|
الروائية الفرنسية آني أرنو
هيفاء عبد الكريم
الحوار المتمدن-العدد: 1806 - 2007 / 1 / 25 - 12:03
المحور:
الادب والفن
الروائيةالفرنسية(آني أرنو) علاج النفس ودواخلها عبر الكتابة تعتبر الكاتبة الروائية الفرنسية _آني أرنو_ من الكاتبات المتميزات بأسلوب خاص يفصح عن التسرية عن النفس ، والتخيل الذاتي ، وهي بذلك تنسج مناخاً منفرداً في معركة تخوضها من اجل نفسها . وبالرغم من ان _آني أرنو_ليست ذات مستوى عال من اللغة والثراء في المفردات والاسلوب ، الا انها استطاعت ان تؤسس تياراً جديدا في كتابة الرواية الفرنسية ، ورغم انها تأثرت بالروائية الفرنسية الشهيرة_سيمون دي بوفوار_ الا انها جبلت على موهبة الكتابة الروائية ونحت الكلمات الجديدة والتي قد يرى فيها البعض انها لا اصل لها في اللغة ، الا انها تعتقد ان المسألة هنا ليست مسألة تفاهة او سوء في التعبير والاسلوب ، انما هي تصرف وابداع يأتي وقت اللزوم، والواقع ان الابداع عند_آني_ ليس مسألة موسيقى او ناحية جمالية بحتة ، فهي تكتب عندما تشعر بحاجة الى التفريغ عن النفس، فسرعان ما يتدفق سيل الاعترافات الذاتية فيجر معه كل الآهات والآلآم وكل ما يؤرق النفس ، وكأن النفس عندها مستودع اسرار وآهات ومحن تستخلصها عبر الكتابة لتفريغ الذات من ترسباتها في شعور من الراحة النفسية العظيمة.، لا يفيد في تحقيقها اي عقار او مسكنات ، فهي تلجأ الى الكتابة كعلاج للنفس ضمن قيمة ادبية لا تسعى فيها الى الدقة في التعبير ، او الحذلقة او التقعر، انما تفضل اللا محدود، فتجد فيه فسحة كبيرة من حرية التعبير ، وبذلك تكون قد اختارت لنفسها اسلوبها الخاص ، وهو ان تكتب ما هو راسخ في اغوار النفس ، بالتركيز على الالم والذي يعرفنا بحقيقتها الخاصة بها.
لقد انشأت_آني_ لنفسها بيئة خاصة بها بعيدة عن بيئة والديها اللذين يعملان بقالين ، واستطاعت ان تؤسس ادباً ينبع من ذاتها كعلاج لآلامها وعقدها الدفينة وهكذا فأن اعمالها تبدو وكأنها نوع من السيرة الذاتية. ففي اعمالها: ( الخزائن الفارغة) ( ما يقولونه اولا) ( المرأة المتجمدة) ( الحدث) تلقي _آني_بأعباء نفسها على الورق في اسلوب يشعر فيه القارئ بمشاركة وجدانية ليست قائمة على اسلوب المتعة الروائية ، بقدر ما هو احساس بالتعاطف والمشاركة في البحث عن المعاني الانسانية للتخلص من الالم الذي يرهق الروح ويؤلمها، فهناك من النقاد من يرى ان هذا النوع من الانتاج الادبي يخدر اصحابه المؤلفين ، ويضعهم في اطار الخروج من الازمة الذاتية، الا ان ما كتبته_ آني_ اعان القارئ على البحث عن الذات المفقودة واطلاق عنان النفس للتعبير عن ذاتها دون قيد وشرط وهذا يعطي قيمة انسانية عالية لادب يفصح عن وسيلة لعلاج النفس عبر الكتابة ، وربما كان هناك من يسخر من هذا الرأي ، لكن الحقيقة ان هذا النوع من العلاج موجود منذ القدم، فالشاعر عندما يصاب بالاعتلال من الشوق وبعد الحبيب وعدم الوصول اليه، يكتب الشعر في تواصل روحي يغني عن اللقاء ، ولو لم يكن يعرف فن القريض، لتفجرت من وجدانه هذه الموهبة ، فقرض افضل الشعر ونسي همومه واهاته.
فالروائية _ آني ارنو_ تأصلت في داخلها تجربتها الشخصية المستوحاة من الشعور بالذنب الذي اصابها وظل يلازمها طيلة سنوات حياتها في عملية الاجهاض الغير شرعي الذي تعرضت له وهي في العشرين من عمرها ، وفي هذا الامر شعرت بقسوة واضطهاد لا مثيل لها جسدتها في روايتها ( الحدث) ،تقول _آني_ : ( منذ سنين وانا ادور حول هذه الحادثة في حياتي) هذا الامر الذي فرض نفسه عبر البعد الاجتماعي لحدث حمل في طياته الشعور بالذنب في مجتمع يفرض ضد النساء عنف الاجهاض ، ويترك المرأة فريسة للألم الجسدي والروحي . وترسخت في ذاتها وهي طفلة ذات الاعوام ال12 مشاهد القسوة والعنف الذي عانته والدتها من والدها الذي كان ينهر والدتها ويهددها بالقتل والموت ضمن تقاليد كانت تفرض اضطهاد المراة واستغلالها في البيت والمجتمع ، وفق معاير اقتصادية واجتماعية كانت تخضع لها النساء في فرنسا و حتى في مثل تلك المجتمعات ، والتي كانت تعاني الاضطهاد الطبقي. فتضمنت هذه الاحداث في قصتها المعروفة( العار) فاسفر هذا الشعور لديها عن حياة عاشتها هماً وغمًا ، فظلت هذه المشاعر في وجدانها طيلة حياتها ، لتخرج من المأزق النفسي عبر الكتابة كعلاج لنفسها ، ومخرج لظلم وقع عليها وعاش في داخلها كأمراة واديبة وانسانة . لو قرأنا قصة_آني_ ( موت جميل جداً) لادركنا جيدا دور هذه القصة في المعركة التي خاضتها هذه الاديبة ضد نفسها ومن اجل نفسها .وكيف استطاعت ان تنجو بنفسها من ذلك الالم عبر الكتابة التي كانت علاج للنفس بالنسبة لها.
فهل ستغنينا تلك التجربة الرائدة في ادب _ آني ارنو_ كي نتمتع بحرية الذات ونطلق عنان الكلمة والروح دون قيود لتعبر عن مكنوناتنا التي تنضح الماً ودموعا؟؟؟
#هيفاء_عبد_الكريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|