محمد حسين الموسوي
كاتب وشاعر
(Mohammed Hussein Al-mosswi)
الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 09:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا غرابة فيما يجري بين الغرب وملالي إيران، وليس جديداً ما نراه فقد سبق أن تغنى الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ملالي إيران وسياساتهم وأغدق عليهم بالأموال والسياسات المرنة المتعاونة ما أوصلهم إلى هذه القدرات النووية والصاروخية الحالية، وقد سبق للرئيس كلينتون أن تناغم مع سحر المُلا خاتمي على حساب نضال الشعب الإيراني وبسحر خاتمي أصبح المجني عليه جانيا يعاني التبعات القاسية لسحر المُلا خاتمي سواء في أمريكا أو في أوروبا، وكذلك أغدق عليهم الرئيس بايدن بالأموال ودافع هو وشركائه الغربيين وحتى الصهاينة عن تورط الملالي في أحداث غزة.. وقد يكون ذلك للجانب الإيجابي في دور الملالي صناع الأسباب المؤدية إلى إبادة وحماس وحزب الله وتشريد الشعب الفلسطيني وهدم دول المنطقة وتشريد شعوبها، ولليوم يصنعون من الجلاد ملاكاً ومن الضحايا والمناضلين جناةٌ وإرهابيين، ولو تسلحت الجماهير المنتفضة في إيران وواجهت سلاح الملالي القمعي بالسلاح لوسموها بالإرهاب تناغما مع ملالي إيران؛ الأمر الذي يجعل بعض القوى الوطنية الإيرانية قديمة الجذور تتجنب دخول تنظيماتها وجماهيرها في مواجهات مسلحة مع قوى الملالي القمعية تفادياً لمواقف تيار المهادنة الغربي التي لن تدعم سوى مشاريعهم في إيران "نظام الشاه – وخليفته نظام الملالي" للهيمنة على المنطقة منذ أن قسمها الغرب.
منذ اللقاء السري الذي جمع بين ايلون ماسك المستشار المقرب من الرئيس ترامب مع مندوب النظام الإيراني في الأمم المتحدة، وما لحقه من تصريحات لمسئولين في نظام ولاية الفقيه وما طرحته وسائل إعلامه، وما صدر من تصريحات أمريكية تتحدث عن وسائل الضغط القصوى كان من الواضح أن هناك نوايا وحراكاً جديدا يلوح في الأفق بين الملالي والإدارة الأمريكية الجديدة خاصة بعد الدور الذي لعبه الملالي في صياغة الوضع السياسي الراهن بالمنطقة لصالح الإدارة الأمريكية وحلفائها حيث لم يعد هناك أسد ولا محور مقاومة ولا غزة ولا لبنان والعراق أدنى من التواجد الإسمي، وفي مقابل بعض الاحتواء أو كله للحوثيين وضبط الإيقاع في العراق على أمريكا والغرب أن يقبلوا ببعض ما يصون ماء الوجه لكلا الطرفين الملالي والغرب من خلال بعض السيناريوهات التي ستجري تحت سقف مظلة المفاوضات التي ترعاها واعتادت أن ترعاها سلطنة عمان بمباركة غربية، وعادة ما يخرج منها الغرب وملالي بنتائج إيجابية، وينال العرب منها بعض التصريحات وبعض الوعود وبعض المكاسب الآنية.، وأما مصير الشعب الإيراني المنكوب منذ أكثر من 45 سنة هو أشد من نفس المصير المأساوي الذي يعيشه حيث تصاعدت وتيرة القمع التي يمارسها النظام منذ تعيين الطبيب مسعود بزشكيان رئيساً لجمهورية النظام بعد مقتل سلفه إبراهيم رئيسي، وذلك في مسعى من النظام الإيراني للهروب من السقوط والحفاظ على بقائه في السلطة، وحماية كل طرف من المنتفعين من السلطة لمصالحه وامتيازاته.
