عبد النور إدريس
كاتب
(Abdennour Driss)
الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 18:45
المحور:
الادب والفن
ملخص للقصيدة:
في هذه المرثية السياسية-الوجودية، يستحضر الشاعر عبد النور إدريس روح بلقيس، ليس فقط كرمزٍ للأنوثة والضحية، بل كصورة مجازية للكرامة العربية المهدورة. في سردٍ شعريٍ ينضح بالألم والسخرية السوداء، تتحوّل "الخريطة" إلى سلعة مطروحة للبيع، لا في أسواق العالم، بل في المزاد العلني لضمير الأمة.
القصيدة تسير بخطى متوترة بين الحنين إلى الماضي والخذلان من الحاضر، حيث القصيدة تُذبح، والطفل يموت، والشاعر يُصلب على أرصفة العدم. وتتحول بلقيس من شهيدة للحب (كما في نزار قباني) إلى شهيدة للحقيقة، قُتلت مجددًا في كل صمت، في كل خيانة، وفي كل وردة خُنقت قبل أن تتكلم.
يسائل الشاعر الأمة التي "سكبت المجد ثم بعته"، ويتحدى القارئ العربي أن يعترف بدوره في هذا الانهيار: هل ماتت بلقيس؟ أم أن العرب هم من ماتوا؟ ماتوا حين خنقوا لغتهم، وبيعوا هويتهم، وأصبح الشعر دمًا في شوارع بلا ضوء.
تختتم القصيدة بنداءٍ يائس – مزدوج التوتر – بين الرجاء والرفض: "لا تعودي يا بلقيس، فالموت أرحم!"، ثم يعاود التوسل: "عودي، ولو شبحًا، لكي نعتذر...". إنها دعوة للاعتراف، وربما للتكفير، قبل أن يُباع حتى القلب في المزاد.
القصيدة هي:
احتجاج جمالي ضد الانحدار الأخلاقي.
لطم شعري على وجه الخرائط التي لم تعد تسكنها القلوب.
وثيقة وجدانية تفضح جراح القصيدة واللغة والهوية.
Summary:
In this searing poetic elegy, Idris Abdennour resurrects the figure of Belqees—no longer solely the slain muse of love, as in Nizar Qabbani’s lament, but now reborn as a shattered icon of lost Arab dignity. The poem unfolds as both -dir-ge and indictment, interrogating the very soul of a region adrift in betrayal.
The “map” becomes the central metaphor: no longer a symbol of belonging, but a tattered relic for sale—auctioned in the marketplace of forgotten honor, wrapped in shrouds and echoing with unanswered cries. The poet asks, bitterly: Who will buy this map? Who dares claim the ink that faltered mid-word,´-or-the child who died clutching an unfinished poem?
Belqees dies again and again—not only in memory, but in each moment of Arab silence, in every flower choked before it can speak. Her death becomes a refrain, echoing through the wounds of language, identity, and hope.
Poetry, in this lament, bleeds. The poet himself is crucified—not for prophecy, but for daring to write in a tongue that has been smothered, sold, forgotten. Across the broken verses, the poet addresses a fallen nation: one that once poured its glory like perfume, only to trade it for silk scarves and the fleeting lust of tyrants.
With aching irony, he declares: They said Belqees has died—but it is the Arabs who are dead. The ink has died. And he who once burned the heavens with his rage, now stares blankly at the void.
The closing lines are a wound in themselves: torn between despair and reluctant yearning. “Do not return, Belqees… death is more merciful.” Then a whispered reversal: “Return, even as a ghost… so we may apologize.”
This is no mere poem. It is:
A poetic protest against moral decay.
A requiem for language, love, and lineage.
A cry for awakening, echoing through the corridors of broken maps and auctioned hearts
قصيدة: "بلقيس الثانية… من يشتري هذا الوطن؟
الناقد الأدبي
جاءت القصيدة بمثابة مرثية حديثة لعالم عربي يترنّح بين الخيانة والخذلان، مرآةً لصوت نزار قباني في "بلقيس"، وممتدة من انكسارات قصيدة "من يشتري مني العرب؟" لفايز أبو جيش، لكنها تضيف إليها بُعدًا رؤيويًا جديدًا يندمج فيه الأدب والفكر والفلسفة والإنسان.
أولًا: التحليل الأدبي
1. البناء الفني والصياغة:
القصيدة تعتمد على التدوير والتكرار الموسيقي، مع تموّج في النبرة من الخطابي إلى الوجداني، ومن العاطفي إلى الهجائي، مما يمنحها نفسًا دراميًا مسرحيًا يصلح للأداء الغنائي.
التكرار البنائي: “من يشتري؟” / “يا بلقيس” / “سحقًا لهم” يشكّل محورًا إيقاعيًا يرسّخ الرسالة ويضاعف التوتر.
توظيف النداء: "يا بلقيس"، "يا أمتي"، "من يشتريك؟" يظهر أسلوب الرثاء المعكوس حيث الراثي والمَرثي يتبادلان الأدوار.
اللغة مشبعة بصور الاستعارة: "الشاعر يشحذ الحبر"، "القصيدة دمًا"، "الوطن بلا قلب"، في استحضار لبلاغة الغضب واليأس.
2. التناص والرمز:
بلقيس هنا ليست فقط المرأة الشهيدة، بل رمز للكرامة والهوية، وهي استعارة مكثفة للعروبة المغتالة.
تناص مباشر مع نزار قباني:
> "قالوا: ماتت بلقيس"
قلت: بل مات العرب...
ثانيًا: التحليل الفلسفي
1. سؤال الوجود العربي:
القصيدة تطرح سؤالًا وجوديًا عن ماهية "العروبة" اليوم، وتعيد صياغة مفهوم الوطن:
هل الوطن فكرة؟ تراب؟ تاريخ؟ دمعة؟
وإذا كانت العروبة تُباع وتشترى، فهل هي سلعة أم كينونة؟
هذا الصراع يوازي جدل الهوية والوجود عند هيدغر:
> "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسكن اللغة، فإذا خان لغته، خان نفسه."
القصيدة تؤكد أن خيانة اللغة (الشعر، الكلمة، الذاكرة) هي أولى علامات التفكك الوجودي.
ثالثًا: التحليل الأخلاقي
1. نقد التخاذل والنفاق:
بلهجة تقريعية جارحة، يعرّي الشاعر صمت "الأشراف"، وازدواجية "البيان العربي"، وكأننا نعيد سماع ما قاله المتنبي:
> وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ... فهي الشهادة لي بأني كاملُ
لكنه هنا يُقلب المعادلة: الناقصون يشهدون على خرابنا جميعًا... بصمتهم.
2. الدعوة للغضب الإيجابي:
ليس الغضب هنا مجرد انفجار، بل هو مقاومة وجدانية – أخلاقية:
"اغضب فقد حان الغضب"... ليست ثورة عبثية، بل توق إلى استعادة صوت مسلوب.
رابعًا: التحليل الإنساني
1. بلقيس كضمير حي:
القصيدة ترفض موت بلقيس بوصفه حدثًا فرديًا، وتحوّله إلى حدث كوني:
موت امرأة أصبح موتًا للقصيدة، للضمير، للعقل الجمعي.
الشاعر يستحضر مشهدًا إنسانيًا تمثّله الطفلة التي تنادي “يا عرب”، فتجعل من البراءة وجهًا للحق.
2. مركزية الطفل والأنثى:
الطفلة، الأم، بلقيس... جميعهن ضحايا في مشهد دموي يحكمه الذكور الصامتون.
البعد الإنساني يعيد صوغ الأنوثة بوصفها المعنى الأعلى للوجود، والعروبة التي تموت كلّ يوم بلا قصيدة.
استشهادات وتقاطعات فكرية:
من محمود درويش:
> "هزمتك يا موت الفنون جميعها"... لكن في هذه القصيدة، يبدو أن الموت قد غلبنا بالصمت والخنوع.
من أدونيس:
> "العرب يكتبون الشعر كما يُشعلون السجائر، ولكنهم لا يشعلون الثورات"...
القصيدة تحاول أن تشعل الثورة من رماد القصيدة ذاتها.
من ابن رشد:
> "السكوت عن الحق شيطان أخرس"...
كل شطر في القصيدة يصرخ ضد هذا الصمت.
