أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في سورية، استقرارٌ يستبطن حصارا و..يستدعيه















المزيد.....

في سورية، استقرارٌ يستبطن حصارا و..يستدعيه


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1803 - 2007 / 1 / 22 - 12:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بينما يتناوش الاحتلال والاحتراب الطائفي العراق، وتتجاذب لبنان قوى محلية وإقليمية ودولية تهدد سلامة البلد الصغير واستقراره، ويوشك الفلسطينيون على ولوج نفق صراع أهلي في ظل احتلال لا يكف عن تقطيع أوصال وطنهم، تبدو سوريا واحة مستقرة، لا يعكر صفو استقرارها غير اضطرابات ضئيلة لا تكاد تلحظ. يشهد على ذلك وجود ما لا يقل عن 600 ألف من اللاجئين العراقيين في البلد، ووفود عشرات ألوف اللبنانيين إليه إبان حرب تموز الماضي.
هذا وجه حقيقي للواقع، يدركه السوريون ويثمنونه. وهو يشكل أقوى رصيد يستند إليه النظام في مخاطبته السوريين أنفسهم، أو أطراف عربية مؤثرة لا تكن له كثيرا من الود لكنها تشاركه خشية غريزية من كل ما يمس بالاستقرار، وكذا أطراف دولية فاعلة عادت إلى استساغة الاستقرار بعد أن باءت "الثورية الأميركية" التالية لـ11 أيلول بخسران عظيم. بيد أن صورة الواحة لا تستنفد ملامح الواقع السوري. ففي الوقت نفسه، سورية منخرطة في تحالفات وارتباطات إقليمية، تكرر على مستوى أدنى ووعود أقل تحالفات زمن الحرب الباردة. وسمة التحالفات هذه أنها من صنف غير قابل للهيمنة، لضمور البعد الحضاري والثقافي فيها، حالها في ذلك حال الاتحاد السوفييتي أيام الحرب الباردة. ونميل إلى أن هياكل النظام السياسي السوري، التي لم تمسسها يد التحول مذ تكونت في مطلع سبعينات القرن العشرين، قد "اختارت" تحالفات تناسب سجيتها السلطوية الأصلية، وتستجيب لما أسبغه عليها كر السنين والعقود من ضيق وانغلاق وتصلب. هذا وجه آخر للواقع الذي يعيشه السوريون.
ورغم أن التحالفات المذكورة، مع كل من إيران وحزب الله وحركة حماس..، هي ركائز أساسية في نظام الاستقرار السوري الراهن، إلا أنها هي بالذات الثقل الذي يعوق سوريا عن استكشاف صيغ أكثر مرونة وتفاعلا و"تقدمية" لتجديد لا محيص منه في بنيانها السياسي والفكري والاقتصادي والاجتماعي. يحجب ضرورة التجديد هذه ونقص المرونة ذاك، اليوم، استحواذ "ممانعة" مشاريع الأميركيين في العراق والمجال الإقليمي ككل، وحيال سورية ذاتها، على الانتباه العام، الفكري والسياسي والنفسي. ويبدو كما لو أن رعونة وطيش السياسة الأميركية في الشرق الأوسط نشّطت آليات سياسية وثقافية ونفسية، كان لعبها الصراع العربي الإسرائيلي زمن الحرب الباردة، وأحيت للحكم السوري دورا كاد هو ذاته ينساه، أعني كونه مركز استقلال أو مقاومة ضد قوة خارجية مهددة، يشارك الاعتراض على سياساتها المتطرفة وأساليبها الممجوجة جمهور واسع من السوريين.
ولعل التفكير في الاستقرار السوري يقتضي التمييز بين ضربين من الاستقرار: ضرب يغني قدرة البلد المعني على التفاعل مع تحديات بيئته، وينعكس تحكما متناميا بشروط استقراره الداخلية والخارجية؛ وضرب آخر، ضحلٌ، يفتقر إلى آليات ذاتية للتصحيح، ويتكئ بمزيد من ثقله على تحالفات وأوضاع خارجية لا يتحكم بها. الاستقرار السوري الراهن أقرب إلى الضرب الأخير. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يقربه من استقرار ذاتي الإصلاح هو تمكُّن أوسع قطاعات السوريين، خلال طور الاستقرار الانتقالي الراهن، من تفاعل فكري وسياسي إبداعي من مع ما يجري حولهم، أي محاولة استيعاب دروس الارتجاج العنيف الحاصل في بلاد عربية مجاورة دون الاضطرار للمرور به. وهو ما يقتضي لا أقل من درجة عالية من حرية التفكير والتعبير والانتظام الطوعي، لا تقاس بما هو متاح للسوريين حاليا. فمن شأن مواكبة كهذه أن تمكن القطاعات الناشطة من السوريين من هضم وتمثل تحديات ومخاطر تنبسط في بلدان عربية تشبه سورية كثيرا، وليس ما يضمن أن تبقى هي بمنأى عن ما يشبهها. والرهان من وراء ذلك أن يتسنى للبلاد أن تعاصر محيطها بالفكر والخبرة دون أن تضطر لمعاصرته في الاختلاج الممزق. وبالعكس، من شأن غياب المعاصرة هذه أن يترك البلاد على هشاشة لا تحجبها عن الأنظار غير أوضاع الحصار الدبلوماسي والنفسي التي تديرها إدارة بوش. وبديهي أن من شأن التعلم من تجارب الآخرين أن يوفر على ذوي الألباب تجارب قد تكون أليمة.
