أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم















المزيد.....

الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8322 - 2025 / 4 / 24 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تُختزل الحياة السياسية في سوريا، عنوةً، إلى مفردتين مصطلحين بكثير من التشويه: الموالاة والمعارضة. مصطلحان يتقاسمان المشهد منذ عقود، ولكنهما باتا اليوم لا يعبران سوى عن قشرة قد تكون زائفة تخفي تحتها تباينات عميقة في الموقف، النية، والضمير. لقد جرى ترويج هاتين الكلمتين لتسهيل الاصطفاف، بينما الواقع السوري أكثر تعقيداً وثراءً من هذا التقسيم الثنائي البسيط.
في اعتقادي، كل سوري، باستثناء المنتفعين الكبار، كان معارضاً بشكل أو بآخر. ليس بالضرورة أن يكون قد خرج إلى الشارع، أو كتب بياناً، أو شارك في اعتصام، لكن لحظة صحوة الضمير لا بد وأن زارته، ولو خلسة، ولو ليلاً، وهو يرى ما يُرتكب من جرائم كبرى بحق الناس والبشرية والكرامة. تلك اللحظة البرهية التي تلمع فجأة في الوعي، حين يرى المرء مشهد المجزرة، فيفزع، حتى لو صمت. لحظة يعيد فيها الإنسان تعريف ذاته، لا أمام السلطة، بل أمام نفسه.
حتى كبار المنتفعين، الفاسدين، المتورطين، أولئك الذين تسلقوا فوق أنقاض الدولة، كانوا، في لحظة ما، معارضين. حين يقارنون فسادهم بفساد آل الأسد ومخلوف، يدركون أنهم مبتدئون في لعبة الفساد. بعضهم صرّح بذلك في مجالسه الضيقة، وبعضهم انتقل من خانة إلى خانة، كما حدث بين أجنحة السلطة نفسها، حين اشتد الصراع بين أسماء الأسد ورامي مخلوف، وخرجت الخلافات إلى العلن، لتكشف أن الموالاة ليست طيفاً واحداً، بل مسرح صراعات بين حيتان السلطة والمال.
في سوريا، عامل المنفعة كان الحاكم الأعلى. والمثير للسخرية أن هذا العامل لا يشتغل فقط في خندق بعض "الموالين"، بل أيضاً لدى بعض من يتسمون بـ"المعارضين". كما أن الحرمان كان باعثاً على التمرد، فقد كان الطمع باعثاً على التسلق الثوري، حتى صار بعض من ركبوا موجة الثورة أكثر تهافتاً على الكعكة من النظام نفسه.
الثورة التي انطلقت في 2011، لم تكن مجرد حراك شعبي عفوي، بل لحظة كشف كبرى. بعد سقوط أنظمة تونس، مصر، ليبيا، كان يُنتظر سقوط الأسد. بل إن سقوطه، في لحظة ما، كان محسوماً، لولا تدخل ثلاثي الإنقاذ: إيران، حزب الله، وروسيا. ووراء الكواليس، كان هناك تواطؤ أمريكي صارخ. فكل من راهن على دعم الغرب، كان كمن يسلم عنقه للجلاد وهو يتوقع وردة. حتى تركيا، التي بدت ظاهرياً حليفة للثورة، لم تكن مستعدة لانهيار النظام، لأن لها حسابات معقدة مع الكرد، ولأن استقرار النظام يعني بقاء خصمها الداخلي في دائرة التحكم.
في هذه اللحظة، بدأت الانتهازية الثورية. إذ قفز بعضهم إلى مركبة الثورة طمعاً لمنافع ومكاسب ذاتية، لا شوقاً للحرية. بعضهم جاء من داخل السلطة ذاتها وكان مخلصاً، و ومنهم من استدار فجأة نحو "الثورة"، لأن الحظ بدا أوفر في الجهة الأخرى. آخرون، من الحاشية القديمة، حاولوا ارتداء قناع النضال ليحتلوا مواقع جديدة. كانت أعينهم على ما بعد السقوط، وكانوا يخططون لتسلم الوزارات، وإعادة توزيع الغنائم.
هؤلاء أساؤوا للثورة كما أساء لها النظام. فهم لم يثوروا ضد الظلم، بل لأنهم حُرموا منه. أحدهم، فمن كان وزيراً أو أعلى من ذلك "كان يحلم في قرارته أن يكون رئيساً".، ولرب ضابط صغير، هرول كي يكون وزير دفاع. هؤلاء لا فرق بينهم وبين من كانوا يركضون في بلاط بشار الأسد، يُقبّلون يده صباحاً، ويسبّحون باسمه مساءً.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود معارضين حقيقيين، في سائر مفاصل الحكومة. وثمة من انشق وخرج من عباءة النظام لأنه رأى القتل، لا لأنه خسر موقعاً. هؤلاء قلائل، لكنهم يمثلون صوت الضمير.
في المقابل، هناك من بقي في الداخل، ولم يستطع أن يقول "لا". هؤلاء ليسوا جميعاً موالين، وهذا ما أريد أن أركز عليه، في مواجهة من يهللون الآن، ويدعون أنهم: ملاك الثورة، إذ لايمكنني أن أتصور من قتل وسلب ونهب وقطع أشجار الزيتون في عفرين أو طرد أهالي سري كانيي أو كري سبي- تل أبيض أن يكون ثائراً. كثيرون خرجوا في مظاهرات "الولاء" تحت الضغط. ولربما أن منهم من أدلى بتصريحات مكرهة لايؤمن بها. وأُجبر على ارتداء القميص الذي يمقته. حيث إن من يعيش في جحيم الخوف، ليس حراً في موقفه. وهنا، علينا أن نقر بأن: من عارض في قلبه، وهو في الداخل، فلا يجوز أن نعتبره عدواً. فلكل إنسان لحظة ضعف. وقد تكون لحظة المعارضة قد زارته، لكنه لم يتمكن من التعبير عنها.
