|
صوت فيروز .. الفناء والبقاء
سامي عبد العال
الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 04:49
المحور:
الادب والفن
فيروز قنينةُ عطرٍ ذات روائح أسطورية فوّاحة. تبدو كعلامةٍ ابداعٍ دون ارتباط بأي شيء آخر. ثمة رهط من المطربين- وهم الأغلب- يكتسبون الشهرة من ألقابٍ مجاورةٍ لأسمائهم ماعدا فيروز. ولو اكتفينا بصوتها في زمنٍ ما ( يوم- أسبوع - شهر- عام )، فلربما لا نتطلع إلى أكثر من ذلك. الاكتفاء في الفن لا يعني التشبُع، ولكنه لون من طلب المزيد وراء المزيد: اليوم يصبحُ أياماً، الأسبوع يمتدُ أسابيع، الشهر يغدو شُهوراً، السنة تُمسي سنوات. وليس هذا فقط، بل تتفتح الأزمنة تلقائياً مع الأنغام الموسيقية والاستمتاع المتواصل.
عجائب المتعة
هي أغاني فيروز إذن، تلك المليئة بعجائب المتعة والأصداء الناجمة عن صوتها الساحر. الصوت الفيروزي تراث خالد ليس موجوداَ بالمصادفة. نغمٌ معبر عن شكل الأبد كأنّه آتٍ منذ عصور بعيدةٍ. فيروز لا تبدو ابنة القرن العشرين ولا هي السيدة التي نعرفها عياناً بياناً، لكنها حضرت إلينا في خفاءٍ من بداية التاريخ. هكذا يعبر صوتها عن طباق من المعاني المتراكمة والتي لا تحضر كاملة من تلقاء نفسها.
اتصالاً بفكرة الظاهرة، ليست فيروز مجرد مطربةٍ بصيغة الافراد. لأنّها لا تُغني وفقاً لمعانٍ داخل جدران الفرد حصراً. ولا تشدو بصوتها لاشباع الاحاسيس المحدودة، إنّما تأخذك إلى حيث روح الأصالة بجميع التفاصيل. تبدو لك عالماً خاصاً من الأنغام والجُمل الموسيقية والايقاع والأنات .. الواحدة تلو الأخرى. إذْ ذاك تتكون جماليات الموسيقى، حين تنتشل المستمع من واقعٍ مَا غير مُحتملٍّ إلى احتمال أي واقع آخر. إنَّ مهمة الفن هي أن تحتمل عن طريقها وطأة الأشياء والعالم، توسع قدرتنا على الاستيعاب والشعور بالبراح والتنوع. كلُّ موسيقي حقيقة ترسم عالماً نوعياً، ومع ذلك تبقى في الخلفية كأنَّها معزُوفة منذ الأزل. هي طريق ممتد لاكتشاف ما لم يُكتشف بعد وقد مرّ بتواريخ وحيوات شتى.
الطابع الشخصي لدي صوت فيروز – على أقل تقديرٍ- ذو أطياف كونية لا أقل. حتى يكاد المعنى يُلامس سراً من أسرار الطبيعة، يطرُق بُعداً مجهولاً من أبعاد الحياة. مرات كثيرة: صوت فيروز هو نسمات الصباح، صوت فيروز هو هديل المساء، صوت فيروز هو الغروب، صوت فيروز هو نجمات الليل. ومرات أخرى: صوت فيروز هو أشكال التجلي: أغاني الربيع، أشجان الخريف، هدير الشتاء، نسمات الصيف. ومرات بخلاف هذا وذاك: صوت فيروز هو جداول المياه، صوت هو أنفاس المروج صوت فيروز هو عبير الجبال وروائح الوديان، صوت هو عواصف السفوح ورزاز البحر، صوت هو إيماءات السحب وزخات المطر. وثقافياً، صوت فيروز هو صوت الذكريات الحميمة والبيوت العتيقة والممرات الأثرية وزوايا العلاقات الحميمة. تُسكب تلك ( المشاعر– الأحوال ) في جمل موسيقية مصحوبة بالأنات العذبة، لا فرق بينهما. وفوق ذلك، تختلف حالة فيروز من أغنيةٍ إلى أخرى.
