أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - العقول التي تُحدث الفرق: في فلسفة التأثير وأوهام الاستغناء














المزيد.....

العقول التي تُحدث الفرق: في فلسفة التأثير وأوهام الاستغناء


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 17:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


التأثير الحقيقي: البصمة التي لا تمحى

التأثير الحقّ ليس أن تفرض وجودك، بل أن تُصبح جزءًا من معادلة الآخر النفسية. أن تترك أثرًا لا يزول بانصرافك، ولا يغيب بانتهاء الحوار.
إن أولئك الذين فهموا احتياجات الإنسان الخفية -كما شرح دافيد ج. ليبرمان- أدركوا أن التأثير لا يبدأ بالكلام، بل بالإنصات؛ ولا يتحقق بالإلحاح، بل بالاحتواء.

كل نفسٍ بشرية تفتش عن القبول، كل روح تسعى نحو التقدير، وكل قلب يحتاج إلى من يمنحه شعورًا بالأمان.
ومن يستطيع أن يشبع هذه الحاجات دون أن يصادر حرية الآخر أو استقلاله، يحقق التأثير الأسمى: التأثير الذي يحترم ويحرر.



التأثير الإنساني: الحضور الذي لا يزول

يقول الدكتور مصطفى محمود:

“لو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه، ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.”

كم من أشخاص مرّوا بنا، ثم غابوا، لكن بقيت كلماتهم ومواقفهم تضيء أيامنا!
فالتأثير الإنساني لا يُقاس بطول المرافقة، بل بعمق البصمة.
قد تكون كلمة صادقة في لحظة ألم، أو نصيحة صامتة في ساعة ارتباك، هي ما يغيّر مسار إنسان كامل.
ذلك هو الأثر الذي لا تفسّره المناهج ولا تحكمه المناصب.

———
التأثير الاجتماعي: حين تتحول اللمسات إلى إشعاع

في كل تفاعل يومي، فرصة خفية للتأثير.
قد تكون كلمةً تقال على عجل، نظرة تفهم قبل أن تُفسر، أو موقفًا بسيطًا يتقاطع مع أزمةٍ في حياة أحدهم.

كما قال مصطفى صادق الرافعي:

“في كل إنسان تعرفه، إنسان لا تعرفه.”

وربما لا نعلم أن ابتسامة في لحظة يأس أنقذت حياة، أو أن نصيحة في ساعة تخبط وجهت مسارًا كاملاً.
التأثير الاجتماعي الحقيقي لا يحتاج إلى ألقاب ولا أبواق.
بل يكفي أن تكون إنسانًا حاضرًا بكليتك: بفهمك، بحبك، بتواضعك.

مثل الأم التي تحتضن طفلها المرتبك دون أن تقول كلمة،
أو المعلم الذي يمرر الحكمة في قصة عابرة،
أو الصديق الذي يصغي دون أن يسأل.

هؤلاء يتركون خلفهم آثارًا لا يمحوها الزمن، بل تزدهر مع مرور الأيام.



التأثير النفسي: الإصغاء إلى ما لا يُقال

دوستويفسكي، بنظرته الثاقبة إلى أعماق الإنسان، كتب:

“شدة الإدراك مرض.”

فمن يملك هذا الإدراك، يعيش في مستوى مختلف من الحساسية: يرى الألم في العيون اللامعة، ويسمع الرجاء في الضحكة المرتجفة.

التأثير النفسي ليس أن تُقنع الآخر بفكرتك، بل أن تقنعه بأنك تراه حقًا، وتفهمه كما هو، لا كما تريد أن يكون.
أن يشعر معك بأنه غير مضطر لادعاء القوة، ولا للاختباء خلف الأقنعة.

حينها فقط، يصبح الحوار مسارًا نحو الشفاء، وتصبح الكلمة بذرة تغيير.



التأثير في الإدارة: القادة الذين يضيئون درب المؤسسات

في عالم الأعمال والإدارة، تغري العبارات القاطعة والسريعة:

“المكان لا يقف على أحد.”

لكن القصة الواقعية كثيرًا ما تفند هذا الادعاء.

حكاية كارلوس غصن:

في أواخر التسعينيات، كانت شركة نيسان تغرق.
جاء كارلوس غصن برؤية جديدة، وقاد عملية جراحية مؤلمة للشركة: أغلق مصانع، قلص نفقات، حرر خطوط الإنتاج.
نجحت خطته. عادت نيسان إلى الساحة بقوة، نافست الكبار، وأصبحت رمزًا للمرونة الإدارية مثلا للذكاء.

لكن حين بدأت المصالح الضيقة تتعارض مع رؤيته، وقررت الإدارة الاستغناء عنه، قال كلمته الشهيرة:

“سيكلفهم هذا إفلاس الشركة ومحو ذكرها.”

وكانت النبوءة دقيقة. لم تنهار نيسان فجأة، لكنها فقدت روحها، وتدهورت ببطء حتى احتاجت إلى الاندماج للبقاء.