أما الذين تحولوا مع الثورة، لا حباً في الحرية بل طمعاً في النفوذ، فإنهم أول من خذلها، حين لم ينالوا ما تمنوا. بعضهم انسحب بهدوء. بعضهم عاد إلى حضن النظام. وبعضهم راح يهاجم الثورة، لا من منطلق أخلاقي، بل لأن موقعه في المعارضة لم يشبع طموحه. ولعل بعض هذا الأنموذج استمر في التماهي بالمعارضة حرصاً على موقعه في الانتفاضة، أو لئلا يخسر مهجراً تبز الحياة فيه مسقط رأسه، لاسيما في لحظة الاضطراب وعدم الاستقرار بعد سقوط النظام المجرم السابق.
لقد رأينا مثقفين أو ناشطين يتحولون إلى منظّرين فجائيين للحرية، وهم لم يؤمنوا بها يوماً، بل كانوا من عداد من أساؤوا إلى سواهم في أوج زمن تسلط البعث والأسد. ورأينا ضباطاً يخلعون بدلتهم العسكرية، ويلبسون بدلة الثورة، بالعقلية السلطوية ذاتها، بل منهم من رفع علم تركيا، وصورة رئيسها، وتحول بين أكثر من فصيل عسكري، لاهثاً وراء حجم الدعم المالي الذي كان ضمن فاتورة شراء دمه وموقفه. كل هؤلاء لم يغيروا سوى القناع.
لكن الحقيقة الجوهرية، التي لا تقبل المساومة، أن كل سوري حر، شريف، سليم الضمير، كان ضد القتل، وضد الانتقام، وضد إذلال الإنسان. ومن هذه الزاوية، فإن الطاغية بشار الأسد، ليس فقط سفاحاً، بل أقذر سفاح في تاريخ العالم الحديث. لا لعدد من قتلهم فقط، بل لطريقة التسويغ، والمكر، والخداع، والعبث الجاهل والأرعن بالقيم. لقد قتل باسم العلمانية، وباسم القومية، وباسم المقاومة، وباسم الوطن، وباسم المرأة، وباسم الطفولة، وباسم الكرامة، في حين لم يكن سوى قناعٍ لقوى الاحتلال الإيراني-الروسي، وكابوس أبدي جثم على صدر البلاد.
نحن لا ندين أحداً، ولا نبرّئ أحداً. ولا نقدّس أحداً. لكننا نطالب بالتمهل قبل إصدار الأحكام، نطالب بقراءة دقيقة لما يسمّى بالموالاة والمعارضة. أن نكفّ عن توزيع الشهادات الوطنية. وأن نتواضع أمام ألم السوريين، فلا نكافئ الانتهازي لأنه غيّر لونه، ولا نخوّن من أُجبر على الصمت. الوطن لا يقيس الوفاء بالشعارات، بل بالموقف الحقيقي أمام القتل.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمسون عاماً في محرقة الصحافة: في سيرة الإعلامي الذي يحارب نف ...
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للكرامة
- الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة
- جلد الذات والعبودية تجاه الآخر وسائل التواصل ومفاقمة العقدة!
- لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من ا ...
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
- الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة
- السنية السياسية كإطار جامع جدلية القيادة والشراكة في سوريا ا ...
- من يرفع علم إسرائيل - 2-
- وصايات وتوصيات النذر بالقيم وتناسي الذات!
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟ .
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟
- حكومة دمشق الانتقالية: في امتحان الاعتراف بحقوق الكرد
- بعد سقوط البعث العنصري ونظام أسده: قمم جيايي كورمينج تتوهج ب ...
- الأسد والبعث وثنائية الأكثرية والأقلية
- السيد الشرع في دوامته لا خريطة طريق للخلاص إلا عبر رفع آلة ا ...


المزيد.....




- -نموت ولا حد يقرب من أرضنا-.. الجيش المصري يعيد نشر كلمات ال ...
- العلماء يكتشفون أول دليل على قتال الإنسان مع الأسد كنوع من ا ...
- تركيا لا تستحق عضوية نادي مقاتلات -إف-35- – مجلة نيوزويك الأ ...
- بريطانيا ترفع العقوبات عن وزارتي الداخلية والدفاع وهيئات رسم ...
- رفع العقوبات البريطانية على وزارتي الداخلية والدفاع بسوريا
- تجسس روسي يستهدف منظمات ألمانية تدعم علماء شرق أوروبا
- الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء جديدة لمنطقتي بيت حانون وا ...
- قطاع غزة.. المجزرة تلو المجزرة
- إعلام حوثي: 12 قتيلا في غارات أميركية على صنعاء
- البطريرك الراعي يتعرض لكسر في الورك خلال إحيائه قداس الفصح


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم