أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتشييء الرمزي














المزيد.....

نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتشييء الرمزي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 11:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذ انبثاق العقلانية الأوروبية الحديثة في القرن السابع عشر، ساد تصور فلسفي جوهري للمرأة بوصفها "الآخر" غير العقلاني، وهو تصور ترسّخ في كتابات فلاسفة من أمثال رينيه ديكارت، إيمانويل كانط، هيغل، وروسو، واستمر بنيويًا حتى في أعمال من يفترض أنهم دافعوا عن التحرر والإنسانية الشاملة. فديكارت، رغم أنه رفع من شأن العقل بوصفه الأساس الوحيد للوجود، إلا أن المرأة في فلسفته ظهرت ككائن غير مؤهل للاشتغال بالعقل المجرد بصورة مستقلة، بل كمخلوق عاطفي خاضع لسلطة الرجل. في السياق ذاته، نظر كانط إلى المرأة باعتبارها ذاتًا غير قادرة على بلوغ الفضيلة الكاملة، لأنها بحسبه أكثر خضوعًا للعاطفة وأقل ميلًا للتفكير الأخلاقي المحض. أما هيغل، فقد صاغ من خلال جدليته الذكورية رؤية تقصي المرأة من الفعل التاريخي، معتبرًا أن مكانها الطبيعي هو العائلة، لا الدولة أو الساحة العمومية، حيث تجري "الحركة الفعلية للتاريخ".

بل إن جان جاك روسو، الذي يُعَدّ من آباء العقد الاجتماعي الحديث، كان يرى أن المرأة لا تُخلَق لتكون مواطنة بالمعنى الكامل، بل لتخدم المجتمع من موقعها داخل الأسرة، من خلال وظيفتها الإنجابية وتربيتها للأطفال. وقد ربط بين "الأنوثة" والطبيعة، مقابل ربط "الذكورة" بالعقل، في انقسام ديكارتي تم توظيفه لترسيخ دونية المرأة ضمن العقد الاجتماعي والسياسي الناشئ. كل هذه الأطروحات أسست لما يسميه بعض الباحثين بـ"التمييز الأنطولوجي" الذي تمت أسطرته فلسفيًا وتقديمه كحقيقة ميتافيزيقية، وهو ما خلق بنية رمزية ثقافية أعاقت تحرر المرأة لقرون.

ومع الانتقال إلى الفلسفة المعاصرة، ورغم ظهور تيارات نقدية من داخل المؤسسة الفلسفية مثل الوجودية، البنيوية، والتفكيكية، إلا أن كثيرًا من روادها واصلوا تكريس تلك الصورة النمطية. فـمارتن هايدغر، على سبيل المثال، لم يمنح للمرأة موقعًا وجوديًا مميزًا داخل بنية الكينونة، بل ذابت في "الوجود الدازايني" الذي بقي محايدًا ظاهريًا لكنه مشبع ضمنيًا بتمثيلات ذكورية. وفي المقابل، نجد جان بول سارتر، ورغم تبنيه خطاب الحرية والاختيار، قد مارس نوعًا من "التشييء" الجمالي للمرأة في بعض كتاباته الأدبية والفلسفية، مما دفع شريكة حياته الفكرية، سيمون دي بوفوار، إلى إعلان القطيعة مع هذا الإرث من خلال كتابها التأسيسي الجنس الآخر، الذي أكدت فيه أن المرأة "لا تولد امرأة بل تصبح كذلك"، وأن الفلسفة الأوروبية أنتجت "الأنوثة" كاختراع ثقافي/سلطوي لتبرير دونية المرأة.

هذا التراكم الفلسفي أنتج تأثيرات بنيوية عميقة في الوعي الأوروبي المعاصر، بحيث ترسخت أنماط من التمثلات الثقافية والمؤسساتية للمرأة بوصفها إما موضوعًا جماليًا/جنسانيًا أو كائنًا هشًا وظيفته تكميلية، لا فاعلة. وقد انعكس ذلك في السياسات العامة، توزيع الأدوار الاجتماعية، أنماط التعليم، وحتى في الإنتاج الفني والإعلامي الذي غالبًا ما يعيد إنتاج الصور النمطية للمرأة.

