شراكة من أجل التغيير .. تكامل الأدوار بين الإعلام ومنظمات المجتمع المدني

رقية الخاقاني
صحفية وكاتبه وناشطة في حقوق المرأة
(Ruqaya Alkhaqani)

الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 17:52
المحور: المجتمع المدني
    

في عصر تتسارع فيه الأحداث وتتعقد التحديات الاجتماعية، تبرز الحاجة إلى تعاون فعّال بين الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة هذه التحديات ودفع عجلة التنمية. فكل منهما يملك أدوات وتأثيراً مختلفاً، ولكن عندما يلتقيان في إطار تكاملي، تصبح النتائج أكثر قوة واستدامة.
ويمثل الإعلام جسراً بين الحقائق والجمهور، فهو قادر على تسليط الضوء على القضايا الخفية أو المهمشة، وتحويلها إلى أولويات عامة. من خلال التحقيقات الاستقصائية، والتقارير الإخبارية، والبرامج الحوارية، يلعب الإعلام دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام ودفع النقاش المجتمعي. لكن دوره لا يقتصر على الكشف فحسب، بل يمتد إلى التثقيف والتوعية، مما يجعله شريكاً أساسياً في أي عملية تغيير اجتماعي.
أما منظمات المجتمع المدني، فتعمل على الأرض، وتلامس احتياجات الناس مباشرةً. تمتلك هذه المنظمات الخبرة العملية في تصميم البرامج التنموية، وتقديم المساعدات، وحشد المتطوعين. كما أنها غالباً ما تكون الأقرب إلى الفئات المهمشة، مما يمكنها من رصد المشكلات بدقة واقتراح حلول واقعية. إلا أن تأثيرها يبقى محدوداً إذا لم تجد من ينقل صوتها ويوسع دائرة انتشارها.
وهنا تظهر أهمية التكامل بين الطرفين. فعندما يتبنى الإعلام قضية تنادي بها منظمات المجتمع المدني، تتحول من مجرد مبادرة محلية إلى حملة وطنية. على سبيل المثال، يمكن لحملة إعلامية مدعومة ببيانات وإحصائيات من منظمة حقوقية أن تدفع الحكومة إلى تعديل سياسة ما. وبالمقابل، عندما تستفيد المنظمات من وسائل الإعلام لنشر أنشطتها، فإنها تزيد من فرص حشد الدعم المالي والتطوعي.
كما أن هذا التكامل يعزز الشفافية والمساءلة. فالإعلام يستطيع كشف الفساد أو التقصير، بينما تقوم المنظمات بمتابعة الملفات ومطالبة الجهات المعنية بالإصلاح. هذا التعاون يخلق نظاماً رقابياً متكاملاً، يحد من الانتهاكات ويضمن استخدام الموارد العامة بشكل فعّال.
ورغم هذه الإيجابيات، فإن الشراكة بين الإعلام والمنظمات المدنية تواجه بعض التحديات. أبرزها تضارب الأولويات، حيث قد تركز وسائل الإعلام على الجوانب الإخبارية الجاذبة، بينما تعمل المنظمات على مشاريع طويلة الأمد قد لا تكون (مثيرة) إعلامياً. كذلك، هناك خطر تحول بعض المنظمات إلى أدوات دعائية، أو استغلال الإعلام لقضاياها لتحقيق نسب مشاهدة عالية دون اهتمام حقيقي بالتغيير.
لكن هذه التحديات يمكن تجاوزها من خلال وضع أطر واضحة للتعاون، كإبرام اتفاقيات شراكة تحفظ استقلالية كل طرف، مع ضمان نقل الرسالة بدقة وموضوعية. كما أن الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي قد وسّعت آفاق هذا التعاون، حيث أصبح بإمكان المنظمات الوصول إلى الجمهور مباشرة، بينما يستطيع الإعلام اكتشاف قصص إنسانية عميقة من خلال متابعة أعمال هذه المنظمات.
وفي النهاية، يبقى التكامل بين الإعلام ومنظمات المجتمع المدني عاملاً حاسماً في تحقيق التقدم الاجتماعي. فبينما يملك الإعلام القدرة على التوجيه والتأثير، تمتلك المنظمات الأدوات العملية لتحويل الأفكار إلى واقع. عندما يعملان معاً، يصبح بإمكانهما ليس فقط تسليط الضوء على المشكلات، بل أيضاً إلهام الأفراد والحكومات للمشاركة في حلها. وفي عالم تتداخل فيه التحديات، تصبح هذه الشراكة ليست خياراً، بل ضرورة لبناء مجتمعات أكثر عدلاً واستدامة.

#رقية_الخاقاني (هاشتاغ)       Ruqaya_Alkhaqani#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات