أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جيلاني الهمامي - دونالد هتلر (الجزء الثالث والاخيرة)















المزيد.....

دونالد هتلر (الجزء الثالث والاخيرة)


جيلاني الهمامي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 18:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كان ترامب يلتقي مع هتلر على المستوى السياسي في نزعته الديكتاتورية المتطرفة وعدائه الشرس لقيم الحرية والديمقراطية وازدرائه من الجماهير عموما وعدوانيته تجاه الخصوم والمعارضين وكراهيته لكل ما هو أجنبي وخصوصا للأجناس الأخرى الافريقية واللاتينية والاسيوية فإنه على صعيد الرؤية الاقتصادية والتجارية والمالية يتفق معه في جملة من الاختيارات والقيم الليبرالية المتوحشة.

الدولار أولا
يقول فريديريك انجلز، من الصعب بل "من المستحيل أبدا الحصول على لوحة واضحة عن التاريخ الاقتصادي في مرحلة ما من المراحل وعن الاحداث نفسها في آن واحد فلا يمكن الحصول عليها الا بعد مرور حقبة من الزمن بعد جمع المادة والتحقق منها...". لكن رغم وجاهة هذه القولة فإن المعطيات المتوفرة الآن تسمح لنا بالجزم أن اللوحة على درجة من الوضوح إلى حد القول إنه ولأول مرة في التاريخ يبلغ الرأسمال العالمي هذه الدرجة من المركزة في يد حفنة من طغاة رأسمال، في احتكارات ضخمة، ميتا وتسلا وspaceX، ليس ذلك فقط وإنما أيضا ولأول مرة في التاريخ تتولى هذه الحفنة من أباطرة رأس المال المسك بجهاز الحكم مباشرة دون التعويل على أي كان من "محترفي السياسة". فالحكومة الامريكية الجديدة بتركيبتها المعروفة، تضم أكثر من عشرين من أكبر أصحاب المليارات في العالم بقيادة ترامب وماسك Musk وستيف فاينبرغ Steve Feinberg وليندرو ريزوتو Leandro Rizzuto Jr وهوارد لوتنيك Howard Lutnick وغيرهم وتعطينا صورة حية عن اندماج الاحتكارات الكبرى في مجال التكنولوجيا الحديثة Tesla وTruth Socialو XوMita والعديد من شركات ومؤسسات قطب سيليكون فالي التكنولوجي) والصناعات الحربية وكبرى شركات المضاربات العقارية ممثلة في الرموز والأسماء التي أوردناها أعلاه وغيرهم) بجهاز الحكم التنفيذي في أكبر دولة امبريالية في العالم. ومدلول ذلك أن المنظومة الرأسمالية على أهبة للدخول في طور جديد بنظريات اقتصادية متطرفة وإجراءات ليبرالية متوحشة تندرج كلها ضمن الخطّة الاقتصادية الجديدة التي من شأنها أن تجعل "أمريكا أقوى مرة أخرى" وتقوم هذه الخطة من الناحية الاقتصادية على التخفيض من قيمة الدولار من أجل إعادة دفع الصادرات الأمريكية وتنشيط التصنيع الأمريكي وبالتالي التقليص من العجز التّجاري وإعادة هيكلة الدّين العمومي الأمريكي. وكما وعد ترامب في حملته الانتخابية، اتخذ إجراءات بخفض الضرائب على الرساميل العاملة في أمريكا (إلى أقل من 20 % بعد أن كان خفّضها في رئاسته الأولى من 35 إلى 21 %) وبفرض رسوم قمرقية على الواردات الأمريكية من 185 بلدا من العالم وبالانتقال إلى سياسية حمائية تنسف في العمق قواعد التجارة العالمية، عماد نظام العولمة، التي وضعتها أمريكا بنفسها وأوكلت أمر رعايتها للمنظمة العالمية للتجارة وبتشجيع الاستثمارات على القدوم إلى أمريكا. ومن جانب آخر شَرَعَ حالما اسْتَلم كرسي الرئاسة في إعادة هيكلة نفقات الدولة والتخفيض منها وفق نظرية انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي والتخلي النهائي عن نمط دولة الرعاية .L’Etat providence وفي هذا الباب اتخذ جملة من الإجراءات تتمثل في خصخصة كل قطاعات الأنشطة وإطلاق يد المبادرة الخاصة ورفع كل أنواع القيود عن السوق وعن سوق الشغل أساسا وذلك بحذف مئات الآلاف من مواطن الشغل وتحجيم دور النقابات وإلغاء النفقات الاجتماعية (التغطية الصحية، التأمين على المرض والشيخوخة الخ...) وتكاليف حماية البيئة (تشجيع الوقود الاحفوري...). كما قرر التخلّص من العديد من الخدمات مثل التعليم والصحة وصيانة البنى الأساسية التي اهترأت بشكل ملحوظ.

