نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 10:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تاريخيا، رعت الولايات المتّحدة و قيادة إقليم كردستان العراق ما عُرف بمصطلح" الحوار الكردي – الكردي" بين القطبين الرئيسيين اللذين يتنافسان على النفوذ والسيطرة في مناطق "روج آفا" اوّلا وفي "إقليم شمال وشرق سوريا" تاليا- حزب الاتحاد الديمقراطي PYD (وأدواته في قسد ومسد والإدارة الذاتية)، وأحزاب ما يُسمى "المجلس الوطني الكردي".
في الأسباب الجوهرية لفشل جولات الحوار المتعاقبة منذ اتفاق " دهوك" ٢٠١٤، يبرز رفض حزب الاتحاد الديمقراطي( وقوات سوريا الديمقراطية) تقاسم السلطة والنفوذ مع أحزاب الحركة السياسية الكردية، خاصة "المجلس الوطني الكردي".
مع بدايات سيطرة ميليشات حماية المرأة في مطلع ٢٠١٢، التي أسسها حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي) بدعم من سلطة الأسد، يرفض التيار المرتبط مباشرة بحزب العمال الكردستاني والمهيمن على الأجهزة الأمنية تقديم أية تنازلات لصالح " سلطة تشاركية "، وهو ما فسر تكرار مهاجمة مكاتب أحزاب المجلس الوطني واستمرار تهديد واعتقال أهم ناشطيها رغم استمرار الحوارات وحصول توافقات، ولم تكن أحزاب المجلس الوطني تجد قوى عسكرية تستند إليها بعد "طرد" قوات البيشمركة التابعة لها إلى "إقليم كردستان العراق"، وقد حاولت دون جدوى تحسين أوراقها بالاستقواء بالحليف التركي و العراقي، وبالتنسيق مع خصوم قسد والإدارة الذاتية، وقد شكّلوا ما عُرفت "بجبهة الحرية والسلام".
اليوم، في أعقاب إسقاط سلطة الأسد، شريك قسد الرئيسي في مشروع تقسيم سوريا ، تواجه قسد وإدارتها الذاتية تحدّيات مصيرية، ترتبط بالعواقب المحتملة لما أعلنته السلطة الجديدة من سعيها لتوحيد الجغرافيا وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسسات الدولة، خاصة وزارة الدفاع قيد التأسيس. تفسّر هذه الحيثية طبيعة ردّة فعل قسد، وما تبذله من جهود لتفشيل مسارات العملية السياسية الانتقالية ، بدعم غير محدود من شركاء مشروع التقسيم في واشنطن وباريس و مرجعية الإقليم الكردستاني في العراق!
السياق العام لمؤتمر قامشلو قسدي بامتياز، ويأتي في إطار جهودها وشركاء مشروع ديمومة "إقليم شمال وشرق سوريا " لتحشيد أوسع دعم لرؤيتها، على جميع الصعد الكردية والسورية والخارجية (١)، وتعزيز موقفها الميداني وشروطها التفاوضية مع سلطة دمشق حول قضايا الخلاف الجوهرية المرتبطة أساسا بمصير الكيان الجيوسياسي السوري، وقد سبق لمظلوم عبدي أنّ أوضح أسابه لرفض مطالب ودعوة القيادة السياسية الجديدة في دمشق لتفكيك قسد، وحصر امتلاك السلاح، والاندماج في هياكل وزارة الدفاع كأفراد، على غرار ما ستفعله فصائل الهيئة وغرفة العمليات العسكرية، وذلك لانّ في أولويات قسد ورعاتها الحفاظ على " الامتيازات " الخاصة التي حققتها في سياق مشروع تفشيل الدولة وتقاسمها بعد ٢٠١٢،من خلال الإصرار على شرط "الاندماج ككتلة عسكرية"، بما يمكّن قسد من الحفاظ على سلاحها وهياكله التنظيمية و قياداتها العسكرية، ومكان تواجدها، بما يجعل من "اندماجها" مجرّد مظلة لشرعنة وجودها، وبالتالي بقاء سلطة الإدارة الذاتية المستقلّة !
لا تمثّل قيادة قسد المهيمنة حقوق ومصالح السوريين الأكراد القومية و الوطنية المشروعة، ولم يرتبط تأسيس ميلشيات " روج آفا" مطلع ٢٠١٢ وتحويلها إلى قسد ٢٠١٥، وتحويل مناطق سيطرتها إلى "إقليم شمال وشرق سوريا" بعد ٢٠٢٠، بحرص القوى الداعمة، بداية سلطة الأسد، وتاليا الولايات المتّحدة وفرنسا، ودائما النظام الإيراني وإسرائيل، على حقوق الكرد السوريين القومية، او رفع المظالم التاريخية، إلا بمقدار ارتباط "المحرقة" بمشروع تأسيس " الكيان الأزرق" !
تماما كما كانت " الميليشا الأم-" وحدات حماية الشعب"- ذراعا أسديّا في مواجهة الحركة الثورية الكردية، أصبح جيش قسد ذراعا عسكريا لفرض وتعزيز شبكة السيطرة الأمريكية على مناطق واسعة في الجزيرة السورية و شرق الفرات، وقد دخلت الولايات المتّحدة ميادين الصراع السياسي والعسكري على سوريا في أعقاب حراك وثورة ربيع ٢٠١١ من أجل تحقيق أهداف خطط مبيّتة، لتفشيل الدولة السورية وتقسيمها إلى حصص ومناطق نفوذ،سعيا لإقامة قاعدة ارتكاز وتحكّم استراتيجية دائمة، تضمن لها اليد العليا في تحديد مآلات الصراع في سوريا، وعلى الصعيد الإقليمي، وقد كانت سلطة الأسد وشريكها الإيراني بعض أدوات تحقيق أهداف تفشيل الدولة السورية قبل ٢٠١٤، توطئة لتدخّل جيوش واشنطن وحلفها المحارب للإرهاب الداعشي لاحقا، لتحقيق أهداف المشروع الأمريكي، وهي نفس الأدوار التي لعبتها ميليشات "الإسلام السياسي الجهادي" و "الكردستاني- الستاليني " القسديّة !
