زكية خيرهم
الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 04:47
المحور:
الادب والفن
حين كنت عصفورة صغيرة في عُشٍ معتم، لم أكن أرى العالم كما تراه باقي الطيور الصغيرة. كانوا يرون السماء زرقاء، والغيوم كالقطن، والريح نسمة خفيفة تداعب الريش... أما أنا، فكانت السماء في عيني حمراء كالغضب، والأشجار في ساحة العش عارية تبكي بلا أوراق. كنت أنزوي عند جذع شجرة بلا ظل، أراقب الطيور وهي تلهو وترفرف وتغني... بينما قلبي كان مثقلاً، لا يعرف كيف يغني. في عُشي، لم تكن هناك دفء. كان هناك ظلٌ ثقيل يُخيّم، وصوت عاصفة لا تهدأ. في الليل، حين تنام الشمعة التي يسمّونها أمي، كان الظل يقترب من عشي، يجلس قربي، لا يكلّم... لكنه يُحرق بجناحه. كنت أغمض عيني وأتمسك بريشي الصغير، أتصنع النوم، لكن روحي كانت تصرخ. قال لي الظل ذات همسة: "إن أخبرتِ الشمعة، سأطفئها." فظللت صامتة ثلاث سنوات. حتى جاء صباح، حملني فيه قلبي على جناحيّ، وغادرت العش دون أن أعرف إلى أين. طرتُ وقلبي يرتجف، مررت فوق الحقول، والمدارس، والطيور الأخرى تذهب مبتسمة إلى أعشاشها... وأنا أبحث عن ركنٍ آمن. جلست تحت شجرة، فاقترب مني كلب ينبح، ثم جاء رجل من نور، يرتدي عباءة من صوف. قال لي: "لا تخافي أيتها العصفورة، هل ضللتِ العش؟
بكيت... وقلت له: "عشي كان كهفاً فيه ظلٌ يقتل النور... لا أريد العودة.
ابتسم، ووضع جناحه الكبير على رأسي، وقال: "تعالي إلى عشي. أنا ورفيقتي بلا فراخ، لكن قلوبنا تتسع لكِ.
ذهبت معه. وكانت شريكته، عصفورة طيبة، استقبلتني كما تستقبل الأم فراخها حين تفقس. علمتني كيف أطهو من الحب، وأمسح الغبار عن القلب، وأجمع الحروف كمن يجمع الحَب.
كبرتُ في ذلك العش... ودرست مع طيور الجوار، ونجحت، وعلّمت جناحي أن يطيرا من غير خوف .
الرجل النوراني توفي، ورفيقته أصبحت عجوزاً. اعتنيت بها كما تعتني الريح بورقة ذابلة. ثم رحلت، وتركت لي العش والدكان.بعت العش، وطرت إلى مدينة أخرى. بنيت أعشاشاً جديدة، مخابز برائحة الدفء، حتى صار لي عشرة أعشاش... وأصبحت العصفورة التي تُعرف بابتسامتها، لا بحزنها.
ويوماً... دق بابي ظلٌ قديم، وجهه شاحب، جناحاه مرتعشان.
قال لي: "أأنتِ فراختي؟"
قلت: "لا... لا تقل ذلك. تلك الشمعة التي كنت تهدد بإطفائها، احترقت عليّ حتى انطفأت. أما أنا، فقد وُلدتُ من نور راعٍ علّمني أن الأب لا يكون من الدم، بل من الدفء. ثم أغلقت الباب... ورفرفت بعيداً، حيث لا ظل يلاحق الضوء
#زكية_خيرهم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