أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الجلبي - الناقدة منال رضوان تكتب سردية التعدد الرمزي والحوار الوجودي في رواية واثق الجلبي: من السيمرغ إلى الشيخ يوسف















المزيد.....

الناقدة منال رضوان تكتب سردية التعدد الرمزي والحوار الوجودي في رواية واثق الجلبي: من السيمرغ إلى الشيخ يوسف


واثق الجلبي

الحوار المتمدن-العدد: 8320 - 2025 / 4 / 22 - 20:21
المحور: الادب والفن
    


الناقدة منال رضوان تكتب سردية التعدد الرمزي والحوار الوجودي في رواية واثق الجلبي: من السيمرغ إلى الشيخ يوسف
الناقدة / منال رضوان

في روايته الصادرة عن دار ومطبعة العصامي للطباعة، يقدم الأديب والشاعر العراقي واثق الجلبي عملًا سرديًا بالغ الكثافة والرمزية، لا ينحصر في حدود الزمان والمكان، بل يتعداهما ليشكّل فسيفساء فكرية وروحية وحضارية، تتماس مع أطياف متعددة من الموروث الديني والأسطوري والفلسفي، ومن خلال هذا البناء المركّب، تتجلّى سردية التعدد الرمزي، والحوار الوجودي التي يتبناها النص، ويجعل منها ساحة تأمل ومساءلة كبرى؛ حيث تتجاور الأصوات، وتتقاطع المرجعيات، دون أن تذوب في سلطة مركزية واحدة.
ينسج الجلبي نسيجًا من الرمز والفلسفة والتأمل، ويستدعي عبر لغة شعرية عالية عالمًا مزدوجًا يمزج فيه بين الواقع والحلم، يرتكز على أسطورة الطيور ورحلتها نحو المعرفة، متكئًا على إرث صوفي عميق، يُذكّر بـ"منطق الطير" لفريد الدين العطار، ليتخذ النص هيئة سردية رمزية؛ حيث يمثل الطاووس الغريب الباحث عن الحقيقة، بينما يُقدَّم السيمرغ بوصفه ملكًا مُتخيَّلًا للطيور، يطالب بالطاعة والاندماج الكلي.
حتى يمضي العمل بنا في تقاطعات كثيفة بين النور والظلام، الذات والآخر، الزيف والحقيقة؛ ليرصد صراع الفرد في مواجهة التبعية ومسخ الهوية، الطاووس هنا، بعين الناقد لا العابد، يفضح الخضوع الجماعي ويعيد الاعتبار لسؤال الوجود والمعرفة، يتماهى الليل فيه مع الشعور بالاغتراب، ومعه تبرز الطيور كشخوص رمزية؛ فنجد على سبيل المثال النعام كرمز للخنوع، والهدهد كدليل على الحكمة، بينما يمثل الغراب ظل الحكمة المرفوضة والمعلم الجافي.
ومن الملاحظ أن لغة الجلبي تتشح بالإيحاء والتكثيف، وتحمل نبرة عرفانية تضيء الدلالات من دون أن تستهلكها أو تستنزف حواشيها، فيما يشكّل الحوار النهائي بين الطاووس والسيمرغ ذروة النص الصادمة، إذ يقلب المعادلة:
ليس الإله من يصنع الهوية، بل السائل، الباحث، الخارج عن الجماعة.
لنلاحظ أنه منذ العنوان وحتى الصفحة الأخيرة، وضعنا بإزاء سرد يتأسس على سطور فكرية وزمانية شديدة التعقيد؛ حيث يتقاطع صوت السيمرغ فيها، اذلك لطائر الأسطوري الحاكم، مع صوت الشيخ يوسف، الإمام المعتزل، ومع صوت تلميذه حسن، الرافض لعصره ولوسائل تواصله، جميعها أصوات لا تنصهر في صوت المؤلف، بل تتجادل وتفترق وتتنافر، مانحة النص صفة الحوارية الباختينية بامتياز؛ فالشيخ يوسف، برمزيته الدينية والمعرفية، لا يحضر كبطل مهيمن، بل كصوت ضمن أصوات، يراجع المؤسسة الدينية ويتأمل انزياحاتها من الداخل:
"أصبح الدين لعقًا على ألسنتهم ولهثوا خلف المال والنساء..."،
بينما يمثّل حسن، التلميذ الرافض للحداثة، وجهًا آخر من وجوه الأزمة، في تمرده على الحاضر وتمسكه بالماضي دون فحص أو تمحيص.
في السياق ذاته، تتحول الأسطورة إلى وعاء يستوعب هذه الأصوات كلها، فتظهر شخصية السيمرغ – الحاكم الطاووسي – بوصفها رمزًا مركزيًا يُعاد مساءلته وتفكيكه، في لحظة تمرد وجودي حين تنقلب عليه الطيور ويعود السرب إلى اللحظة البكر. هذا الانقلاب الأسطوري لا يُقرأ باعتباره استعادة لحكاية فارسية، بل باعتباره إسقاطًا على أزمة السلطة والرمز والمعنى في عالم تتنازعه بعض الأسئلة الكبرى:
من يقود؟
من يملك الحقيقة؟
من يرسم طريق الخلاص؟
هنا لا يقف الجلبي عند الأسطورة فحسب، بل يوظف الدين والتاريخ والشعر والفلسفة، بلغة مكثفة، ذات طابع مجازي رفيع، تفتح أفق التأويل أمام القارئ، وتدفعه إلى التورط في إنتاج المعنى؛ نقرأ مثلاً: "النور بيّن، والظلام واضح... فإذا انطفأت مشكاة العين شعلة القلب تبقيك حيًا، فإذا انطفأت شعلة القلب فمن يريك الطريق؟
نص كهذا لا يقدّم جوابًا بقدر ما يفتح سؤالًا تتناسل أسئلة عديدة منه، وتضع القارئ في قلب المأزق الوجودي ذاته الذي تحياه الشخصيات.
كما أننا نجد الحوار بين الشخصيات لا ينقل المعلومة فقط، بل يكشف تمثلاتها الفكرية، ويعرّي تناقضاتها، ويجعلها مرآة للقارئ والمجتمع معًا؛ ففي خطاب الشيخ يوسف، كما في اعتراضات حسن، كما في أقوال السيمرغ والحمامة الحكيمة، تتكثف رؤى العالم المختلفة: الجدلي، والصوفي، والتاريخي، والثوري، والتشكيكي، وهذه كلها تنخرط في ساحة سردية واحدة، تعيد تشكيل وعي المتلقي، لا عبر التسليم بل عبر الاستنفار الفكري، والمجازفة التأويلية.
ولا يغيب عن العمل استحضاره المادي لمظاهر الانهيار الاجتماعي والسياسي، كما في وصفه شديد الملمح لبغداد:
"أطبق الظلم على عاصمة العالم، أورث المآسي... اختلطت العمائم البيض والسود"،
لتُظهر أن خراب المعنى وخراب المدينة وجهان لعملة واحدة، هذه الخلفية المأساوية تُعطي الحوار بين الشخصيات بعدًا آخر؛ حيث لا يعود الحوار ذهنيًا فقط، بل يصبح صرخة في وجه واقع مفكك ومضلل.
ولا يغيب عن الذكر هذه اللمحة الشعرية التي تتخلل الفصول؛ إذ أنها وقفات شعرية كتبها الجلبي بنفسه، تشكّل مكاشفات تأملية تعيد ترتيب ما فُكك سرديًا، كما في قوله:
"يا راكبًا ظهر المياه تكبّرا ** في فتنة زلّت بك القدمان"
وهي أبيات تُذكّر القارئ بأنّ الخطاب داخل العمل ليس فقط خطاب العقل، بل أيضًا خطاب القلب والروح، وأنّ فهم الإنسان لا يكتمل إلا بجمع الأضداد: العلم والإيمان، الشك واليقين، الماضي والحاضر.
فهذا العمل لا يقدم سردًا تاريخيًا أو دينيًا أو أسطوريًا بالمعنى التقليدي؛ بل تترسخ عبر هذه الحقول سردية معرفية – رمزية متكاملة، تُسائل الفرد والمجتمع، وتفتح أفقًا واسعًا للتأمل في معنى الإنسان في عالمه المتغير.
ولعل نهاية الرواية – التي تنتهي ببداية جديدة – تجسّد هذا المعنى الباطني العميق:
أن لا يقين نهائي، وأنّ البحث عن الحقيقة هو الهاجس الإنساني الأول والأخير، وأنّ الخلاص لا يأتي من الخارج، بل من حوار الإنسان مع ذاته، ومع الآخر، ومع الزمان المتقلب.
بهذا، يكون الكاتب قد نسج عملًا روائيًا ذا طابع موسوعي، يُعيد الاعتبار للسرد بوصفه أداة للبحث والتأمل والفعل، ويُقدّم نصًا قابلًا لإعادة القراءة، والانفتاح على تعددية الأصوات والدلالات، في زمن أحوج ما يكون فيه الإنسان إلى استعادة صوته الخاص.



