أشرف سهلي
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 08:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذه قراءة في المشهد السوري بعد الحديث عن المطالب الأميركية لرفع العقوبات وبوادر التطبيع مع "إسرائيل" وملف الفصائل الفلسطينية ومخرجات المؤتمر الكردي وملف الساحل وهذه القضايا برزت للسطح في اوقات متقاربة شبه متزامنة.
يبدو أن اللمسات الإسرائيلية واضحة وقوية جدا على المستويات السياسية في كل شيء يضغط على سوريا ويبتزها مؤخرا وبطريقة مكثفة متزامنة، بدءا بإبراز ملف "التطبيع" وتسويقه إعلاميا بطريقة مضخمة جدا كما لو أن التطبيع حدث وتم التخلي عن كل المبادئ والأراضي المحتلة والقضية الفلسطينية وكل الاعتبارات وقضي الأمر وأصبحت سوريا في فريق (إبراهام).. مرورا بإبراز قضية اعتقال قياديين من حركة الجهاد الإسلامي في دمشق وتضخيمها كما لو أنها بمثابة جريمة ارتكبتها الحكومة السورية الجديدة والامن العام بالتحقيق معهما واحتجازهما وكأن سوريا تخلت كليا عن القضية الفلسطينية، مرورا بتزامن ذلك مع بروز ملامح انفصالية قوية وابتزازية تقودها "قسد" في الشمال الشرقي عبرت عنها في كلمة قائدها مظلوم عبدي وفي جزء جوهري ومابين سطور مخرجات "المؤتمر الكردي" السبت الماضي. وأيضا بالتزامن مع ذلك خروج رامي مخلوف وشخصيات عديدة من النظام البائد للإعلام والعمل على التجييش والحقن الطائفي مجددا ومحاولة الابتزاز في قضية الساحل السوري ووضع الإدارة السورية تحت الضغط، وسبقت ذلك مطالب لإقامة حكم ذاتي في المناطق ذات الأكثرية العلوية في الساحل السوري من قبل بعض الشخصيات.
وبطبيعة الحال وفوق كل ذلك والأهم هو ملف الورقة الأميركية التي تسمى بلغتهم السياسية "مطالب لمد جسور الثقة بين واشنطن ودمشق" التي سلمتها واشنطن لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قبل عدة أسابيع واشترطتها مقابل رفع جزئي لمدة سنتين قابل للتجديد للعقوبات الأميركية على سوريا (التي فرضتها سابقا ضد نظام الأسد بسبب جرائمه) وذلك في حال تنفيذ السلطة الحالية للمطالب ورفع العقوبات غير مضمون.
كل تلك الملفات المتزامنة على تنوعها هي بمثابة كتلة ضغوط ضخمة تظهر فيها ملامح اللوحة الإسرائيلية في رسم سوريا "البشعة المهترئة المستسلمة" والمقسمة أو المنقسمة على الأقل أو التي ينقسم الناس حولها، فهم هكذا يريدونها بالفعل وتسهم دول تكره وتعادي سوريا وشعبها على تضادها في ذلك ولكن تبقى البصمة الإسرائيلية أو تلك التي تشبه تصورات الحكومة اليمينية المتطرفة لديهم عن سوريا هي الأبرز حاليا.
كل هذا العبث والتهويل والضغط السياسي والإعلامي المتزامن والمتصاعد يجري في وقت خطير وحساس لقضايا تحتاج وقتا طويلا لحسمها ورسمها، وفهم كل ذلك من قبل النخب والعوام وتسليط الضوء عليه وإدراك كمية العبث والتهويل والضغط السياسي والإعلامي الحاصل وفهم أن الضخ الاعلامي الحالي يفوق في سرعته ومنطقيته بكثير السرعة المطلوبة لحلحلة هذه القضايا والبت بشكلها النهائي، فهم كل ذلك بدلا من الغرق في إصدار الأحكام والتحليلات لأشياء وقضايا مازالت (ترسم ولم تحسم) يحول بالضرورة دون رسم إسرائيل لهذه الملفات وتطبيع العقول السورية والعرببة مع شكل سوريا على طريقة أقرب لتصورات نتنياهو، بل يدفع على العكس من ذلك في أن يسهم السوريون ومن معهم في رسم سوريا وشكلها الداخلي والخارجي بشكل اقرب لتطلعاتهم لأن الأمر لم يخرج عن أيديهم كليا بل هي مسألة تشتيت وتعطيل وتحبيط معنوي وإعلامي أكثر من كونها وقائع محسومة لا مفر منها.
