أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله عطوي الطوالبة - المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(2)














المزيد.....

المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(2)


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 11:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


خلقت الحرب العالمية الثانية، وقبلها الأولى، آلامًا تستعصي على الحصر في أوروبا خاصة. وقد كان من واجب أهل الفكر والفلسفة، في تلك الآونة، إعطاء أولوية لموضوعات الألم والموت ومصير الإنسان والعلاقات الإنسانية، ناهيك بالتركيز على أهمية أدوار العلم والمعرفة في الحياة.
وكانت قد سيطرت على الأوروبيين، خلال الأعوام الممتدة بين 1925 و 1950، حالة من القلق واللايقين دفعتهم إلى التوجه للفلسفة بشكل خاص وليس إلى الدين، للحصول على إجابات على أسئلة ضاغطة تنغص عليهم حياتهم. من هنا نفهم انتشار المدارس الفلسفية المختلفة في أوروبا آنذاك، وقد ذكرناها في الحلقة الأولى.
نضئ في مقالنا هذا على أحد أبرز رواد الواقعية الجديدة، المنبثقة عن الفلسفة التجريبية في تجليات تطورها، ونعني الفيلسوف الإنجليزي برتراند رَسّل (1872- 1970). تميز رَسل بغزارة الإنتاج في الكُتب والمقالات، وكان وما يزال من أكثر الفلاسفة المقروئين من الناس. ربما يكون أحد أهم الأسباب رفضه الحرب، وسجنه خلال سنوات الحرب العالمية الأولى بسبب ذلك، بالإضافة إلى تميز أسلوبه بالوضوح والتناول العلمي. لم يقتصر تأثيره على الجماهير فحسب، بل تعدى ذلك إلى الفلسفة الأوروبية خلال القرن العشرين وحتى اليوم.
في البداية، رأى رَسل في الرياضيات المثل الأعلى للفلسفة، وعُرف كأفلاطوني مُخْلِص. ويتأكد ذلك في رأيه القائل بوجود مفاهيم كلية أو كليات ندركها إدراكًا مباشرًا خارج نطاق الواقع التجريبي، لها وجودها في ذاتها ومستقلة عن العقل وعن الأشياء. في ضوء هذه الرؤية، عَدَّ رَسل الفلسفة عِلمًا استنباطيًّا مستقلًّا عن التجربة المحسوسة. ومن أهم مؤلفاته المتضمنة لما ذكرنا، كتاب "مبادئ الرياضيات"، أحد أهم مصادر الفكر الفلسفي الأوروبي في القرن العشرين. لكن رَسل لم يلبث أن غيَّرَ رأيه، ففي حين كان زميله في تأليف الكتاب المومأ اليه قبل قليل، الفيلسوف وايتهد يتجه صوب الميتافيزيقا (الماورائيات)، أخذ هو يغذ السير على طريق الوضعية. فالفلسفة عنده لم تعد استنباطية، بل تجريبية. ولم يعد يرى جمالًا أفلاطونيًّا في الرياضيات، إذ باتت برأيه مجرد أداة عملية للعلم.
تبنى رَسل مفهومًا للفلسفة، يشير إلى موقف ما عُرف بالواقعية الجديدة في أوروبا حينها متأثرًا بالفيلسوف الإنجليزي مور. فباعتقاده، ينبغي أن تكون الفلسفة عملية بجوهرها، تستخرج أحكامها من علوم الطبيعة وليس من الدين والأخلاق، أي أن العلم هو المثل الأعلى للفلسفة وليس أي شئ آخر. ومن رؤى رَسل المهمة في الفلسفة، قيامها بدور فاتحة الطريق أمام العلم، وذلك بإقتصار نشاطها على المشكلات التي لم تخضع للدراسات العلمية. وكي تنهض الفلسفة بهذا الدور، لا بد بحسبه من تنظيفها من التزعات الرومانتيكية والتصوفية. مهمة الفلسفة الرئيسة نقدية، كما يرى رَسل، وبالتالي، عليها إثارة المشكلات وليس إيجاد حلول لها. فليس بإمكان الفلسفة تقديم إجابات مؤكدة، بل مهمتها فتح مجالات وآفاق جديدة أمام العلم. وبما أن مهمة الفلسفة نقدية، فمن واجب الفيلسوف وضع القضايا والمفاهيم والبراهين العلمية تحت مجهر التحليل المنطقي. تحول رَسل في مرحلة لاحقة في مساره الفلسفي إلى اللاإرادية المتعقلة، لاقتناعه بأن العلم الطبيعي هو الوحيد القادر على تقديم معلومات عن الواقع. وفي الوقت عينه، فالعلم ليس بمستطاعه تجاوز الاحتمال. يعني هذا، تمسك رَسل بتراث التجريبية الإنجليزية على النحو الذي صاغه هيوم وجون ستيوارت ميل.
انتقد رَسل وأغلب الواقعيين الجدد الإنجليز بمن فيهم مور، فلسفة برادلي في العلاقات الداخلية. نفى رَسل وجود هذه العلاقات قائلًا إن العلاقات القائمة خارجية مُضافة إلى ماهيات الأشياء الموجودة. وبذلك أخذ رَسل بالتعددية والتمييز بين الذات والموضوع. فالقول بالتعددية أهم ما ميَّز تيار الواقعيين الجدد، ويعني في جوهره أن العالم يتكون من ذرات ربما لا نهائية في عددها، مستقلة عن بعضها وتربطها فيما بينها علاقات خارجية. في وقت لاحق، اتخذ رَسل موقفًا مختلفًا من التعددية، وقال بما سمَّاه "نظرية الذرية المنطقية" القائمة على أن العالم يتكون من معطيات حسية تربطها علاقات منطقية خالصة.
بناء على دراساته عن ليبينتز وبحوثه في الرياضيات، ابتعد رَسل عن المثالية الهيجلية ودافع عن الواقعية المباشرة. وعلى هذا الأساس هاجم المثالية الذاتية في مذهب جورج باركلي وأتباعه. يقوم هذا المذهب على رؤية، مفادها أن ليس بمستطاعنا معرفة شئ غير محتويات وعينا، أي أفكارنا. أما العالم المستقل عن ذواتنا، فأبعد من أن تناله معرفتنا وتصل إليه. ويأخذ أنصار المدرسة الواقعية على رؤية باركلي هذه خلطها بين معنيين لكلمة فكرة، لجهة دلالتها على فعل المعرفة النفسي من ناحية، وعلى موضوع المعرفة أو المعروف، من ناحية ثانية. فالمعروف لا وجود له في الوعي، لأنه خارجه كونه مستقلًا عن الذات العارفة. وهذا هو أساس الواقعية المباشرة.
الإنسان برأي رَسل جزءٌ من الطبيعة، تحدد عمليات الدماغ أفكاره المحكومة بقوانين الطبيعة. ومن آرائه أيضًا، العلم هو المصدر الوحيد لمعرفتنا، لكنه لا يقدم أي دليل للإعتقاد في خلود النفس.
أما غاية الحياة بحسبه، فهي تحقيق السعادة للإنسان. ويمكن بلوغ السعادة بمكافحة الخوف، وبالشجاعة المكتسبة بالتربية، وببلوغ درجات متصلة من الكمال.
تجدر الإشارة إلى أن برتراند رَسل رغم ذكائه الحاد وغزارة انتاجه الفكري، إلا أنه لم يبنِ نظامًا فلسفيًّا متكاملًا. لربما لعب دورًا حاسمًا في هذه النتيجة تقلب رؤاه الفلسفية، كما رأينا فيما سبق.



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العَرط !
- وما تزال الإشكالية قائمة !
- ملحمة التكوين البابلية -الإينوما إيليش-.
- كلامٌ نتغَيَّا أن يكون حقًّا !
- أوضاعنا ليست مطمئنة !
- المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(1)
- يا حسرة علينا...!!!
- سؤال إلى كل عربي حُر ومحترم
- الإعلامي الفهلوي !
- القربان !!!
- ماذا ينتظرنا في عالم يتغير؟!
- الأقوياء يفرضون شروطهم
- من أين سرقوا أقنوم شعب الله المختار؟!!!
- السلطة الدينية !
- في نظريات السياسة الحَل أم في عِلم النفس؟!
- جُرح غزة النازف إلى أين؟!
- نحن نكذب...لماذا يا تُرى؟!
- بماذا يتفوق العدو علينا؟!
- وماذا بعد؟!
- وهتف بنو أمية بأن لله جنودًا من عسل !


المزيد.....




- ترامب: -القرم ستبقى مع روسيا- في مقترح السلام.. وزيلينسكي يت ...
- تدهور حاد بعلاقات البلدين.. إليك ما نعلمه عن التوتر الحاصل ب ...
- وزير النفط الإيراني: موسكو وطهران تبحثان بناء منشآت نووية جد ...
- السويد تشدد الرقابة على المتفجرات
- زاخاروفا: روسيا تحمي العالم من النازية الجديدة
- استدعاء جديد للناشط أحمد دومة أمام نيابة أمن الدولة: استمرار ...
- كأس اسبانيا- برشلونة يسعى للرباعية وتكريس تفوقه على الريال
- الجيش اللبناني يتخذ تدابير أمنية استثنائية على أثر الاشتباكا ...
- عناصر من -الدعم السريع- يسلمون أنفسهم للجيش السوداني (فيديو) ...
- ترامب: نتنياهو لن يجرني إلى حرب مع إيران ومستعد للقاء المرشد ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالله عطوي الطوالبة - المدارس الفلسفية والفكرية المعاصرة في الحضارة الغربية(2)