يدرك ملالي إيران جيدا أن الغرب قد وضع نظام الشاه في حينه كخيارا يحمي مصالحه ويروض المنطقة بواسطته، وقد كان خميني الذي تواصل مع الغرب كبديل لنظام الشاه المتهالك والآيل للسقوط بديلا مناسبا للغرب؛ بديلا سيلعب نفس الدور الذي لعبه الشاه من قبله ومستعدا للتعاون بشأن مستقبل المنطقة؛ الأمر الذي تطلب المزيد من الشعارات ومنها (تحرير القدس عبر كربلاء – يوم القدس – تصدير الثورة – محور المقاومة – ثم أخيرا مخطط تحرير فلسطين عبر الأردن... والطعن بشرعية أنظمة الحكم العربية)، وغيرها الكثير من الشعارات والأدوات والوسائل، وبالنهاية لا تحررت فلسطين ولا بقيت صفوف الفلسطينيين موحدة، ولا بقي نظام الأسد ولا محور المقاومة، ولا نجت الدول العربية من الخراب والتدهور، وقد كان العراق وسوريا واليمن وفلسطين وغزة ولبنان أخر مشاريع الخراب المتفق عليها مع الغرب بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.. فعلى سبيل المثال لم يحتل نظام الملالي العراق بل استلمه كهدية من الغرب الذي كان يحتل العراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبدلا من الوعود بالديمقراطية والازدهار في العراق أصبح العراق مسرحاً للإرهاب والميليشيات المنفلتة، وتحولت إيران وسوريا ولبنان إلى مصانع للمخدرات التي تتدفق إلى بلدان المنطقة لتهدم شبابها واقتصادها بعد أن نشروا الإدمان والفساد في (إيران والعراق وهما بلدين يُفترض الآن أنهما يسيران وفق شريعة الملالي الإسلامية وليس وفق شريعة الإسلام.. حيث لا يسمح الإسلام الحقيقي بالرذيلة ولا بالمخدرات، لكن إسلام الملالي ميكيافيلي يعمل وفق قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وأن كل شيء مباح في زمن الحرب والصراعات، ويفترض أن كل من اختلف معه في الرأي والتوجه من العرب عدوا وأن من اتفق معه مواليا وليس صديقا أو حليفاً)، وبعيدا عن الاستعراضات السياسية الدائرة بين الغرب والملالي فقد قدم الملالي الكثير من التضحيات للغرب كالتضحية بـ عماد مغنية و قاسم سليماني والمهندس وقادة إيرانيين آخرين وحسن نصر الله وإسماعيل هنية والسنوار وقادة من حزب الله وحماس وعناصر ميليشيات عراقية مقابل السكوت الأمريكي عن بعض عمليات الملالي وعن صواريخ الكونكريت التي ضربت فلسطين المحتلة دون أدنى إصابات أو خسائر.
مناورة غربية من أجل إبقاء نظام الملالي
اليوم يناور الغرب اليوم بين أمرين أحلاهما مُراً؛ وهما إما التسليم ببقاء نظام الملالي أو القبول بعودة فلول الشاهنشاهية إلى حكم إيران تحت ذريعة الحفاظ على وحدة واستقرار إيران، وبمناورته هذه يضع الشعب الإيراني بل يفرض عليه سياسة اللاخيار بمعنى (اختار وكل الخيارات متاحةٌ لكم.. ماذا تريدون غزالاً أم أرنباً؟ تريد أرنب ما أجملك من أرنب تفضل خذ أرنب!!! وأنت ماذا تريد؟ أتريد غزالا يا لك من أحمق تفضل خذ أرنب هو الأنسب لك نحن نعرف مصلحتك أكثر منك) هذا هو الحال في إيران والعراق أما سوريا فهي في مخاضٍ صعب.
كان رد الشعب الإيراني صلباً وواضحاً ومباشرا لتلك التوجهات الغربية الداعمة لبقاء نظام الملالي على سدة الحكم في إيران رغم جرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان ومخاطر برنامجهم النووي والتسليحي على المنطقة..، وأفضل الجواب كان جواب أبناء الشعب الإيراني أبناء ملايين ضحايا كلا النظامين الدكتاتوريين نظامي الشاه والملالي الرافضين لكلا النظامين وبهتافاتهم لا للشاه ولا للشيخ يكونوا قد رفضوا ما يسعى الغرب لتحقيقه وحتى مجرد وجهات نظرهم.