وكما سبق أن قلت في مقال آخر فإن ترامب يتعاطى مع النشاط الاقتصادي والتجاري الأمريكي والعالمي بروح المقاول أو رجل الأعمال والمرابي وبذهنية التاجر المضارب السمسار ومع المعاملات الاقتصادية والتجارية على أنها عملية تخضع لقواعد "المفاوضة" ولا يرى وظيفته على رأس الدولة إلا كرئيس مدير عام PDG لـ"شركة" أو "مقاولة" ضخمة. ولا يهمه إلا تحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح وبأسرع الأوقات.

هذه السياسات والقرارات والإجراءات في هذا الظرف الدولي وما يتميّز به من أزمات وتوترات وتغيّرات يحيلنا على ما حصل في بداية ثلاثينات القرن الماضي في أوروبا ومع هتلر بالتحديد عند صعوده للحكم في ألمانيا.

لقد صعد هتلر للحكم بفضل دعم كبار رجال الاعمال الذين رأوا فيه طريق الخلاص من "ميوعة" حكومة فايمر وتساهلها مع الإضرابات وضغوط الحركة الاجتماعية. ونذكر هنا رسالة كبار الصناعيين الألمان من "حلقة الدراسات الاقتصادية"« Studienkreis für Wirtschaftsfragen " بتاريخ 19 نوفمبر 1932 للمطالبة بتعيين هتلر مستشارا على رأس الحكومة، هذه الرسالة التي جاءت ضمن سلسلة من الضغوط أفضت إلى صفقة اللقاء السري تحت إشراف المصرفي الكبير كورت فرايهر Kurt Freiherr وأبرز رموز الطغمة المالية والصناعية الألمانية وزعماء المجموعات النازية، الصفقة التي بموجبها تم تعيين هتلر مستشارا على رأس الحكومة يوم 30 جانفي 1933 عوضا عن المستشار فرانز فون بابن Franz von Papen الذي قبل بالتنحي لفائدة هتلر والعمل كنائب له. ونذكر أيضا أنه بتاريخ 20 فيفري 1933 التأم اجتماع هتلر وقورينغ و27 من أغنى أغنياء ألمانيا (صناعيون ومصرفيون وكبار الملاكين العقاريين) ليضعوا التصور النازي للنظام الجديد في ألمانيا.

لقد سلمهم هتلر "مصانع الصلب المملوكة للقطاع العام والتي تتمتع بقدرة سداد عالية، ومحطات الطاقة، والبنوك، وشركات السفن البخارية"(1). وفي المقابل من ذلك تم منع الإضرابات وحظر النقابات والاستيلاء على مقراتها وممتلكاتها ومنشوراتها وجرى هجوم كاسح على حقوق العمال بما في ذلك التخفيض من الأجور (بين 25 و40%) وازدادت الضرائب على عامة الناس ولكن تم تخفيضها أو إلغاؤها بالنسبة للأثرياء والشركات الكبرى كما تم التخفيض في الضرائب على الميراث للأثرياء أو إلغاؤها أحيانا. وقد بلغ صافي دخل الشركات الاحتكارية الكبرى العاملة خاصة في الصناعات الحربية ما بين سنوات 1935 و1943 حوالي 50%.

إن الليبرالية المتوحشة وإطلاق عنان الاحتكارات الكبرى وأباطرة الطغمة المالية هو عنوان بارز من عناوين الرأسمالية كلما سلكت طريق أقصى اليمين والفاشيين لمعالجة أزمتها ومحاولة الخروج منها. وهو ما يتأكد مرة أخرى في النسخة الترمبية التي أعادت للأذهان التجارب السابقة وفي مقدمتها التجربة النازية الهتلرية.

القناع والحقيقة
علاوة على كل هذه "المشتركات" فيما يتصل بالتوجهات السياسية والخيارات الاقتصادية الطبقية وبعض أوجه الشبه في التجربة ومسار الصعود إلى الحكم ونوعية رجالات المرحلة، يلتقي هتلر وترامب في جملة من المشتركات الأخرى لعلّها الأهم والأخطر، بعضها يتعلق بنواحي من "الشخصية" والبعض الآخر بالخطاب الشعبوي والشعارات التعبوية. لقد بنى كل من هتلر وترمب مشروعه على "ألمانيا أولا" و"أمريكا أولا" هذا الشعار الذي ينطق بجميع معاني العنصرية والكراهية تجاه الآخر سواء المهاجرين أو حتى الأمريكيين من أصول غير "بيضاء". فكما لم يخف هتلر كراهيته لليهود وكل الأجناس غير الآرية لم يتردد ترامب في طرد آلاف المهاجرين تحت عنوان "حتى لا يتلوث الدم الأمريكي" وأصدر أمرا تنفيذيا في إلغاء حق الجنسية بالولادة.

وللتذكير فإن هذا الشعار (أمريكا أولا) يعود فيما يعود إلى هيرست William Randolph Hearst واحد من أكبر بارونات الاعلام الذي أخذه عن هتلر في ثلاثينات القرن الماضي. لقد كان هيرست مناصرا متحمسا لهتلر واستعار منه هذا الشعار ليرفعه في وجه الرئيس الأمريكي روزفلت معتبرا أن برنامجه "الصفقة الجديدة" New Deal برنامج "شيوعي أكثر من الشيوعيين".