خاتمة:
هذه القصيدة ليست خطابًا سياسيًا، بل مرآة أخلاقية وفلسفية لما أصبح عليه الضمير العربي. هي قصيدة جرح، لكنها أيضًا دعوة لأن لا نموت صامتين. توحِّد بين المأساة الفردية (بلقيس)، والمأساة الجماعية (وطن عربي يُباع بنعل من خشب)، وتحفر بسؤالها الموجع: "من يشتري هذا الوطن؟" في قلب كلّ قارئ يعرف أنّ الأوطان لا تُشترى... لكنها تموت حين تُنسى.
قصيدة: بَلقيسُ الثّانيةُ… مَنْ يَشْتَري خريطة العرب؟
شعر: عبد النور إدريس
مَنْ يَشْتَري هذه الخريطة؟
بِكَفَنِ مَوْتَى؟
أمْ بثَوْبٍ مِنْ شَجَنْ؟
مَنْ يَشْتَرِي تاريخَنا الْمُنْهارَ؟
مَجْدَ الْحِبْرِ حِينَ الْقَلَمُ تَلَعْثَمْ؟
مَنْ يَشْتَرِي طِفْلًا يَمُوتُ،
وفي يَدَيْهِ قَصِيدَةٌ
لَمْ تَكْتَمِلْ؟
آه..
يا بَلقِيسُ…
هَا أنْتِ تَمُوتِينَ مِنْ جَدِيدٍ
فِي كُلِّ سَطْرٍ
فِي كُلِّ صَمْتٍ عَرَبِيٍّ
وفِي فَمِ الزَّهْرِ الَّذِي خُنِقَ
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ...
آه..
يا بَلقِيسُ… قُومِي مِنْ مَوْتِكِ،
وانْظُرِي كَيْفَ صَارَ الشِّعْرُ دَمًا
وكَيْفَ صَارَ الشَّاعِرُ
مَصْلوباً يَشْحَذُ الْحِبْرَ
عَلَى أَرْصِفَةِ الْعَدَمْ...
آه..
يا أُمَّتِي…
يَا مَنْ سَكَبْتِ الْمَجْدَ، ثُمَّ بِعْتِهِ
فِي الْمَزَادِ الْعَلَنِيِّ
بِشَالِ حَرِيرٍ
أوْ بِشَهْوَةِ مُتَسَلِّطٍ أَرْعَنْ...
مَنْ يَشْتَرِيكِ الآنَ؟ مَنْ؟
بِكَلِمَةِ "عُرُوبَةٍ" ..
بِقَصِيدَةٍ… لَمْ تُرْوَ...
بِطِفْلَةٍ تَبْحَثُ عَنْ دِفْءٍ
فِي طِينِ مُخَيَّمْ...
آه..مِنّا...
قَالُوا: "مَاتَتْ بَلقِيسُ"،
قُلْتُ: بَلْ... مَاتَ الْعَرَبْ
وَمَاتَ الْحِبْرُ
وَمَاتَ مَنْ، إنْ قِيلَ لَهُ "اغْضَبْ"،
احْتَرَقَ الْكَوْنُ مِنَ الْغَضَبْ!
آه
مَنْ يَشْتَرِي أَعْلَامَنَا؟
مَنْ يَشْتَرِي شُهَدَاءَنَا؟
مَنْ يَشْتَرِي الجُرْحَ الَّذِي لا يَنْتَهِي؟
مَنْ يَشْتَرِي ...
مَنْ يَشْتَرِي لُغَتَنَا الَّتِي خُنِقَتْ؟
مَنْ يَشْتَرِي دَمْعَ القَصِيدَةِ؟
آه..مِنْ حَيْرَتِنَا
يا بلقيسُ، لا تَعودي... فالمَوْتُ أَرْحَمْ!
آه..
يا بَلقِيسُ… عُودِي، وَلَوْ شَبَحًا،
لِكَيْ نَعْتَذِرْ
فَالْخَريطَةُ صَارَت بِلا قَلْبٍ،
والقَلْبُ في المَزادِ…
وَصَوْتُنا مُسْتَعَارْ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولمزيد من الاطلاع على القصيدة وهي تتجلى على مستوى الشعر الرقمي، المرجو الدخول الى هذا الرابط.:
https://vm.tiktok.com/ZMB76CFuX/
#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)
Abdennour_Driss#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