أقصد خاصية التنوع المختلف في أغاني فيروز من حالةٍ إلى سواها والتي قد يشعر بها المتلقي. لأنَّ كل اغنية صحيح هي بصوت فيروز نفسه، ولكنها تفتح باباً أمامك لتعيش حالات مترعة بالاستمتاع. إنَّ الشعور بالجميل يندمجُ مع الشعور بالجليل. كلاهما يصنع فضاءً ساحراً من الشجن. فليست المفردات والجُمل الموسيقية مواداً وأشياءً ملموسة هي ما تشكل آفاق المعنى الموسيقي. ولكنها رموز أخرى بين الطبيعة البكر وحالة من التناغم الوجودي/ الإنساني معاً. وتلك طاقات الصوت على استحضاء المعاني كأنها لم تأتِ من قبل.
القول والنغم
ربما - للمرة الأولى- في تاريخ الغناء يُكوّن صوت المطرب الفرد ظاهرةً مؤلّفة من تلك العناصر. لأنَّ الظواهر عادةً- أية ظاهرة بحكم التعريف- قد تأتي بشكل جمعي في مجتمعاتنا الإنسانية. لكن أنْ تكون مطربة هكذا: بصيغة الجمع، فذلك أمرٌ يدعونا إلى التقصي والتعجب في الوقت نفسه. رُبّ صوت لفيروز لا يدع هناك فرصة لمركزية التفكير والاحساس. إنه يشتت استحواذك، حصارك الذاتي، لصالح متعة النغم أينما وُجد. كذلك لا تترك فيروز المستمع ينجذبُ إلى قطب عاطفي أحادي التوجه، هي تدفعك لالتقاط الجمال الآتي من أي مكان، أي تضعك في مساحة حرة لألتقاط النغم الخارج من اللامكان.
بالفعل، إذا كان النغم أصيلاً وممتعاً، فإنه يأتي مؤتلفاً من تردد أصواتٍ لا صوت مفرد، يتحقق التردد بانصهار المشاعر والحواس والأفكار في بوتقة واحدةٍ. السمات العامة لصوت فيروز ومحتوى الاغاني تعطيها مستويات من التميز. مستويات لا تُكتشف دفعةً واحدةً ولا بشكل مباشر. صوت فيروز صوت متدرج الأبعاد، متدرج الطباق، متدرج النغمات، لا يعطيك نفسه وأسراره فوراً. يأخذ عواطفك تدريجياً في رحلة بلا توقف. وفي كل ذلك، يناشد في المتلقي إثارة الخيال والإحساس. داخل الصوت الفيروزي لا فاصل بين الخيال والحس، الحس يتخيل والخيال يتجسد رامياً إلى آفاقه المميزة.
في أغنية ( اعطني الناى وغنّ ) على سبيل التوضيح، تنصهر كلمات جبران خليل جبران مع صوت فيروز تعبيراً عن معاني الوجود في درجاته القصوى. "القول والنغم والصوت" علامات دالة بفحوى الحالة الموسيقية. ليس الناي أداةً، ولكنه كلمات موسيقية. وليس الصوت مساحة من الهواء الخارج لتوّه من حنجرة فيروز. وليس النغم خلفية ثابته، لأنَّ كل ذلك هو سيرورة حضور الوجود بالفعل. إننا لا نتمكن من معاينة الوجود في إيقاعه الكوني على ما يبدو. ولكن الأغنية تستحضره، ترسمه، تدخلنا وجوداً نحن نتتظره ونترقبه في اللحظة والتو.
كلمات الاغنية مقتبسة من أبيات جبران في ( قصيدة المواكب). والاقتباس ذاهب مباشرةً إلى العلاقة بين أداة الغناء والصوت والوجود. وهي مفردات تضع الصوت موضعَ السر الرابط بين الإنسان والوجود. وكأنَّ فيروز هي من تقوم بهذه المهمة، لعلَّ دلالات الاغنية تسري مع امتداد الصوت كإشارة إلى أن الاغنية تواصل المعنى الموجود من بعيدٍ حتى الآن. إنَّ خط الزمن هو خط الصوت، الاثنان يتهاديان داخل بعضهما البعض وقد عبّرت فيروز عنهما بأدق وأرق تعبير على نحو هاديء وقوي في الوقت نفسه.
خلال البُرهة التي تُردد فيروز كلمة ( اعطني ) يتحول الصوت إلى نغم كأنه خارج من الناي. هذا الشدو الرزين والحكيم. تحاول الكلمات رتق المسافات بين المعاني لتعطي المستمع قدرةَ استحضار الوجود. لأنَّ الوجود ليس شيئاً مادياً، إنه عملية معقدة كامنة في آلية الاستحضار. وهذا الاستحضار عمل إنساني لتجسيد المعاني والأفكار والعواطف كأنَّها معطاة لنا وجهاً لوجه.