ورغم التقدم التشريعي والحقوقي الذي شهدته أوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين، فإن آثار هذا التأسيس الفلسفي لا تزال حاضرة بقوة في لاوعي المجتمعات الأوروبية، إذ يتجلى التمييز البنيوي في الفوارق الاقتصادية بين الجنسين، وفي محدودية تمثيل النساء في مواقع القرار، وفي صعوبة تفكيك المنظومة الرمزية التي ترى المرأة من خلال مرآة الذكر. لقد ساهمت الفلسفة في خلق "بنية فكرية" جعلت من التهميش أمرًا طبيعيًا، ومؤسسيًا، بل حتى مرغوبًا في بعض السياقات الثقافية.

غير أن تيارات الفلسفة النسوية في العقود الأخيرة، وخاصة تلك التي قادتها مفكرات مثل جوديث بتلر، لوي إيرغاري، وجاك دريدا في أطروحاته التفكيكية، بدأت تعمل على زعزعة هذا الإرث من الداخل، من خلال التشكيك في مفاهيم "الهوية الثابتة"، و"الطبيعة البيولوجية"، و"السلطة الرمزية"، والسعي نحو إنتاج خطاب فلسفي بديل لا يقوم على الثنائيات الإقصائية. ومع ذلك، تبقى المواجهة مع هذا الإرث الفلسفي الطويل والراسخ أمرًا شاقًا ومعقدًا، خاصة أن كثيرًا من المؤسسات التربوية والأكاديمية ما زالت تعيد إنتاجه في مناهجها وسياقاتها المعرفية.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمق الاستراتيجي للدولة المصرية بين نقاط القوة والضعف: قراء ...
- الصحافة في زمن الخوازميات: إستعادة الضمير الأخلاقي للتقنيات ...
- من الإيمان إلى العدم: سردية الغياب في الفلسفة الغربية الحديث ...
- البيولوجيا السياسية: آليات السلطة على الجسد والحياة في الدول ...
- تقاطع السلطة والمعرفة والسرد في الواقع السياسي العربي الراهن
- انفجار المعلومات وتحولات المعرفة: أزمة الإدراك في زمن التدفق ...
- الزمان والمكان في فلسفة كانط: أطر المعرفة وحدود الإدراك
- أنثروبولوجيا العلمانية: تفكيك المقدس وإعادة تشكيل الذات في ز ...
- الاقتصاد الرقمي في العالم العربي: الواقع، التحديات، والآفاق ...
- ترامب والتجارة العالمية : السياسات الخاطئة في مواجهة الصين و ...
- استثمار في الخراب : كيف تبتلع الحروب مقومات التنمية في المجت ...
- تفكيك المقدس: ديكارت في مواجهة الميتافيزيقا
- نيتشه و مابعد الحداثة: من موت الإله إلى تشظي المعنى
- العلمانية والإسلاموفوبيا: جدلية التنوير والإقصاء
- الذكاء الاصطناعي في مواجهة تغير المناخ: أمل تقني في معركة مص ...
- عصر الخوازميات الناطقة: الثقافة الرقمية وتحولات الإعلام
- مستقبل القواعد العسكرية الأجنبية في الوطن العربي في ظل التحو ...
- الحرية بين العقل والإيمان: قراءة مقارنة في الفلسفة الإسلامية ...
- المقاومة التنظيمية وإعادة تشكيل الثقافة المؤسسية: تحديات وسب ...
- على حافة العدم: النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي ومعضلة المعنى


المزيد.....




- من قطر.. ترامب عن أحمد الشرع: سيكون ممثلًا رائعًا
- إيران تبدي استعدادها لإبرام اتفاق نووي مقابل رفع العقوبات ال ...
- ما الذي يمكن تحقيقه بسوريا بعد رفع العقوبات؟.. شاهد رد رئيس ...
- -تحية عسكرية- تؤديها الأميرة ريما بنت بندر باستقبال ترامب تش ...
- تسليح الخليج.. رحلة ترامب إلى الشرق الأوسط وتجارة الأسلحة ال ...
- -ساذج-.. رئيس إيران يرد على ترامب وما قاله من السعودية
- رامي مخلوف يحذر -شباب الساحل- السوري من شبكات مشبوهة تعبث به ...
- وفاة سيدة إسرائيلية حامل تعرضت لإطلاق نار بوسط الضفة الغربية ...
- لابيد: لا أعتقد أن لدى الحكومة الإسرائيلية القدرة على القضاء ...
- الخارجية البريطانية تنفي اتهام لامي بعدم دفع أجرة تكسي من إي ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - نظرة رواد الفلسفة الأوروبية للمرأة: بين الإقصاء النظري والتشييء الرمزي