عزيز العمراوي
الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 18:45
المحور:
الادب والفن
س1: بداية، نود أن يتعرف القارئ العربي على الكاتب عبد الحميد سحبان ومسيرته الأدبية والعلمية. هل لك أن تحدثنا عن نفسك؟
- أنا عبد الحميد سحبان، كاتب وباحث مغربي، اِزددتُ بمدينة باريس (بمقاطعة كليشي لكارين) بفرنسا سنة 1962. ثم انتقلتُ رفقة أسرتي إلى الدار البيضاء (المغرب) سنة 1966، وهنالك نشأت وتلقيت تعليمي بـ "المسيد"، ثم بالمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية التأهيلية. وبعد حصولي على شهادة الباكلوريا، التحقت بجامعة الحسن الثاني، ونلتُ شهادة دكتوراه الدولة في العلوم السياسية والقانونية بالدار البيضاء سنة 1995، ثم شهادة الدكتوراه في الأدب العربي بجامعة ظهر المهراز بفاس سنة 2011. اِنشغلتُ في مسيرتي الإبداعية بالكتابة في مجالات متعددة، من الشعر إلى القصة والرواية، مروراً بالبحث في مجال القانون والسياسية والاقتصاد فضلا عن الميدان النقدي. صدرت لي روايتان: الأولى بعنوان «الهجرةُ المَعكوسَةُ» سنة 1999، والثانية معنونة بـ «ذَاكرةُ المَوج» سنة 2005، ومجموعتان قصصيتان: أولُها، صدرت سنة 1996 بعنوان: «التَّعويذة»، بينما صدرت الثانية سنة 2012 بعنوان: «الثَّعلبُ الَّذي خَرَجَ عَن صَمته البَهيمي» ، كما أن لي ديوان شعري بعنوان "مذكرات رجل مسافر فوق اليم والياسمين" الصادر سنة 2012.
س 2: رواية "الهجرة المعكوسة" في أسطر؟
- "الهجرة المعكوسة" كانت في بدايتها قصة قصيرة نُشرت في جريدة المسار الأسبوعية سنة 1987 (العدد 67)، ثم تطورت لاحقًا إلى رواية تحمل العنوان نفسه. أنهيت كتابتها عام 1997، ونُشرت بعد عامين عن دار الجسور أواخر سنة 1999. تتناول الرواية تجربة المهاجر المغربي الذي ينتقل إلى مجتمع مختلف ثقافيا وهوياتيا بحثا عن حياة أفضل، لكنه يُواجَه بالرفض داخل هذا المجتمع ويعاني من التهميش والعنصرية والتضيق على عاداته وتقاليده، فلا يترك له الحرية في ممارسة أعرافه وموروثاته في البلد المضيف، فيعيش منفصلا عن المجتمع المضيف (خارج المكان بتعبير إدوارد سعيد)، فيرى بأن الحل هو العودة إلى وطنه الأم لممارسة هذه العادات والحفاظ على هويته. وفي النهاية، يكتشف أن هذا الوطن، رغم ما يعتريه من مشكلات وتحديات وأزماته، هو وحده القادر على احتوائه ثقافيًا واجتماعيًا.
س3: تتناول روايتك "الهجرة المعكوسة" قصة "حمودة"، الطفل الذي وُلد في باريس ثم عاد مع والديه إلى المغرب، حيث واجه صعوبات في التأقلم مع بيئة مختلفة تمامًا عن تلك التي اِعتادها. هل يمكن اِعتبار الرواية سيرة ذاتية لك؟ وهل حمودة هو عبد الحميد سحبان؟
- تحمل الرواية بعدًا ذاتيًا بلا شك، لكنها ليست سيرة ذاتية بالمعنى الحرفي. وبالفعل، هناك الكثير من الروابط المشتركة بيني وبين البطل حمودة، لكن هذه الرواية تتجاوز التجربة الشخصية لتصبح تعبيرًا عن مأزق وجودي لكل من عاش تجربة الصدام الحضاري بين ثقافتين مختلفتين. فحمودة يمثل نموذجًا لمهاجرٍ ضد التيار، بحيث إنه هاجر من فرنسا نحو المغرب في الوقت الذي كان فيه الواقع يفرض بقوة هجرة الجنوبيين نحو الشمال وليس العكس. وجد "حمودة" - بطل الرواية الذي عاد رفقة أسرته الصغيرة إلى الأصل - نفسَه غريبًا في وطنه الأم، بعد أن اِعتاد حياة مختلفة في بلد المهجر. وبالتالي، يمكن القول إن الرواية تستلهم التجارب الشخصية المماثلة، لكنها لا تعكس سيرتي الذاتية بشكل مباشر.
س4: في تصديرك للرواية، قلت: "أرجو لهذه اللحظات المشبوبة أن تترك داخلك شيئًا من الإشفاق على حال هذا البطل. فلتعلم أيها القارئ العزيز أن معاناة البشر لا تنتهي أبدًا، وأن أشكالها تتعدد بتعدد بصمات بشر هذه الأرض. فهل تتفق معي بأن هذه الهجرة كانت معكوسة في الحقيقة؟ أم أنها كانت هجرة في الاتجاه الصحيح؟" (الهجرة المعكوسة، ص 6). بعد مرور أكثر من ربع قرن على صدور الرواية، هل تعتقد أن الهجرة التي خضتها كانت في الاتجاه الصحيح؟ وهل أنت اليوم في حالة رضا تجاه وطنك وهويتك؟
- هذا سؤال جوهري حقًا. عندما كتبت "الهجرة المعكوسة"، كنت أعيش حالة من القلق الوجودي تجاه مفهوم "الهجرة المعكوسة" وما تنطوي عليه من دلالات، خاصة أن معناها الظاهري يشير إلى اتخاذ قرار العودة في وقت كانت فيه الهجرة نحو الضفة الأخرى حلماً مشتهى. لكن بمرور الزمن، أدركت أن ما بدا حينها قرارًا معكوسًا، كان في جوهره سعيًا نحو التوازن والطمأنينة، لا نحو المجهول.
اليوم، وبعد أكثر من ربع قرن على صدور الرواية، أستطيع أن أقول بثقة إنني أشعر بالرضا والتصالح، لا فقط مع هويتي، بل أيضًا مع اختياراتي التي ظلّت وفية لجذوري. لقد كانت عودتي، كما أدرك الآن، تمسكًا بالأصل ورفضًا للسراب، تمامًا كما فعل والدي، الذي خصصت له تحية في تصدير الرواية لأنه آثر التشبث بالوطن على الذوبان في وهم الاندماج. لو بقيت في فرنسا، أعتقد أن حياتي كانت ستأخذ مجرى آخر، ربما أكثر اضطرابًا، وأقل طمأنينة.
- أنا الآن أعيش مع أفراد أسرتي، مستقر بمدينة الرباط، وأعمل في وظيفة مع الدولة ومشرف على التقاعد. ولو بقيت في فرنسا، ما كنت لأحصل على وظيفة مماثلة. لذلك، يمكنني القول إن الهجرة إلى الأصل لم تكن تراجعًا، بل كانت فعلًا وجوديًا يمنح المعنى للهوية والانتماء. لقد تحررت هويتي من أسر الجغرافيا، وأصبحت تجربة حيّة تتشكل في داخلي باستمرار. ومن هذا المنطلق، أرى أن الهجرة التي خضتها كانت في الاتجاه الصحيح، لأنها أعادتني إلى ذاتي، وجعلتني أكثر وفاءً لإنسانيتي وهويتي.