ومعلوم أن أشد ما يحرك النازيين والفاشيين القدامى والجدد بكل تلويناتهم وتسمياتهم هو مشاعر الحقد ضد كل ما يمت للطبقة العاملة وعموم الكادحين بصلة وعلى وجه أخص ضد الشيوعيين وما لف لفهم من "اشتراكيين" واجتماعيين" و"ديمقراطيين" وحتى "تقدميين" و"انسانيين". فكما قال ترامب "إن العدو على اليسار"L’ennemi est à gauche. ولا يحتاج عمال العالم وشعوبه ذكاء كبيرا ليكونوا على بينة من هذه الحقيقة مهما حاول ترامب تقمص اقنعة الخداع والتضليل. ونلاحظ اليوم استفاقة لا باس بها لدى الراي العام الأمريكي، في الأوساط الشعبية كما لدى النخبة، ووعي بما يمثلة هذا الرهط من الساسة من خطر على العمال والكادحين والشعوب الأخرى والبشرية جمعاء.

لقد كان الشهريان المنقضيان منذ تسلّم ترامب كافيين ليدرك الامريكيون والاوروبيون والعرب والصينيون والروس والكنديون وشعوب أمريكا الجنوبية أن هذا المغامر الوقح والمقامر المتعطش للمال ولعرق الشعوب ودمائهم بصدد جر العالم إلى نزاعات ومواجهات وحروب تهدد وجودهم ومستقبلهم.

وعلى الرغم من مساوئ هذا الظرف الذي يجد ترامب المجال امامه كي يلهو بمصائر الشعوب بكامل الاريحية تقريبا فإنه، أي الظرف، يوفر لا محالة فرصة كي يدرك العالم قاطبة وخاصة العمال والكادحون ويعي الثوريون أعداء الاستغلال الرأسمالي أن هذه المنظومة قد استنفذت طاقتها وما عادت تليق بحياة البشر وأن مهمة القضاء عليها قد باتت مهمة تاريخية ملحة.




هوامش
1 – من مقال دلير زنكنة بعنوان "الفاشية .. الثورة الزائفة" على الرابط التالي
دلير زنكنة - الفاشية. الثورة الزائفة



#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دونالد هتلر - الجزء الثاني
- دونالد هتلر (الجزء الأول)
- حوار مع جريدة النهج الديمقراطي العمالي بالمغرب الشقيق
- العمال يدفعون فاتورة أزمة الاتحاد في ظل استشراس أعداء العمال
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ...
- حوار مع موقف -أفريكا براس- AFRICA press
- حتى تعود الأمور إلى نصابها (مقدمة كتاب الاتحاد العام التونسي ...
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحول (الجزء الثا ...
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل - الجزء ال ...
- ألمانيا تربط مع تاريخها النازي
- أزمة ... فهدنة وتبقى دار لقمان على حالها
- يا عمال العالم، اتحدوا شاخ البيان ولكنه ما زال راهنا وحيويا
- فشل سياسة -التهميش الاجتماعي- وعودة الحركة الاضرابية
- الخلافات الرئيسية داخل اليسار هي حول قيس سعيد
- إعادة كتابة الجغرافيا
- المتلازمة التونسية Le syndrome tunisien
- حكومة ترامب الجديدة حكومة أغنى أغنياء أمريكا
- في ذكرى تأسيس الاتحاد: مرّة أخرى في الأزمة النقابية وشروط تج ...
- الأزمة الراهنة للرأسمالية العالمية: صعود قوى اليمين المتطرّف ...
- الأزمة الراهنة للرأسمالية العالمية: صعود قوى اليمين المتطرّف ...


المزيد.....




- زيلينسكي: أتفق مع ترامب بشأن عدم قدرة أوكرانيا على استعادة ا ...
- -تارتان الساحرات-: نسيجٌ يخلّد ذكرى نساء أُعدمن بتهمة ممارسة ...
- طائرة شرطة تتحطم في بحر تايلاند... ومقتل 6 ضباط كانوا على مت ...
- ستثير قلق العالم... وزير الدفاع الباكستاني ينبّه من احتمال م ...
- قميص أول ظهور لكوبي براينت يُباع بـ7 ملايين دولار في دار -سو ...
- شاهد: الرئيس الفرنسي وزوجته يلقيان النظرة الأخيرة على جثمان ...
- إيران: برنامج الصواريخ لا تخصيب اليورانيوم نقطة الخلاف مع أم ...
- زيلينسكي: أوكرانيا تريد ضمانات أمنية أمريكية على غرار إسرائي ...
- ترامب: ترقبوا خبرا كبيرا من إفريقيا
- زيلينسكي: مستعد للحوار السلمي مع أي أحد لكن بشروط


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جيلاني الهمامي - دونالد هتلر (الجزء الثالث والاخيرة)