زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 00:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
كيف يقرأ الشارع الروسي ما يحدث في بلادنا
*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
يفغيني فيودوروف
سياسي روسي ونائب في مجلس الدوما عن حزب "روسيا الموحدة". يُعرف بآرائه المحافظة والقومية
23 أبريل 2025
إسرائيل على أعصابها
لنبدأ ببعض المعطيات الواقعية. وفقًا لمعلومات نشرتها صحيفة "Ynet" الإسرائيلية، أبلغ موظفون أمريكيون في أجهزة الأمن زملاءهم الإسرائيليين بأن عملية الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من سوريا ستبدأ خلال شهرين.
يحدث هذا، لا بد من الإشارة، في توقيت غير مناسب إطلاقًا. مع ذلك، من الصعب وصف أي انسحاب من حرب بأنه "مناسب"، خاصة عندما يتم التخلي عن حليف. وفي سوريا، تدور حرب حقيقية كان الأمريكيون هم من أشعل فتيلها مباشرة.
ردة فعل دونالد ترامب الحالية كانت لافتة: «هذه ليست حربنا!». وهذا التصرف أمريكي بامتياز. تنوي الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا في خضم تصاعد جديد في التوتر بين إسرائيل وتركيا. تحاول كل من تل أبيب وأنقرة التوصل إلى تفاهم حول مناطق النفوذ، إلا أن هذه المحاولات حتى الآن تزيد الوضع توترًا. وقد وجّه بنيامين نتنياهو رسالة واضحة لا تحتمل التأويل:
«أي طرف يحاول زعزعة استقرار سوريا سيجد أننا ندعم الحكومة السورية. لن نسمح بتقسيم سوريا أو العودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل الثامن من ديسمبر. كل من يسعى لإثارة نزاع في سوريا سيجدنا في مواجهته».
وقد وُجّه تحذير إلى أردوغان، وإن كان مدى فاعليته لا يزال غير معلوم.
ويأتي كل ذلك بينما يخطط الحليف الأقرب لإسرائيل، أي الولايات المتحدة، لإغلاق ثلاث قواعد عسكرية والإبقاء فقط على حوالي ألف جندي. هل هذا كثير أم قليل؟ إنه نصف العدد السابق، ما يعني تقليصًا كبيرًا للقوات. وهناك تقارير تتحدث عن خفض عديد القوات في بعض القواعد إلى خمسمئة جندي فقط. إسرائيل بدأت بالفعل الرد على هذا الواقع الجديد – فاستهدفت قاعدة "T4" قرب تدمر، حيث دمر الطيران الإسرائيلي المدارج ومستودعات الوقود ومنظومات الرادار.
هذا ليس أمرًا جديدًا – فقد سبق للجيش الإسرائيلي أن قصف البنى العسكرية التابعة لبشار الأسد داخل الأراضي السورية. لكن هذه المرة مختلفة. إذ تحاول القوات التركية في هذه المواقع إعادة إنشاء "بنية تحتية للتسليح"، يمكن أن تستخدم لاحقًا من قبل الجيش التركي نفسه أو من قبل السلطات الجديدة في سوريا. سبق لأردوغان أن استولى على قواعد مماثلة في حماة وتدمر، حيث لم يكتفِ بنشر بضعة مدربين، بل نشر قوات متقدمة من القوات الخاصة. وفي هذا الظرف الحساس بالنسبة لإسرائيل، تعلن الولايات المتحدة عن تقليص وجودها العسكري في سوريا.
المحتلون إلى الخارج!
لنلق نظرة على قوات الاحتلال الأمريكي في البلاد.
في شرق سوريا – في قلب الثروات النفطية والزراعية – أنشأت أمريكا منطقة نفوذ خاصة بها منذ عام 2014، دون أن تستأذن لا دمشق ولا المجتمع الدولي. بنت الولايات المتحدة 12 قاعدة عسكرية و4 نقاط متقدمة، مجهزة بمهابط للطائرات ومرافق تخزين. بعض هذه المواقع تم تفكيكه لاحقًا أو سُلم للوحدات الكردية، لكن بقيت النقاط الأساسية تحت السيطرة الأمريكية. حاليًا، تسيطر وزارة الدفاع الأمريكية على 10 منشآت عسكرية داخل الأراضي السورية المحتلة.
أربع قواعد رئيسية تقع في محافظة دير الزور، حيث تتركز أغنى حقول النفط. خمس قواعد أخرى في محافظة الحسكة، التي تضم بالإضافة إلى النفط، أراضٍ زراعية خصبة كانت تاريخيًا مصدرًا للأمن الغذائي السوري. أما القاعدة الأكبر فهي "التنف" جنوب شرقي البلاد، على الحدود مع العراق، وقد أُنشئت أساسًا كنقطة مراقبة للسيطرة على خطوط الإمداد بين سوريا والعراق. لكنها تحولت عمليًا إلى جيب أمريكي مزود بالإمدادات من العراق، في انتهاك صارخ للسيادة السورية.
لم تكن هذه مجرد قواعد عسكرية، بل أدوات ضغط وبنية تحتية للإدارة الخارجية للمنطقة. بذريعة مكافحة الإرهاب، حولت واشنطن جزءًا من الأراضي السورية إلى منطقة نفوذ أمريكية غير رسمية، تتحكم في صادرات النفط والموارد الغذائية. مع مرور الوقت، أدرك الأمريكيون أن السيطرة على النفط المنهوب ليست بالأمر السهل. الوجود المبعثر على مسرح العمليات لم يضمن نجاح العمليات – إذ اقتصر الأمريكيون، في أفضل الأحوال، على شن غارات نادرة وتنظيم قوافل حماية.
