مأمون شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 8320 - 2025 / 4 / 22 - 14:01
المحور:
كتابات ساخرة
في كل موسم انتخابي، تطفو على السطح تلك الكائنات الموسمية التي تُعرف باسم "الدعاية الحزبية"، فتملأ الشوارع بصورها، والمنصات بشعاراتها، والناس بوعودها. تتحول الأحزاب إلى فرق علاقات عامة، تتقن توزيع الابتسامات أكثر من البرامج، وتغلف المرشحين بورق لامع، أشبه بتغليف بطيخة لا تدري أهي حمراء ناضجة أم بيضاء باهتة الطعم.
الدعاية الحزبية في العالم العربي عموماً، أصبحت جزءاً من مسرحية مكررة: وجوه مبتسمة على خلفية وطنية، وعبارات مثل "نحمل هم المواطن"، "صوتك أمانة"، أو "من أجل مستقبل أفضل"، وكأننا في حملة إعلانية لمنتج استهلاكي، لا في ساحة تنافس سياسي حقيقي.
الناخب، وسط هذه الجلبة، يتحول إلى زبون حائر في سوق البطيخ. يُقلب الشعارات كما يُقلب الثمار، يطرق على "القشرة" ليستمع إلى صوت الوعد، ويحدق في العيون المطبوعة على البوستر بحثاً عن صدقٍ مفقود. لكنه في النهاية، يشتري البطيخة نفسها التي اشتراها في الموسم الماضي… وعاد نادمًا.
الخطير في الأمر أن الدعاية لم تعد تقنع أحداً. المواطن بات يدرك أن كثيراً من الأحزاب تُبدّل خطابها كما تُبدّل ألوانها، وأن الوعود تُقطع في الشوارع وتُنسى في المكاتب. وفوق هذا كله، تُمارَس الدعاية وكأن الجمهور بلا ذاكرة، بينما الحقيقة أن الذاكرة الشعبية باتت أذكى من أن يُضحك عليها بعبارة "التغيير قادم".
باختصار، الانتخابات لم تعد لحظة اختيار بقدر ما أصبحت طقساً موسمياً، والدعاية الحزبية لم تعد تعبيراً عن فكر بقدر ما هي مسرحية إخراجها رديء، وجمهورها منهك. وفي ظل هذا المشهد، يبقى المواطن وحده من يدفع الثمن… تماماً كما يدفع ثمن بطيخة اكتشف – متأخراً – أنها بلا طعم، وبلا أمل.
*كاتب فلسطيني مختص بالشؤون الاقليمية
#مأمون_شحادة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