|
مناهضة الصهيونية - من لينين إلى ستالين - الجزء الأول
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8320 - 2025 / 4 / 22 - 17:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
* اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف* فلاديمير بولشاكوف فيلسوف وعالم اجتماع روسي، دكتوراه في الفلسفة، أستاذ، ناشط اجتماعي.
21 فبراير 2019
لم يعتبر لينين، وكذلك ستالين، اليهود أمة موحدة بسبب عدم وجود أرض مشتركة أو لغة مشتركة بينهم. فقد وصف لينين فكرة الأمة اليهودية الموحدة بأنها "صهيونية، زائفة تمامًا ورجعية في جوهرها". كما اعتبر الصهيونية أكثر ضررًا من معاداة السامية، لأن الصهيونية -حسب رأيه- كانت تصرف أوساطًا واسعة من البروليتاريا اليهودية المثقفة عن النضال الثوري، بينما كانت معاداة السامية تجذب فقط العناصر الجاهلة وغير المثقفة من الشعب الروسي. كما انتقد لينين بشدة أولئك الذين رفعوا شعار الثقافة القومية ءاليهودية، واصفًا إياهم بـ"أعداء البروليتاريا" و"أعوان الحاخامات والبرجوازية". أما الحل الذي رآه لينين للمسألة اليهودية، فكان الاندماج الطوعي.
*مع اليهود* وتذكر "الموسوعة اليهودية الإلكترونية" موقف لينين من القضية اليهودية بما يلي: "كان لينين معارضًا حازمًا لمعاداة السامية بجميع أشكالها، ووصفها بـ التحريض المقيت على الخصوصية العرقية والعداء القومي (مشروع قرار حول مكان البوند في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، الأعمال الكاملة، 1903، المجلد 7، ص 245). كما أدان بعنف المذابح اليهودية (كتاب تعبئة القوى الرجعية ومهامنا ، 1903، منشور في كتيب لينين حول المسألة اليهودية في روسيا ، 1924، ص 27). كما احتج بقوة ضد السياسات التي زعم أنها معادية لليهود من قبل السلطات القيصرية، مشيرًا إلى أن الأمة الأكثر اضطهادًا وملاحقة هي الأمة اليهودية ( ملاحظات نقدية حول المسألة القومية ، 1913، الأعمال الكاملة، المجلد 24، ص 122).
طالب لينين مرارًا بمنح اليهود في روسيا مساواة كاملة، وبمبادرته، قدمت الكتلة البلشفية في مجلس الدوما الرابع (1912–1917) مشروع قانون لإلغاء جميع القيود المفروضة على حقوق اليهود، والذي تضمن إلغاء منطقة سكن وتجمع اليهود وأي تمييز ضدهم. كانت علاقة لينين الشخصية باليهود إيجابية دائمًا، وحسب شهادات معاصريه، كان لديه تصريحات متعاطفة جدًا مع اليهود، مثل: نحن (الروس) شعب موهوب لكننا كسالى فكريًا. العبقري الروسي هو دائمًا يهودي أو شخص بدم يهودي (ماكسيم غوركي، فلاديمير لينين ، 1924).
*ولكن ضد الصهيونية* أما موقف لينين من الصهيونية، فقد كان متسقًا مع هذا المنظور، حيث كان يصف أنصارها دائمًا بالرجعيين أو يطلق عليهم باحتقار ممثلي الأمة اليهودية المرخصين ( تعبئة القوى الرجعية ، ص 31). وكان لينين ينتقد بشدة دعوات الصهاينة لليهود بعدم التدخل في الصراع السياسي الروسي والاهتمام بشؤونهم الخاصة. أدى عدم توافق هذا التوجه مع عقيدته الأيديولوجية إلى استنتاج لينين بأن الصهيونية تشكل عدوًا أكبر للاشتراكية الديمقراطية من معاداة السامية (نفس المصدر، ص 35)، لأن الأولى تصرف شرائح مثقفة من البروليتاريا اليهودية عن النضال الثوري ، بينما الثانية تجر فقط العناصر الأكثر ظلامية ثقافيًا وسياسيًا من الشعب الروسي (نفس المصدر، ص 35).
بهذه الطريقة، حل لينين أيضًا مسألة الاندماج، منتقدًا بشدة موقف البوند (الاتحاد العام للعمال اليهود في ليتوانيا وبولندا وروسيا-ZZ) غير المتسق في هذا الشأن. وكتب: لا يعارض الاندماج سوى البرجوازيون اليهود الرجعيون الذين يريدون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء... لم يعارض الاندماج أبدًا أعظم شخصيات اليهودية التاريخية التي قدمت للعالم قادة رواد للديمقراطية والاشتراكية (نفس المصدر، ص 126).
