أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدي سيد محمد محمود - العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا تُقهر














المزيد.....

العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا تُقهر


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 00:22
المحور: سيرة ذاتية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
وُلد العربي بن مهيدي عام 1923 في عين مليلة بولاية أم البواقي، في أسرة جزائرية ريفية بسيطة لكنها مشبعة بروح الكرامة والتمسك بالهوية. منذ نعومة أظفاره، ظهرت ملامح الشخصية الاستثنائية التي ستحفر اسمها في سجل الشرف الوطني، فقد كان فطنًا، صبورًا، وذا قلب نابض بالإحساس بالظلم الواقع على شعبه تحت نير الاستعمار الفرنسي. التحق مبكرًا بصفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية، التي لم تكن مجرد نشاط شبابي، بل مدرسة وطنية حقيقية صنعت جيلاً من الثوار الذين أسسوا لجهاد منظم وعميق الجذور.

في أربعينيات القرن الماضي، انخرط بن مهيدي في صفوف حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وهناك تبلور وعيه السياسي وأدرك أن الإصلاحات الشكلية أو التفاوض تحت الوصاية الفرنسية لن تفضي إلى تحرير حقيقي. ومن هنا، تدرّج داخل التنظيم السري المعروف باسم "المنظمة الخاصة"، التي كانت النواة الأولى للكفاح المسلح المنظم، حيث أثبت بن مهيدي براعته في التنظيم والعمل السري والانضباط الثوري.

ومع اندلاع الثورة التحريرية في 1 نوفمبر 1954، برز بن مهيدي كواحد من قادتها السبعة التاريخيين، وسرعان ما أصبح مسؤول المنطقة الخامسة (وهران)، ثم نُقل إلى العاصمة الجزائر ليشرف على أكبر معارك الثورة حضورا وتأثيراً: معركة الجزائر. وقد اتسمت قيادته بالحكمة والهدوء والثقة بالنفس، فكان يؤمن بأن الثورة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل معركة أخلاقية وثقافية وسياسية، تتطلب من المناضلين الصبر ورباطة الجأش والانضباط المطلق. ولم يكن يرى في السلاح غاية، بل وسيلة لإعادة تشكيل الوعي الوطني والكرامة الجماعية التي حاول الاستعمار طمسها.

لقد فهم العربي بن مهيدي أن النصر الحقيقي لا يُقاس فقط بالعمليات الفدائية، بل بمدى تماسك الروح الشعبية خلف مشروع التحرير، ولذلك كان أول من قال: "ارموا الثورة في الشارع، سيحملها الشعب"، في تعبير عميق عن ثقته المطلقة بوعي الجماهير وقدرتها على احتضان الثورة كحلم جماعي يتجاوز القادة والأفراد.

اعتقل بن مهيدي في فبراير 1957 من طرف المظليين الفرنسيين بقيادة الجنرال بيجار أثناء ذروة معركة الجزائر، وعُذب تعذيبًا وحشيًا على يد جنرالات الاستعمار الفرنسي الذين لم يفلحوا في كسر كبريائه أو انتزاع أي اعتراف منه. لقد أذهل جلاديه بثباته وشجاعته النادرة، فكان رمزًا للصمت النبيل والموت المقاوم، وقال عبارته الشهيرة: "أحبّ أن أموت واقفًا كما كنت طوال حياتي". لم يكن بن مهيدي مشروع شهيد فقط، بل كان مشروع إنسان حر، اختار الكفاح من أجل أمة بأكملها، ودفع حياته ثمنًا لهذا الخيار.

استشهد بن مهيدي تحت التعذيب الوحشي في 4 مارس 1957، وقد حاول الاستعمار الفرنسي التغطية على جريمته، بادعاء انتحاره شنقًا. لكن الحقيقة لم تمت، بل ازدادت وضوحًا مع السنين، وتحول بن مهيدي إلى أيقونة نضالية خالدة في الذاكرة الوطنية الجزائرية، وشاهد أخلاقي على بشاعة الاستعمار وهمجية أدواته القمعية. لم يكن استشهاده نهايةً، بل بداية لسيرة تلهم الأجيال القادمة، وتذكرنا دائمًا بأن الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع بثمن فادح من التضحيات.

اليوم، بعد أكثر من نصف قرن على رحيله، لا يزال العربي بن مهيدي يشكل أحد أعمدة السردية التحررية الجزائرية والعربية، ورمزًا لفلسفة المقاومة القائمة على الإيمان، والالتزام، والتجرد، والكرامة. لقد ترك وراءه درسًا أبديًا: أن الإنسان، حين يُخلص لقضيته، يصبح أكبر من الخوف، ومن الموت، ومن الزمن ذاته.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال الوجود في الفكر الأوروبي: من الميتافيزيقا الكلاسيكية إل ...
- فلسفة برجسون: نداء الروح في عصر العقل
- ترامب يشعل البحر الأحمر: معركة اليمن بين نيران الهيمنة ومقاو ...
- الصراع الدرزي – الماروني في القرن التاسع عشر: أزمات الهوية، ...
- انقسام الهوية: صراع القيم الدينية والعلمانية في الواقع العرب ...
- توغل العلمانية في الدولة العثمانية: المسار، العوامل، والتداع ...
- تفكيك الجندر وتخريب الهوية: جوديث بتلر وسؤال الذات في زمن ال ...
- المادية الجدلية بين هيغل وماركس: من المثالية المطلقة إلى الو ...
- توما الأكويني والدعوات البابوية: الأسس اللاهوتية للتدخل في ش ...
- نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتش ...
- العمق الاستراتيجي للدولة المصرية بين نقاط القوة والضعف: قراء ...
- الصحافة في زمن الخوازميات: إستعادة الضمير الأخلاقي للتقنيات ...
- من الإيمان إلى العدم: سردية الغياب في الفلسفة الغربية الحديث ...
- البيولوجيا السياسية: آليات السلطة على الجسد والحياة في الدول ...
- تقاطع السلطة والمعرفة والسرد في الواقع السياسي العربي الراهن
- انفجار المعلومات وتحولات المعرفة: أزمة الإدراك في زمن التدفق ...
- الزمان والمكان في فلسفة كانط: أطر المعرفة وحدود الإدراك
- أنثروبولوجيا العلمانية: تفكيك المقدس وإعادة تشكيل الذات في ز ...
- الاقتصاد الرقمي في العالم العربي: الواقع، التحديات، والآفاق ...
- ترامب والتجارة العالمية : السياسات الخاطئة في مواجهة الصين و ...


المزيد.....




- ليبيا.. لقطات لاقتحام مقرات -الدعم والاستقرار- وتحرير محتجزي ...
- مشاهد مرعبة.. العثور على شقيقتين مقيدتين في -سجن خاص- قذر ح ...
- إدارة ترامب تمنع وكالات الأنباء من مرافقة الرئيس في رحلته إل ...
- موسكو: مناورات الدول الغربية في ليتوانيا موجهة ضدنا ونتخذ إج ...
- بينها دول عربية.. أفضل 20 مطارا في العالم لعام 2025
- الصين تطلق بنجاح قمرا للاتصال إلى المدار الفضائي
- وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا تعلن انت ...
- إعلام: نهج نظام كييف أدى إلى انقسام بين الولايات المتحدة وأو ...
- بالفيديو.. نجاة مراهقة وسيارتها من الغرق بطريقة غريبة في الو ...
- غرينلاند تتولى رئاسة مجلس القطب الشمالي نيابة عن الدنمارك


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدي سيد محمد محمود - العربي بن مهيدي: أيقونة الموت واقفًا وذاكرة الثورة التي لا تُقهر