يفاوض الغرب نظام الملالي داعمين بقائه في الوقت الذي نظم فيه آلاف المتظاهرين من الإيرانيين ومؤيدي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية تجمعا كبيرا في برلين حملوا فيه أعلام إيران القديمة ولافتات تكرّم الشهداء وتطالب بالديمقراطية ورفض الاستبداد، كما خرج الآلاف من الإيرانيين يومي 18 و19 أبريل 2025 في تظاهرات حاشدة عبر 14 مدينة في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا مطالبين باتخاذ إجراءات عاجلة لمنع إعدام سجناء سياسيين محكوم عليهم بالإعدام، لا سيما من مؤيدي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، ويواجه خمسة من هؤلاء السجناء خطر النقل القسري من سجن إيفين إلى سجن "قزل حصار" المعروف بكونه موقعا لتنفيذ الإعدامات، بينما تم نقل ثلاثة آخرين من مؤيدي المنظمة إلى سجن "قزل حصار" لتنفيذ أحكام الإعدام، وتتزامن هذه التظاهرات مع الذكرى السنوية لفظائع عام 1975 التي ارتكبها جهاز السافاك التابع لنظام الشاه الذي قتل حينها تسعة سجناء سياسيين في تلال إيفين بدعوى محاولتهم الفرار من السجن، وقد أُعدم في مثل هذه الأيام من عام 1972 أربعة أعضاء من اللجنة المركزية لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وفي هذه الأيام يعيد نظام الملالي نفس السياسات الدموية لسلفه الشاه، ويعيد الغرب السياسات المتواطئة ذاتها، ويجدد الشعب الإيراني الموقف الرافض ذاته لكلا النظامين الدمويين نظامي الشاه والشيخ.
لقد قام نظام الملالي الذي يتفاوض مع الغرب مهادناً ومطبعاً بإعدام 22 سجينًا في 10 سجون إيرانية بينهم خمسة سجناء سياسيين وثلاث نساء، وبذلك يرتفع عدد الإعدامات منذ تولي مسعود بزشكيان رئاسة إيران في أغسطس 2024 إلى 1015 إعداماً، ووفقاً لما نشرته منظمة العفو الدولية أن 64% من إجمالي الإعدامات في العالم عام 2024 وقعت في إيران.
موقف الشعب الإيراني الرافض لكلا النظامين الدمويين في إيران وسياسات تيار المهادنة والاسترضاء الغرضي هو نفس الموقف الذي أعلنته وتعلنه المقاومة الإيرانية بقيادته السيدة مريم رجوي التي لم تفوت مناسبة إلا وأكدت فيها بصراحة وشجاعة على ثوابت المقاومة الإيرانية.. نعم قد دفعت المقاومة الإيرانية ثمن هذه الصراحة وهذه الشجاعة إلا أنها ثوابت لا يمكن الحياد عنها ودماء شهداء وحقوق لذويهم وأنصارهم لا يمكن المساومة عليها، وسيتقبلها الرافضون لها عاجلا أم آجلاً كما فعلوا من قبل ويفعلون، والبعض من الرافضين لذلك كتكتيكٍ سياسي لابد من الإعلان عنه أثناء دورة مناصبهم السياسية سرعان ما يتخلون عنها ويقفون إلى جانب الحقيقة فور امتلاك حريتهم والخروج من مناصبهم التي كانت تقيدهم، والبعض يمتلكون أخلاق النبلاء والفرسان وينطقون بالحق مهما كلفهم ذلك.
يصف المناضل والمفكر مسعود رجوي قائد المقاومة الإيرانية حالة الحياد بين ديكتاتوريتي الشاه والشيخ بالخيانة، ويضيف: إنه خداع سياسي يخدم استمرار حكم الملالي؛ فجوهر القضية ليس في الأشكال، بل في الحسم المبدئي لصالح الشعب كونه صاحب السيادة والقرار، ويقول وهو صاحب المقولة الشهيرة التي تُعيد إلى الأذهان فكرة إعادة قراءة الأحداث ذاتها عندما قال في قاعة المحكمة العسكرية لنظام الشاهنشاهية الدكتاتورية عام 1972 واصفاً وحشية جهاز سافاك الشاه: "لقد سُمح لجهاز السافاك أن يعامل المناضلين كما تُذبح الخراف".
يجدد مسعود رجوي موقفه قائلا : "إن إنكار الثورة المناهضة لحكم الشاه هو إهانة للشعب الإيراني بأسره، وتعدٍ على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالأخص على حق الشعوب في الثورة ضد الظلم، باعتباره آخر ما تملكه من أدوات الدفاع عن كرامتها"، ويضيف "لا عودة للوراء سياسياً في إيران حيث لم تعد روسيا ولا العراق ولا أفغانستان إلى الوراء، ولن تكون إيران استثناءا، ولن يُعيد التاريخ نفسه".
لكننا نرى الغرب اليوم " يسمح لجهاز سافاك الملالي أن يعاملوا المناضلين ويذبحونهم كما تُعامل وتُذبح الخراف".
د. محمد حسين الموسوي
* جزء من النص مقتبس من افتتاحية لموقع https://arabic.mojahedin.org/
#محمد_حسين_الموسوي (هاشتاغ)
Mohammed_Hussein_Al-mosswi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