كما عارض لينين بشدة فكرة الحكم الذاتي الثقافي القومي ( حول الحكم الذاتي الثقافي القومي ، الأعمال الكاملة، المجلد 24، ص 174–178)، مؤكدًا أن النضال ضد كل اضطهاد قومي – نعم بالتأكيد. لكن النضال من أجل أي تطور قومي أو من أجل الثقافة القومية بشكل عام – لا بالتأكيد ( ملاحظات نقدية ، نفس المصدر، ص 132). بالنسبة للينين، كان مطلب المساواة الكاملة لليهود، الذي دافع عنه بثبات طوال حياته، يعني اندماجهم الطوعي والسلس.
بعد الثورة، لعبت الرغبة في استخدام المسألة اليهودية كأداة للحفاظ على سلطة البلاشفة وتعزيزها دورًا حاسمًا في سياسة لينين. فقد أشار لينين سابقًا إلى أن نسبة اليهود في الحركة الديمقراطية والبروليتارية كانت أعلى بكثير من نسبتهم بين السكان عمومًا (نفس المصدر، ص 122–123). وبما أن الظروف الخاصة لروسيا سهلت جذب اليهود إلى جانب الثورة، وخلال الحرب الأهلية، أصبح الدفاع عن السلطة السوفياتية في كثير من الحالات دفاعًا عن البقاء الجسدي لليهود (مذكرة المكتب المركزي للأقسام اليهودية الشيوعية إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، 1924)، كان لينين وراء تعيين اليهود في مناصب قيادية في الجهازين الحكومي والحزبي، وإعلان معاداة السامية والمشاركين في المذابح خارجين عن القانون (مرسوم مجلس مفوضي الشعب، 1918).
في الوقت نفسه، وإدراكًا لأهمية كسب الجماهير اليهودية، خاصة في مناطق الاستيطان اليهودي السابقة، حيث شكلوا كتلة عرقية مميزة بثقافة ولغة خاصتين، وافق لينين على إنشاء أقسام يهودية خاصة في الأجهزة الحكومية والحزبية (مفوضية يهودية، القسم اليهودي) والاعتراف باللغة اليديشية كلغة قومية يهودية.
لكن السياسات التي نفذت بتوجيه أو بدعم من لينين، مثل ملاحقة الصهاينة، ومحاربة الدين اليهودي والتقاليد، وحظر اللغة العبرية، أدت لاحقًا إلى تدمير الثقافة اليهودية في الإتحاد السوفياتي تقريبًا. ومع ذلك، في عهد لينين، لم تكن هناك مظاهر علنية لمعاداة السامية في سياسة السلطات السوفياتية. فقد ظهرت هذه المظاهر بعد وفاته، وتجسدت بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية وفي السنوات اللاحقة.
*القوزاق اليهود" لدى بيتليورا وماخنو: بين الأسطورة والواقع* [خلال الحرب الأهلية في أوكرانيا بعد الثورة (1917–1921)، تشكلت تحالفات معقدة بين الجماعات اليهودية والقوات الأوكرانية والأناركية، خاصة تحت قيادة: - سيمون بيتليورا (زعيم الجمهورية الأوكرانية الشعبية). - نيستور ماخنو (القائد الأناركي) - ZZ]. - أيدت معظم الأحزاب الصهيونية، بما فيها البوند الذي ادعى الشيوعية، الحكومة المؤقتة (بعد ثورة فبراير 1917)، وقطعت علاقتها مع البلاشفة، ورفضت الانقلاب البلشفي في أكتوبر.
في 2 مايو 1918، عقد في موسكو مؤتمر سري لمنظمة صهيونية واسعة الانتشار آنذاك تسمى تسيري تسيون . (حركة صهيونية حاولت الجمع بين الاشتراكية والقومية. ظهرت كجناح شبابي لحركة "هوفيفي تسيون" (محبي صهيون) في الإمبراطورية الروسية 1903 على يد مجموعة من الطلاب اليهود في مدينتي خاركوف وأوديسا. بعد الثورة تم حلها. انتقلت إلى فلسطين وأسست 35 كيبوتسا وأصبحت نواة حزب مابام-ZZ) وكان البرنامج الذي اعتمده المؤتمر خطة ملموسة لمحاربة الشيوعية، وجاء فيه: الاشتراكية تقف عائقًا أمام الصهيونية. وبالتالي، فإن الصهيونية والاشتراكية ليسا قطبي تنافر فحسب، بل عنصرين متناقضين تمامًا... (أرشيف الدولة المركزي، وثيقة 11، جزء 2، الحرف ب ، 1898).
