|
مدرسة فرانكفورت: الأثر النقدي من النشأة إلى الامتداد المعاصر
أحمد زكرد
الحوار المتمدن-العدد: 8320 - 2025 / 4 / 22 - 07:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مدرسة فرانكفورت ليست مجرد تيار فكري داخل الفلسفة المعاصرة، بل هي مشروع نقدي شامل يهدف إلى تفكيك بنى السلطة والمعرفة في المجتمع الحديث، وإعادة صياغة العلاقة بين النظرية والممارسة. ظهرت في سياق أوروبي متأزم سياسياً وثقافياً، وامتدت على مدار قرن لتواكب تحولات الحداثة وما بعدها. هذا المقال يرصد تطورها التاريخي، ويقف عند أبرز أعلامها، وأهم أطروحاتها النقدية، من النشأة إلى الجيل الثالث المعاصر.
أولاً: النشأة التاريخية والسياق العام ظهرت مدرسة فرانكفورت في لحظة تاريخية مفصلية، حيث كانت أوروبا تعيش تحولات عميقة على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية. في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبينما كانت الرأسمالية تتجذر في البنية الاقتصادية والاجتماعية، بدأ يتشكل وعي فلسفي جديد يسعى إلى فهم أسباب فشل المشروع الثوري الاشتراكي في تحقيق التحرر الإنساني، رغم كل ما حملته النظرية الماركسية من وعود. لقد بدا أن الطبقة العاملة لم تعد الفاعل التاريخي الذي راهن عليه ماركس، وأن النظام الرأسمالي نجح في دمجها ضمن منظومته، بل واستطاع أن يخلق نوعًا من الرضا المزيف عن الوضع القائم. في هذا المناخ الملبد بالخيبات والأزمات، ظهرت الحاجة إلى نظرية نقدية قادرة على مساءلة الواقع من جذوره، دون السقوط في الحتمية الاقتصادية أو الأوهام الطوباوية. كانت الفكرة التي تأسس عليها معهد البحوث الاجتماعية في فرانكفورت عام 1923 هي ضرورة بناء مشروع فكري بديل، يمزج بين التحليل الماركسي والرؤية الفلسفية، ويكون قادرًا على مساءلة البنى الثقافية والإيديولوجية التي تكرس الاغتراب وتخنق إمكانات التحرر. لم يكن المقصود مجرد تحليل الواقع الاقتصادي أو السياسي، بل التعمق في الأبعاد النفسية، الثقافية، الإعلامية، والتعليمية التي تجعل الإنسان قابلاً للهيمنة، ومستسلماً لواقع مفروض عليه. لقد وُلد هذا المشروع من رحم أزمة الحداثة ذاتها. فبينما روجت الحداثة لنمو العقل والعلم والتقدم، اكتشف فلاسفة فرانكفورت أن هذا "العقل" الذي وعد بالتحرر تحول إلى أداة للسيطرة، وأن التقدم التكنولوجي لم يكن بالضرورة خطوة نحو الحرية، بل قد يكون وسيلة لترسيخ الاستلاب. هذا الانقلاب في فهم العقل كان أحد المفاتيح الأساسية في فكر المدرسة، حيث لم يعد يُنظر إلى العقل بوصفه ضامنًا للتحرر، بل باعتباره يتحول أحيانًا إلى عقل أداتي، يُخضع كل شيء لمنطق النجاعة والهيمنة، ويُقصي كل ما لا يندرج تحت معايير الأداء والإنتاج. السياق السياسي بدوره كان محوريًا في تشكل هذا التيار. فصعود الفاشية والنازية في أوروبا، واضطهاد اليهود، وقمع كل فكر معارض، دفع بفلاسفة المعهد إلى الهجرة نحو أمريكا، وهناك سيعيدون التفكير في العلاقة بين الثقافة والسلطة في إطار جديد. لقد أصبح من الجلي أن الأنظمة التسلطية لا تعتمد فقط على القمع السياسي، بل تؤسس سلطتها عبر خطاب ثقافي وإعلامي يُنتج الوعي الزائف ويُخدّر الجماهير. من هنا جاء اهتمامهم الكبير بتحليل "الصناعة الثقافية"، أي الطريقة التي تُنتج بها الثقافة الجماهيرية وتُسوّق عبر وسائل الإعلام والترفيه، ليس بهدف التنوير بل بهدف الترويض. إن هذا الوعي النقدي لم يكن مجرد انعكاس نظري، بل كان مرتبطًا بسؤال جوهري: لماذا يقبل الناس بالخضوع؟ كيف يُعاد إنتاج السيطرة داخل المجتمعات الحديثة؟ ما الذي يجعل الإنسان المعاصر مستلبًا رغم امتلاكه أدوات العلم والتكنولوجيا؟ هذه الأسئلة لم تكن ترفًا فكريًا، بل كانت نابعة من شعور حقيقي بالأزمة، ومن إحساس بأن الفلسفة ينبغي أن تكون أداة للتحليل والتحرر، لا مجرد تأملات بعيدة عن الواقع. لقد كانت مدرسة فرانكفورت، منذ بداياتها، مشروعًا لفهم التناقضات التي تعيشها الحداثة الغربية، ومحاولة للكشف عن آليات السيطرة التي تعمل في عمق الحياة اليومية، لا فقط على مستوى الدولة أو الاقتصاد. لذلك، جاء تحليلهم للمجتمع الحديث متعدد الأبعاد، جامعًا بين الفلسفة، وعلم الاجتماع، والتحليل النفسي، ونقد الفن والإعلام، لأنهم أدركوا أن السيطرة ليست مجرد فعل سياسي، بل هي بناء شامل يتغلغل في الوجدان واللغة والخيال. من هنا، فإن نشأة مدرسة فرانكفورت ليست مجرد لحظة تأسيس لمؤسسة أكاديمية، بل هي بداية لرحلة فكرية نقدية طويلة، وُلدت من قلب الأزمة، وتوجهت نحو مساءلة الحداثة ذاتها، لا لرفضها بالكامل، بل للكشف عن انزياحاتها وخياناتها لوعودها الأصلية. لقد كان الهمّ الأساسي لهؤلاء المفكرين هو إعادة التفكير في علاقة الإنسان بذاته، وبالآخر، وبالسلطة، وبالمعنى، في زمن باتت فيه القيم تُختزل في منطق السوق، وأصبحت فيه الحرية واجهة تُخفي أشكالًا جديدة من الرقابة والتوجيه. وهكذا، تحولت مدرسة فرانكفورت إلى ضمير نقدي للحداثة، صوت يسائل العقل باسم الإنسان، ويعيد الاعتبار لفلسفة لا تكتفي بالتفسير، بل تسعى إلى التغيير.
ثانيًا: الجيل الأول – النظرية النقدية الكلاسيكية تشكل الجيل الأول من مدرسة فرانكفورت في ظل تحولات عميقة عصفت بالعالم الغربي خلال النصف الأول من القرن العشرين، من انهيارات اقتصادية إلى صعود الفاشية، ومن خيبات الثورة إلى اغتراب الإنسان داخل منظومة رأسمالية تزداد تعقيدًا كل يوم. وكان على هذا الجيل أن يخوض مواجهة مزدوجة: من جهة ضد الأزمة البنيوية في الماركسية التقليدية التي فشلت في التنبؤ بانحراف مسار التاريخ، ومن جهة أخرى ضد الحداثة الغربية التي وعدت بالتحرر لكنها ما لبثت أن كشفت عن وجهها السلطوي. ووسط هذا التشظي، برزت الحاجة إلى نظرية نقدية لا تكتفي بتشخيص العلل الظاهرة، بل تتوغل في البنية العميقة للمجتمع والثقافة، تحللها وتفكك آليات اشتغالها، محاولة بذلك أن تحرر الفكر من أصفاد الأيديولوجيا. كان الفكر النقدي لهذا الجيل محاولة فلسفية جذرية لإعادة بناء العلاقة بين النظرية والممارسة، بين الفلسفة والسياسة، بين الذات والعالم. فلم يكن هدفهم استبدال أيديولوجيا بأخرى، بل الكشف عن البنى المستترة التي تجعل الإنسان يقبل بالهيمنة وهو يظن نفسه حرًا. لقد كان الجيل الأول، وخصوصًا مع مفكرين مثل ماكس هوركهايمر وثيودور أدورنو، مؤمنًا بأن