|
من دفتر اليوميات/ محمود شقير31
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8320 - 2025 / 4 / 22 - 16:20
المحور:
الادب والفن
الجمعة 15 . 10 . 1999 أمضيت هذا اليوم في حالة من الهدوء التام، للتعويض عن تعب يوم أمس، حيث نهضت من النوم في الصباح للذهاب فورا الى المقبرة. ذهبت صحبة الوالد لحضور جنازة حمدان موسى سلامة من عشيرة الشقيرات، الذي مات عن عمر يناهز التسعين عاما، وكان صديقاً حميماً للوالد. بعد ذلك انشغلت في قضايا يومية كثيرة، ثم عدت في المساء متعباً الى البيت. انتهيت من قراءة كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد. انه كتاب ممتاز، وقد تعلمت منه ضرورة الشك في كل شيء ناجز، والغوص في أعماق النصوص للتعرف على ما تخفيه في باطنها من دلالات. كما تعرفت على تفاصيل النظرة الغربية العنصرية الينا، بوصفنا شرقيين ذوي صفات ثابتة لا تتغير. ابتداء من هذا اليوم بدأت في التحضير لكتابة شهادتي عن القصة القصيرة التي أكتبها، والتي سألقيها في دارة الفنون بعمان بدعوة من مدير الدارة الصديق الشاعر ابراهيم نصر الله. هذا المساء تناولت طعام الغداء صحبة الأبناء والأحفاد. كان الداعي ابني عصام، قدم لنا لحوما مشوية، لم آكل منها سوى القليل حفاظا على صحتي، وخوفا من مضاعفات تزايد نسبة الكولسترول في دمي. أما ارتفاع ضغط الدم، فقد قررت ابتداء من يوم أمس، وبالتشاور مع الطبيبة ايلا ليفين، على تخفيض جرعة العلاج الخاصة به الى مقدار النصف. الطقس في الخارج معتدل. نحن في عز الخريف. سأذهب الآن الى الانترنت.
الجمعة 22 . 10 . 1999 انتهيت هذا المساء من كتابة الشهادة التي سألقيها في دارة الفنون بعمان. انها في مجملها الشهادة السابقة التي ألقيتها في جامعة بير زيت قبل ثلاث سنوات، وقد أضفت اليها ما نشرته في مجلة "صوت الوطن" حول لحظة الكتابة، وهي مادة طلبها مني اتحاد الكتاب الفلسطينيين، تمهيدا لترجمتها الى اللغة الانجليزية ونشرها مع نصوص أخرى في كتاب. ثم انني أجريت بعض التعديلات وأضفت بعض إضافات. عموماً، فإن الشهادة مقبولة، لكنها ليست عميقة، وذلك لانشغالها بوصف الخارج أكثر من انهماكها في التركيز على الداخل. تلك مشكلتي في بعض ما أكتب، أعود الى الأحداث، فأعيد وصفها بحسب سنوات وقوعها في السياق التاريخي. أعتقد أن قراءتي لكتاب الاستشراق لإدوارد سعيد، وقراءاتي حول ميشيل فوكو ومنهجه الخاص باركيولوجيا المعرفة الذي يرفض تسلسل الأفكار، ويؤمن بالقطيعة المعرفية، قد تساعدني على التحرر من الكتابة التي تعنى بالوصف الخارجي وبتسلسل مادتها وفقا لسياقها التاريخي. غداً صباحا أسافر الى عمان. سأمكث هناك ثلاثة أيام. الحفيد محمود منقطع عني منذ أيام، حينما عرف انني سأسافر في الصباح، طلب مني أن أحضر له معي لعبة، فوعدته خيراً. الساعة الآن العاشرة مساء. سأرتب ملابسي وأوراقي بعد أن أتناول طعام العشاء.
