كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1806 - 2007 / 1 / 25 - 12:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قرأت المقال الذي كتبه السيد زهير شنتاف تحت عنوان (العقدة الشيعية عن السيد كاظم حبيب) ونشره على موقع صوت العراق بتاريخ 20/1/2007, كما قرأه آخرون. ولا شك في أن كل قارئة أو قارئ قد كون وجهة نظره بشأن مقالاتي ومقال السيد شنتاف وتسنى له أن يدرك من هو الطائفي وعقدته طائفية ومن هو متحرر من كل طائفية. ومن جانبي سأحاول ترتيب الأفكار والملاحظات التي سجلها السيد شنتاف على شكل موضوعات بهدف تسهيل الحوار مع أفكاره وملاحظاته.
(1)
لا أدري كيف استنتج السيد شنتاف بأني قد تحولت عن الفكر الذي عملت في إطاره منذ ما يزيد عن نصف قرن. فأنا ما زلت يسارياً وأمارس النهج المادي الديالكتكي في الدراسة والتحليل والاستنتاج, أو بتعبير آخر, فأنا أتبنى الفكر الماركسي العلمي. وليس انتسابي أو عدم انتسابي إلى حزب شيوعي هو المحدد لوجهتي الفكرية, فالفكر الماركسي أو الفكر اليساري هو أوسع من أن يقتصر على حزب شيوعي. ولهذا فأنا لست لبرالياً بالمعنى الشائع, فأنا إلى جانب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الا جتماعية الغائبة كلها عن مجتمعاتنا, وأنا إلى جانب حكم علماني, وإلى جانب أن تنشأ أحزاب سياسية لا على اساس ديني أو مذهبي أو تقرن نفسها بدين أو مذهب معين, إذ أن الدين لله والوطن والسياسة للجميع. وهذا يعني أنا إلى جانب فصل الدين عن الدولة.
(2)
من يحمل فكراً علمياً وعقلانياً وعلمانياً ويسارياً ديمقراطياً لا يقف ولا يناهض هذا الدين أو ذاك ولا هذا المذهب أو ذاك, ولا هذا الفكر الحر أو ذاك, بل يحترمها جميعاً بغض النظر عن الدين أو المذهب أو الفكر الحر غير الفاشي وغير العنصري أو الطائفي, كما يرفض أي تعريض بها أو الإساءة إليها أو التحريض ضدها. فالدين أو المذهب جزء من عقيدة الإنسان الفرد الذي يفترض أن يحترم ويصان من أي اعتداء. وبالتالي لا يمكن للسيد زهير أن يتهمني بالعداء للمذهب الشيعي, وهو أحد المذاهب الإسلامية التي يؤمن بها الملايين من البشر, ومن لا يحترم هذا المذهب يسيء لتلك الملايين من البشر. وهذا ليس من بنية اتجاهي الفكري وممارساتي السياسية. بل أحترم المذهب الشيعي, كما أحترم المذاهب السنية واحترم اتباع كل هذه المذاهب في إطار الدين الإسلامي. ولا بد لي أن أشير إلى أنني أحترم كل الأديان بما في ذلك الدين المسيحي والدين المندائي الصابئي والدين الأيزيدي والدين اليهودي وكل الأديان السماوية وغير السماوية. ومن حق الإنسان وحريته أن يؤمن بأي من هذه الأديان والمذاهب.
(3)
وإزاء هذه المسألة لا يجوز لمن يتحاور مع أفكاري أن يخلط الأوراق عن عمد وليس عن جهل, أن يخلط بين الدين وأتباع الدين من جهة, وبين الأحزاب الإسلامية السياسية التي يمكن أن تتخذ مواقف وسياسات من حق كل إنسان أن ينتقدها بكل حرية دون أن يمس بذلك المذهب الشيعي أو المذاهب السنية الأربعة أو غيرها من جهة أخرى. ورغم أن من حق الإنسان أن ينتقد جملة من الممارسات لدى هذا الدين أو ذاك ولدى هذا المذهب أو ذاك, فهذا لا يعني في كل الأحوال هو إساءة لهذا المذهب أو ذاك. وعلينا جميعاً أن نقبل النقد ونتعامل معه بانفتاح كبير وبدون تشنجات ما دام لا يستهدف الإساءة, بل يعبر عن التباين في وجهات النظر. فعندما آنتقد طقوس وممارسة التطبير أو شج الرأس بالسيف, فهذا لا يعني بأي حال أني لا أحترم المذهب الشيعي أو لا أحترم استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وصحبه الكرام في معركة كربلاء ضد طغيان الطاغية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. أرجو أن يكون السيد شنتاف قادراً على الأقل على التمييز بين هاتين المسألتين.