بدأ الصراع بين الصهاينة والشيوعيين قبل 1917. وكما كتب "رالف بالم دات" في مجلة Labour Monthly : كل الحركة الاشتراكية الدولية، حتى قبل 1914، وقبل انقسامها إلى حركة شيوعية واشتراكية ديمقراطية، أدانت الصهيونية باعتبارها ظاهرة غير متوافقة مع الاشتراكية. عندما حاولت الحركة الصهيونية، دون قطع علاقاتها الوثيقة مع أكياس المال ، إنشاء فصائل تسمى اشتراكية وطلبت الانضمام إلى الأممية الاشتراكية القديمة، رفض المكتب الاشتراكي الدولي، الذي ضم آنذاك كل فصائل الحركة الاشتراكية، هذا الطلب.
بعد تأسيس الأممية الشيوعية، لم تتغير التقييمات الماركسية للصهيونية التي قدمتها الاشتراكية الديمقراطية الثورية. واستمر المكتب التنفيذي للأممية الشيوعية في رفض الصهيونية باعتبارها حركة غير ثورية.
*موقف الأممية الشيوعية من الصهيونية و"القوزاق اليهود" لدى بيتليورا وماخنو*
*موقف الأممية الشيوعية من الصهيونية* أكدت اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية في أحد وثائقها: "إن محاولات صرف الجماهير اليهودية الكادحة عن الصراع الطبقي عبر الدعوة إلى الهجرة الجماعية إلى فلسطين ليست فقط قومية وبرجوازية صغيرة، بل هي في جوهرها مضادة للثورة..."(The Communist International. 1919–1943. Documents. London, 1956. Vol. 1. P. 366).
وبالفعل، بعد عام 1917، انحاز الصهاينة في روسيا إلى جانب الثورة المضادة، رغم أنهم لم يُستقبلوا هناك بترحاب.
*دور اليهود في الجيش الأبيض* في ديسمبر 1917، جمعت البرجوازية اليهودية في مدينة روستوف على الدون 800 ألف روبل لتنظيم فرق قوزاقية لمحاربة السلطة السوفياتية. سُلّمت هذه الأموال إلى القائد القوزاقي أليكسي كاليدين بواسطة زعيم الصهاينة المحليين أبرام ألبيرين، الذي صرح: "من الأفضل إنقاذ روسيا مع القوزاق بدلاً من تدميرها مع البلاشفة." كما انضم عدد من الضباط والطلاب العسكريين اليهود إلى الجيش الأبيض منذ بداية تشكيله، وكتبت الصحافة الإسرائيلية لاحقًا عن "اليهود المشاركين في الحملات الأولى للجيش الأبيض". حتى في الوحدات النخبوية مثل الكورنيلوفيون والماركوفيون والألكسييفيون، حارب ضباط يهود إلى جانب البيض.
ومع ذلك، تعرض الجنود اليهود في الجيش الأبيض للسخرية والتمييز، حيث رفض زملاؤهم العيش أو الأكل معهم. نتيجة لذلك، غادر معظم اليهود الجيش، وفي أكتوبر 1919، صدر أمر بفصل جميع الضباط اليهود. من بينهم الضابط موردخاي تسانين، الذي هاجر لاحقًا إلى فلسطين وأسس هناك صحيفة معادية للسوفيات بعنوان "لتزت نايس"[جريدة "لتزت نايس" (Letzte Nayes) صوت المنفيين اليهود المعادين للسوفيات، صدرت باللغة اليديشية- ZZ].
*المذابح والتحريض المعادي للسامية*
ارتكب الجيش الأبيض 296 مذبحة في 267 منطقة، أسفرت عن مقتل 5,235 شخصًا على الأقل، بينما قدّر شيختمان العدد الإجمالي للضحايا بأكثر من 8,000. وقعت معظم هذه المذابح في أوكرانيا، وكانت مذبحة فاستوف الأكثر دموية.