الخميس 28 . 10 . 1999 عدت من عمان قبل يومين. كانت الرحلة قصيرة ممتعة. ألقيت الشهادة في دارة الفنون، وقد حظيت بإعجاب الجمهور الذي ملأ القاعة، وهي على العموم قاعة صغيرة لا تتسع لأكثر من ستين شخصا. لكن بعض الأصدقاء أكدوا لي أن هذه القاعة لا تمتلىء في الكثير من الندوات التي تقام فيها، بسبب عزوف الناس عن الأنشطة الثقافية. قدمني الصديق الشاعر والروائي ابراهيم نصر الله بشكل ممتاز، حيث ألقى كلمة اشتملت على إشادة حميمة بي. ابراهيم صديق مخلص، وقد سهرنا معا في مطعم ريم البوادي، وفي بيت الصديق الدكتور رضوان مسنات، وكذلك في بيت الصديق الدكتور فايز صياغ. عدت من عمان ومعي هدايا لمحمود ولبقية الأحفاد. أحضرت لهم ألعابا، وقد فرحوا لها فرحا غير قليل، فارتاحت نفسي لذلك، وشعرت بالسرور لأنني أدخلت الفرح الى قلوب الأحفاد. يوم أمس ذهبت الى عملي في الوزارة. كان محمود درويش قد اتصل يسأل عني للتأكد من موعد الاجتماع الأخير للجنة الجوائز. اتصلت به، ثم ذهبت لزيارته في مكتبه. تشاورت معه حول بعض القضايا الخاصة بالاجتماع الذي كان مقررا عقده في تمام الخامسة من مساء يوم الأربعاء. عقدنا الاجتماع بالفعل، واتخذت اللجنة قرارا بمنح اثنتي عشرة جائزة، منها جائزة لبيت الشرق، وأخرى للمسرح الوطني الفلسطيني، وثالثة للفنان اللبناني مارسيل خليفة. هذا المساء مات العم ابو عياش، الذي تحدثت عنه في كتاب "ظل آخر للمدينة"، فوصفته بأنه كان دائم الشرود. شعرت بالأسف لأنني لم أتمكن من زيارته وهو مريض، لكنه مات. كان بسيطا طيبا طوال حياته. قد أكتب عنه شيئا في المستقبل. غدا سأنهض في الصباح الباكر للذهاب مع عدد من شباب العائلة، للعودة بجثمان العم من مستشفى شعاري تصيدق ثم تشييعه الى مثواه الأخير.
الجمعة 5 . 11 . 1999 دفنا العم ابو عياش في مقبرة القرية يوم الجمعة الماضي. بعد الدفن مباشرة تناولنا طعام الغداء في بيت الحاج محمود خضر شقير بدعوة من عائلة الحاج خليل، وهم فرع من عشيرة الشقيرات، ثم عدنا الى بيت العزاء الذي استمر ثلاثة أيام، حيث جاء عدد غير قليل من أهالي السواحرة لتعزيتنا بموت العم. كنت مضطرا لمغادرة بيت العزاء صباح السبت الماضي للمشاركة في المؤتمر الصحفي الذي عقده الأخ ياسر عبد ربه في مقر وزارة الإعلام للاعلان عن جوائز فلسطين. ذهبت في الصباح الى مركز خليل السكاكيني، التقيت محمود درويش، أطلعته على الحيثيات التي كتبتها حول الفائزين، ثم غادرنا في سيارة محمود الى مقر وزارة الاعلام، وهناك التقينا الأخ ياسر عبد ربه. تم الاعلان عن الجوائز بحضور حشد من الصحافيين، ومن موظفي وزارتي الثقافة والاعلام. شعرت باستياء وأنا ألاحظ أحد الزملاء يشيح بوجهه عني لأنه لم يفز بالجائزة. كان قد تقدم بمادة وثائقية لكنه لم يفز، ويبدو أنه توهم بأنني حجبت الجائزة عنه. مشكلتي أنني في كل عام أخرج بعدد من الخصومات مع عدد من الناس بسبب هذه الجوائز، علما بأنني لم أعد، وبناء على رغبة شخصية مني، عضوا في لجنة الجوائز، فأنا منذ العام الماضي أعمل بصفة كوني منسقا بين الوزارة واللجنة ولا دخل لي في اتخاذ القرارات. سأحاول إقناع الوزير باعفائي من هذه المهمة في العام القادم . لاحظت أن محمود درويش يشعر بالاستياء كذلك، أخبرني بأنه لن يرأس اللجنة في العام القادم. مشكلة الوسط الثقافي في بلادنا أنه وسط مليء بالحساسيات. كم تتوق نفسي الى الخلاص من وزارة الثقافة ومن هذا الوسط الثقافي الذي لا يروق لي. المزاج ليس جيدا، والطقس هذه الليلة يميل الى البرودة، ويبدو ان ثمة مطرا سيهطل في الغد. سأذهب الى الانترنت الآن.
