحَدِّد الْأَسْعَار وَالْإِنْتَاج بِوَاسِطَة الْعَفَاعِل بَيْنَ الْعَرْضِ وَالطَّلَبِ، مَعَ تَدْخُلُ حُكُومِيّ مَحْدُود. يُعْتَقَدُ أَنَّ هَذَا يُحَفِزُ الْكَفَاءَة وَالِإبْتِكَار. هَذَا الْجَانِبِ يَتَشَارَكُ مَعَ الرَّأْسِمَالِيَّة.
تَطَوُّر اللِّيبْرَالِيَّة وَتَيَارَاتِهَا: اللِّيبْرَالِيَّة لَيْسَتْ كُتْلَة وَاحِدَةٍ، بَلْ تَطَوَّرَتْ عَبْرَ التَّارِيخِ وَظَهَرَتْ مِنْهَا تَيَّارَات مُخْتَلِفَة.
اللِّيبْرَالِيَّة الْكَلاَسِيكِيَّة: نَشَأَتْ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ مَعَ مُفَكِّرِين مِثْل جُونُ لُوكَ وَآدَم سِمِيث. رَكَزَتْ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى الْحُرِّيَّةِ السَّلْبِيَّة، وَحِمَايَة حُقُوق الْمِلْكِيَّةَ الْفَرْدِيَّةَ، وَ دُور مَحْدُود جِدًّا لِلْحُكُومَة (دَوْلَة الْحَارِس اللَّيْلِيّ).
اللِّيبْرَالِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة الْحَدِيثَة: ظَهَرَتْ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ وَأَوَائِلُ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ كَرَدِّ فِعْلٍ عَلَى مُشْكِلَاتِ الرَّأْسِمَالِيَّة الصِّنَاعِيَّة. الْفَقْر، عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. تُؤْمِن بِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ دُون تَوْفِير فُرَص حَقِيقِيَّة، مِمَّا يَتَطَلَّب تَدْخُلَا حُكُوميا أَكْبَرُ فِي مَجَالَاتِ مِثْلِ التَّعْلِيمِ، الصِّحَّة، وَ الرِّعَايَة الِإجْتِمَاعِيَّة لِضَمَان تَكَافُؤَ الْفُرَصِ وَحِمَايَة الْفِئَات الضَّعِيفَة.
اللِّيبْرَالِيَّة الْجَدِيدَة (النَّيولِّيبْرَالِيَّة): بَرَزَتْ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، وَتُعْتَبَر عَوْدَة لِبَعْض مَبَادِئ اللِّيبْرَالِيَّة الْكَلاَسِيكِيَّة، مَعَ التَّرْكِيزِ عَلَى تَحْرِيرِ الْأَسْوَاق، تَقْلِيصِ دَوْرِ الدَّوْلَةِ فِي الِإقْتِصَادِ، وَالخَصْخَصَة.
تَأْثِيرِ اللِّيبْرَالِيَّة:
لَعِبَتْ اللِّيبْرَالِيَّة دُورًا حَاسِمًا فِي:
* صِيَاغَةِ الدَّسَاتِير الْحَدِيثَة وَحُقُوق الْإِنْسَان.
* نَشْأَة الدِّيمُقْرَاطِيَّات الْغَرْبِيَّة وَإنْتِشَارِهَا.
* تَطَوُّر إقْتِصَادِات السُّوق.
* الدِّفَاعِ عَنْ حُرِّيَّةٍ الْفِكْر وَالتَّعْبِير وَالتَّسَامُح الدِّينِيّ.
بِإخْتِصَارٍ، اللِّيبْرَالِيَّةُ هِيَ فَلْسَفَةُ تَعْلِي مِنْ شَأْنِ الْفَرْدِ، حُرِّيَّتِه، وَ مُسَاوَاتِه، وَتُطَالِب بِحُكُومَة مَحْدُودَة وَدِيمُقْرَاطِيَّة تُحْمي هَذِهِ الْحُقُوقِ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَنَوُّع تَطْبِيقَاتِهَا وَتَفْسِيرُاتِهَا، إلَّا أَنْ هَذِهِ الْمَبَادِئِ الْأَسَاسِيَّة تَظَلّ مِحْوَر الْفِكْر اللِّيبْرَالِيّ.