(4)
يبدو أن السيد شنتاف لا ينظر إلى مقالاتي إلا بعين واحدة, العين التي ترى النقد الموجه للأحزاب الأسلامية السياسية الشيعية فقط ويفسر هذا النقد كما يشاء وليس كما هو فعلاً, ولا يقرأ كتاباتي النقدية الشديدة والكثيرة ضد قوى الإسلام السياسي الأصولية المتطرفة وافرهابية المتمثلة بالقاعدة والجهاد وغيرها من المنظمات المرتبطة بالإرهابيين الأشرار بن لادن والظواهري والمقبور الزرقاوي أو أبو أيوب المصري ومن لف لفهم, إضافة إلى أنصار الإسلا م السنة من الكرد والعرب وغيرهم, كما أنه لا يرى أو لا يريد أن يرى ويقرأ انتقاداتي الحادة والصحيحة ضد هيئة علماء المسلمين السنة منذ ثلاث سنوات حتى الوقت الحاضر. كما لا يريد أن يرى انتقاداتي للممارسات الطائفية السياسية في العهد الملكي وفي فترة حكم عبد السلام عارف وفترة حكم المقبور صدام حسين.
(5)
والسيد شنتاف يتهمني بالعداء لإيران والحديث النقدي الهجومي ضدها باستمرار. دعني أولاً أن أميز بين مسألتين: الأولى هي الموقف من النظام الإيراني الحاكم منذ العام 1979, والثاني هو الموقف من الشعب الإيراني. والفرق بين الاثنين كبير كبعد السماء عن الأرض. النظام الإيراني نظام ثيوقراطي طائفي استبدادي متخلف ومعزول دولياً ومناهض للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية, كما أن سجون إيران كانت ولا تزال مليئة بالناس السياسيين الطيبين وسياسات النظام غير عقلانية وتسعى إلى تصدير الثورة الإيرانية وإلى تعميق الطائفية السياسية في المنطقة. النظام الإيراني يمارس التدخل في شؤون العراق الداخلية ويرسل الحراس والمخابرات والاستخبارات وأعضاء في أجهزة الأمن الأخرى إلى العراق, ويمكن أن تقدم البصرة نموذجاً لمارسات هذا النظام في كل العراق. وليس هذا من عندياتي يا سيد شنتاف ولا ادعاء ضد حكومة إيران, بل الحقيقة بعينها وتتحدث عنه الأوساط الحكومية, بمن فيهم وبصورة غير مباشرة رئيس الحكومة والسيد عبد العزيز الحكيم وغيره كثيرون. أما الشعب الإيراني فهو مضطهد وفقير وغائب عن الحياة السياسية الفعلية وتسير الدولة بخلاف ما يريده الشعب. عندما شن النظام العراقي الحرب ضد إيران وقفنا ضده وشجبناه وناضلنا للإطاحة به, علماً بأن النظام الإيراني كان يسعى لتغيير النظام في العراق, في حين أنها لم تكن مهمته, بل من مهمات الشعب العراقي فقط.. ولكن ألا ترى ما تمارسه الحكومة الإيرانية حالياً في العراق والمنطقة, ألا ترى تسلحها المتزايد رغم الفقر الواسع في الريف الإيراني وفي المدن الكبيرة والمناطق الهامشية؟ إن السياسة الإيرانية تشكل خطراً على كل المنطقة بسبب سعيها للتسلح النووي, وبسبب طموحاتها في أن تكون الدولة العظمى في منطقة الشرق الأوسط, إضافة إلى رغبتها في التوسع والنفوذ والهيمنة الفعلية وتصدير الثورة.
