أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - التكويع -... ابتعاد عن المبادئ نحو المصلحة وتآكل الثقة ..…!














المزيد.....

التكويع -... ابتعاد عن المبادئ نحو المصلحة وتآكل الثقة ..…!


اكرم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8328 - 2025 / 4 / 30 - 12:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"
في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من "يكوّع" فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب دلالات أعمق وأخطر. فهو انعطاف مفاجئ في المواقف والتوجهات السياسية، غالباً دون مقدمات فكرية أو مبررات منطقية، ودون مصارحة مع الجمهور أو مراجعة حقيقية للمواقف السابقة.
اذاً التكويع ليس تغيّراً مشروعاً ولا مراجعة نقدية بل هروب من الالتزامات ، وسلوك ينم عن انتهازية سياسية، يتذرع بالظروف لتبرير التقلب ، ويستند إلى مصلحة آنية على حساب القيم والمبادئ والمصداقية .
لا تكمن الخطورة في "التكويع السياسي" فقط ، بل في انعدام الحس بالمسؤولية العامة، حيث يتعامل السياسي مع التبدل في موقعه أو موقفه وكأنه أمر طبيعي لا يحتاج إلى تبرير، في مجتمع يغيب عنه مفهوم المحاسبة وتضعف فيه بنية التنظيم السياسي. لكن في السياق السوري، أصبحت هذه الظاهرة أكثر وضوحاً، حيث تحوّل التكويع إلى سلوك شائع لدى كثير من القوى السياسية والفصائل والشخصيات، بدءاً من الانتقال من صفوف المعارضة إلى حضن السلطة، مروراً بالتحالف مع القوى الإقليمية والدولية المتناقضة، وانتهاءً بتبديل الخطاب الوطني أو القومي بحسب الرياح السائدة، دون تقديم اية مراجعة فكرية أو سياسية جادة. والأمثلة كثيرة: فمن رفعوا شعارات الثورة والحرية أصبحوا أدوات في يد الدول، ومن تحدثوا عن الحقوق ، ساوموا عليها عند أول فرصة، ومن قدّموا أنفسهم كمدافعين عن الشعب السوري اصبح همّهم الوحيد مقعد هنا أو منصب هناك.
في حين لاتفسر ظاهرة التكويع فقط بتغير الوقائع أو تبدل التحالفات الإقليمية، بل تعكس أزمة أعمق: غياب الالتزام الأخلاقي، وضعف الانتماء الفكري، وهشاشة البنى التنظيمية للأحزاب والتيارات، وتغليب المصالح الشخصية على أي معيار وطني أو مبدئي. إنها تعبّر عن سيادة "الذرائعية" ، حيث تستخدم "الغاية تبرر الوسيلة" لتبرير أي تقلب سياسي، دون تقدير تأثير ذلك على الوعي العام أو على الثقة بين الناس والعمل السياسي.
ان دوافع "التكويع" متعددة، أبرزها الطموح الفردي غير المنضبط الذي يدفع البعض لتغيير مواقعهم من أجل القرب من دوائر النفوذ، أو من أجل البقاء في الواجهة. كما أن الضغوط الإقليمية والدولية تلعب دوراً مهماً ، حيث تسعى بعض الجهات إلى هندسة خارطة المواقف وفق مصالحها، فتمارس تأثيراً مباشراً على القرار السياسي للأشخاص والأطراف المحلية، لا سيما حينما تكون هذه الأطراف فاقدة للاستقلالية أو خاضعة للتمويل المشروط. كما أن غياب وجود قاعدة جماهيرية حقيقية تدفع بعض الشخصيات إلى الارتهان في احضان قوى خارجية بدلاً من العودة إلى الناس والاحتكام إلى إرادتهم.
وهنا يمكننا طرح السؤال التالي : متى يكون التغير السياسي مشروعاً، ومتى يُعدّ "تكويعا" ً؟ الجواب يكمن في المنهج لا في النتيجة. لأن التغير يكون مقبولاً إذا كان نابعاً من مراجعة نقدية، وصريحاً أمام الرأي العام، ومبنياً على أسس عقلانية. أما "التكويع" فهو ما يحدث فجأة، دون تمهيد أو تفسير، وغالباً ما يكون مرتبطاً بمنفعة خاصة أو صفقة ضيقة ، ومن هنا تظهر خطورته، لأنه يقوّض مفهوم السياسة كمجال عام ومسؤول، ويحولها إلى نشاط فردي تحكمه الغرائز والمصالح لا المبادئ والقيم.
في السياسة يؤدي " التكويع "إلى تآكل الثقة، ليس فقط بالسياسيين بل بالعمل السياسي برمته ، وحين يفقد الناس ثقتهم في الفاعلين السياسيين، ينفتح الباب أمام الشعبوية والتطرف، ويُترك المجال للفوضى بدل البناء. كما أن تكرار هذا السلوك يؤدي إلى تسفيه الفكرة الحزبية، فتتحول الأحزاب إلى منصات لتبديل المواقع لا أدوات للتغيير الحقيقي. والمجتمع بدوره يتحمل مسؤولية حين يُطبّع مع هذا السلوك أو يصمت عليه، أو حين يُصفّق "للتكويع" طالما أنه يخدم انتماءه الضيق أو نزعاته الآنية.
مواجهة "التكويع" السياسي تبدأ من إحياء قيمة المراجعة الصادقة بدل التملص، وترسيخ مبدأ الشفافية في القرار السياسي، وإعادة الاعتبار إلى فكرة البرنامج السياسي مقابل الشخصنة، وإقامة آليات رقابة حزبية ومجتمعية جادة. فالمصداقية لا تُبنى بالخطب، بل بالثبات على الموقف، أو الاعتراف بالخطأ عند تغييره. والسياسة لا تُختزل في الذكاء والتكتيك، بل تقوم على الشجاعة الأخلاقية والوضوح والمسؤولية.
وبالتالي فإن "التكويع" انزلاق في القيم، وتعبير عن حالة فصام بين ما يُقال وما يُفعل. إنه كناية عن تآكل السياسة كفنٍّ للشأن العام، وتحولها إلى مسرح فردي تسوده الشعارات المؤقتة والمواقف المعلّبة ، ومجتمع لا يرفض "التكويع" السياسي، هو مجتمع مرشح لأن يُكوَّع بأكمله.



