أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - منال حاميش - العلم و الروح














المزيد.....

العلم و الروح


منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بالباراسيكولوجي

(Manal Hamesh)


الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 00:23
المحور: قضايا ثقافية
    


"العلم والروح: عبقرية غُيبت وخرافة سادت"


---

المقدمة:

لطالما كان تاريخ الإنسانية مسرحًا لصراع خفي بين النور والظلام: بين من أدركوا أن العلم امتداد للروح في رحلة الكشف، وبين من اختزلوا الوجود إلى تفسيرات مادية مبتسرة أو أغرقوه في بحار الخرافة.
عبر القرون، برزت عقول استثنائية أدركت أن جوهر الاكتشاف العلمي لا ينبع من المعادلات وحدها، بل من تماس حقيقي مع مستويات عليا من الإلهام والحدس.
من نيوتن إلى تسلا، ومن ابن سينا إلى رامانوجان، كان الجانب الروحي حاضراً، صامتاً أحيانًا، لكنه فاعلٌ في صناعة أعظم القفزات العلمية.
ومع ذلك، تبدو المفارقة مروعة حين نتأمل حال مجتمعاتنا العربية، التي غلب عليها التباس قاتل: حيث صودرت العلوم الروحية الحقيقية لصالح خرافات وتقاليد مشوهة، وحيث قُمع الوعي النقدي، وتاه العقل بين الدجل والشعوذة.

فما هي العلاقة العميقة بين العلم والروح؟ ولماذا عجزت مجتمعاتنا عن اللحاق بركب الحضارة رغم ميراثها الروحي الغني؟


---

أولًا: العلم كامتداد للروح

عند التأمل الدقيق في مسيرة العلماء العظام، نكتشف أن كل قفزة علمية كبرى لم تكن مجرد نتاج للعقل التحليلي البارد، بل كانت ثمرة تجربة روحية عميقة — أحيانًا صريحة، وأحيانًا مستترة خلف الحذر العلمي.

إسحاق نيوتن، مؤسس الفيزياء الكلاسيكية، لم يكن مجرد عقلًا تجريبيًا.
في الظل، انشغل نيوتن بالخيمياء، وبفك شيفرة القوانين الإلهية التي تحكم الطبيعة.
أوراقه السرية، التي لم تُنشر إلا بعد قرون، تكشف عن إيمانه العميق بأن الكون انعكاس لنظام إلهي مقدس.

جيمس ماكسويل، واضع معادلات الكهرومغناطيسية، آمن بأن الكون ليس مادةً صماء بل "سيمفونية حقول"، تتراقص جميعها على نغمات قانون خفي واحد، يرتقي فوق الحواس.

ألبرت أينشتاين، رغم إعلانه احترامه للعلمانية، كان يرى في "الإحساس بالغموض" أعلى درجات الإيمان العلمي، واعتبر أن الخيال، وهو وظيفة روحية للعقل، أهم من المعرفة ذاتها.

نيكولا تسلا، الذي استشرف عصر الطاقة الحرة، صرّح أكثر من مرة بأن أفكاره كانت تلوح له خلال حالات من "الاتصال الداخلي" بعوالم أرفع.

ابن سينا، عبقري المشرق الإسلامي، لم يفصل أبدًا بين العقل والروح، وكان يرى أن للعلم درجات تبدأ بالمعرفة الظاهرة وتنتهي بالذوق الروحي.

سرينيفاسا رامانوجان، عبقري الرياضيات الهندي، لم يكن يحل معادلاته عبر طرق تقليدية، بل كان يتلقى الإلهام المباشر، قائلاً: "معارفي تُكشف لي حين أتضرع إلى الإلهة".


كل هؤلاء أدركوا، كل بطريقته، أن العقل وحده ليس الكافي؛ أن هناك شعلة في القلب، إذا أُضيئت، أنارت الدروب نحو أعظم الحقائق.


---

ثانيًا: مأساة الفكر العربي المعاصر

على الطرف الآخر من المشهد، تُصدمنا حالة الفكر العربي الراهن.
بدل أن يكون الروحُ محفزًا للعقل، انقلب إلى عبء عليه، إذ سقط في مطبّين خطيرين:

1. الاختزال المادي الفج:
قطاع واسع من المثقفين العرب قادوا معركة "تقديس العلم المادي" على حساب كل ما هو روحي، مما أدى إلى بناء علوم مبتورة، منفصلة عن المعنى الأعمق للوجود.