غير أن ما يحتجب عن الأنظار تجلوه المراقبة المتروية. إذ يرجح لهزيمة أو إخفاق المشروع الأميركي الشرق أوسطي، وهو أمر مرجح بالنظر إلى ما يتسم به المشروع من تطرف ولا قابلية للهيمنة أيضا، أن يكشف هشاشة الهياكل السورية، بدل أن يرفع عنها ثقلا باهظا، كما قد يميل المرء إلى الافتراض. بالعكس تستفيد الهياكل هذه، ومثلها ثقافة سياسية سورية سائدة، من مناخات الحصار والضغوط، فتتماسك وتخفي ضعف مرونتها وعجزها عن ابتكار حلول إيجابية لمشكلات وطنية مرشحة للتفاقم، تبدأ من الاقتصاد والخدمات ولا تنتهي عند احتلال الجولان، ولن تعف عن إثارة قضية الهوية الوطنية وصلتها بالتكوين البشري للمجتمع السوري وانعكاساتهما المحتملة على بنية النظام السياسي. وإضراب السوريين طوال نصف قرن من الزمان عن التفكير في الشأن الأخير، وهو لب دساتير الدول ومحور سياساتها، يسفح ضوءا ساطعا على حال لا تسر لسياستهم وثقافتهم .
والواقع أن هياكل الحكم الراهنة تختزن من زمن تشكلها "برنامج مواجهة" وراثي لا تتماسك من دون ضرب من الحصار، ولا تقيم شرعيتها على غير معاناة إكراهاته، ولا يفلح المنع والقسر والتضييق في الاستواء سياسة إلا في ظلاله. لذلك فإن المقاطعة والحصار لا تملك من التأثير عليها ما قد يكون لها على هياكل بلد لم تحفر المواجهة في جيناته ذاتها (كذا كان حال العراق أيضا). إنها هياكل غير عقلانية، ترتاح لظروف الاستثناء، وترتبك في ظروف الانفراج.
والغرض أن نقول إن الأحوال السورية الراهنة، وهي أحوال موسومة في الداخل بمزيد من التضييق والقسوة حيال شتى صيغ العمل العام المستقل، هي ثمرة تفاعل هياكل سياسي وثقافية ونفسية نزاعة غريزيا للتشنج مع اندفاع أميركي خشن وأهوج. ورغم أنه ليس من المتوقع لانفراج الأجواء أن يفضي من تلقاء ذاته إلى عائد انفراجي على مجتمع المحكومين، إلا أن أجواء الحصار تقود من كل بد إلى غلبة الجمود ونوازع القسر. هذا تكوين غير عقلاني في أنماط استجاباته وتفاعله، لا يخلو من عناصر سلوك انتحاري. وهو منبع القلق الأولى على تطور البلاد ومستقبلها.
السؤال الصعب الذي قد يمكن طرحه على الاستقرار الحالي هو: من يضمن أن المشكلات التي لا نفكر بها لا تفكر بنا، تنتظرنا عند أقرب منعطف؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الطائفية: ورقة نقاش ومقدمة ملف
- عن حال القانون تحت ظلال الطغيان
- بيروتُ سوريٍ ملتبس!
- إهدار المعنى القرباني لإعدام صدام
- اللهُمَّ أعزَّ الحرية بأحد الدالَيْن: الدين أو الدولة!
- عمقان لإسرائيل وضحالات متعددة لنا
- المعارضة الديمقراطية السورية في أزمة!
- معضلة حزب الله ومحنة لبنان
- حنين إلى الوطنية القبلية في حمى الدكتاتور
- في أصل السخط العربي وفصله
- تعاقب أطوار ثلاث للسياسة والثقافة العربية...
- كل التلفزيون للسلطة، ولا سلطة للتلفزيون!
- أزمة الهيمنة وعسر التغيير السياسي العربي
- في -نقد السياسة-: من الإصلاح والتغيير إلى العمل الاجتماعي
- ديمقراطية أكثرية، علمانية فوقية، ديمقراطية توافقية؟
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الإنترنت وحال العالم الافتراضي في سوريا
- في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها
- في أن الخيانة نتاج وظيفة تخوينية لنظام ثقافي سياسي مغلق


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في سورية، استقرارٌ يستبطن حصارا و..يستدعيه