|
عن معرض «إعادة تدوير الأشياء»
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 13:45
المحور:
الادب والفن
يعد مجال تدوير قطع الخردة عبر تحويلها إلى أعمال فنية من رسومات ومجسمات وقطع للديكور المنزلي والتجميل البيئي من قبل الفنانين التشكيليين، أحد أهم المظاهر الدالة على قيمة الفن والفنانين في انتشال البيئات البشرية من ملايين الأطنان المهملة من بقايا المواد ومخلفات المصانع والحرف المختلفة، والتي يساهم وجودها مهملة في الإضرار بالبيئة والإنسان على صعد مختلفة صحية وروحية واجتماعية واقتصادية.
نَشر موقع «arabisklondon»، مقالًا للكاتب محسن حسن، يذكر فيه لقد برزت هذه التوجهات الفنية المستدامة بقوة خلال القرن العشرين. كجزءٍ من رسومات الثورة الحداثية ضد استخدام المواد التقليدية في الفنون الجميلة. ورغبة في إثبات جدارة الفن بتوظيف المهارات البشرية لتحويل شيء مهمل إلى عنصر فني يمكن الاستفادة به؛ فظهر مصطلح (فنون النفايات junk art ) لأول مرة عام 1961 على يد الناقد الإنجليزي (لورانس لواى) لتوصيف النشاط الفني والتشكيلي القائم على صياغة الأعمال الفنية وصناعتها من الخردة والنفايات كقطع المعدن. والآلات المستهلكة والمكسورة، وكذلك الأخشاب ومهملات الأقمشة والأوراق وغيرها، وذلك بعد أن ذاعت هذه النوعية من الأعمال الفنية خلال خمسينيات القرن الماضي، على يد الفنان الأمريكي (ريتشارد راوشنبرغ )، ثم بعد ذلك على يد الكثير من الأعمال الفنية لجماعة الـ( Funk art) التشكيلية في كاليفورنيا، إلى جانب أعمال فنية أخرى.
وقد شهد العام 2002، إحياء مفهوم المصطلح ذاته، عندما قام كل من (ويليام ماكدونو) و (مايكل برونغارت) عبر كتابهما المشترك (Cradl to Cradle) بتعريف إعادة التدوير، على أنه إعادة تصميم الطريقة التي نقوم خلالها باستخدام الأشياء من حولنا. تاريخيًا، هناك من يقول، إن فن الخردة، ليس جديدًا، فقد عرفه النحات المعاصر في أوروبا بعد الحرب العالمية حين قام بتطوع نفايات المعادن والمخالفات المعدنية الصناعية ليشكل منها أعمالاً إبداعية، وكان من بين من اهتموا بهذا الفن بيكاسو الذي أبدع قطعة نحتية على شكل رأس ثور قدمها عام 1943 في معرضه الأول بعد الحرب العالمية الثانية، وكان شديد الفخر يعرضها على الجمهور لتحظى المنحوتة بشهرة كبيرة في الفن الحديث كنموذج لأبسط أسلوب فني غير مألوف يمكن أن يستخدمه فنان.
ومن التجارب الإبداعية المبهرة أيضًا منحوتة الخروف للفنان نيومان نورتا عام 1951، حيث نجح في أن يحوِّل الحديد القاسي إلى صوف ناعم يكسو جسد خروفه المعدني الشهير. ولا يقل روعة عن استخدامه للمكابس الضخمة وغيرها وتحويلها إلى أعمال نحتية ذات قيمة فنية عالية. في هذا المجال، يعتبر الفنان المصري الراحل صلاح عبدالكريم أهم المبدعين العرب، حيث كانت أشهر أعماله من الحديد، وقد كُتب عنه أنه غالبًا ما يتعامل مع نفايات الخردة وكأنها حروف لغة منسية لا تقول شيئًا، حتى ينفخ فيها من روحه ويؤلف منها جملًا تشكيلية مليئة بالقوة والدلالات، ويكون هو أول من يفاجأ بما تحولت إليه تلك النفايات فتستبد به النشوة. ثمة فنان بحريني استطاع أن يبدع في هذا المجال، إنه المصور الفوتوغرافي علي محمود جناحي، عضو جمعية البحرين للفنون التشكيلية.