(6)
يبدو أن السيد شنتاف لا يقرأ إلا اللمقالات التي يريد قراءتها. لقد كتبت الكثير حول الدولة التركية وأطماع البرجوازية التركية في ثروات العراق والعراق عموماً وشجيت تدخلها الفظ في الشؤون العراقية. وبالتالي فأنا أدين اي تدخل في الشأن العراقي من أي دولة كانت. ولم أترك سوريا بعيدة عن نقدي لأسباب ترتبط بسياساتها المناهضة للوضع في العراق والمؤيدة والمنشطة والداعمة للإرهاب في العراق. يمكنك العودة إلى الكثير من مقالاتي في الحوار المتمدن وفي صوت العراق لكي تتطلع على ماكتبته في هذه الميادين.
(7)
كم أنت بعيد عن الواقع العراقي, كم أنت غير راغب بالاعتراف لما يجري في العراق أو ما يجري في كركوك. من يعمل في التشويش على الوضع في كركوك هم الدولة التركية والدولة الإيرانية في آن واحد, ومن يثير الوضع في كركوك هم بعض العرب الشيعة وبعض التركمان الشيعة ايضاً, إضافة إلى بعض قوى النظام السابق. كما أن أخطاء ترتكب من بعض القوى الكردية ايضاً. وهي إشكاليةكبيرة يفترض أن تعالج.
قوى الإسلام السياسي الشيعية تعمل في كركوك وترفض الأخذ بالمادة 140 الواردة في الدستور, وهم يتفقون في ذلك مع جمهرة من التركمان ومع قوى سياسية أخرى وبالتالي يزيدون الأمور تعقيداً. في حين تلتزم حكومة المالكي بتفعيل هذه المادة, وهو أمر إيجابي من أجل معالجة القضية وفق الدستور وبعيداً عن الحلول العنفية.
(8)
أريد أن تكون ملاحظاتي وأفكاري واضحة ومنفتحة وقابلة للحوار الديمقراطي, وهي ليست كامنة أو تمتلك الصواب التام أو الحق الكامل, وبالتالي فهي قابلة للنقد الموضوعي وأنا مستعد لتصحيحها إذا ما توفرت العوامل التي تدفعني لتغيير مواقفي. ولكن أرجو أن تطمئن يا سيد شنتاف بأن كاظم حبيب لا يعاني من عقدة شيعية, ولن تغير أفكاره أساليب الابتزاز بالطريقة التي مارستها في مقالك المثقل بالرؤية الطائفية. ألا تتفق معي بأن جمهرة من أتباع المذهب الشيعي تمارس أعمالاً يندى لها جبين الإنسان, تماماً كما توجد مثل هذه المجموعة من البشر بين اتباع المذهب السني؟ إلا ترى بأن هذا هو أحد الأسباب الجوهرية لما يعانى المجتمع من الطائفية السياسية والتمييز والصراع والنزاع المسلح الجاري حالياً بين المليشيات الشيعية السنية. فأنا ولدت في عائلة شيعية وتربيت في كربلاء وساهمت في مواكب الطلبة وغيرها. ولا أجد ما يبرر أن أتنكر لذلك. ولكن هذه الحقيقة لا تمنعني من نقد ما أراه يستوجب النقد, سواء لدى أتباع المذهب الشيعي أو أتباع المذاهب الأخرى أو الأحزاب السياسية الإسلامية, وليس في مقدورك أن توقفني عن النقد من خلال الاتهام بالعقدة الشيعية. فهذا الأسلوب عتيق وبالي ولم يعد يساعد في الحوار ولا يطوره. كما أن مثل هذا الاتهام لا يخيفني, ولكن من المعيب أن يستخدمه كاتب ضد كاتب آخر ليثير أتباع المذهب الشيعي ضده. ولكن الكثير من اتباع مختلف المذاهب يقدرون مواقفي ويعرفونها جيداً وأتمنى عليك أن لا تلجأ إلى هذه الأسلوب, فهو حيلة الخائب في الكتابة والمحاججة العملية.
