الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 15:45
المحور:
كتابات ساخرة
ما إن تُصافحك اللحية في ملامح أحدهم، حتى تبدأ الأسئلة تُدندن في الأذهان دون استئذان: "من هذا؟"، "ماذا يُخفي تحت هذا المظهر؟"، وكأن التدين أصبح مرادفًا للاشتباه، وكأن الوقار في الهيئة صار جريمة مؤجلة في أعين البعض.
في هذا البلد، يبدو أن المظهر الديني لا يعيش في مأمن. فئة من الناس تنظر إليه بعدسة مزدوجة: في الصباح، توقره في المجالس، وفي المساء، تخافه حين يمر بجانبها في زقاق ضيق. تدّعي احترامه، لكنها ترتجف في سرّها إن اقترب منها صاحبه بصمت. كل ما يدل على الانتماء الظاهري إلى الدين صار بمثابة "إنذار أولي" لإطلاق الشك، وكأننا أمام جهاز أمني لا يعرف التفرقة بين التدين والتطرف.
ومن هنا يبدأ التشويش: تُرتكب جريمة، يكون الجاني ملتحيًا، فتُفتح أبواب التنمر على الدين بأكمله، ويُضرب الإسلام بتصرف أفراده. بينما حين يكون الجاني شخصًا بلا أي مظهر ديني، تنطلق حملات التبرير: "ربما كان يعاني"، "أكيد عندو مشاكل شخصية". هنا لا أحد يسأل عن الخلفية الإيديولوجية، فقط يُطوى الملف بهدوء. إنها ازدواجية المعايير في أوضح تجلياتها.
الصور النمطية التي بُثّت في وجداننا عبر الإعلام الغربي – خصوصًا الأمريكي – فعلت فعلتها فينا. أصبحنا نربط اللحية بالسلاح، والجلابة الطويلة بفتيل الانفجار، حتى ونحن نعيش في مجتمع عُرف بتدينه الفطري. لا نكاد نرى من يرتدي اللباس الشرعي، حتى يتحول إلى "موضوع للنقاش"، لا باعتباره إنسانًا، بل كـ"حالة محتملة".
المشكلة أعمق من مجرد تخوف. المشكلة أننا نحمّل الدين مسؤولية أفعال بشرية بحتة، ونُسيء له حين نجعل من مظهر أتباعه تهمة جاهزة. نعم، ليس كل من التزم ظاهرًا هو قدوة، ولكن أيضًا ليس من العدل أن يتحول الالتزام إلى تهمة، والتدين إلى مشجب.
المحاسبة يجب أن تكون فردية، لا جماعية. والمظهر ليس دليل إدانة ولا صك براءة. من أخطأ يُحاسب وحده، ولا يُسحب خطأه على دين بأكمله. فالدين أسمى من أن يُستعمل كصندوق شكايات ضد أولئك الذين أساؤوا لأنفسهم قبله.
ولعل قول أحمد ديدات يلخص كل هذا التوتر في جملة واحدة: "أنا مسلم، والإسلام دين كامل، لكنني لست كاملًا، فإذا أخطأت فلوموني أنا، لا تلوموا الإسلام."
هي دعوة بسيطة، لكنها عميقة: دعوا الدين في مقامه، وحاسبوا الناس على ما اقترفته أيديهم، لا على ما ارتدوه من ثياب.
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