في المقابل، استخدمت الدعاية البيضاء معاداة السامية كأداة سياسية. أصدرت وكالة أوسفاج (التابعة للجيش الأبيض) منشورات تحريضية، منها جريدة "نا موسكفو!" (إلى موسكو!) التي نُشرت تحت شعار: *"خذ عصاك واطرد اليهود إلى فلسطين!"* وحظيت بشعبية واسعة بين الضباط والمدنيين. كما وزّعت قوات كولتشاك منشورات تدعو إلى "طرد اليهود البلاشفة الذين دمّروا روسيا"، بل وطالبت بـ"تنظيم حملة صليبية ضد جميع اليهود".
*التعاون الصهيوني مع القوات المعادية للبلاشفة*
تعاون الصهاينة بنشاط مع الرادا المركزية الأوكرانية، وفي ديسمبر 1918، أُعيد تفعيل قانون الحكم الذاتي اليهودي، وتأسست وزارة يهودية برئاسة ياكوف لاتسكي- بيرتولدي. ومع ذلك، بين ديسمبر 1918 وأغسطس 1919، ارتكبت قوات سيمون بيتليورا والعصابات المرتبطة بها مئات المذابح، راح ضحيتها حوالي 50,000 يهودي حسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ورغم ذلك، ضمت حكومة الجمهورية الشعبية الأوكرانية ممثلين عن أحزاب صهيونية مثل "البوند" و"بوعالي تسيون" والحزب الاشتراكي اليهودي الموحد. وكما كتب المؤرخ الأوكراني أندريه ليخولات: "كان ممثلو هذه الأحزاب في الحكومة الأوكرانية يتفرجون ببرودة على إبادة اليهود على يد عصابات بيتليورا. بينما اقتصر عمل وزراء الشؤون اليهودية على تسجيل القرى والبلدات المدمرة وعدّ الضحايا. بل إن زعيم الصهاينة فلاديمير جابوتنسكي عرض على بيتليورا تشكيل وحدات يهودية لمحاربة البلاشفة!"
في 28 ديسمبر 1918، وبمبادرة من الاشتراكيين-الديمقراطيين الأوكرانيين، عُقد اجتماع للجان المركزية والرئيسية لجميع «الأحزاب الاشتراكية» بمشاركة رئيس "المديرية" فينيتشينكو وعدد من وزراء بتليورا. وبعد الاجتماع، صدر بيان باسم الاشتراكيين الديمقراطيين الأوكرانيين، والاشتراكيين الثوريين الأوكرانيين، و«البوند»، والمناشفة الروس، والاشتراكيين الثوريين، والاشتراكيين اليهود الموحدين، و«بوعالي تسيون»، والحزب الاشتراكي البولندي، يدعو إلى «دعم الحكومة الثورية لجمهورية أوكرانيا الشعبية!». وكل ذلك في الوقت الذي كانت فيه مذابح البلدات اليهودية، وحملات المطاردة، وإعدامات البلاشفة والعمال الروس والأوكرانيين جارية على نطاق واسع في جميع أنحاء أوكرانيا!
*اللقاء بين بيتليورا والوفد اليهودي-الصهيوني*
في 17 يونيو 1919، عقد بيتليورا اجتماعًا مع وفد يهودي في كامينيتس-بودولسك، ضم الحاخام غوتمان، وزعيم الصهاينة ألتمان، وممثلي "بوعالي تسيون" و"البوند". وأكد الحاخام غوتمان خلال الاجتماع: "البلشفية، من وجهة نظر التوراة، هي نوع من برج بابل الذي عاقبه الله بالطوفان. وكذلك البلشفية، التي تحاول تقويض أسس الديانة اليهودية، لا يمكن أن تحظى بتعاطف اليهود المتدينين." بينما وعد الممثلون اليهود بتشكيل "قوات قوزاقية يهودية" لمساعدة بيتليورا في حربه ضد البلاشفة! *تفاصيل الاجتماع* توجد وثيقة فريدة مؤرخة بعام 1919، وهي تقرير عن لقاء «الأتامان الأعلى» بتليورا مع «وفد يهودي» في كامينيتس-بودولسك في 17 يونيو 1919، أي بعد نحو نصف عام من مذبحة بروسكوروف، حيث ذبح جنود بتليورا آلاف اليهود بالسيوف. شارك في اللقاء: الحاخام غوتمن، ممثل المجتمع اليهودي المحلي كليدرمان، أحد قادة الصهاينة ألتمان، ممثل «اليهود العاملين» كرايز، من