ستيف جوبز وآبل:

كذلك ستيف جوبز، مؤسس آبل، الذي أُبعد ذات يوم عن شركته بحجة أنه “أصبح عبئًا”.
غاب، فتحولت آبل إلى شركة باهتة، بلا رؤية، بلا طموح.
وعادت لتولد من جديد حين عاد جوبز، لا بشخصه فقط، بل بروحه التي كانت هي النسيج الخفي الذي يحيك أحلام آبل.

الدرس:

بعض القادة ليسوا مجرد موظفين كبار، بل هم نَسق الحياة في المؤسسات.
غيابهم لا يظهر فورًا، لكنه يعمل ببطء، كما يجف الشجر إذا انقطع عنه الماء.



حين تموت الأماكن ببطء

المؤسسات قد تواصل العمل بعد فقدان قادتها المؤثرين.
قد تستمر خطوط الإنتاج، قد تُملأ الاجتماعات، قد تزداد الميزانيات مؤقتًا.
لكن الحياة تتسلل منها كما يتسرب الهواء من غرفة مغلقة.

تغيب الحماسة، يضمر الإبداع، وتتحول المبادرة إلى خوفٍ حذر، والابتكار إلى تكرارٍ ممل.

فالأماكن لا تقوم على الجدران، بل على النفوس التي تنبض فيها بالإيمان والحب والشغف.



فلسفة التأثير: الذكاء العاطفي فوق الذكاء التحصيلي

كتب أمبرتو إيكو:

“الحياة الآن لا يحكمها مفهوم الحق والباطل، بل مفهوم القوة والضعف، الذكاء والغباء، التكيف أو الاندثار.”

وفي هذا العالم الذي لا يرحم المتجمدين، لا يكفي أن تكون محقًا، بل عليك أن تكون قادرًا على التأثير.
على قراءة اللحظة، على تحريك المياه الراكدة دون أن تثير العواصف.
أن تكون قوة هادئة، تنساب إلى النفوس دون صراع.



خاتمة: العقول هي التي تضيء الأماكن

وليست الحكمة في ترديد القول:

“المكان لا يقف على أحد.”

بل في الفهم العميق أن:

“الأماكن العظيمة لا تُبنى إلا بالعقول العظيمة، ولا تزدهر إلا بالقلوب التي تُلهم وتُضيء.”

من يريد أن يُخلد أثره، فليتعلم كيف يزرع الأمل، لا الخوف.
كيف يُلهب الشغف، لا الرهبة.
وكيف يترك خلفه طيفًا من نورٍ، لا مجرد ذكرى من منصبٍ شاغر والكراسي لا تدوم.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن الإدارة الصعبة: حين يصبح الإبداع سيفًا، والكرامة المهنية ...
- التنين يمد جناحيه: حين تتجاوز الصين ميزان القوى
- ترامب والكوكلس كلان الجديد: بين فاشية القرن الحادي والعشرين ...
- من هو المسيح الدجال؟ تأملات في زمن الذكاء المصطنع والضمير ال ...
- البروباغاندا: تغييب الوعي وصناعة مجتمعات القطيع
- الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى ...
- العقل قبل الجينات
- دونالد ترامب وظلّ القناع الأبيض: هل يقود أمريكا إلى لحظة غور ...
- احتلال فرنسا للجزائر: الأسباب، التوابع، والرفض المستمر للاعت ...
- مهرجان من أمنيات مؤجلة
- العائلات الثرية وفرضية “المليار الذهبي”: رؤية تحليلية شاملة
- تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي
- سلوك العمل الجماعي: بين الإبداع والاندفاع
- “برامج رامز: عبثية المحتوى وهدر المال.. متى ينتهي هذا الإسفا ...
- جماعة “الجمجمة والعظام” والرقم 322: سر النخبة الخفية
- رؤية السعودية الخضراء: خارطة طريق لتشجير المملكة ومستقبل بيئ ...
- قراءة في كتاب “عقل القائد: كيف تقود نفسك وموظفيك ومؤسستك لتح ...
- إشكالية تكيف المثقف العربي بين الاستقطاب السياسي والفكري ودو ...
- البحرين: رحلة عبر الزمن بين القلاع والأسواق والمعابد والأساط ...
- بيئة العمل المسمومة: كيف تؤثر على نجاح الشركات؟


المزيد.....




- قتلى ومصابون في إطلاق نار مشتبه به في السويد
- إسرائيل: حكومة نتانياهو تتراجع عن قرار إقالة رئيس الشاباك رو ...
- الشيباني: نعمل على توثيق الجرائم وبحث تحقيق العدالة ومنع تكر ...
- -نهب الغنائم-.. صحفي بريطاني يكشف سبب تمسك لندن بالنزاع الأو ...
- إعتداء جنسي على طفل بمدرسة يثير غضبا واسعا.. ونصائح خبير لحم ...
- دهسٌ بلا إنذار: كيف تحولت السيارة إلى سلاح إرهابي في شوارع أ ...
- إطلاق صواريخ من غواصة نووية روسية خلال مناورات في المحيط اله ...
- تعزية إلى أفراد عائلة المرحوم سيدي بوشعيب الشوفاني نقيب الشر ...
- نجل ترامب : منطقة الخليج -تعتمد على أمريكا القوية-
- زلزال يضرب سواحل نيوزيلندا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - العقول التي تُحدث الفرق: في فلسفة التأثير وأوهام الاستغناء