_ تَسَاؤُلَات فَلْسَفِيَّة حَوْل العَلَاقَةِ بَيْنَ اللِّيبْرَالِيَّة وَالعِلْمِ وَ الأَخْلَاقِ

تُقَدَّمَ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ اللِّيبْرَالِيَّة كَفَلْسَفَة سِيَاسِيَّة وَإقْتِصَادِيَّة، وَ الْعِلْم كَمَنْهج مَعْرِفِيّ، وَالْأَخْلَاق كَمَنْظُومَة قِيَمِيَّةٌ مَجْمُوعَة مُعَقَّدَة مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ الْفَلْسَفِيَّة. هَذِهِ الْعَلَاقَةِ لَيْسَتْ ثَابِتَةً، بَلْ تَتَطَوَّر وَتُعِيد تَعْرِيف نَفْسِهَا بِإسْتِمْرَار، خَاصَّةً فِي ظِلِّ التَّحَدِّيَات الْحَدِيثَة.
1. اللِّيبْرَالِيَّة وَالْعِلْم: الْحُرِّيَّة الْمَعْرِفِيَّة مُقَابِل السَّيْطَرَة؟
تُعْلِي اللِّيبْرَالِيَّةُ مِنْ شَأْنِ الْحُرِّيَّةِ الْفَرْدِيَّة، بِمَا فِي ذَلِكَ حُرِّيَّةَ الْفِكْرِ وَ الْبَحْث الْعِلْمِيّ. لَكِنَّ هَذَا الِإرْتِبَاطَ يُثِير تَسَاؤُلَات فَلْسَفِيَّة عَمِيقَة. هَلْ حُرِّيَّة الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ مُطْلَقَةً فِي ظِلِّ اللِّيبْرَالِيَّة؟ اللِّيبْرَالِيَّة تُدَافِعُ عَنْ حُرِّيَّةٍ التَّعْبِير وَالْبَحْث. لَكِنْ هَلْ هَذَا يَعْنِي أَنَّ أَيَّ بَحْثٍ عِلْمِيٍّ، مَهْمَا كَانَتِ نَتَائِجِه الْمُحْتَمَلَة أَوْ تَطْبِيقًاتِه الْأَخْلَاقِيَّة، يَجِبُ أَنْ يُسْمَحَ بِه؟ مَا هِيَ الحُدُودُ الْأَخْلَاقِيَّة لِلْبَحْث الْعِلْمِيِّ فِي مُجْتَمَعٍ لِيبْرَالِيّ؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ رِقَابَة أَوْ تَوْجِيه عَلَى الْأَبْحَاثِ الَّتِي قَدْ تُنْتِجُ أَسْلِحَة بَيُولُوجِيَّة أَوْ تُؤَثِّرُ عَلَى التَّكْوِينِ الْجِينِيّ الْبَشَرِيّ بِطُرُق غَيْر مَسْؤُولَة، أَوْ تَنْتَهِك خُصُوصِيَّة الْأَفْرَاد؟ كَيْفَ يُمْكِنُ المُوَازَنَةِ بَيْنَ دَافِع الْفُضُول الْعِلْمِيّ وَ مَسْؤُولِيَّة الْحُفَّاظُ عَلَى الْمُجْتَمَعِ؟
هَلْ تُصْبِح اللِّيبْرَالِيَّة أَدَّاة لِهَيْمَنَة عِلْمِيَّةٍ؟ فِي ظِلِّ اللِّيبْرَالِيَّة الِإقْتِصَادِيَّة، غَالِبًا مَا يُشَجِّع الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الَّذِي يَخْدُمُ الْأَهْدَاف التِّجَارِيَّة وَالرِّبْحُيَّة (الرَّأْسِمَالِيَّةُ). هَلْ تُسَاهِم اللِّيبْرَالِيَّةُ فِي خَلْقِ إسْتِعْمَار مَعْرِفِيّ جَدِيدٍ، حَيْثُ تَوَجَّهَ أَجْنَدات الْبَحْثُ الْعِلْمِيِّ فِي الدُّوَلِ الْأَقَلّ نُمُوًّا لِخِدْمَة مَصَالِح الشَّرِكَات الْكُبْرَى أَوْ الدُّوَل اللِّيبْرَالِيَّة الْمُتَقَدِّمَةِ؟ هَلْ تُقَلِّل مِنْ قِيمَةِ الْمَعَارِف التَّقْلِيدِيَّة أَوْ الْبَدِيلَة بِحُجَّة العِلْمِيَّةِ الَّتِي تُحَدِّدُهَا الْمَعَايِير اللِّيبْرَالِيَّة الْغَرْبِيَّة؟ هَلْ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ مَحَايدا تَمَامًا فِي سِيَاقِ يُفَضِلُ هَيَاكِل قُوَّة مُعَيَّنَة؟
الْعِلْم كَسُلْطَة جَدِيدَةً فِي الْمُجْتَمَعَاتِ اللِّيبْرَالِيَّة: مَعَ تَزَايُدِ دُور الْعِلْمِ فِي تَوْجِيهِ السِّيَاسَات مِثْل الصِّحَّة الْعَامَّة، تَغَيُّرِ المُنَاخِ، تُمْنَحُ الْخِبْرَة الْعِلْمِيَّة سُلْطَة كَبِيرَةً فِي الْمُجْتَمَعَاتِ اللِّيبْرَالِيَّة.