#واثق_الجلبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة الخلود بين الأسطورة والواقع في رواية -كلكامش: عودة الثل ...
- منبع الحكمة وفتنة المعرفة يُرَوِّيهما كلكامش على لسان الكاتب ...
- إشارة معرفية .. واثق الچلبي ..الزمن دونما أعتاب
- أجمل ما قرأت.. واثقيات الچلبي..اشتباكات الذات الفطنة
- تشظي الذات وسقوط اليقين .. قراءة في جدلية الوجود والعبث في ن ...
- معارضات يوسفية في الديوان الشعري ( يوسفيات ) للأديب واثق الج ...
- يوسفيات الشاعر واثق الجلبي ... أنسنة الشعور وشمعة في عالم ال ...
- قصة يوسف الإبن والنبي تتحول الى ملحمة فلسفية في الديوان الشع ...
- حفريات معرفية متوارية في ثلاث روايات قصيرة للكاتب واثق الجلب ...
- واثقيات 52 .. استعارات الظلام في أنوار الشموع
- الآخر في قصيدة (الجن) للشاعر واثق الجلبي
- أحكام البناء الهندسي في ( يوسفيات واثقية 46 ) للشاعرواثق الج ...
- حامد الحمراني .. وداعا
- الزمن الاستباقي وأنواعه في روايات واثق الجلبي .. التوظيف وال ...
- كُوَّةٌ فِي زَوَايَا مَخْفِيَة مِن التَارِيخ.. قراءةٌ في كتا ...
- كتاب ( أربع شخصيات عراقية من التاريخ ) الكاتب واثق الجلبي .. ...
- واثق الجلبي .. الشغف وانفتاح الدلالة وتدجين المستحيلات
- كلكامشيات
- جماليات التشكيل اللغوي والتنغيم الموسيقي في قصيدة (لا أبالي) ...
- واثقيات 28 ( نتوءات على وجه الحب للأديب واثق الجلبي )


المزيد.....




- بعد التشهير الكبير من منع الفيلم ونزولة من جديد .. أخر إيراد ...
- على هامش زيارة السلطان.. RT عربية و-روسيا سيفودنيا- توقعان ...
- كيف كسر فيلم -سينرز- القواعد وحقق نجاحا باهرا؟ 5 عوامل صنعت ...
- سيمونيان تكشف تفاصيل مذكرة التفاهم بين RT ووزارة الإعلام الع ...
- محمد نبيل بنعبد الله يعزي في وفاة الفنان المغربي الأصيل الرا ...
- على هامش زيارة السلطان.. RT Arabic توقع مذكرة تفاهم مع وزارة ...
- كيف تنبّأ فيلم أمريكي بعصر الهوس بالمظهر قبل 25 عامًا؟
- مهرجان -المواسم الروسية في الدار البيضاء- يجمع بين المواهب م ...
- شم النسيم: ما هي قصة أقدم -عيد ربيع- يحتفل به المصريون منذ آ ...
- فنانة أرجنتينية تستذكر ردة فعل البابا الراحل على لوحة بورتري ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الجلبي - الناقدة منال رضوان تكتب سردية التعدد الرمزي والحوار الوجودي في رواية واثق الجلبي: من السيمرغ إلى الشيخ يوسف