2. الخرافة والتدين المشوه:
في المقابل، سادت موجات شعبية غارقة في الخرافة، حيث تم خلط "الروحانيات" بالسحر والتمائم والتعاويذ الفارغة.
تحولت الروح إلى وسيلة للهرب من الواقع، لا لاستكشافه وتغييره.



وبين هذين التطرفين، ضاع المشروع الحضاري العربي، الذي كان يمكن له أن يجمع بين وهج العلم ونور الروح في ثورة معرفية جديدة.


---

ثالثًا: نحو بعث حضاري جديد

الحل لا يكمن في نبذ الروح، ولا في الانكفاء على الماضي، بل في:

بناء وعي علمي روحي، حيث يُنظر إلى الكون كنسق حيّ مليء بالمعنى، لا كمجرد مصادفة عمياء.

إحياء تقاليد الحكمة في الفلسفة والرياضيات والفيزياء كما مارسها الكبار: بدمج الحدس مع المنطق.

تنظيف الفضاء الثقافي من الخرافات عبر نشر العلم الحقيقي مع احترام الأبعاد الغيبية للوجود.

تشجيع التجريب الداخلي (التأمل، الإلهام الشخصي، البحث الحر) كجزء من المناهج العلمية المستقبلية.


إن بناء أمة جديدة يبدأ من تحرير العقل والروح معًا — لا بإقصاء أحدهما لصالح الآخر.


---

الخاتمة:

اليوم، يقف العالم العربي أمام مفترق طرق خطير:

هل سنواصل الارتهان لثنائية المادة والخرافة؟

أم سنعيد وصل العقل بالروح كما فعل العظماء، ونخوض مغامرة كشفية جديدة تبدأ من أعماقنا؟

هل سنظل نُخدَر بالأساطير السطحية أم سنستعيد قدرتنا على التأمل العميق؟

متى ندرك أن الإبداع العلمي الأصيل لا يولد إلا من رحم التوتر المقدس بين الفكر والحدس؟

وهل نملك الشجاعة للبدء؟


أسئلة مفتوحة، لا يجيب عنها الكلام، بل تنهض لها الأمم الجريئة فقط.



#منال_حاميش (هاشتاغ)       Manal_Hamesh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (أولو) بوابة نحو بعد.خفي
- فلسفة الزمن و الترددات
- الظل في عقل نيوتن
- ازدواجية الزمن
- ما هو الزمن ؟؟؟
- ماهي الميتافيزياء،الحية ؟؟
- عذرا .الارض ليست بيتزا
- سر ارقام تسلا 3,6,9
- الرياضيات المقدسة
- عندما خرجت من المصفوفة
- تفكيك لعنة الدوغمائية
- القادم صادم
- من نحن ؟لماذا جئنا ؟اين سنذهب ؟
- العدالة الكونية ام ظلم المقادير
- بين المونادولوجيا و الميتافيزياء،الحية
- نبضات الوجود الخفية
- منال حاميش،و الميتافيزياء،الحية
- التأملات السبعة
- .ماهو علم القطرة
- العار الأزرق


المزيد.....




- باكستان: سنرد على أي غزو أو هجوم من الهند بشكل مناسب
- تعيين حسين الشيخ نائباً لرئيس السلطة الفلسطينية، ومراقبون يع ...
- الشرطة الهندية تعتقل 175 شخصا على الأقل بحثا عن منفذي هجوم ك ...
- 40 شهيدا بغزة وتحذيرات من وضع إنساني كارثي
- بايدن يبتسم وهو يلتقط صور سيلفي في جنازة البابا فرنسيس (فيدي ...
- -المسيرة-: 3 غارات أمريكية استهدفت السفينة الإسرائيلية المحت ...
- -أنصار الله- تحذر من تسرب نفطي هائل بالبحر الأحمر جراء الضرب ...
- صنعاء.. فيديو يفطر القلوب لأم تبحث عن ابنتها تحت ركام منزلها ...
- الإمارات تطلق مبادرة حفر آبار مياه جنوب قطاع غزة ضمن عملية - ...
- الدوما الروسي يحذر من التهديد الرئيسي الذي يواجهه مالكو محاف ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - منال حاميش - العلم و الروح