شارك في العديد من المعارض والفعاليات الفنية المحلية والدولية، وأقام عدة معارض فردية للتصوير الفوتوغرافي، أبرزها في قاعة باب البحرين عام 1995، فندق الدبلومات عام 1992، وطشقند - أوزبكستان عام 1994. كما مثّل البحرين في فعاليات عالمية مثل مواسم أصيلة في المغرب عام 1995، مهرجان السعفة للفنون التشكيلية في الكويت عام 1991، ومؤتمر «FIAP» للتصوير الفوتوغرافي في الصين عام 2006. حصل على الميدالية الذهبية في مسابقة «ابقَ في المنزل» برعاية مجموعة عالم التصوير في السعودية عام 2020، والجائزة الثانية في معرض «انعكاسات» برعاية مؤسسة كاميرا إسكندرية للفنون والثقافة في مصر عام 2020. بالإضافة إلى مشاركته في المعارض الجماعية لجمعية البحرين للفنون التشكيلية قدم عدة معارض خاصة، منها معرض فني ثلاثي بمناسبة عيد العمال عام 2005، ومعرض فردي بمناسبة الأول من مايو عام 2013.
وكما أسلفنا، استطاع جناحي أن يبدع في إعادة تدوير وتشكيل الخردة أو ما يطلق عليه «سكراب» من التسمية الإنجليزية «Scrap»، لتكون أعمالاً فنية جديدة يمكن الاستفادة منها. قبل نحو شهر، وتحت رعاية الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة رئيس المجلس الوطني للفنون، أقامت جمعية البحرين للفنون التشكيلية معرضًا فرديًا للفنان جناحي تحت عنوان «إعادة تدوير الأشياء»، وهو أول معرض له، احتوى على37 قطعة فنية. وعن هذا المعرض الذي أقيم في «المحطة الفنية» الكائنة في سوق المحرق القديم، يقول جناحي: في هذا المعرض، سعيت إلى استكشاف إمكانية إعادة التدوير وتحول المواد المستهلكة مثل الحديد والخشب إلى عناصر فنية تحمل بُعدًا جديدًا ومعنى متجددًا. إعادة التدوير ليست مجرد عملية فنية، بل هي رؤية بيئية تعيد تعريف العلاقة بين المادة والاستهلاك، حيث تتيح الفرصة للاستفادة من المواد بطريقة أكثر استدامة، بدلاً من التخلص منها بطرق تقليدية. من هذا المنهج يمكننا الحد من هدر المواد الخام، وتقليل استهلاك الطاقة، والمساهمة في تحقيق التوازن البيئي عبر إعادة توجيه المواد المستهلكة.
على العموم، تشير وجهة نظره إلى أن إعادة التدوير لا تعني فقط إحياء الأشياء، بل تمنحها قصة جديدة تستمر في الوجع، في حوار بين الفن، الطبيعة، والإنسان. شهد المعرض أشكالًا فنية مختلفة صغيرة الحجم وأخرى متوسطة، أبرزها «جذع الشجرة» وهو عبارة عن جذع لشجرة متآكل بفعل المتغيرات المناخية، وإهمال الإنسان، ويسند الجذع مجسم لشخص من خردة الحديد. وعبر هذا العمل الفني، ربما هناك رسالة يريد الفنان إيصالها مفادها: ضرورة الحفاظ على الأشجار والمساحات الخضراء من التلوث، ومن القطع الجائر للأشجار، بدافع تجارة الحطب. والمقصود هنا، أن بعض السلوكيات التي يمارسها الإنسان هي معول هدم للبيئة. ومن بين تلك المنحوتات، ما أطلق عليه بـ «السمراء»، وهو مجسم لامرأة أفريقية، يرمز إلى الصلابة والشموخ، وهو الأمر الذي يظهر جليًا على وجهها، وبدنها الصلب، الذي رغم كل الأوضاع الإنسانية الصعبة، يجمع بين القوة والقدرة على تحمل قساوة الحياة ومشقة العيش. إن الواقع الاجتماعي الذي تعيشه المرأة الأفريقية يزخر بأشكال مختلفة من الاضطهاد، حيث تسود السلطة الذكورية، والتمييز، والصراعات القبلية، وانتشار العنف والفقر، ومعدلات الأمية.
شموخ «السمراء» إنه تذكير قوي بأهمية أن تكون شاهدًا على نضالات المرأة الأفريقية التي ساهمت في النضال ضد المستعمر الأوروبي بكل أشكاله، وذلك من أجل تحرير القارة الإفريقية من الاستعمار والظلم بغية تحقيق الاستقلال الوطني، والتنمية، والديمقراطية القائمة على مبادئ المساواة، والعدالة والحرية والكرامة الحقة. ثمة عمل آخر، وهو عبارة عن كرسي قديم مصنوع من الخيزران، بثلاث أرجل، والرجل الرابعة صناعية تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة على الوقوف، وهو ما ينطبق على «أب الأسرة» حين يصل إلى مرحلة الشيخوخة، كما يقول جناحي. ومن خلال هذا العمل الفني، ربما كان جناحي يود أن يقول لنا، إن الأب يظل رمزًا للعطاء والعمل، متحديًا كل ما يطرأ على بدنه من متغيرات سلبية بفعل تقدم العمر، وأن شعوره بالمسؤولية المتمثلة فى توفير لقمة العيش والأمان والرفاهية لأسرته، يظل ملازمًا له حتى في شيخوخته. ونفهم من ذلك، عندما يتقدم الأب في العمر يظل مصرًا على تحمل المسؤولية الكاملة تجاه الأسرة، والسبب أن احساسه بهذا الدور لا يتوقف، وإن دوره الجوهري يكمن في توازن الأسرة، وهو مصدر قوتها.