(9)
لقد كانت مقالاتي الأخيرة التي أثارت السيد زهير شنتاف موجهة ضد سياسات التيار الصدري وجيش المهدي التابع له. ولا يمكن للسيد شنتاف أن يقنعني بأن هذا التيار غير مسؤول عن جيش المهدي. أنا لم أتحدث عن هوى وليست لدي أي رغبة في استفزاز أحد أو الإساءة لأحد, بل أحترم كل إنسان وهو واجب وليس منة. لقد كتبت مقالاتي الأخيرة حول التيار الصدري بناء على بيانات جماعة التيار الصدري ذاتهم, وأوردت نصوصاً من البيانات الصادرة عنهم, فلم لم يتحدث السيد زهير شنتاف عن هذا البيان الذي يخطط أصحابه للسيطرة على الحكم بالقوة بعد خروج القوات الأمريكية وبعد ممارسة مجزرة بشعة ضد الحكومة وضد كل القوى المخالفة لهم؟ ألا ترى يا سيد شنتاف ما يفعله جيش المهدي في بغداد؟ ألا يرى سيطرته على توزيع الوقود وغيرها؟ إلا ترى السلاح الذي يحمله والأموال التي توزع, ألا ترى وتسمع بالقتل المتبادل بين المليشيات السنية والشيعية التابعة لهيئة علماء المسلمين وجيش المهدي المرتبط بالتيار الصدري, أعوان جيش المهدي هم اعوان التيار الصدري؟ هل ينكر السيد شنتاف ذلك؟ إنه يقول أنه غير مرتاح لممارسات جيش المهدي, ولكن من المسؤول عن مليشيا جيش المهدي؟ اليس مقتدى الصدر والدراجي وغيرهما ممن يجلسون في مجلس النواب العراقي والحكومة العراقية؟
أنا لست متحيزاً لأحد, أنا متحزي للعراق وللمواطن العراقي. عندما شكلت وزارة الجعفري تمنيت له النجاح, وعندما سلك سلوكاً طائفياً ومارس أسلوباً متعالياً في التعامل مع الأحداث رفضت حكومته وانتقدته وقلت في حكومته بيت الشعر المعروف
أي طرطرا تطرطري تقدمي تأخري
وزارة من كركري يرأسها الجعفري
وكنت على حق كبير في ذلك, إذ أنه كان السبب في تعزيز الوجهة الطائفية في الوزارات وخاصة في وزارة الداخلية وبالتعاون مع بيان جبر, وزير الداخلية حينذاك.
وبعد تشكيل حكومة المالكي وقفت إلى جانب مؤيديها, وهو من حزب الدعوة, لأني وجدت لديه مواقف تختلف عن رئيس حزبه الجعفري, وأخشى من فشله في مكافحة الإرهاب والمليشيات الإرهابية والطائفية السياسية, أخشى من ائتلافه عليه, إضافة إلى القوى الأخرى التي تسعى إلى إفشاله, ومنها قوى التيار الصدري التي قاطعت الحكومة ومجلس النواب ثم عادت إليه مناورة. ألا تخبرني يا سيد شنتاف من هو أبو درع؟ ألا تخبرني من هم أعضاء جيش المهدي وقادته؟ ألا تخبرني من هم قادة التيار الصدري؟ أم تريدني أن أخبرك بهم وبماضيهم أو الكثير ممن يعمل في أحزاب إسلامية سياسية سنية وشيعية؟ أرجع إلى مقالاتي لتتعرف على كل ذلك, إن شئت أن تسمع الحقيقة.
(10)
هل تريد يا سيدي الفاضل أن تقنعني بأن ما يجري في العراق هو كله من أعمال المليشيات السنية؟ نعم هناك الكثير من المليشيات السنية المجرمة التي تقوم بإرهاب دموي شرس, وهي تقتل الكثير من الناس العراقيين على الهوية أو تقوم بالتهجير القسري للناس. لم أسكت عن ذلك. لقد هاجمت الضاري بعنف لأنه كان وما يزال طائفياًُ شرساً وأيد المجرم بن لادن. ولكني أعرف, كما تعرف أنت, أن جيش المهدي وبعض المليشيات والجماعات الشيعية الأخرى تمارس الإرهاب لا ضد السنة فحسب, بل وضد المسيحيين وضد الصابئة المندائيين وضد الشيعة ايضاً.