سؤال 5: لديك رصيد أدبي وثقافي متنوع يشمل القصة، الشعر، الرواية، إلى جانب البحث الأكاديمي. في رأيك، لماذا لم تحظَ بنفس الشهرة التي نالها كتاب آخرون مثل محمد برادة وأحمد المديني، رغم أنك عشت بدورك تجربة الهجرة مثلهم؟ هل يعود ذلك إلى كونك فضّلت العودة إلى الوطن، في الوقت الذي اختار فيه أولئك البقاء في فرنسا؟ أم أن الأمر يرتبط بتعدد مجالات اشتغالك الإبداعي، وكونك كاتبًا مقلًّا في فن الرواية؟
- الشهرة ليست دائمًا مقياسًا لقيمة العمل الأدبي، وهي تُبنى على عوامل كثيرة، من بينها التواجد المستمر في المشهد الثقافي، والتفاعل مع النقاد، وحتى الارتباط بجيل أدبي معين. ولعل ما جعلني أقل حضورًا في تخصص محدد يعود إلى اختياري الكتابة في مجالات متعددة، بخلاف أولئك الذين ركزوا على كتابة الرواية وحدها. كما أنني لم أسعَ إلى تكريس اِسمي في المشهد بالطريقة نفسها التي فعلها آخرون، إذ كنت منشغلًا أكثر بعملي في مجال الإدارة الترابية الذي كان يستغرق مني الكثير من الجهد والتركيز.
أما فيما يخص تجربة الهجرة، فهناك فرق جوهري بين من يهاجر ويستقر في الخارج ليصنع اِسمه هناك، وبين من يقوم بهجرة معكوسة، يعود فيها إلى وطنه ويحاول التكيف مع وضع مختلف تمامًا. أعتقد أن هذا المسار أثر على طريقة اِستقبالي في المشهد الأدبي، حيث كان عليّ إعادة بناء علاقتي مع القارئ من الداخل وليس من الخارج.
أومن بأن الأدب ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو أيضاً مجال لاستكشاف الذات والهوية في عالم معقد، وهو ما يتجلى في رواية "الهجرة المعكوسة"، التي تطرقت فيها إلى موضوع الهجرة والاغتراب.
س6: كيف تنظر إلى المشهد الروائي المغربي والعربي اليوم؟
- تعيش الرواية المغربية والعربية مرحلة دينامية غنية، حيث أصبحت أكثر جرأة في تناول قضايا الهوية، والسياسة، والهجرة، والذات. هناك تنوع كبير في الأساليب، وظهور لأصوات جديدة تحمل رؤى مختلفة. رغم ذلك، لا يزال هناك تحدٍ في الوصول إلى القارئ العربي العريض، بسبب ضعف التوزيع والترويج، وأحيانًا بسبب سطوة الرواية التجارية على حساب الروايات التي تتطلب قراءات عميقة.
س7: هل لديك أعمال جديدة قيد الإعداد؟ وهل ستظل مواضيع الهجرة والكتابة عن الذات حاضرة فيها؟
- أنا بصدد العمل على مشروع روائي جديد، لكنه لا يتناول موضوع الهجرة، بل يركز على حلحلة موضوع التباين الصارخ بين الشرق والغرب وأثره العميق في التطور الحضاري لكل منهما، وذلك من خلال رواية بعنوان "السندباد المغربي بين أل القمرية وأل الشمسية". واللافت أن فكرة الاغتراب لا زالت حاضرة، لكن من زوايا مختلفة عن تلك التي طرحتها في "الهجرة المعكوسة". أومن أن الكاتب لا يجب أن يكرر نفسه، بل عليه أن يستمر في اِستكشاف آفاق جديدة.
----------------
ختامًا، شكرًا لك أستاذ عبد الحميد سحبان على هذا الحوار البناء، هل من كلمة أخيرة؟
- أشكر لكم إتاحة هذا النقاش التي دفعني للتأمل في مساري الأدبي المتواضع. وأتمنى أن يظل الأدب فضاء مفتوحًا لمناقشة القضايا التي تمس جوهر الإنسان، وتساؤلاته الوجودية الكبرى تجاه الوطن والهوية والانتماء.
حاوره الدكتور عزيز العمراوي، باحث في قضايا الهجرة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط.
#عزيز_العمراوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