نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر
(Najah Mohammed Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 8322 - 2025 / 4 / 24 - 00:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشهد المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، بوساطة سلطنة عُمان، زخمًا متجددًا بهدف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، والتوصل إلى اتفاق جديد. تتبنى إيران نهجًا دبلوماسيًا مدروسًا، يعكس التزامها الكامل بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) وروح الاتفاق النووي، مع الإصرار على حقها المشروع في برنامج نووي سلمي. وفي ظل وحدة داخلية قوية خلف فريق التفاوض بقيادة وزير الخارجية عباس عراقجي، تؤكد طهران أن نجاح المفاوضات يتوقف على تخلي واشنطن عن مطالبها "غير الواقعية"، مما يضع الكرة في الملعب الأمريكي.
التزام إيران بالاتفاق النووي وحقها النووي
كدولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، تلتزم إيران بإجراءات الرقابة التي تفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم التحديات الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018 وفرض عقوبات أحادية.
تؤكد طهران أن برنامجها النووي مخصص لأغراض سلمية، مثل توليد الطاقة والبحث العلمي، وتنفي أي طموحات عسكرية. في هذا السياق، أكد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، أن المنشآت النووية الإيرانية تتوافق مع معايير السلامة العالمية المعتمدة بعد كارثة تشيرنوبيل، مشيرًا إلى أن أي هجوم على هذه المنشآت سيؤثر على العالم بأسره. كما رفض إسلامي اقتراح نقل اليورانيوم المخصب خارج إيران، معتبرًا أن هذه المخزونات يجب أن تظل تحت إشراف الوكالة الدولية داخل البلاد كضمانة ضد أي خرق أمريكي مستقبلي.
وحدة إيران خلف فريق التفاوض ونهج دبلوماسي محكم
نعم، تتمتع المفاوضات بدعم شامل من كل مؤسسات النظام، بما في ذلك تأييد القائد الأعلى آية الله السيد علي خامنئي والحرس الثوري .
وكما أكد نائب الشؤون السياسية للمكتب العقائدي السياسي للقائد الأعلى للقوات المسلحة العميد رسول سنائي ، فإن الحرس الثوري يدعم فريق التفاوض كجزء من استراتيجية النظام، مع الحفاظ على حالة التأهب لمواجهة أي تهديدات. وتابع العميد سنائي راد في تصريح له يوم الثلاثاء، ان ما يحدث هو قرار النظام وإرادته، وبالتالي فإن القوات المسلحة، بما في ذلك حرس الثورة الاسلامية، تدعم بالتأكيد الدبلوماسية حتى تتمكن من متابعة أهداف النظام ، "كما أن الخطوط الحمراء التي وضعها النظام يتبعها جنودنا السياسيون، وبالتالي لدينا نوع من التآزر والتماسك بشكل عام في البلاد, كما يدعم الحرس الثوري بالتأكيد فريق التفاوض كقدرة تابعة للنظام في هذه المسألة، ويكون سنداً لهم ضد خصومهم على طاولة المفاوضات".
هذا الدعم يعزز موقف إيران التفاوضي، الذي يتسم بالحذر والدقة. ونقلت صحيفة "جوان"، التابعة للحرس الثوري، عن مصدر إيراني أن طهران تسعى إلى الحفاظ على "رواية محكمة ومدروسة" في المفاوضات، لتعزيز موقعها التفاوضي. وأضاف المصدر أن إيران تدرك أهمية التصورات العامة في تشكيل النتائج الدبلوماسية، ولذلك تتجنب المنابر المفتوحة، كما يتضح من قرار عراقجي إلغاء كلمته في مؤتمر كارنيغي بواشنطن لتفادي الأسئلة الصحفية التي قد تُضعف موقف طهران. وأكدت الصحيفة أن القضية النووية ليست موضوعًا يحق للصحفيين استجواب المسؤولين بشأنه، مما يعكس حرص إيران على إدارة الخطاب الإعلامي بعناية.
رفض سياسة الوكلاء وتأكيد الحلفاء
ترفض بشدة ما يسميه أعداؤها اعتمادها على "وكلاء" في المنطقة، مؤكدة أن لديها حلفاء استراتيجيين في اليمن (أنصار الله)، والعراق (فصائل المقاومة)، ولبنان (حزب الله)، وفلسطين (حركات المقاومة). هؤلاء الحلفاء يشكلون جزءًا من محور المقاومة الذي يهدف إلى مواجهة الهيمنة الغربية والصهيونية . كما ترفض طهران ربط هذه العلاقات بمفاوضاتها النووية، معتبرة أن أي مطالب أمريكية في هذا الشأن "غير واقعية"، كما صرح عراقجي في بكين، حيث أكد أن التوصل إلى اتفاق جيد يتطلب من واشنطن التخلي عن مثل هذه المطالب.
دور عُمان والصين وروسيا
عُمان: تؤدي سلطنة عُمان دورًا محوريًا كوسيط محايد، حيث استضافت جولات المفاوضات السابقة واقترحت تأجيل الجولة الفنية إلى السبت المقبل، كما أعلن إسماعيل بقائي، مما يعكس مرونتها في تسهيل الحوار. كما ناقش السلطان هيثم بن طارق البرنامج النووي الإيراني مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما في موسكو، وهو أمر كان متوقعا في ضوء مسعى من السلطان هيثم لتوفير ضمانات النجاح للجولة الثالثة من المفاوضات التي ستجرى السبت في مسقط.، مما يبرز دور عُمان كمنصة للتنسيق الدولي.