العالم الحديث قد انزلق إلى نوع من العقلانية المريضة، عقلانية أداتية لا تبحث عن الحقيقة أو الخير، بل تضع كل شيء في خدمة النجاعة والسيطرة، حتى أصبح الإنسان نفسه شيئًا بين الأشياء، يُقاس ويُضبط ويُستثمر. ومن هنا جاء نقدهم للعقل ذاته، لا باعتباره ملكة معرفية بحتة، بل بوصفه أداة تحكم وتطويع، حين ينفصل عن الأخلاق والجمال والذات الحرة. لم تعد العقلانية تضمن التحرر، بل أصبحت شريكة في بناء منظومة السيطرة، منظومة تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية، في اللغة، في الإعلام، في التعليم، في الثقافة الجماهيرية التي تُنتج الذوق والخيال والموقف من الذات والعالم. ولهذا لم يكن يكفي تحليل الاقتصاد أو علاقات الإنتاج، بل كان لا بد من تحليل البنى الثقافية والرمزية التي تجعل السيطرة أكثر فاعلية، لأنها لم تعد تُفرض بالقوة، بل تُقبل بالرغبة. كان هذا الفكر متشائمًا في جوهره، لأنه لم ير في التقدم التكنولوجي أو الرفاه المادي دليلًا على تحقق الحرية، بل دليلاً على قدرة النظام القائم على إعادة إنتاج نفسه باستمرار، وعلى تحويل حتى لحظات المتعة والتسلية إلى أدوات للهيمنة. وهذا ما جعلهم يطرحون مفهوم "الصناعة الثقافية"، كآلية لإنتاج وعي زائف، يغذي الخضوع ويخنق التمرد. فالفن، الذي كان ينبغي أن يكون مجالًا للحرية والتفرد، أصبح بدوره مُنمطًا، خاضعًا لقوانين السوق، يفقد روحه النقدية ويتحول إلى سلعة استهلاكية. لكن هذا التشاؤم لم يكن نابعًا من نظرة عدمية أو يأس ميتافيزيقي، بل من حس فلسفي حاد، مدفوع بشغف نحو تحرير الإنسان من اغترابه. وقد كان التحليل النفسي، إلى جانب الماركسية، أداة لفهم هذا الاغتراب؛ فالعقل المُكبوت، واللاشعور المُقيد، والمجتمع الذي يربي الفرد على الطاعة منذ الطفولة، كلها عناصر تساهم في إنتاج ذات ضعيفة، منقادة، تبحث عن الأمن أكثر من الحقيقة، وعن الانتماء أكثر من الحرية. وفي قلب هذه الرؤية النقدية كان هناك دائمًا سؤال عن إمكانية الخلاص، عن كيف يمكن للفكر أن يستعيد دوره التحرري، للفن أن يستعيد صدمته الجمالية، وللإنسان أن يعيد اكتشاف ذاته خارج ما يُملى عليه. لم يكن الجواب جاهزًا، ولم يدّعِ هؤلاء المفكرون امتلاك الحقيقة، بل ظل فكرهم مفتوحًا على الاحتمال، على الحيرة، على القلق، لأنه لم يكن فكرًا دوغمائيًا، بل فكرًا يسير في دروب الشك، ويتغذى من التوتر بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون. وهكذا، فإن الجيل الأول من مدرسة فرانكفورت لم يقدم نظرية مغلقة، بل طريقة في التفكير، نمطًا في مساءلة العالم، استبصارًا فلسفيًا عميقًا لحالة الإنسان المعاصر. لقد كانوا شهودًا على فشل اليوتوبيا، وعلى اختناق الذات داخل عالم عقلاني حد الجنون، ولذلك كانت مهمتهم الفكرية شاقة، لأنهم سعوا إلى إنقاذ إمكانات الحرية من بين أنقاض التقدم. كانوا يدركون أن الحقيقة لم تعد تكمن في الصيغ الكبرى، بل في التفاصيل، في التشققات، في ما لا يُقال، في الغياب قبل الحضور. ومن هذا الوعي نشأت النظرية النقدية الكلاسيكية، لا كمنظومة فكرية مغلقة، بل كصرخة فلسفية مستمرة في وجه النسيان، والامتثال، والاستسلام.