(11)
كم كان جديراً بك أن تفكر كثيراً قبل أن تكتب هذه الأرجوزة. كم كنت مخطئاً حين اعتقدت بأني صرت مدافعاً عن حقوق الإنسان في الآونة الأخيرة. فأنا أعمل مع منظمة العفو الدولية منذ العام 1979/1980, وكنت أنقل لهم كل أخبار العراق وجرائم البعث حين أزور لندن وأنا أستاذ جامعي في الجزائر بعد أن أطلق سراحي من معتقل النظام الصدامي. كما أني كنت المبادر مع أخوى عراقيين وعرب وكرد آخرين في تشكيل منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في الدول العربية/ألمانيا, وفيما بعد منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في العراق. وأود أن أقول لك بصراحة تامة بأن قوى اليسار هي من القوى الأكثر دفاعاً عن حقوق الإنسان, رغم الانحراف الكبير جداً الذي وقعت فيه الحركة الشيوعية في الدول الاشتراكية ومجموعة كبيرة من الأحزاب الشيوعية إزاء الموقف من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وكان موقفي هو إدانة ذلك والاعتراف بالخطأ وليس في هذا أي عيب, فالاعتراف بالخطأ والاعتذار لمن يمكن أن أكون قد أسأت إليه. ولكن العيب كل العيب في من يمارس الإرهاب حتى الآن ومن يدافع عن أولئك الذين يقتلون يومياً الناس في العراق, أو من يفجرون الوضع في العراق بسياسات غير عقلانية, سواء أكانوا من السنة أم الشيعة. فبالنسبة لي ليس مهماً أن كان شيعياً أم سنياً, بل يهمني أن هذا الرجل أو ذاك إرهابي وقاتل. المثل العربي القديم يقول "من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجر". تذكر هذا المثل جيداً حين تحاور أفكار الآخرين وممارساتهم.
(12)
النضال الذي مارسته قوى الإسلام السياسي الشيعية ضد النظام الصدامي يقدر ويحترم وشهداء هذه الأحزاب ننحني لها ولكل شهداء العراق إجلالاً. ولكن هذا الأمر شيء والممارسات الطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية وما إلى ذلك شيء آخر يا سيد شنتاف. رفضنا النظام الطائفي في العهد الملكي وفي العهد القومي والبعثي والصدامي, ونرفض الطائفية السياسية الآن أيضاً التي تمارسها الكثير من القوى والأحزاب السياسية الشيعية وكذا السنية. ولولا هذه الممارسات لما كان هناك صراع ونزاع وقتل وتدمير بين المليشيات الشيعية والسنية. المثل العراقي القديم يقول: أجلس أعوج ولكن تكلم باستقامة! هذا هو المطلوب.
(13)
ليس لي عداء شخصي مع السيد مقتدى الصدر ولم التق به واحترم استشهاد محمد باقر الصدر وأخته الفاضلة. ولكن يكفي أن يسمعه الأن ويسمع وجهات نظره ودوره في السياسة العراقية وفي الحياة العامة وفي الموقف من المرأة والمجتمع وكرة القددم للكي يعرف الإنسان المطبات والكوارث التي يمكن أن يدفع هذا الرجل العراق إليها. ولهذا أقول الاستبداد لا يقتصر على اصحاب الايديولوجيات غير الدينية, بل وبالأساس نشأ الاستبداد في رحم الدول الدينية أو التي مارست الحكم باسم الدين وعلى امتداد التاريخ العربي والإسلامي, دع عنك أوروبا في القرون الوسطى. ألم تطلع على تاريخ العراق القديم والحديث؟ هل تريد أن أدلك عليه؟ ألا ترى في تصرفات الكثير من السياسيين العراقيين, وخاصة من أتباع الأحزاب الإسلامية السياسية, ولكن موجودة أيضاً في صفوف القوى السياسية العلمانية أيضاً, الشخصيات المستبدة التي لا تختلف كثيراً عما ناضلنا ضده؟ ألا ترى الاستبداد والكراهية مرسومة في عيون البعض منهم.
