أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لؤي الخليفة - مهداة للكرد الفيليين...حين ينفى الاسم !!














المزيد.....

مهداة للكرد الفيليين...حين ينفى الاسم !!


لؤي الخليفة

الحوار المتمدن-العدد: 8321 - 2025 / 4 / 23 - 16:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان الطفل يظنّ أنهم ذاهبون إلى العيد.
هكذا قالت له أمّه، وهي تمسح على شعره وتخبئ دموعها في طيات ابتسامتها.
لكن العيد لا يأتي على شاحناتٍ قديمة، ولا يبدأ بالصراخ، ولا بمسدساتٍ تُشهر في وجوه الشيوخ.

في الزاوية، كان الشيخ يحمل في حضنه سجادة صلاة، وعلبة من خشب فيها صورة امرأة شابّة.
كلما صعدت الشاحنة فوق حفرة، ضمّ العلبة إلى صدره كأنها قلبه الآخر.
همس الطفل إليه:
– "هل نذهب إلى الجنّة؟"
هزّ الشيخ رأسه ولم يجب. ثم قال بعد صمتٍ طويل:
– "بل نُطرد من الأرض."

كانت الشاحنة تسير بلا اتجاه، والمنافي تتراكم في العيون.
أطفال يغنّون أغنية المدرسة، يصفقون وهم لا يعرفون أن الطرقات لا تعود، وأن الوطن يُمكن أن يُفقد كما يُفقد دُمية.
الشيخ ينظر إليهم، كأنه يرى ماضيه يُجلد أمامه، ويقول:
– "لم يعد لنا وطن... صار الوطن عربة، ووجعًا، ومشهدًا في نهاية حلم."

تتوقف الشاحنة.
صوتٌ خشن يأمرهم بالنزول.
بعض النساء يسقطن على الأرض، الرجال يُفتشون، الصمت كالسيف.
الطفل ينزل وهو يمسك يد الشيخ، يسير في الرمل، في المطر، في الريح.
وفي كل خطوة، يخسر أحدهم شيئًا: حذاء، شقيق، ذاكرة.

قال الشيخ أخيرًا:
– "حين يُسفَّر الإنسان، لا يُنفى من الوطن فقط... بل يُنفى من اللغة، من الحكاية، من اسمه."
نظر الطفل إليه، وسأله:
– "هل أستطيع أن أعود؟"
ابتسم الشيخ، وربّت على رأسه، وقال:
– "إذا كبرت دون أن تنسى... ربما
كان الليل قد بدأ يسدل ظلاله على الحدود.
سماء بلا نجوم، وأرض تفترشها أقدامٌ حافية وأرواحٌ متعبة.
الطفل تعب، وجلس على صخرة، يتنفس بصوتٍ متقطع، كأن صدره أصبح ضيقًا لا يتسع للهواء.
أما الشيخ، فجلس إلى جواره، أخرج من جيبه كسرة خبز، ونظر نحو الفراغ.

قال الشيخ:
– "في زمانٍ مضى، كانت لنا بيوت من طين، وقلوب من ذهب. واليوم، لا بيت ولا قلب... فقط هذا الطريق."
سأل الطفل، وعيناه نصف مغمضتين:
– "لماذا لم نبقَ هناك؟"

لم يجب الشيخ مباشرة.
ثم قال:
– "لأننا كُنّا نحب المكان أكثر من الذين حكموا المكان.
ومن يحبّ كثيرًا، يُؤلمهم وجوده."

مرّت بجانبهما امرأة تهمس لطفلٍ في حضنها:
– "لا تبكِ... هذه غيمة، وسنمطر يومًا على أرضٍ نعرفها."

وفي زاوية الحدود، رجل مغطى بثوبٍ رمادي، يشبه حجارة الطريق، جلس دون حراك، لم يعرف أحد إن كان نائمًا، ميتًا، أم متأملًا في آخر ما تبقّى من الكرامة.

قال الطفل فجأة:
– "أنا جائع."
ضحك الشيخ، ضحكة حزينة شبيهة بالبكاء، وقال:
– "كلنا جياع يا بني... لكن جوعك للخبز، وأنا جوعي لأمي."
ثم أضاف:
– "أتعرف؟ حين كنت في عمرك، طُرد جدي من قريته. والآن، يُطرد حفيده من أرضه.
أظنّ أن دمنا خُلق ليُرحَّل."