السُّؤَالُ هُنَا كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمُجْتَمَع اللِّيبْرَالِيّ، الَّذِي يَعْلِي مِنْ شَأْنِ الدِّيمُقْرَاطِيَّة وَمُشَارَكَة الْمُوَاطِنِين، أَنْ يَتَعَامَلَ مَعَ سُلْطَة الْخُبَرَاء الْعِلْمِيَّيْن؟ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُصْبِحَ الْعِلْمِ أَدَّاة لِلْإِقْصَاء أَوْ فَرْضَ الرَّأْيِ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِإسْمِ الْحَقِيقَةِ الْعِلْمِيَّة؟ مَا هِيَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَالْقَرَار السِّيَاسِيُّ فِي مُجْتَمَعٍ لِيبْرَالِيّ؟
2. اللِّيبْرَالِيَّة وَالْأَخْلَاق: صِرَاعٌ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ وَالْقَيِّم الْمُشْتَرَكَة؟
تُعْلِي اللِّيبْرَالِيَّةُ مِنْ قِيمَةِ الحُرِّيَّةَ الفَرْدِيَّةَ، لَكِنَّ هَذَا يُثِير تَسَاؤُلَات حَوْلَ كَيْفِيَّةِ بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ يُحَافِظُ عَلَى قَيِّمِ أَخْلَاقِيَّة مُشْتَرَكَة. تُشَدِّد اللِّيبْرَالِيَّةُ عَلَى حَقِّ الْفَرْدِ فِي إخْتِيَارِ قِيَّمِه وَ مُعْتَقَدَاتِه. التَّسَاؤُل الْفَلْسَفِيّ هُنَا ؟ إذَا كَانَ لِكُلِّ فَرْدٍ الْحَقُّ فِي تَحْدِيدِ الْخَيْرِ لِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمُجْتَمَع اللِّيبْرَالِيّ أَنْ يُحَدِّدَ قَيِّمًا أَخْلَاقِيَّة مُشْتَرَكَة ضَرُورِيَّة لِلتِّمَاسُك الِإجْتِمَاعِيِّ؟ هَلْ تُؤَدَّي اللِّيبْرَالِيَّة الْمُفْرِطَة إلَى نِسْبِيَّة أَخْلَاقِيَّة تُهَدِّد أُسِّس الْأَخْلَاق الْعَامَّةِ، حَيْثُ يُصْبِحُ كُلَّ شَيْءٍ مُبَاحًا طَالَمَا لَا يُلْحِقُ ضَرَرًا مُبَاشِرًا بِالْآخَر؟
الْأَخْلَاقِ فِي ظِلِّ إقْتِصَاد السُّوق اللِّيبْرَالِيّ: تُدَافِع اللِّيبْرَالِيَّة الِإقْتِصَادِيَّة عَنْ الْأَسْوَاقِ الْحُرَّةِ الَّتِي تُعَزُّز الْمُنَافَسَة وَدَافَع الرِّبْحِ. السُّؤَالُ الَّذِي يَطْرَحُ نَفْسِه. هَلْ تُعَزِّزُ آلِيَات السُّوقُ الْحُرَّةُ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ مِثْل الْعَدَالَةِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ، التَّضَامُن، وَ الْإِنْصَاف؟ أَمْ إِنَّهَا قَدْ تُؤَدِّي إلَى تَفَاقُمِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ، وَتُعْلِي مِنْ شَأْنِ الرِّبْحِ عَلَى حِسَابِ الْأَخْلَاق، وَتُشَجَّعْ عَلَى مُمَارَسَات لَا أَخْلَاقِيَّة تُصَنفُ فِي نِطَاقِ الْمَعَايِير الْمُزْدَوِجَة بِهَدَف السَّعْيِ وَرَاءَ الثَّرْوَة؟ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمُجْتَمَع اللِّيبْرَالِيّ أَنْ يَضَمِّنَ إنْ حِمَايَةِ المِلْكِيَّةِ الْفَرْدِيَّة لَا تَتَعَارَضُ مَعَ الْعَدَالَةِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ؟