أعطني الناي وغنِّ .. فالغناء سر الوجود .. وأنين الناي يبقى.. بعد أن يفنى الوجود .. العطاء هو الأساس بالنسبة للإنسانية وبالنسبة الوجود جنباً إلى جنبٍ. فالغناء يعطي المستمع نفسه في الوقت الذي يعطينا الوجود أسراره. الغناء قيمة ضافية بلا مقابل. ويتميز بدلالة الهبة التي لا ترد. أن تغني- بإطاره العام- يعني أنك ستهب الآخرين شيئاً ذا قيمة. ولذلك نحن لا نفكر حين نغني ولا حين نسمع الغناء. إن إثارة الذائقة هي المغزى من وراء النغم. أن تتذوق هو ما يعطيك رشفة متفردة من النغم الساحر.
الأمر نفسه إزاء الوجود، فالوجود هو المعطى للبشر كهبةٍ. يقول محي الدين بن عربي: "لو لا الجُود ما كان الوجود". لأن الأخير يوجد هكذا بلا مقابل من الله. حتى أن مارتن هيدجر قال إنه ليس على الانسان التساؤل حول مصدر الوجود، لكن ينبغي رعايته وحسب. والرعاية هي اشعال عواطف البشر واهتمامهم تجاه المسمى بالوجود. أي السهر على الوجود حين يأتي وحين يروح طي الزمن. ولذلك أثار مارتن هيدجر سؤال ( نسيان الوجود) لا التساؤل حول سبب وجوده. لأنَّ سؤال السبب سؤال لاهوتي بينما نحن نريد سؤالاً إنسانياً. الوجود والخلود
لنرَ الآن: كيف يحتفي صوت فيروز بالوجود والخلود، إذ يقرنهما بالغناء. و الغناء هو النغم المعبر عن سر الوجود، لأن الكلمة هي أساس الموجودات بلغة المسيحية ( في البدء كان الكلمة). والأغنية مثل قصيدة جبران مكتوبة بلغة صوفية تكاد تشف المعاني كأنها قوارير من أنوار.
اعطني النايَ وغنِّ .. فالغناء سر الخلود .. وأنين الناي يبقى .. بعد أن يفنى الوجود .. إنّ تكرار الشطر الشعري يُؤكد الوجود كعطاء إذْ يبرهن عليه الغناء الذي هو سر الخلود بعد ما كان سرَ الوجود. والناي سيبقى، بحكم كونه أصلاً في المسألة، حتى أنَّ الأنين يظل سارياً بينما يتلاشي ما دونه. ورغم أنّ وجوداً ما سيفنى إلاّ أنّ آثاره الصوتية تظل باقيةً. تبرز فيروز هذا المعنى مع إطلاق الكلمات ومواصلة الغناء.
هاهنا يواصل السر حضوره، لأنَّ الوجود يفني في ذاته مقارنةً بالغناء. وأنين الصوت يجري بهذا المعنى، لكونه صوتاً خالداً أشبه بالصوت المقدس هو الآخر تحت ظلال الفكرة الدينية. ورغم أنَّ الأنين لا تُوجد له- في العادة- معالم شكلية، إلاَّ أنه يُشعرك بحضور شيء ما لم يكن واضحاً. أي أن الأنين يستحضر وجوداً لا يتحقق مباشرة. والدليل كونه وجوداً فانياً في مغزاه النهائي. خلال المقطع الأول كان الغناء سراً للوجود، ثم سرعان ما كان انين الناي هو الأبد، أي سر الخلود. هل إتخذتَ الغابَ مثلي.. منزلاً دونَ القصور .. فتتبّعتَ السواقي.. و تسلّقتَ الصخور؟ .. يجوب صوت فيروز كرحالةٍ جوانب الحياة بإختلاف أنماطها الطبيعية. كما لو كان الصوت هو الرحلة واسعة الآفاق. يأخذك الى حيث يريد حقيقةً لا مجازاً. الصدق الفني هو الذي يكلل النبر بما تقوله الأغنية ساعياً إلى القلوب قبل الآذان. وتلجأ الكلمات إلى الاستفهام الذي يرشق عقل المستمع في حاشية موضوعه. فالغاب هو المكان البكر بكارة الوجود، والاحساس النغمي لفيروز ينضو عن مستمعيه كل تراكمات الزمن وطباق الحداثة التي زجت بنا في منازل مصطنعة ومدن بلا قلب بعبارة الشاعر المصري احمد عبد المعطي حجازي. لعلّ اخطر ما فعلته حياتنا المعاصرة هو حجب الوجود كما هو. حجب جذور الحياة الطبيعية التي أتينا منها وإليها.