ثم قام، وأخذ بيد الطفل، وقال:
– "لكننا سنمشي... سنمشي حتى النهاية.
لأن الذين لا يمشون في الطرقات، تُدفنهم الطرق."
وسارا، وسط الزحام، في صمتٍ يشبه صلاة، أو جنازة ضمير، يحملان في خطواتهما ذاكرة أجيال،
ويصغيان للأرض وهي تبكيهم دون دموع.
المخيم، بقعة من قماشٍ أبيض
الخيام ترفرف كأنها رايات لهزيمة مؤقتة.
الناس لا يتكلمون كثيرًا، بل يحدّقون في الأرض أو في السماء، كأنهم فقدوا اللغة، أو استعاروها من أحلامهم السابقة.

كان الطفل يجلس قرب نار صغيرة.
يرسم في التراب بيتًا له باب، وشباك، وشجرة برتقال.
قال للشيخ:
– "رسمت بيتنا، أريد أن أرجع إليه."
اقترب الشيخ، ونظر إلى الرسم طويلًا، ثم سحب بإصبعه خطّ الباب حتى صار نهرًا.
قال بهدوء:
– "الرجوع لا يكون بالأقدام فقط... بل بالذاكرة، بالحكاية، بالصبر الذي يُنبت ظلًا."
ثم صمت لحظة، وقال:
– "أتعلم؟ رأيت البارحة جدتي في الحلم، كانت تغزل ثوبًا أبيض، قالت لي:
حين يكتمل، سيعود الجميع.
لكنها كانت تبكي."

الطفل وضع رأسه على ركبة الشيخ، وغمغم:
– "هل تموت الجدّات في الأحلام أيضًا؟"
أجابه الشيخ:
– "لا... بل يعشن هناك أطول، لأن لا أحد يطردهن من الحلم."

صوتٌ خافت في الخيمة المجاورة كان يهمس بنشيدٍ قديم،
وأحدهم يكتب على ورقة مُمزقة: "نحن هنا، لكنّا لم ننسَ."
وطفلٌ آخر يرسم قمرًا فوق خيمته،
لعل الليل يُنير وطنًا لم يعد إلا في الذاكرة.



#لؤي_الخليفة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرتبة متاخرة للعراق في مؤشر الاستطلاعات الدولية !!
- لاتتركوني... فانا مدينتكم
- مدينتي معذرة ... الحياة اخذتني عنك بعيدا
- روسيا واوربا بين اطماع الماضي واوهام الحاضر
- الفاتورة الامريكية الباهضة ازاء الاصرار الحوثي
- حرب اوكرانيا ... مليارات مهدورة وارواح مفقودة
- رهانات ايران ... طبول اسرائيل ومازق واشنطن
- الانسانية اليوم امام اختبار ...اما ان تنتصر للحق او تسقط لمش ...
- نتنياهو يفقد بوصلته السياسية وحرب اهليةعلى الابواب
- التخويف والاحباط بين العقل العلمي البرهاني والعقل النصي
- اوكرانيا ... اطراف الصراع والتفاؤل الحذر
- ما بين قمتين ...الغث والسمين
- ساعة جدي
- اما فينا من يلقم هذا المعتوه حجرا؟
- وداعا مكرم الطالباني
- لا ابغي نقدا او تجريحا بل اشير الى خطأ
- ((محاكم تفتيش )) تلوح في الافق بعد فتاوى الذبح والسلخ !!
- ألا تبا للمنافقين وعبدة الدرهم والدينار
- معتصمو الساحات ... لا تذعنوا لكل ما يقال ولما لا يعقل !!
- اي قائد يحتاجه العراق اليوم ؟


المزيد.....




- نعاه نجوم الفن في العالم العربي بكلمات مؤثرة.. وفاة الإعلامي ...
- فرق الإطفاء تسابق الزمن لإخماد حرائق الغابات في نيوجيرسي الت ...
- ترامب يكشف عن -محادثات- مع الصين ووزير خزانته: هناك أمل بعقد ...
- الأمير لويس نجل ولي العهد البريطاني يحتفل بعيد ميلاده السابع ...
- أبو مازن يشن هجوما لاذعا على -حماس-: -يا أولاد الكلب- أفرجوا ...
- نتنياهو يتوجه بطلب الدعم من دول مجاورة لإخماد الحرائق
- إعلام: كييف أفشلت اجتماع لندن بسبب وثيقة قدمتها إلى الدول ال ...
- الكويت.. اكتشاف أكثر من 1000 موقع لتعدين العملات المشفرة
- تونس.. بطاقة إيداع بالسجن في حق محام معارض بارز
- خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن حرب غزة والمساعدات الإن ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لؤي الخليفة - مهداة للكرد الفيليين...حين ينفى الاسم !!