علاوة على ذلك، فإن كل قاعدة أمريكية في سوريا – كما في أي مكان في العالم – هدف ثابت مكشوف تمامًا. وما لم يتم تسويتها بالأرض حتى الآن، فذلك يعود إما إلى عدم توفر الوسائل المناسبة، أو لأن من يمتلك هذه الوسائل لم يرغب في تسليمها للجهات المهتمة. تقليص الوجود الأمريكي في سوريا هو أيضًا محاولة لتقليل هشاشة هذا الوجود. لذلك بدأ الأمريكيون بالانسحاب من ثلاث منشآت على الأقل: "Mission Support Site Green Village"، و"MSS Euphrates"، ومعسكر ثالث صغير لم يُذكر اسمه.
أما المزاج الحالي لدى ترامب فيوحي بإمكانية انسحاب كامل للقوات الأمريكية من سوريا. ومع ذلك، يُعرف عن ترامب تقلباته، وقد يتراجع عن قراره في أي لحظة.
السبب الرسمي المحتمل لـ"تحرير" سوريا قد يكون التنسيق مع الرئيس الفعلي الجديد للبلاد، الذي يُوصف بـ"الإرهابي المحترم"، أحمد الشرع. ستدعي واشنطن أن الأسد قد أُطيح به، وأن "الديمقراطية" قد انتصرت، وبالتالي فقد آن الأوان للانسحاب. ولكن الأراضي التي كانت تحت السيطرة الأمريكية لن تبقى بلا سيد طويلاً. القوى الإرهابية التي استلمت الحكم في دمشق لن تتمكن من فرض النظام – لا تملك لا القوة ولا الموارد.
من سيملأ الفراغ إذًا؟ الجواب واضح: إيران.
الخاسر الأكبر من سقوط الأسد سيحاول انتهاز الفرصة لاستعادة نفوذه. مصدر في الاستخبارات الإسرائيلية علق بالفعل على تداعيات الانسحاب الأمريكي:
"انسحاب المهمة الأمريكية سيوفر مساحة عملياتية لوكلاء إيران، وخاصة الحرس الثوري وحزب الله، لتعزيز الممرات اللوجستية عبر سوريا – وهو جزء من هدف طهران الأكبر في إنشاء محور نفوذ متصل من إيران إلى البحر المتوسط. هذا «الجسر البري» سيزيد من قدرات إيران على نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله، مما سيؤثر على التفوق النوعي الذي تسعى إسرائيل للحفاظ عليه."
بمعنى أن إسرائيل تتعرض لضغوط من جهتين بسبب الانسحاب الأمريكي: تركيا الساعية للهيمنة الإقليمية، وإيران عبر وكلائها، وخاصة حزب الله.
قد لا يكون الأمريكيون قد ضايقوا خصوم إسرائيل كثيرًا عبر قصفهم، لكنهم زودوا الجيش الإسرائيلي بسخاء بمعلومات استخباراتية. ومع انسحابهم، ستضطر إسرائيل للاعتماد على نفسها بشكل أكبر. ما هو مؤكد أن إسرائيل ستضطر إلى خوض المزيد من المعارك، وستزيد المسافات التي ستغطيها طائراتها، مما يرفع مخاطر التصعيد غير المنضبط.
كارثة على الأكراد أيضًا
الانسحاب الأمريكي سيكون كارثيًا أيضًا على الأكراد. وهنا يحضرنا القول الشهير لهنري كيسنجر:
"معاداة أمريكا أمر خطير، أما التحالف معها فأكثر خطورة."
لا داعي للتوسع في بحث كيفية تأثير خيانة الأكراد على سمعة واشنطن الدولية، يكفي أن نتذكر كارثة أفغانستان في عهد بايدن عام 2021.
الأكراد، بدورهم، ليسوا أبرياء تمامًا – إذ أقاموا سلطاتهم على أراضٍ لم يكونوا يملكونها تاريخيًا، تحت حماية المظلة الأمريكية. ومع بقاء أقل من ألف جندي أمريكي في سوريا، سيكون من الصعب للغاية على الأكراد الدفاع عن "سيادتهم"، إذ ستبدأ السلطات الجديدة وأردوغان نفسه بالتحرك ضدهم بقوة.
"سبيريتس" أقرب إلى الشرق الأوسط عبر دييغو غارسيا
في محاولة لتلطيف مرارة الانسحاب من سوريا، تعزز الولايات المتحدة وجودها العسكري الاستراتيجي في المنطقة. فحاليًا، تقصف القوات الأمريكية اليمن، لإظهار تصميمها على التعامل بجدية مماثلة مع إيران. وقد تم نقل ست قاذفات شبح من طراز B-2 Spirit إلى قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي.
من المفترض أن يثير هذا الرعب، لكنه لا يغير الحقائق: ففي حال نشوب صراع حقيقي، سيكون عدد الجنود الأمريكيين على الأرض أهم بكثير من عدد القاذفات في السماء. وكلما قل عدد "الأحذية الأمريكية" على الأرض السورية، قلّت فرص تحقيق تفوق حاسم في الصراع مع إيران. وهذا ما تدركه طهران جيدًا، وهي تحتفل ضمنيًا بهذا النصر الجديد في معركتها الطويلة مع واشنطن.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