حزب «بوعالي تسيون» دراخلر، ومن «البوند» والحزب الاشتراكي اليهودي الموحد بوغراد. وقد توصلت هذه المجموعة إلى تفاهم كامل مع سيمون بتليورا. فقال الحاخام غوتمن: «البلاشفة، من منظور التوراة المقدسة، يمثلون نوعًا من برج بابل، والجيل الذي بناه عوقب بالطوفان لأنه لا يمكنه البقاء. وكذلك البلشفية، التي تحاول تقويض الأسس التي تقوم عليها اليهودية المتدينة، لا يمكن أن تحظى بتعاطف هذه الشريحة. وأقسم باسم كل المقدسات اليهودية، أن البلشفية لا مكان لها بين اليهود المتدينين». وبدوره، أكد كرايز ممثل «اليهود العاملين» للأتامان الأعلى أن «الحرفيين اليهود والقوميين اليهود يدركون أن البلشفية مدمرة لاقتصادهم»، كما وعد بتنظيم وحدات «يهود قوزاق» لدعم بتليورا. ومن جانب حزب «بوعالي تسيون»، وعد دراخلر بأن «القوزاق اليهود سيقاتلون جنبًا إلى جنب مع الأوكرانيين من أجل تحرير أوكرانيا» – بطبيعة الحال، من البلاشفة. أما بوغراد من «البوند» والاشتراكيين الموحدين، فأعلن هو الآخر دعمه الكامل لوزارة الشؤون اليهودية التابعة لبتليورا، وأبدى استعداده حتى للانضمام إليها. وقد دعا البوند علنًا اليهود للانخراط في جيش بتليورا ومحاربة البلاشفة بالسلاح (انظر: "اليهود وجمهورية أوكرانيا" – وفد يهودي لدى الأتامان الأعلى في 17 يوليو 1919، كاميانيتس-بودولسكي، ص. 3–8).
وفي وقت لاحق، كرر وزير صهيوني في حكومة فرانغل يُدعى ك. بيسمانيك تقريبًا نفس كلمات غوتمن وألتمان، قائلاً: «البلشفية تمثل التهديد الأكبر ليهود روسيا» (بيرنشتاين ل. "نقد أيديولوجية الصهيونية – شكل من أشكال معاداة الشيوعية"، كييف، 1971، ص. 33–34).
*الأناركيون الصهاينة وماخنو*
وتحدث بنفس الروح أيضًا الأناركيون الصهاينة، الذين كانوا يُعلّمون العلوم الثورية في غولياي-بوليه للزعيم نستور ماخنو. ومن بين الأناركيين اليهود الذين عادوا إلى روسيا من الولايات المتحدة في ربيع 1917 كان ألكسندر بيركمان وإيما غولدمان. وكتب م.م. غونشاروك، مؤلف دراسات حول تاريخ الأناركية اليديشية: «لفترة من الزمن، كان هؤلاء المفكرون الأناركيون موجودين في أوكرانيا، في مقر ماخنو في غولياي-بوليه، في المجلس العسكري لجيشه الثوري». وقد شارك الماخنوفيون، مثلهم مثل قوزاق بتليورا، في المذابح عدة مرات. لكن الأناركيين اليديش من أمريكا عملوا في قسم التثقيف السياسي التابع لجيش ماخنو إلى جانب أناركيين قادمين من أوروبا. وبعد سحق البلاشفة للحركة الأناركية في روسيا، تمكنت غولدمان وبيركمان من المغادرة (1921). ووفقًا لمجلة «موليتا» الروسية الصادرة في باريس (1986)، فقد كان في مقر ماخنو آنذاك لفترة من الزمن ابن الحاخام الليتواني الشهير يهودا-ليب غوردين، وهو أبا غوردين (1887–1964)، مؤسس حركة "البان-أناركية" في روسيا، وأحد قادة اتحاد الأناركيين في موسكو، ورئيس تحرير جريدته "الأناركية" بين 1917–1918. وخلال كلمة له في أحد الاجتماعات بموسكو، تعرض لإصابة من قبل عميل تشيكا. وسرعان ما اعتُقل واتُّهم بالتورط في استخبارات ماخنو، لكنه لم يُعدم بفضل تدخل زوجة لينين، ناديجدا كروبسكايا. فبدلاً من الإعدام، نُفي إلى حدود منشوريا، ومن هناك فر عبر سيبيريا ومنشوريا والصين واليابان إلى الولايات المتحدة، حيث أصبح أحد زعماء الأناركية اليديشية هناك.