(14)
هل تريدني أن أدلك على الأموال المنهوبة والمسلوبة من افواه الشعب العراقي, إنها سحت حرام في بطون وجيوب النهابة والسلابة؟, هل تريدني أن أدليك على من يقوم بهذه الأفعال في بغداد والبصرة وفي كل مكان من أرض العراق؟ أتمنى أن تراها بالعين المجردة لأنها لا تحتاج إلى ميكروسكوب أو تلسكوب! هذا هو الذي يدفعني إلى النقد وليس الموقف المذهبي أو الديني يا سيد شنتاف. قيل قديماً إن العراقي مفتح باللبن, وأتمنى أن لا يكون اللبن ثقيلاً بحيث يمنع الرؤية الصافية والنزيهة للأمور. أتصل بالناس البسطاء في العراق واسألهم من الذي يسرقهم, من يسرق أموال النفط في البصرة, من يتاجر بالمخدرات ويستوردها من إيران, من يتعامل مع الخمر ويحرمها, من يغلق حوانيت الحلاقة النسائية, من ... من ؟ الخ.
(15)
كم كان بودي أن لا أشم في مقالتك رائحة الطائفية المقيتة, كم كان بودي أن تكون أكثر قدرة على تجاوز الطائفية السياسية والتمييز الطائفي وتدين الخطأ اياً كان ممارسه, وأن تسند الصواب وتشجعه اياًُ كان صاحبه. كم كان بودي أن تكون أكثر قدرة على قراءة أفكاري ومواقفي التي هي بالأساس دفاع عن المواطنة العراقية وروح المواطنة وبعيداً عن روح الطائفية, فالهويات الطائفية السياسية يا سيدي قاتلة وقاتلة جداً. والأيمان بدين أو مذهب لا يعني ممارسة الطائفية السياسية, ولكن التعنت والتعصب والتزمت والتمييز هو المكروه في الطائفية السياسية وليس المذهب ذاته. فالمذهب فكر ويحمله الناس ويتعاملون به ووفق تعاملهم هو الذي يقرر طبيعة هذا التعامل سواء أكان سليماً أم خاطئاً. والمذهب غير مسؤول عن ذلك بل أتباعه ورجال دينه في حالات الخللو كما نعيشه اليوم في العراق.
(16)
عندما كتبت وأدنت التطرف والتكفير الذي نشأ عند أتباع المذهب الوهابي والذي هو أحد الاتجاهات المذهبية المنبثقة عن المذهب الحنبلي, وكذلك التربية والتثقيف ضد الأديان والمذاهب الأخرى, فأنا لم أوجه الاتهام إلى أتباع هذا المذهب, فهم أحرار في ما يؤمنون به, ولكني هاجمت وانتقدت أساليب المتطرفين منهم, سواء أبرز هذا في نهاية القرن التاسع عشر وبديات القرن العشرين وما مارسوه في العراق حينذاك, أم ببروزه الآن لدى أتباع بن لادن, وكذلك بعض رجال الدين السعوديين غير الأبرار.
هل قرأت ما قاله أحد رجال الدين الشيعة في إيران حين سؤل فأجاب بأن رجلاً شيعياً فاسقاً أكثر قبولاً عند الله من مؤمن سني! وهل سمعت ما قاله رجل دين سعودي حين دعا إلى قتل كل الشيعة! هذه هي الطائفية المقيتة والقاتلة, هذه هي الهوية البائسة التي أهاجمها وأهاجم أتباعها وليس الإنسان الشيعي المؤمن أو السني المؤمن بمذهبيهما, فهما موضع احترامي وتقديري.
وأخيراً الستر يا سيدي ينشأ من سلوك الإنسان ذاته, فتصرفات الإنسان هي التي تستره من كل عيب. وأتمنى الستر للجميع.
24/1/2007
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