دُورٌ الدَّوْلَةِ فِي فَرْضٍ الْأَخْلَاق: تُعَارِضُ اللِّيبْرَالِيَّة بِشَكْلٍ عَامٍّ تَدَخُّلَ الدَّوْلَةِ فِي حَيَاةِ الْأَفْرَادِ الشَّخْصِيَّة. لَكِنْ مَا هُوَ الدَّوْرُ الْأَخْلَاقِيّ لِلْحُكُومَة اللِّيبْرَالِيَّة؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ تَتَدَخَّل الدَّوْلَة لِفَرْض مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة مُعَيَّنَةٍ مِثْلُ حِمَايَة الْبِيئَة، حُقُوقِ الْحَيَوَانِ، الْقَيِّم العَائِلِيَّة حَتَّى لَوْ تَعَارَضَتْ مَعَ حُرِّيَّات فَرْدِيَّة مُعَيَّنَة؟ أَيْنَ يَقَعُ الْخَطّ الْفَاصِلِ بَيْنَ حِمَايَةُ الحُرِّيَّاتِ الْفَرْدِيَّة وَ ضَمَان مُجْتَمَع أَخْلَاقِيّ وَمُسْتَدَام؟
3. التَّسَاؤُلَات المُتَدَاخِلَة: العِلْم، الأَخْلَاق، وَاللِّيبْرَالِيَّة فِي سِيَاقِ وَاحِد
تُصْبِحُ التَّسَاؤُلَات أَكْثَر تَعْقِيدًا عِنْد دَمْج الجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ. هَلْ تُقَدَّم اللِّيبْرَالِيَّة إِطَارًا أَخْلَاقِيًّا كَافِيًا لِتَوْجِيه التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ؟ الْعِلْمِ يُقَدَّمُ لَنَا الْقُدْرَةِ عَلَى فِعْلِ أَشْيَاءَ لَمْ نَكُنْ نَتَّخَيَلُهَا مِثْلُ الْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة، الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ. إذْنٍ هَلْ الْمَبَادِئ اللِّيبْرَالِيَّة الْكَلاَسِيكِيَّة كَالْحُرِّيَّةِ الْفَرْدِيَّة وَحِمَايَة الْمِلْكِيَّة كَافِيَة لِتَوْجِيهِ هَذِهِ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ السَّرِيعَة؟ هَلْ نَحْتَاجُ إلَى إِطَار أَخْلَاقِيّ أَوْسَع، يَتَجَاوَز اللِّيبْرَالِيَّة، لِضَمَان إسْتِخْدَام الْعِلْم بِطُرُق مَسْؤُولَة تُفِيد الْبَشَرِيَّة جَمْعَاء، بَدَلًا مِنْ أَنَّ تُسْهِمُ فِي تَفَاقُم عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ أَوْ تَهْدِيدٍ وُجُودُنَا؟
. تَحْدِي الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة بِالْعِلْم تَحْتَ مِظَلَّةِ اللِّيبْرَالِيَّة: الْعِلْمِ قَدْ يُقَدَّمُ رُؤى جَدِيدَة تُشَكَّكَ فِي مَفَاهِيمِ أَخْلَاقِيَّة تَقْلِيدِيَّة مِثْل طَبِيعَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، الْجِنْس، الْهُوِيَّة. اللِّيبْرَالِيَّة، بِتَرْكيزها عَلَى حُرِّيَّةِ الْفِكْر، قَدْ تُشَجِّع هَذَا التَّحَدِّي. بِالتَّالِي كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمُجْتَمَع اللِّيبْرَالِيّ أَنْ يَتَعَامَلَ مَعَ الصِّرَاعَات بَيْنَ الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة وَالنَّتَائِج الْعِلْمِيَّة الْجَدِيدَة؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ اللِّيبْرَالِيَّة مَرِنَّة بِمَا يَكْفِي لِإسْتِيعَاب التَّغَيُّرَات الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَفْرِضُهَا الْعِلْمِ، أَمْ أَنَّ هُنَاكَ قَيِّمًا أَخْلَاقِيَّة أَسَاسِيَّةٌ يَجِبُ أَنْ تَظَلَّ ثَابِتَة؟