«رقصة البوشية» مجسم آخر لأربع راقصات، يرقصن على أنغام الفن السامري، والمجسم مصنوع من خامة بيئية وهي لحاء الشجر، أي الطبقة الخارجية لجذوعها - وهو ما قام به إركين بيكارينن ( 87 عامًا) داخل كوخه الريفي في غابات جنوب فنلندا، بقطع أجزاء معينة من لحاء أشجار البتولا، لاستخدامها في تصنيع حقائب يد وحليّ - ومن المعروف إن فن السامري، هو أحد الفنون الغنائية التقليدية الجميلة المنتشرة في دول الخليج العربي، وتحديدًا في دولة الكويت. وباختصار، ترتدي من تؤدي الرقص «الثوب» لتغطي به نصف وجهها، ثم تتحرك بخطوات إلى الأمام وإلى الخلف وهي تهز وسطها ثم تدور دورة ترفع بعدها الثوب عن رأسها ووجهها لتلوح بشعرها على أنغام الأغنية. على أية حال، ما شهده معرض «إعادة تدوير الأشياء» من منحوتات ومجسمات وتماثيل مختلفة الحجم، تجربة فنية متواضعة، لكنها غنية، حيث أبدع جناحي في تشكيلها؛ ليخرج منها قطع جميلة.
وعن هذا الفن، يقول الكاتب محسن حسن، إن النمط الفني القائم فعليًا على توظيف الخردة والنفايات والأشياء المهملة في المنزل والشارع وعموم المناطق والمدن، يحتل أهمية كبيرة في الوقت الحاضر؛ نظرًا لأنه يساهم بأدوار في منتهى الحيوية من حيث الاستشفاء البيئي والعلاجي، إذ أن من أهم خصائص هذا الفن، أنه يخلص البيئة من كافة المواد والأدوات والأشياء غير المفيدة من خلال إعادة استخدامها وتدويرها بطرق وأساليب صحية وجمالية.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آباي كونانباييف.. علامة مشرقة في تاريخ كازاخستان
-
عصر الأنوار
-
تهجير العرب من فلسطين فكرة صهيونية قديمة
-
الهوية وحرّية الفكر والعمل
-
اقتصاد أوكرانيا: بين خسائر الحرب والنهب
-
الناتو وزيادة الإنفاق الدفاعي
-
فاطمة حدّاد الشامخ.. أبرز القامات التونسية في مجال الفلسفة
-
حلف الناتو.. هل يتفكك؟
-
عبدالعظيم أنيس.. المفكر والأديب
-
فهل يحق لي أن أشتكي من انعدام التحرر؟
-
العرب والدولة الحديثة والديمقراطية
-
نعوم تشومسكي
-
لماذا الأزمة البيئية كونية؟
-
حديث عن الصحافة الثقافية
-
الدكتور عادل العوا.. قامة فلسفية وفكرية
-
العرب وأسئلة الهوية
-
أمريكا: حدود الممكن إلى الانبعاث
-
أكاديمي صيني: بريكس لا ينبغي أن تكون منظمة مواجهة.. بل خيارً
...
-
المؤرخ والأديب أحمد أمين.. من رواد التنوير الإسلامي
-
فوز ترامب.. انتصار للشعبوية الأمريكية
المزيد.....
-
الدويري: فيديو القسام ترجمة لحديث أبو عبيدة وأداء جديد للمقا
...
-
مجسمات ورقية رائعة ينشئها فنان مصاب بالتوحد.. ما قصّته؟
-
البرهان: مليشيا الدعم السريع وداعموها سيدفعون الثمن غاليا
-
مشاهد صادمة.. فيلم تونسي يثير الجدل بتجسيده قصة آدم وحواء (ف
...
-
المسيحيون المشرقيون يشاركون في القداس الجنائزي ويؤدون صلاة م
...
-
ندوة فكرية في معرض الرباط للكتاب تبرز عناصر الثقافة المغربية
...
-
-أبوس إيدك سيبيني-.. جمال سليمان يعلق بعد ظهوره في فيديو مثي
...
-
عصام إمام: الزعيم بخير
-
مصر.. حمو بيكا يعلق على قرار إيقافه وإحالته للتحقيق
-
مصر.. إيقاف فنان شهير عن العمل وإحالته للتحقيق بعد فيديو تضم
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|