تفنّد تلك الوقائع جميع المزاعم التي تعمل على تغييب الحقائق، وتضليل الرأي العام السوري والكردي !!
جاء في منشور الصديق أكرم حسين،
تحت عنوان "وحدة الموقف الكردي طريقُنا إلى سوريا جديدة بلا تهميش"، ينعقد غداً في مدينة قامشلو (كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روجاي كردستان) ...ما يميز هذا الكونفرانس ليس فقط حجم الحضور أو تنوع المشاركين، بل مضمونه السياسي الذي يسعى إلى إنتاج رؤية كردية موحدة لمستقبل سوريا وحل القضية الكردية..."(٢)
مع كامل احترامي للصديق العزيز، ليس المطلوب من المشاركين في الكونفرانس أن ينتجوا "رؤية كردية موحدة لمستقبل سوريا" بل للموافقة على، ودعم، رؤية قسد التي شرح أهدافها بالتفصيل السيد مظلوم عبدي في لقاءات صحفية عديدة، وتتمحور حول الحفاظ على مرتكزات سلطة "إقليم شمال وشرق سوريا" التي باتت تمكّنه من جميع عوامل الاستقلال ،ليبقى لاحقا توقيت الإعلان الرسمي رهنا بمصالح وسياسات وحسابات الولايات المتّحدة، تماما كما كانت، وما تزال عليه الحال، بالنسبة لإقليم كردستان العراق!! فقد كذبّت حيثيات وأهداف "استفتاء الاستقلال" عام ٢٠١٧ إدّعاء قيادة الإقليم بعدم تطلّعها وسعيها للانفصال!(٣)
الأخطر من كلّ ذلك، هو جهود قسد وشركائها الاقليميين والدولين، لاستخدام مخاوف العلويين وتجيير دماء ضحايا المجازر الطائفية التي تعرّضوا لها، والدروز والمسيحيين، من أجل تأسيس أقاليم انفصالية على النموذج القسدي، تشرعن وجودة سوريّا، رغم أنّ عواقبها ستدمّر إلى الأبد مقوّمات الدولة السورية الوطنية، وتفتح أبواب حروب طائفية جهنميّة على السوريين!!
هذه الوقائع هي برسم الرأي العام السوري الوطني ، وهي أيضا برسم "نخب" طيف واسع من التيارات والشخصيات والأحزاب التي عارضت سلطة الأسدين لأسباب ترتبط بانحيازها لقيم العدالة و الديمقراطية، ورفضا لسياسات سلطة النظام اللاوطنية، ولا تجد حرجا في الانحياز لمشروع تقسيم سوريا اللاوطني بقيادة واشنطن ، وذراعها في عصابة PYD الستالينية!
---------------------------------
(١)- في إطار جهود دعم مشروع قسد في مواجهة العملية السياسية الانتقالية، شاركت السيدة إلهام أحمد ، بدعوة من الدكتور برهام صالح في منتدى السليمانية السنوي، ١٦١٧نيسان، وبحضور عرّاب مشروع إقليم كردستان العراق ، و وزير خارجية "العراق "الجديد، السيد هوشي زيباري وصديقه القديم (١٩٩١)،الدبلوماسي الأمريكي بيتر غالبريت ، في ندوة حوار بعنوان " الأكراد والتغيرات في دمشق "،وقد تركّزالنقاش حول موجّبات وسبل" توحيد الصف والموقف الكردي" في مواجهة سلطة دمشق، وكيفيّة استفادة قيادة قسد من التجربة الكردية العراقية التي افضت إلى تأسيس فدرالية " كردستان " العراق ، وإدراك طبيعة الشروط التاريخية السورية التي تساعد" الكرد" على الحفاظ على مكتسباتهم وتأكيد شرعيتها في دستور سوريا المستقبل، كما على ضرورة تجنّب مخاطر الانقسام أو المواجهة المباشرة مع دمشق .
في نفس الإطار ، رعى مظلوم عبدي ما سُمّي " منصة الحوار الوطني " في الرقة ، ٢٧شباط الماضي ، بحضور وفود من " الساحل " والسويداء" ، كما عقد مع إلهام أحمد اجتماعاً في وقت متأخر من ليلة ٢٤ في أربيل مع وزير الخارجية الفرنسي جان نوال بارو"، حيث تناول اللقاء "سبل دعم الاستقرار السياسي والإداري في مناطق الإدارة الذاتية، وتعزيز الحوار بين القوى السياسية ".
(٢)-
https://www.facebook.com/share/p/15xMbjS6P7/
(٣)- كان الاستفتاء على استقلال كردستان العراق قد عقد في يوم 25 سبتمبر/أيلول 2017، مع إظهار النتائج التمهيدية إدلاء الغالبية العظمى من الأصوات بنسبة 92%، لصالح الاستقلال ونسبة مشاركة بلغت 72%. وصرحت حكومة إقليم كردستان بأنّ الاستفتاء سيكون ملزما، لأنه سيؤدي إلى بدء بناء الدولة وبداية للمفاوضات مع العراق!
نزار بعريني، نيس
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