كأنّ الصوت يتجول بالفعل بين أجمات الأشجار في الغابات. حيث يُقلّب الإنسان الاغصان والأوراق ويلامس طين الأرض بباطن قدميه. هذا الاحساس الأولي السابق للتاريخ يقع مع الصوت كأنه لم يحدث من قبل. ونكاد نرى محاولات الإنسان لتسلق الصخور وقمم الجبال مع وعورة المنحدرات والوديان. هل تحمّمتَ بعطرٍ .. و تنشّفتَ بنور .. وشرِبتَ الفجر خمراً .. في كؤوسٍ من أثير؟ ..
العطر هو عطر لأطياف الوجود ولا شيء آخر. مجرد أن تلامس الأرض فقد تعطرت بأنفاس الطبيعة. حيث الروائح الحيّة والنور الطبيعي الذي يغطي وجه الحياة في أي مكان. التحمم بالعطر هو الانغمار بروائح وعبق الأشياء. وشرب الفجر بمثابة العيش المدهش. فالفجر رمز الباكورة والنقاء والحقيقة ونضارة الطبيعة. إنه يُسكر من يعيشة بنسمات الصباح والإحساس الخالص بكون الزمن لم يتلوث بعد. وفي الفجر تتنفس الطبيعة بكل ما هو حي كما جاء بالقرآن الكريم ( .. والصبحِ إذا تنّفس ). فمع الصباح تصطخب الكائنات وتتحرك بحثاً عن التفتح. أعطني الناي وغنّ.. فالغناء خير صلاة .. وأنين الناي يبقى.. بعد أن تفنى الحياة ..
باستمرار تؤكد فيروز ضرورة طلب الغناء وسماع الناي. فالغناء يبدو نوعاً من الابتهال والخشوع مثلما تعبر الكلمات. وهي الفكرة التي ربطت التراتيل بالمقدس كما جاء في الثقافة المسيحية، حيث الجوقة والموسيقي مع بعض الصلوات والطقوس. في تاريخ الأديان، يعد الرتم من ترتيبات الصلاة، إنه الأداء المُنغم الذي يتيح الانسجام والتوافق. وهو الأمر الذي لا يفصل الغناء عن ممارسة بعض العبادات والطقوس. وهنا تبلغ فيروز قدرتها الفنية على خلق حالة من الشجن مع تواصل الغناء. هل جلستَ العصر مثلي .. بين جفنات العنب .. والعناقيد تدلّت .. كثريّات الذهب ..
يأخذك الصوت إلى عرض جوانب المشهد. هناك الجلوس وقت العصر بين جفنات العنب. والعنب مادة أولية لصناعة الخمر الذي كان فجراً. وارتباطاً بالوجود، يصبح الفجر رمزاً إلى الصفاء والتحرر. لأنَّ جلوساً في مثل هذا الزمن وتلك النباتات أمر كأنه الجنة، حيث يستمتع الناس بكل ما لذّ وطاب. وتقصد كلمات الأغنية مخاطبتك بضمير المفرد، حتى تتجسد حالة المتعة الكاملة دون منغصات. وهي كشف متواصل لعناصر البهجة والأريحية التي قد نشعر بها غناءً ووجوداً. هل فرشت العُشبَ ليلاً .. وتلحّفتَ الفضاء .. زاهداً في ما سيأتي .. ناسياً ما قد مضى؟ .. في هذا السياق، لا مجال للإنسان سوى افتراش الأرض والتحاف السماء. وجه الأرض يعلوه العشب الأخضر المعبر عن ملمس خاص، حيث رائحة النباتات والأعشاب. والأهم أن ذلك الاحساس يولد لدى البشر نزعة الزهد فيما هو آتٍ، فعلى البشر ألّا يعبأوا بالتكالب على المغانم والمكاسب. لأن ذلك سلوك غير طبيعي من جهة تعكير صفو العيش في هدوء وسلام. كما أنَّ المنافسة على المصالح يحرم البشر من الاحساس بالوجود، الحد الأصلي للعيش في أحضان الطبيعة. أنْ تكون إنساناً هو أنْ تحيا على سجيتك، أنْ تكون طليقاً كالأعشاب البرية لا تحمل ضغينة لأحد ولا تزاحم الكائنات.
