أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العرّافة .














المزيد.....

مقامة العرّافة .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8320 - 2025 / 4 / 22 - 10:45
المحور: الادب والفن
    


مقامة العرّافة :

يريد المندلاوي الجميل أن يعلمنا كيف يجب ان نقرا التاريخ , ويطلعنا على بيت الشاعر مصطفى جمال الدين الذي يخاطب بغداد : (( وحذار ان تثقي برأي مؤرخ للسيف لا لضميره ما يسطر )) , ويقول عنه انها لحكمة بالغة في تاريخ الشعوب , مما ذكرني بالمثل الشعبي المعروف (( الحك للسيف , والعاجز يدور شهود )) , وبعيدا عن متطلبات الزمان والمكان ,لابد من الأقرار أن الأسلام أمة ماضوية , وقد قال المفكر السعودي عبد الرحمن منيف (( أن العرب أمة تعيش في الماضي , وان التاريخ يلهمها أكثر ممن يعلمها في الواقع , لذلك فهي لاتحسن التعامل مع الزمن الذي تعيشه , وهذا هو السبب في تخلفها )) .

يقول معروف الرصافي : (( ما كتب التأريخ في كل ما روت … لقرائها إلا حديث ملــــــــفق , نظرنا لأمـــر الحاضرين فرابنا … فكيف لأمر الغابريـن نصدق )) , هناك تاريخ لا يرحل وكأنه حالة مزمنة لا ترياق يزيح ثقلها , الجغرافيا قوة فاعلة مزمنة , وكذلك هي الثقافة والتاريخ , على خريطة الورق الكونية , تمتد خطوط طول وعرض , وتسكن دول لها وجود في حدود , على ورق الخرائط سكنت إمبراطوريات , وحكمت سلطات , وكانت أمم , إمبراطوريات حكمت من يليها , بقوة السلاح يحمله رجال , من الإسكندر الأكبر, الى الفرس , إلى الرومان , وقبلهم الفراعنة , وبعدهم العرب , ذهب من ذهب وبقي من بقي , تكوين حضاري وثقافي ظلَّ يرفع رأسه فوق قبة الوجود الإنساني الممتد عبر الزمن , ولكن الجميع أو لنقل معظمهم من رجال الدين (( السنة والشيعة )) على حدآ سواء لا يريدون لنا أن ننظر من خلال ما نراها في بطون أمهات كتب التاريخ , ولكن من خلال ما يرونه ويصورونه لنا.

قطع رأس الحسين وأودع عند عبيد الله بن زياد , وقطع رأس عبيد الله وأودع عند المختار الثقفي , وقطع رأس الثقفي وأودع عند مصعب بن زبير, وقطع رأس مصعب وأودع عند عبد الملك بن مروان , وما زالت الرؤوس تقطع وترمى على الطرقات والقتلة مجهولون, والتاريخ الهمجي يكرر حماقاته ونحن ضحاياه المكررون , (( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم , ولا تسألون عما كانوا يعملون(( , الدنيا في مساراتها الصاعدة , والعديد من كراسي الأمة متقهقرة في مغارات الماضيات الفاعلات في الحياة ,أذهلني خطاب أحدهم وكأنه منقطع عن الدنيا , ومتلبس بأوهامه , ويريد أن يثأر للأموات من الذين غادروا منذ عشرات القرون , إنه لأمر مذهل ومحير , وتعبير عن الخواء والعداء السافر للحاضر والمستقبل , وتدمير للوجود الذاتي والموضوعي للأجيال.

تُرى ما فائدة الإنشغال بالماضيات ونبش قبور السالقات , والتوهم بأننا في لحظة زمنية خالدة توقفت عندها الأرض عن الدوران , وعلينا أن نتوطن دوائرها المفرغة المناهضة لبديهيات الأفهام؟ لا يوجد تفسير إلا أنها متاجرة , وآلية تدر أرباحا طائلة على مروجيها والعاملين بموجبها , ولهذا يكون من الضروري تعزيز التغفيل والتجهيل وتمرير الدجل والتضليل , وبموجب ذلك لن تتحرر المجتمعات المستهدفة من القهر بأبسط الحاجات اللازمة للحياة , وعلى الفساد أن يكون دستورا , والحكومة بلا هيبة , والقانون حبر على ورق , والكيل بألف مكيال ومكيال , يؤمن مسيرة الإضطراب والضحك على رؤوس البرايا , وتحويلها إلى قطعان ضاوية في ميادين الخطايا.