السبت 13 . 11 . 1999 ذهبت هذا الصباح الى جامعة بيت لحم للتحضير لاحتفالات الجوائز التي ستقام هذا العام على مدرج الجامعة. كان معي من وزارة الثقافة الزملاء علي عامر، علاء الخليلي، وأسعد الأسعد. التقينا د. مانويل حساسيان نائب رئيس الجامعة وموسى درويش مدير العلاقات العامة في الجامعة. تبادلنا الرأي حول ترتيبات الاحتفال، ثم افترقنا. شعر علي عامر بدوخة فأحضرنا له الطبيب، ثم نقلناه الى مستشفى الحسين حيث أجريت له فحوص تحسبا من اصابته بأعراض نوبة قلبية، لكن النتائج لم تكن سيئة. عدت الى البيت لعلني أستطيع كتابة شيء في النص المسرحي للفتيات والفتيان الذي تعاقدت عليه مع فرقة مسرحية محلية. يوم أمس لم أستطع كتابة حرف واحد. كل الذي استطعت فعله قراءة " مذكرات دجاجة " لاسحق موسى الحسيني، وهو كتاب تتحدث فيه دجاجة عن ظروف حياتها، على غرار ما تفعله حيوانات كليلة ودمنة، ومن خلال ذلك يقوم المؤلف بعرض أفكاره حول الانسان والحياة والمجتمع. والكتاب ينتهي بدعوة عريضة من أجل احلال السلام في كل بقعة في الأرض. والدجاجة الفلسطينية المسالمة لا ترفض من جاءوا للاقامة معها في البيت دون وجه حق، انما تحاول أن تتعايش معهم. يكتب الحسيني هذا الكلام عام 1943 ، أي بعد أربع سنوات من انتهاء ثورة 36-39 ، وقبل خمس سنوات من النكبة، وهو أمر يستحق التأمل من عدة أوجه، من جهة السلب والإيجاب. أشعر بالقلق على صحتي. أفكر بالموت لكنني لا أخشاه حتى هذه اللحظة. كل ما يعنيني الآن أن أتمكن من انجاز أكبر عدد من الكتب قبل أن أموت. اذا أنجزت عشرة كتب في السنوات الاثنتي عشرة القادمة، فسوف أشعر بشيء من راحة الضمير. الساعة الآن تقترب من الثانية بعد الظهر. سأذهب الى النص المسرحي لأكتب فيه عدة صفحات أخرى اذا كان ذلك ممكناً. الأربعاء 17 . 11 . 1999 انتهيت من الكتابة الأولى للنص المسرحي للفتيات والفتيان، والنص له علاقة بالحفاظ على البيئة، وقد وسمته ب " نحن والأوزون". سأعطيه يوم غد لأحد الزملاء كي يعلق عليه، لأنني في هذه اللحظة غير قادر على الحكم على ما كتبت. جاء النص في 19 صفحة من القطع الكبير، أي أن تمثيله على خشبة المسرح قد يستغرق خمسين دقيقة، وهو المطلوب تماما بحسب العقد الذي وقعته من أجل ذلك. منذ انهمكت في كتابة هذا النص لم أقرأ سوى القليل، لكنني أشعر بارتياح نسبي، حيث انطلقت في كتابة النص المسرحي بهمة ونشاط، واستطعت انجازه خلال اسبوع بالرغم من المناسبات الاجتماعية الطارئة، وبالرغم من منغصات المحيط. استلمت هذا اليوم نص السيناريو الذي كتبه جبريل الشيخ استنادا الى كتابي "ظل آخر للمدينة"، وقد جاء في ثماني حلقات. سأقوم بمراجعته في الأيام القريبة القادمة . الساعة الآن التاسعة مساء. الطقس معتدل، وليس ثمة مطر. يبدو أننا سنواجه سنة أخرى من الجفاف وانحباس المطر. المزاج عادي. أفتقد الحفيد محمود الذي لا يسأل عني الا اذا سألت عنه. هذا المساء مر مرورا خاطفا، ولمدة لا تزيد عن نصف دقيقة، دخل بيتنا مع أختيه، ثم خرج دون أن يكلمني. انه طفل عابث وذكي. سأذهب الآن الى الانترنت. يتبع...
#محمود_شقير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير30
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير29
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير28
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير27
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير26
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير25
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير24
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير23
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير22
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير21
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير20
-
الأدب في زمن الحروب والأزمات
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير19
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير18
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير17
-
مداخلة أخيرة عن زميلتي الكورية/ محمود شقير
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل2024 / محمود شقير
...
-
زميلتي الكورية الفائزة بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير4
-
زميلتي الكورية التي فازت بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير3
-
زميلتي الكورية القائزة يجائزة نوبل للآداب2024 / محمود شقير/2
المزيد.....
-
كيف تنبّأ فيلم أمريكي بعصر الهوس بالمظهر قبل 25 عامًا؟
-
مهرجان -المواسم الروسية في الدار البيضاء- يجمع بين المواهب م
...
-
شم النسيم: ما هي قصة أقدم -عيد ربيع- يحتفل به المصريون منذ آ
...
-
فنانة أرجنتينية تستذكر ردة فعل البابا الراحل على لوحة بورتري
...
-
لوحات تتحرك.. شاهد كيف بدت هذه الأعمال الفنية التفاعلية في د
...
-
سعيد البقالي عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ضيف
...
-
جورج كلوني يثير الجدل باعتراف حول زواجه من أمل علم الدين
-
الأديب نزيه أبو نضال.. أيقونة أدبية وسياسية أثرت المشهد العر
...
-
دار النشر -إكسمو- تطلق سلسلة كتب -تاريخ الجيش الروسي-
-
قبل نجاح -Sinners-.. مخرج وبطل الفيلم يتحدثان عن علاقتهما ال
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|