الصين: تُعد الصين شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا لإيران، حيث أكدت وكالة "إرنا" أن بكين ستكون شريكًا اقتصاديًا محوريًا بعد رفع العقوبات. وأشارت الوكالة إلى أن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، المدعومة بحسن نية طهران، ستعزز التنمية في إيران وتدعم مسارها السلمي.
زيارة عراقجي إلى بكين، حاملًا رسالة من آية الله السيد خامنئي إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ، تؤكد التزام إيران باتفاق التعاون الاستراتيجي لـ25 عامًا، وطمأنة الصين بأن أي اتفاق مع واشنطن لن يؤثر على نهج "التوجه شرقًا".
وأكد عراقجي أن الصين لعبت دائمًا دورًا بناءً في المفاوضات، مشيرًا إلى أن تفاصيل مشاركتها ستتضح خلال الزيارة .
روسيا: تشارك روسيا كشريك استراتيجي آخر، حيث أكد عراقجي ضرورة إطلاع موسكو على مجريات المفاوضات. زيارته إلى روسيا الأسبوع الماضي، ولقاء بوتين مع سلطان عُمان، يعكسان التنسيق المستمر. كما أعلن يوري أوشاكوف، مستشار بوتين، أن ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب، سيزور موسكو قبل الجولة القادمة، مما يشير إلى دور روسيا في التشاور حول المفاوضات. ورغم تحفظ بعض الإيرانيين على فعالية دور روسيا، فإن إيران ترى في موسكو حليفًا داعمًا لمواقفها. وفي هذا الواقع يأتي رفض الكرملين، الثلاثاء ، عن الرد على سؤال عما إذا كانت روسيا مستعدة لاستقبال مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب في إطار اتفاق نووي محتمل مع الولايات المتحدة.
جاء ذلك بعد أن ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية في وقت سابق أنه من المتوقع أن ترفض إيران اقتراحا أميركا بأن تنقل مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى دولة ثالثة، مثل روسيا، في إطار اتفاق مع الولايات المتحدة في المستقبل لتقليص برنامجها النووي.
ويحذر الجانب الإيراني من أن نقل المخزون النووي للخارج قد يعرضه للخطر في حال انسحبت واشنطن لاحقاً من الاتفاق، مما سيجبر طهران على البدء من الصفر في عملية التخصيب مجدداً.
الكرة في الملعب الأمريكي
من هنا، تؤكد إيران أن نجاح المفاوضات يعتمد على تخلي الولايات المتحدة عن مطالبها "غير الواقعية"، مثل إزالة أجهزة الطرد المركزي المتقدمة أو نقل اليورانيوم المخصب خارج البلاد. وكما صرح عراقجي، فإن نهجًا بناءً من واشنطن سيؤدي إلى "اتفاق جيد"، معبرًا عن تفاؤل حذر. في المقابل، أدان بقائي العقوبات الأمريكية الجديدة على قطاع النفط والطاقة، واصفًا إياها بـ"التنمرية" و"المناقضة لروح التفاوض"، مما يعكس افتقار واشنطن للجدية.
وتشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة قد تعارض اقتراح إيران بإشراف روسيا والصين على مفاعلاتها النووية، مما يعقد المحادثات الفنية المقررة السبت المقبل، والتي ستشمل فرقًا من وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكية.
تحديات وفرص
لكن رغم الفرص التي توفرها المفاوضات، أشار رافايل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن مستوى التفتيش الحالي على المنشآت الإيرانية "غير كافٍ"، داعيًا إيران إلى قبول قيود إضافية. في المقابل، يرى حسين شريعتمداري، مدير صحيفة "كيهان"، أن واشنطن تسعى لإظهار إيران كـ"خاضعة"، داعيًا إلى تهديدات صريحة مثل الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار أو إغلاق مضيق هرمز. ومع ذلك، يبقى النهج الرسمي لطهران دبلوماسيًا، مع التركيز على إدارة الخطاب الإعلامي، كما أكدت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، التي أشارت إلى سعي طهران لتكون المصدر الأول للأخبار المتعلقة بالمفاوضات.
أخيراً
تُظهر إيران، من خلال مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، التزامًا دبلوماسيًا واضحًا، مدعومًا بوحدة داخلية وحلفاء استراتيجيين في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين. مع الدور المحوري لعُمان كوسيط، والدعم الاقتصادي والدبلوماسي من الصين وروسيا، تسعى طهران إلى تعزيز موقعها التفاوضي مع الحفاظ على حقوقها النووية. الكرة الآن في ملعب واشنطن، التي يتعين عليها إظهار الجدية والابتعاد عن السياسات العدائية لضمان نجاح هذه المفاوضات، التي تحمل فرصة لخفض التوترات وتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي.
#نجاح_محمد_علي (هاشتاغ)
Najah_Mohammed_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