مِنْ يُحَدِّد التَّقَدُّمِ فِي مُجْتَمَعٍ لِيبْرَالِيّ مَدْفُوعٌ بِالْعِلْمِ؟ إذَا كَانَ الْعِلْمُ هُوَ مُحَرِّكَ التَّقَدُّم، و اللِّيبْرَالِيَّةُ هِيَ الْإِطَار السِّيَاسِيّ، فَمَنْ يُحَدِّد مَا هُوَ التَّقَدُّمُ؟ هَلْ هُوَ التَّقَدُّمُ الِإقْتِصَادِيّ فَقَطْ، أَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْمَلَ التَّقَدُّم الِإجْتِمَاعِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ وَالْبِيئَي؟ هَلْ تُسَاهِم اللِّيبْرَالِيَّةُ فِي تَعْرِيفِ التَّقَدُّم بِمَعْايِير مَادِّيَّةٌ بَحْتَةٌ عَلَى حِسَابِ الْأبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّةُ وَالِأجْتِمَاعِيَّةُ لِلْحَيَاة؟
إنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ اللِّيبْرَالِيَّة وَالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَسْأَلَة سِيَاسَات، بَلْ هِيَ فِي صَمِيمها سِلْسِلَةُ مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ الْفَلْسَفِيَّة الْوُجُودِيَّة. هَذِهِ التَّسَاؤُلَاتِ تُجْبِرُنَا عَلَى إعَادَةِ التَّفْكِيرِ فِي حُدُودِ الْحُرِّيَّة، مَسْؤُولِيَّة الْمَعْرِفَة، وَمَعَايِير الْأَخْلَاقِ فِي عَالَمِ يَتَغَيَّرُ بِسُرْعَةِ. فَهْمِ هَذِهِ الْإِشْكَالِيَّات ضَرُورِيّ لِضَمَانٍ إنْ تَظَلّ اللِّيبْرَالِيَّة قَادِرَةً عَلَى التَّطَوُّرِ وَإِنْ تُسْهِمُ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَات أَكْثَر عَدْلًا، حِكْمَة، وَإسْتِدَامَة.

_ حُرِّيَّةِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ فِي اللِّيبْرَالِيَّة: بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمَسْؤُولِيَّة

تَعْلِي اللِّيبْرَالِيَّةُ مِنْ قِيمَةِ الْحُرِّيَّةَ الْفَرْدِيَّةَ، وَحُرِّيَّة الْفِكْر وَ الْبَحْث الْعِلْمِيّ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ هَذِهِ الْقِيمَةِ. وَلَكِنْ، هَلْ حُرِّيَّة الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ مُطْلَقَةً فِي ظِلِّ اللِّيبْرَالِيَّة؟ الْإِجَابَة بِبَسَاطَة هِيَ لَا. اللِّيبْرَالِيَّة، بِجَمِيع تَيَّارَاتِهَا، تُدْرَكُ أَنْ الحُرِّيَّات لَيْسَتْ مُطْلَقَةً بِلَا قُيُودٍ، بَلْ تَتَوَقَّفُ عِنْدَ نُقْطَةٍ الْبَدْءِ فِي إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْآخَرِينَ أَوْ تَهْدِيدٍ إسْتِقْرَار الْمُجْتَمَع.
هَلْ يَجِبُ السَّمَاحِ بِأَيِّ بَحْثٍ عِلْمِيٍّ مَهْمَا كَانَتْ نَتَائِجُهُ؟ الْقَاعِدَةَ الْأَسَاسِيَّةَ فِي الْفَلْسَفَةِ اللِّيبْرَالِيَّةِ هِيَ مَبْدَأُ الضَّرَرِ (Harm Principle) الَّذِي صَاغَه الْفَيْلَسُوف اللِّيبْرَالِيّ جَوْن سِتِّيوَأَرَتّ مِيلٌ. يَنُصُّ هَذَا الْمَبْدَأِ عَلَى أَنَّ الْغَايَةَ الْوَحِيدَةُ الَّتِي يُمْكِنُ لِأَجْلِهَا مُمَارَسَة السُّلْطَة بِشَكْل شَرْعِيٍّ عَلَى أَيِّ فَرْدٍ فِي مُجْتَمَعٍ مُتَحَضر، ضِدُّ إرَادَتْهُ، هِيَ مَنْعُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْآخَرِين.
بِنَاءً عَلَى هَذَا الْمَبْدَأِ. إذَا كَانَ الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ، بِتَطْبِيقِاته أَوْ حَتَّى مُجَرَّد نَتَائِجِه الْمُحْتَمَلَة، يُشْكِل تَهْدِيدًا وَاضِحًا وَمُبَاشِرًا لِلضَّرَر الْجَسَدِيّ، النَّفْسِيّ، البِيئِيّ، أَوْ الِإجْتِمَاعِيّ لِلْآخَرِين أَوْ لِلْمُجْتَمَع كَكُلّ، فَإِنَّ اللِّيبْرَالِيَّةَ تُبَرِّرُ وَضَع قُيُود عَلَيْه. اللِّيبْرَالِيَّة تُدَافِعُ عَنْ حُرِّيَّةٍ الْبَحْثِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَعْرِفَة، وَلَكِنَّهَا لَا تَدَافُعَ عَنْ حُرِّيَّةٍ الْعَمَلَ غَيْرُ الْمَسْؤُول أَوْ التَّسَبُّبِ فِي أَذًى.
الْحُدُودُ الْأَخْلَاقِيَّة لِلْبَحْث الْعِلْمِيِّ فِي مُجْتَمَعٍ لِيبْرَالِيّ.
تَحَدُّدِ اللِّيبْرَالِيَّة هَذِهِ الْحُدُودِ مِنْ خِلَالِ عِدَّةِ إعْتِبَارَات أَخْلَاقِيَّة.
1. مَنْعُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْآخَرِين. هَذَا هُوَ الْمِعْيَارُ الْأَهَمّ. إذَا كَانَ الْبَحْثُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى إنْتَاجِ أَسْلِحَة بَيُولُوجِيَّة أَوْ كِيمْيَائِيَّة الَّتِي تُهَدِّدُ حَيَاة أَعْدَاد كَبِيرَةٌ مِنْ الْبَشَرِ. أَوْ التَّأْثِيرُ عَلَى التَّكْوِينِ الْجِينِيّ الْبَشَرِيّ بِطُرُق غَيْر مَسْؤُولَة مِثْل التَّلَاعُب بِالْجِينَوم الْبَشَرِيِّ بِطُرُق قَدْ تُؤَدِّي إلَى عَوَاقِب غَيْر مُتَوَقَّعَة أَوْ تُثِير إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة عَمِيقَة حَوْلُ تَعْرِيفِ الْإِنْسَانِ أَوْ تَفَاقُم عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. إلَى جَانِبِ إنْتِهَاك خُصُوصِيَّة الْأَفْرَاد بِشَكْل جِذْرِيّ خَاصَّةً مَعَ تَطَوُّرِ تِقْنِيَات جَمْع وَتَحْلِيل الْبَيَانَات الضَّخْمَة. و إجْرَاء التَّجَارِبُ عَلَى الْبَشَرِ دُونَ مُوَافَقَةِ مُسْتَنِيرَة وَهَذَا يُعَدُّ إنْتِهَاكًا صَارِخًا لِأَبْسَط حُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَكَرَامَتِهِ.
2. تَعْلِي اللِّيبْرَالِيَّةُ مِنْ كَرَامَةِ الْفَرْد. يَجِبُ ألَّا يُجَرَّد الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الْأَفْرَادِ مِنْ كَرَامَتَهُمْ، أَوْ يَسْتَخْدِمُهُمْ كـوَسَائِل لِتَحْقِيقِ غَايَاتِ بَحْثِيَّة دُون إحْتِرَام حُقُوقِهِمْ الْأَسَاسِيَّة.
3. تُدْرَكُ اللِّيبْرَالِيَّة أَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمُجْتَمَع. لِلْعُلَمَاء وَالمُؤَسَّسَات الْبَحْثَيْة مَسْؤُولِيَّةَ أَخْلَاقِيَّة تُجَاه النَّتَائِج الْمُحْتَمَلَة لِأبْحاثهم، وَتُجَاهُ التَّدَاعِيَات الِإجْتِمَاعِيَّة الْأَوْسَع لِعَمَلِهِمْ.
هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ رِقَابة أَوْ تَوْجِيه؟
نَعَمْ، فِي الْمُجْتَمَعَاتِ اللِّيبْرَالِيَّة الْمُعَاصِرَة، تُوجَدْ آلِيَات لِلرِّقَابَة وَالتَّوْجِيهُ عَلَى الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ، وَلَا تَتَعَارَضُ هَذِهِ الْآلِيَات مَع الْمَبَادِئ اللِّيبْرَالِيَّة الْأَسَاسِيَّة طَالَمَا أَنَّهَا تَهْدِفُ إِلَى مَنْعِ الضَّرَرِ وَتَحْقِيق الصَّالِح الْعَامّ.
اللِّجَان الْأَخْلَاقِيَّة (Ethics Committees) تُشْرِفُ عَلَى الْأَبْحَاثِ الَّتِي تَشْمَلُ الْبَشَرِ أَوْ الْحَيَوَانَاتِ، وَتَضْمَن إحْتِرَام الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْمُوَافَقَة الْمُسْتَنِيرَة. تَصْدُر الْحُكُومَات قَوَانِين تُنَظِّم مَجَالَات بَحْثَيَّةِ حَسَّاسَة مِثْلَ الْهَنْدَسَةِ الْوِرَاثِيَّة، الْأَسْلِحَة النَّوَوِيَّة وَالْبُيُولُوجِيَّة لِتَجَنُّب الِإسْتِخْدَامَات الضَّارَّة. إضَافَة إلَى وَضْعِ الْمَعَايِير الْمِهَنِيَّة لِلْمُجْتَمَعَات الْعِلْمِيَّة حَيْثُ تُشْرَعُ الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمَمَارَسَات الْجَيِّدَةِ مِنَ قَبْل الْهَيْئَات الْعِلْمِيَّة وَالْمِهْنَيَّة نَفْسَهَا. كَمَا يُمْكِنُ لِلْحُكُومَات وَ المُؤَسَّسَات الْعَامَّة تَوْجِيه التَّمْوِيل نَحْو الْأَبْحَاثِ الَّتِي تَخْدُمُ الصَّالِح الْعَامّ وَتُلَبِّي إحْتِيَاجَات الْمُجْتَمَع الْمُلْحَة.
كَيْفِيَّة الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ دَافِع الْفُضُول الْعِلْمِيّ وَمَسْؤُولِيَّة الْحُفَّاظُ عَلَى الْمُجْتَمَعِ؟
هَذِهِ الْمُوَازَنَة هِي التَّحَدِّي الْفَلْسَفِيّ الْجَوْهَرِيّ، وَتُعَالِج مِنْ خِلَالِ الْحِوَارِ الْعَامّ وَالشَّفَّافِيَّة. يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقَرَارَات الْمُتَعَلِّقَة بِالْبُحُوث الْحَسَّاسَة نِتَاج حِوَار مَفْتُوح بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، صَانِعي السِّيَاسَات، وَالْجُمْهُور، مَع إِتَاحَة الْمَعْلُومَات بِشَفَافِيَة. إلَى جَانِبِ التَّفْكِير الْمُسْبَق فِي الْعَوَاقِبِ، يَجِبُ عَلَى الْبَاحِثِين وَالمُؤَسَّسَات التَّفْكِير بِشَكْل إسْتِبَاقِي فِي التَّطْبِيقَات الْمُحْتَمَلَة الْجَيِّدَة وَ السَّيِّئَة لِأبْحاثهم وَتَطْوِيرِ بُرُوتُوكُولَات لِلتَّعَامُلِ مَعَ الْمَخَاطِر. وَ مِنْ جَانِبِ آخَرَ التَّرْكِيزِ عَلَى تَعْلِيمِ الْأَخْلَاقَيَّات فِي الْعُلُومِ. حَيْثُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُ أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ جُزْءًا أَسَاسِيًّا مِنْ الْمَنَاهِج الْعِلْمِيَّة لِغَرْس حِسّ الْمَسْؤُولِيَّةَ فِي الْأَجْيَالِ الْجَدِيدَةِ مِنَ الْبَاحِثِينَ. نَاهِيك عَنْ الْمُرُونَة وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّكَيُّفِ. الَّتِي تُفْرَضُ عَلَى الأَطْر التَّنْظِيمِيَّة التَّحَلِّيَ بِقَدْر عَالِي مِنْ مُرُونَة بِمَا يَكْفِي لِلتِّكيف مَعَ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ السَّرِيعَة، مَعَ الْحِفَاظِ عَلَى الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْأَسَاسِيَّة.