#اكرم_حسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنظمة التي تضطهدوالكرد...تتحمل مسؤولية خياراتهم ؟
- من قامشلو: وحدة الموقف الكردي طريقُنا إلى سوريا جديدة بلا ته ...
- المازوت... ومعادلة السلطة والمجتمع في مناطق -الإدارة الذاتية
- الفدرالية بين الحقيقة والتشويه
- في مواجهة التشظي والفوضى:من يستعيد الدولة السورية؟
- لا مجتمع حي بلا احزاب حية :دفاع عن العمل السياسي الكردي في س ...
- حتى تتعافى سوريا وتنهض من جديد؟
- نعم، ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب... ولكن!
- مراجعة الخطاب السياسي الكردي في سوريا ، ضرورة استراتيجية في ...
- الإقصاء المتعمد للكرد : تهديد لوحدة البلاد وانتهاك لمبادئ ال ...
- أحمد الشرع وتحديات المرحلة المقبلة ؟
- وحدة تيار المستقبل ، وفاء لدماء الشهداء واستجابة للتحديات ال ...
- مستقبل الديمقراطية والمواطنة المتساوية في سوريا بعد إسقاط ال ...
- لمصلحة من اغتيال إسماعيل فتاح عضو المجلس الوطني الكردي ؟
- الفيدرالية نموذج للحكم العادل في سوريا
- الطريق إلى سوريا الجديدة: تحديات المرحلة الانتقالية
- اي سوريا نريد؟
- صعوبة وحدة الموقف الكردي في سوريا...؟
- هل حقاً سقط الأسد ..؟
- ماذا بعد سقوط الاسد؟


المزيد.....




- الشيخ الدرزي موفق طريف يتابع الاشتباكات في سوريا مع قيادات إ ...
- طيار حربي إسرائيلي سابق يقود احتجاجاً ضد الحكومة: -الحرب في ...
- الخارجية الإيرانية: جولة المحادثات غير المباشرة مع واشنطن ست ...
- باكستان: لدينا معلومات استخباراتية بأن الهند تنوي شن عملية ع ...
- الوحدة الشعبية ينعى الرفيق المناضل عضو اللجنة المركزية “زيد ...
- جنبلاط يجري اتصالات سعيا لوقف إطلاق النار في بلدة أشرفية صحن ...
- السعودية تعرب عن قلقها إزاء التوتر المتصاعد بين الهند وباكست ...
- الدفاع التركية: سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية أولوية أس ...
- السيسي يوافق على اتفاقية مع الإمارات لنقل السجناء
- تقرير: أمل كلوني قد تمنع من دخول الولايات المتحدة بموجب عقوب ...


المزيد.....

- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - التكويع -... ابتعاد عن المبادئ نحو المصلحة وتآكل الثقة ..…!