حدود الفناء والبقاء
أعطني الناي وغنِّ .. فالغنا عدل القلوب .. وأنينُ الناي يبقى .. بعد أن تفنى الذنوب .. يعبر المقطع عن حالة "الانسجام الداخلي" عندما يغني الإنسان. فلم تقل الكلمات إنّ الغناء هو راحة القلوب، ولم تقل إنّ الغناء بمثابة سكون النفس، ولكنها قالت الغناء عدل القلوب. والعدل هو الحالة التي يتحقق فيها التوازن الموضوعي رغم المنغصات، إنه حق الحياة بملء المعنى. فالعدل يُوجد بطبيعة الحال في الأشياء والكائنات، لأن هناك ظلماً من طرفٍ ما. والظلم بالقلوب ظلمات، أي تراكم أثقال ينوء بها الإنسان. وقد يكون الإنسان ظالماً لنفسه. بيد أنه حينما يُغني، فهذه الظلمات تنقشع ليعود التوازن العادل للقلب، أي يبدو العدل أقرب حالاً يمكننا تحقيقه من هذا الجانب البعيد.
والذنوب قد تزول نتيجة الرحمة من جانب الإله، بل ستفنى كما يعبر المقطع صراحةً. ولكن تقول كلمات الأغنية إنه لن يستمر هناك شيءٌ إلاّ ّصوت الناي، أي الغناء الأصيل هو ما يدعو لتجاوز الذنوب. عكس الفكرة الشائعة القائلة بأن الموسيقى هي مزامير الشيطان. فالنظرة الوجودية العميقة توضح كونه صوتاً للغفران، نظراً لأنه ينشد الخلاص. بل هي صوت للتداوي من الأسقام، إن الغناء صوت الحقيقة بهذه الدلالة الفيروزية. ومع انسحاب صوت فيروز من المشهد واتساعه وتردد أصدائه القصوى في الأفق، يشعر المستمع بأن كل شيء قد انتهي، حيث سكون الوجود. الوجود هو الصمت، هو السر المُلغز الذي لم يُستجل غموضه بعد. أعطني الناي وغنِّ .. وانسَ داءً ودواءً.. إنما الناس سطورٌ.. كُتِبت لكن بماء..
يكمن السر في هذا النسيان حتى بالنسبة للدواء. قد يعطيك الغناء فرصة لتنسى ما كان وما سيكون. إنه نقطة التلاشي والعبور. ولكن لا أحد يدرك ذلك، لا أحد يدرك حقيقة ذاته. فالناس ليسوا كائنات خالدة حتى يراكموا وجودهم على ناصية الخلود، ولا هم خارج الزمان كي يناطحوا الوجود رأساً برأس. الناس مسكونون بالفناء، إنَّهم الفناء ذاته. هم مجرد سطور كتبت بماء. وحتى السطور لم تكن سطوراً بارزةً ولا منحوته من صخور، لكنها خطوطٌ من الماء الذي يذوب في بحر الوجود. والغناء هو الذي ينتشل الناس من الفناء، لأنّه باق بقاء الصوت بعد أنْ يتلاشى كلُّ شيء.
#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللغة... لحمُ الشُعراءِ
-
العقل والسلطة في الثقافة العربية
-
الكتابة ... الرؤية والزمن
-
تأويل النعال (8)
-
تأويل النعال (7)
-
تأويل النعال (6)
-
فلسفة النعال (5)
-
فلسفة النِعال (4)
-
فلسفة النِعال (3)
-
فلسفة النِعال (2)
-
فلسفة النِعال (1)
-
جنة الملعون
-
اغراء المختلف
-
الأشياءُ التي كأنَّها لم تكُن
-
الإشباع الثقافي
-
تجليات الروح الشعبي
-
ترويض الطُقوس
-
السعادةُ قهراً
-
الناسُ ... هكذا هي الحياة
-
التحرر من القطيع
المزيد.....
-
ممثل أوكراني يدعو إلى ضرب الأطفال الذين يتحدثون اللغة الروسي
...
-
متحف الأرميتاج يفتتح معرضا عن أتباع مايكل أنجلو بمناسبة الذك
...
-
فيلم -دبوس الغول- يثير جدلا في تونس لتجسيده شخصيتي آدم وحواء
...
-
?دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المب
...
-
الرواية القصيرة جداً و الأولوية
-
الدورة الـ30 لمعرض الكتاب بالرباط تستقبل أكثر من 400 الف زائ
...
-
المغرب يشارك في الدورة السابعة من القمة الثقافية بأبوظبي
-
فنان مصري شهير يعلن خضوعه لعملية جراحية (صور)
-
وفاة سعد الله آغا القلعة.. رائد التوثيق الموسيقي والوزير الس
...
-
خبراء الوكالة الذرية في طهران لمناقشة القضايا الفنية مع اقتر
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|