عندما نقرأ للمؤرخين المعروفين كالطبري , اليعقوبي , المسعودي , البلاذري وإبن كثير , وغيرهم , نتحير أمام ما دونوه عن حدث واحد , وهم ما شاهدوه أو عاشوه , إنهم نقلوا عن فلان وفلان وبعد قرون , فهم في العصر العباسي ويكتبون عن أحداث حصلت قبل أكثر من قرن , فتجد قصصا متضاربة لا يقبلها العقل المعاصر , لكنها ترسخت بالتكرار , على أنها الصدق بعينه , كتب التأريخ يختلط فيها الغث والسمين , والحابل بالنابل , والكذب والصدق , والإختلاق والحقيقة , ومعظمها تعبيرات عن عن آراء الكتاب , وفقا لمدى إقترابهم وبعدهم عن الكرسي المتحكم بمصير البلاد والعباد , فلا توجد مدونات تأريخية موضوعية , وخالية من عسل السلطة وضرورة التكسب بالمكتوب , فما خطته الأقلام كان من أجل الإرتزاق , وهذه مهنة سائدة وتدر مالا على أصحابها , فكانوا يهدون كتبهم للذين يتوقعون منهم عطاءُ مجزيا , ولابد من القول أن الجاحظ أهدى كتاب الحيوان لوزير المتوكل عبد الملك الزيات , وباقي كتبه لغيره , ونال على ذلك مالا وفيرا , فلا بد من القراءة المتعقلة للتأريخ , وعدم فصل ما مكتوب عن زمانه ومكانه , ولا يجوز القول بأن المدون مقدس , فهو من نضح عقول عصره وظروفه , وليس مخلدا أو مطلقا , كما يجري العمل على إيهام وخداع الأجيال , و(( الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها )) .

عند أسوار التاريخ , مرّت بي قَوافل رجال ونساء , وسمعت رُغاء إبل ونُباح كلاب , وتهادى لِسمعي هدير قطارات , ومنبهات سيارات وباصات , ورأيت نساكاً وفقهاءَ يطاردون الشيطان , وعبيداً مخصيين وسبايا شبه عاريات , وأنصاف آلهة يهرولون جلجامش , هرقل , أطلس الموريطاني , ورأيت أخيل , وغاليلي , ونيرون , وكافكا وعطيل , وابو نواس , وحسان ابن ثابت , وأبو عبد الله الغالب , ورأيت المهدي بن تومرت ,ومولاي بوشعيب الردّاد , والسيدة الحرة , وشويخ مكناس , وأبو المسك كافور والمتنبي , وضبة الأسدي , الى ان أخبرتني عرّافة ذات رؤية , أضاعت وِدْعها في ليلة ظلماء : أن ريح العشيرة تنفخ في صدري نَزعة العصبية , وأن جينات الأسلاف تخنق خلايا دماغي , وتجبرني على التصرف بغموض , يفتك بمصداقيتي , ويوصد أبواب الحقيقة في وجهي , قالت بصوت عميق : تخلص من الوصاية , تحرر من الأغلال , تفيأ ظلال الحقيقة, وفَكِّر من علو باسق.

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة السُّهَا .
- مقامة القلب الكسير .
- مقامة اللوكي .
- مقامة البازار .
- مقامة الشيطان يكمن في التفاصيل .
- مقامة الفن للفن ؟
- مقامة ما طار طير .
- مقامة الأستيلاد .
- مقامة البلاد البلاد .
- مقامة المربك و المرتبك .
- مقامة اطاعة المسؤول .
- مقامة حُراس التناحة .
- مقامة سُكرةعراقية .
- مقامة ترانيم المواويل
- مقامة رفيق الحويجة .
- مقامة الأنبهار .
- مقامة السمراوتين .
- مقامة الدرويش .
- مقامة فرحة العيد ؟
- مقامة زئير المعري .


المزيد.....




- دار النشر -إكسمو- تطلق سلسلة كتب -تاريخ الجيش الروسي-
- قبل نجاح -Sinners-.. مخرج وبطل الفيلم يتحدثان عن علاقتهما ال ...
- نعي الصحافي والأديب والناقد المناضل نزيه أبو نضال (جميل غطاس ...
- وفاة النحات الروسي البارز زوراب تسيريتيلي
- المترجم سامر كروم: لماذا ينبض الأدب الروسي بحب العرب؟
- العمود الثامن: زعيم الثقافة
- التورنجي يتحدث عن تجربته الأدبية والحركة الأنصارية في جبال ك ...
- الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -المشروع X-.. ما قصته؟
- فلة الجزائرية: تزوجت كويتيا ثريا أهداني طائرة خاصة ومهري لحن ...
- الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -المشروع X-.. ما قصته؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العرّافة .