وخلال سنوات الحرب الأهلية، ظهر أيضًا في غولياي-بوليه مارك ماراتشني (كليڤانسكي، كلافانسكي، 1892–1975) – وهو أناركي يديشي، وعضو في الكونفدرالية الأناركية-النقابية الأوكرانية «نابات»، التي كانت تزود ماخنو بالإطارات الفكرية. عمل في قسم التثقيف السياسي لجيش ماخنو الثوري ووزع صحفه «المقاتل الحر» و«طريق الحرية» (1919–1921). كما كان نائب رئيس المجلس العسكري ورئيس قسم التثقيف السياسي في جيش ماخنو يدعى فيسيفولود إيشينباوم (فولين) – أناركي يديشي آخر. وبقي بعض هؤلاء الأناركيين الصهاينة مع ماخنو في باريس (مثل شوارتسبورد – قاتل بتليورا، وفولين، وإيما غولدمان وغيرهم)، ثم هاجر معظمهم إلى الولايات المتحدة.
*الخاتمة* يُظهر هذا التاريخ أن الصهاينة تحالفوا مع قوات معادية للثورة، بل وساندوا قادة ارتكبوا مذابح ضد اليهود أنفسهم. لكن المؤيدين المعاصرين للصهيونية يفضلون التزام الصمت حيال هذه الحقائق. كما يفضل «المدافعون عن اليهود» من بين الصهاينة المعاصرين التزام الصمت إزاء صفقات الصهاينة مع الثورة المضادة، و«القوزاق اليهود» مع مرتكبي المذابح.
***** يتبع
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 563 – سوريا وما حولها – إسرائيل وتركيا تتقاسمان
...
-
طوفان الأقصى 562 – العقيدة الإقليمية الجديدة لإسرائيل – الاح
...
-
طوفان الأقصى561 – لماذا أوقف ترامب الضربة الإسرائيلية على إي
...
-
كيف عض واوي شجاع الأسد الميت
-
طوفان الأقصى 560 – ترامب وإسرائيل
-
عهد خروتشوف - البيريسترويكا رقم 1 – الجزء الثاني 2-2
-
طوفان الأقصى 559 – الفاشية في إسرائيل تعود إلى الواجهة من جد
...
-
عهد خروتشوف – البيريسترويكا رقم 1 - الجزء الأول 1-2
-
طوفان الأقصى 558 – اليمن يحطم أوهام تفوق الجيش الأمريكي
-
-رجلنا- في أمريكا
-
طوفان الأقصى 557 – ترامب ونتنياهو يرقصان -تانغو واشنطن-
-
الأمريكي العظيم – بمناسبة مرور 80 عاما على وفاته
-
ألكسندر دوغين – إتحاد روسي – بيلاروسي – إيراني ينقذ الوضع
-
طوفان الأقصى 555 – إستضافة المجر للمجرم نتنياهو بين القانون
...
-
لماذا تم اختراع أسطورة الكاتب العظيم -قائل الحقيقة- ألكسندر
...
-
طوفان الأقصى 554 – الحرب الأبدية في غزة - قادة الطرفين – وفي
...
-
نظام الغولاغ (السجون ومراكز الاصلاح ومعسكرات العمل) - الأرشي
...
-
طوفان الاقصى 553 – الحرب الأخرى على الفلسطينيين – كيف تستخدم
...
-
أكاذيب ألكسندر سولجينتسين الدعائية – الجزء الثاني 2-3
-
طوفان الأقصى 552 - المفاوضات الأمريكية الإيرانية وإسرائيل ال
...
المزيد.....
-
بعد إشهار إفلاسها.. انخفاض عدد فروع مطاعم -تي جي آي فرايديز-
...
-
-فخ صنعه إيلون ماسك-.. تسلا في مأزق بسبب الحرب التجارية مع ا
...
-
جيل غزة المفقود: 96% من أطفال القطاع يشعرون باقتراب الموت بس
...
-
إغلاق القصر الرسولي بعد وفاة البابا فرانسيس
-
بعد تأكيد رحيل دي بروين- نجمان آخران قد يغادران مانشستر سيتي
...
-
الجامعة العربية تؤكد دعمها للبنان وتطالب بحصر السلاح بيد الد
...
-
وزير الداخلية التونسي: بلادنا ليست أرض توطين ولا حارسا للفضا
...
-
الكرملين يعلق على أهمية عقد -قمة روسيا والدول العربية- في مو
...
-
-إكسبريس-: تشديد العقوبات على روسيا تحول إلى فشل لأوروبا
-
تونس.. الاعتداء على سائحة أوروبية بآلة حادة والسلطات تعتقل ا
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|