وفهم ذلك كله (ماتقدم) جوهري وأهم من التركيز على قضية: ماذا ردت الحكومة على شروط واشنطن وكيف ردت، بل وأكثر أهمية في الوقت الراهن مما قاله الرئيس الشرع حول إمكانية التطبيع مع الكيان أمام شخصية برلمانية أميركية ضخم كثيرا وأخذ مناح ليست كلها دقيقة، أو ماقاله الشيباني في مجلس الأمن عن عدم كون سوريا مصدرا لتهديد إسرائيل، هذه التصريحات كلها غير مبتوت بها وتحتمل التأويلات وربما فيها مراوغات سياسية أو على الأقل هي ليست صلب القصة الحالية لسوريا لأنها تقال للإعلام أو تسرب عبره وناتجة عن الضغوط والغرق من الكل السوري والعربي في تفاصيل تلك القصص المتزامنة وتأتي في مرحلة ضرورة المراوغة لفظيا وسياسيا.
الصلب هو أن إسرائيل تحاول بالفعل وعلى عجالة من أمرها رسم النسخة الأبشع والأسوأ من سوريا حاليا واو على الأقل إقناع السوريين وإشعارهم باستخدام كل ذلك الضجيج والضغط السياسي والإعلامي أن الامر خرج كليا عن سيطرتهم والعمل على رفع درجة التأليب الداخلي والشعبي العربي والإعلامي على السلطة السورية الحالية لإفشالها وتشويه صورتها بطريقة معاكسة لما سبق من خلال إظهارها بثوب "الراضخ الذليل" (وهذا الكلام ليس تبجيلا للسلطة الحالية ولاعلاقة له بالموقف الشخصي منها إيديولوجيا أو فكرة تأييدها ومعارضتها فهذا من حق الناس ، لكن هناك فارقا كبيرا بين أن تكون هي كذلك فعلا كما يشلع اعلاميا وبين تضخيم هذا المشهد أمام الرأي العام بصرف النظر من هي هذه السلطة) ، وذلك كله للحيلولة دون إقامة دولة سورية حقيقية في هذا الوقت ويجري كله في الوقت المستقطع بينما يغرق جميع السوريين ومن حولهم في هذه الحالة وينخرط كل فريق في قضيته الجزئية وتفاصيلها وتنسى بالمحصلة فكرة بناء سوريا الدولة (وهي الفكرة الرئيسية التي يجب ان تبقى الركيزة والأولوية) وهنا يكمن التعطيل وإشعار السوريين أن الأمر خرج عن أيديهم، وسينجح الإسرائيلي في وقت أقصر وأسرع برسم هذه الدولة على طريقته أو على الأقل تعليق قيامها أو منع السوريين نفسيا ومعنويا عن ذلك باستخدام الملفات الابتزازية تلك في حال تلكأ السوريون ومن معهم ولم يتوحدوا سريعا ولم يستسلموا لهذه الضغوط السياسية والاعلامية بأن يضعوا بناء سوريا الدولة أولوية ويقطعوا الطريق ويواجهوا ذلك معا على اختلافاتهم قبل أن يتفرغوا لكل ملف على حدة.