بَيْنَمَا تَعْلِي اللِّيبْرَالِيَّةُ مِنْ شَأْنِ الْحُرِّيَّةِ الْفَرْدِيَّة وَ حُرِّيَّة الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ، فَإِنَّهَا تُدْرِكُ أَنَّ هَذِهِ الحُرِّيَّاتِ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً. تُوضَع الْحُدُود الْأَخْلَاقِيَّة لِلْبَحْث الْعِلْمِيّ لِحِمَايَة الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعِ مِنَ الضَّرَرِ، وَ لِضَمَان أَنْ يَظَلَّ الْعِلْم قُوَّةً إِيجَابِيَّةً تَخْدُم الْبَشَرِيَّةُ، لَا أَدَاةَ لِلتَّهْدِيد أَوْ الِإسْتِغْلَالِ. هَذَا التَّوَازُنِ الدَّقِيقُ هُوَ جَوْهَرٌ فَلْسَفَةُ اللِّيبْرَالِيَّةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْإِمْبِرَيَالِيَّة؛ نَزْعة نَحْو السَّيْطَرَة الشَّامِلَة
- نَقْدٍ مَا بَعْدَ الِإسْتِعْمَار والِإسْتِعْمَار الْجَدِيد
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة: -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة: -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّانِي-
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة - الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
- الْعِلْمُ و الْأَخْلَاق: الْمَرْكَزِيَّة الْغَرْبِيَّة
- التَّنْمِيَط الثَّقَافِيّ وَالْقِيَمِيّ -الْجُزْءِ الثَّانِي ...
- التَّنْمِيط الثَّقَافِيّ والقِيَمِيّ -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
- حَوْسَبَة القَرَارَات الْأَخْلَاقِيّة -الْجُزْءُ الثَّانِي-
- حَوْسَبَة القَرَارَات الْأَخْلَاقِيّة -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
- الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِي-
- الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
- الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ : -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
- الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ : -الْجُزْءُ الثَّانِي-
- الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ -الْجُزْءُ الْأَوَّل-
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : الْوَاقِع الِإفْتِرَاضِي
- أَخْلَاقِيَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ -الْجُزْءُ الثَّان ...
- أَخْلَاقِيَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ -الْجُزْءُ الْأَوّ ...
- الْعَقْل التِّقَنِيّ ؛ -الْجُزْءِ الثَّانِي-


المزيد.....




- قبل حفل زفافه.. عبارة -لا مكان لبيزوس- معروضة بالليزر على مب ...
- دب يقتحم مدرج مطار في اليابان ويوقف عددًا من الرحلات الجوية. ...
- أبرز إطلالات المشاهير في حفل استقبال جيف بيزوس بالبندقية
- حصريا.. رأي رجال دين بأكبر حوزة شيعية بإيران على الضربات الأ ...
- ترامب يطالب بطرد صحفيين كتبوا عن فشل تدمير منشآت إيران النوو ...
- جنود الاحتلال يعترفون بتلقي أوامر لإطلاق النار على طالبي الم ...
- بعد استثمار -ميتا-.. شركة -سكيل إيه آي- تخسر عملاءها
- ثلث سكان توفالو يتقدمون للحصول على تأشيرة المناخ في أستراليا ...
- -عملية الزفاف الأحمر-.. تفاصيل الضربة الإسرائيلية على طهران ...
- الفطير المشلتت بالفرن البلدي..هكذا يُحضر بطريقة الأجداد في م ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الرُّؤْيَةِ اللِّيبْرَالِيَّة -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-