ويبدو أن هناك حالة من الرضوخ الفكري عند فئة كبيرة من الناس للطروحات تلك وتصرف بناء عليها وعلى كلام الإعلام وعلى المحددات التي ترسمها الأخبار فقط وكانها حقائق لا مهرب منها، وهذا خطأ ويمثل حالة استسلام مبطنة وكأن الأمر قضي تماما أو كأن واشنطن والاحتلال هما من يقرران ويحسمان كل شيء ولادور لاحد غيرهما، وهذا كله يؤدي للقعود والتراخي عن المساهمة في بناء سوريا بدل العمل على ذلك ومقاومة الإحباط والتيئيس الذي يتم بثه، ويؤدي كله لإصدار الأحكام في مسائل وتصريحات تحتمل التأويل وليس لها أدلة كافية ويفضل التريث قبل الحكم بها والعمل على التأثير فيها من الفاعلين بدل الحكم عليها حاليا وبدل التركيز على التفاصيل الصغيرة غير المحسومة، وتناسي أن الملفات التفصيلية المرتبطة بسوريا لا تحل في يوم وليلة ولا يمكن حلها دون بناء دولة حقيقية.
تلعب اسرائيل بالتالي على التناقضات بين الأطراف ولا سيما ان الملفات المذكورة كلها والتناقضات والاستقطاب الحاد بين الافراد والجماعات على تلك القضايا أمور ذات صلة ببعضها تستخدمها إسرائيل ككتلة واحدة، مع الإشارة إلى أن كل تلك القضايا على اختلافها مترابطة وتفكيكها وحلحلتها يعتمد على مصدر واحد في حال نشوئه هو الدولة والمشروع الوطني السوري أولا وهو ما لا ترغب إسرائيل برؤيته وتحاول الاستثمار الحالي للحيلولة دون قيامه و لتصير هي المحرك لكل الملفات وتتركها معلقة في آن معا، فإما أن يكون هذا المحرك (اي إسرائيل) مؤقتا أو دائما والامر يعتمد على مدى تماسك السوريين وعملهم معا وتنحية خلافاتهم ريثما يبنون مشروعهم ودولتهم ثم يعودون للتفرغ للقضايا ذات الصلة والتي هي مهمة ايضا وجوهرية لكن ليست تكثر أهمية من وجود دولة ومشروع وطني جامع.
يقال الكثير في كل ملف من الملفات المذكورة في هذه المقالة نظرا لكونها ملفات معقدة وفيها الكثير من الحيثيات ويصعب أن تكتمل الفكرة أو الرؤية حولها دفعة واحدة خاصة في هذا التوقيت كما ان وجود ترابط نسبي بينها يجعل من يرغب بالعبث قادرا من خلال خلطها ببعضها بطريقة غير دقيقة او موضوعية وتناقض الأخبار نفسها ، كإثارة ملف التطبيع وكأنه مرتبط برفع العقوبات رغم أنهما غير مرتبطين تماما فلا يوجد شرط للتطبيع مقابل رفع العقوبات (وهذا مثال واحد فقط فالخط أعمق من ذلك ويؤدي لانقسامات ينعكس بحدوث تراشق حاد بين العامة على السوشال ميديا) وبالتالي فالأمر في صلبه يبدأ بفهم أن هذه الملفات والقضايا كلها لا تحسم ولن تحسم بهذه الطريقة الفوضوية المربكة ولن تحسم قبل بناء دولة سورية حقيقية لها قيمة ومكانة وأن يبني السوريون بسلطتهم ومكوناتهم جسور ثقة فيما بينهم ويعملوا سريعا على ذلك وأن تعالج تلك الملفات كلها من داخل تلك الدولة بعد بنائها بالحدالأدنى المقبول من الجميع، وذلك قبل أن يخسروا إلى الأبد الفرصة التي تسابقهم إسرائيل على وأدها لمنع قيام هذه الدولة السورية باستخدام نفس تلك القضايا والملفات لكن بطريقة مضادة.
للحديث بقية..
#أشرف_سهلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