ثالثًا: الجيل الثاني – يورغن هابرماس وبناء النظرية التواصليّة حين خفت صوت الجيل الأول من مدرسة فرانكفورت، ولم تعد مفاهيم الصناعة الثقافية والعقل الأداتي قادرة وحدها على استيعاب التحولات المعقدة التي عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ظهر صوت جديد، أكثر انفتاحًا على إمكانات العقل، وأكثر ثقة في قدرة الإنسان على بناء حداثة أخرى، لا تقطع مع العقل بل تعيد تأصيله في أفق الحوار والتفاهم. كان يورغن هابرماس يمثل لحظة انتقالية في تطور النظرية النقدية، لا بوصفه قطيعة مع الرواد، بل كإرادة لتجاوز تشاؤمهم دون أن يتخلى عن صرامتهم النقدية. لقد وعى أن المهمة الفلسفية لا تكمن فقط في التشخيص، بل في التأسيس، لا فقط في الهدم، بل في بناء إمكان جديد للعيش المشترك. لم يكن هابرماس مهووسًا بالماضي، بل كان مسكونًا بمستقبل العقل في ظل الحداثة، تلك التي لم تفقد شرعيتها فحسب، بل انحرفت عن مشروعها الأصلي في تحقيق الحرية والتقدم الإنساني. لكنه لم يرد أن يسقط في نفس التشاؤم الذي ميز تفكير هوركهايمر وأدورنو، بل رأى أن هناك في بنية الحداثة نفسها بذورًا لما يسميه بـ"العقل التواصلي"، عقل لا يُختزل في الأداة والنجاعة، بل ينبني على التفاهم والحوار، ويمنح للفعل الإنساني معناه الأخلاقي والسياسي في آن. كان يؤمن أن الإنسان لا يُختزل في منتج أو مستهلك، بل هو فاعل قادر على التعبير والفهم والاتفاق، وأن اللغة ليست فقط أداة لنقل المعلومات، بل فضاء لبناء الحقيقة والعدالة والتضامن. في هذا السياق، جاءت نظريته في الفعل التواصلي كتتويج لهذا التوجه الجديد. لقد حاول من خلالها أن يعيد تأسيس العقلانية بعيدًا عن تشوهاتها الاقتصادية أو التقنية، مقترحًا عقلانية متجذرة في الممارسة الحوارية، حيث لا يُفرض الرأي بالقوة، بل يُقنع بالحجة، ولا يُمارس الفعل من أجل الربح، بل من أجل التفاهم. كانت هذه النظرية بمثابة رد فلسفي عميق على التصدعات التي عرفها مشروع الحداثة، لكنها في الوقت نفسه دعوة لإعادة إحياء إمكان الحوار في عالم تتهدده النزعة الفردية والانغلاق الأيديولوجي والتقنية المتسيدة. لم يكن اهتمام هابرماس باللغة وليد موضة فلسفية، بل كان ضرورة منهجية، لأنه رأى أن كل فعل اجتماعي ينطوي في جوهره على بعد تواصلي، وأن فهم المجتمع لا يمر فقط عبر الإنتاج والتوزيع، بل عبر أشكال التواصل التي تُمأسس الحقيقة والشرعية والمعنى. ومن هنا جاء اهتمامه بالمجال العمومي، ذلك الفضاء الوسيط الذي يتشكل فيه الرأي العام، ويتحاور فيه الأفراد بحرية حول الشأن العام، خارج منطق السلطة والسوق. لقد سعى إلى الدفاع عن هذا المجال بوصفه شرطًا للديمقراطية، وركيزة أساسية لتوازن المجتمع الحديث. فحين يتقلص مجال النقاش الحر، ويُختزل التواصل في أوامر وإعلانات ومؤشرات استهلاكية، يضيع صوت الإنسان، ويصبح المجتمع مهددًا بالتشيؤ والتفكك. كان هابرماس يُدرك تمامًا أن العقل لا يولد خارج التاريخ، ولا يمارس فعله في فراغ، ولذلك سعى إلى دمج التحليل التاريخي والاجتماعي في بنيته النظرية، مستفيدًا من إرث الماركسية دون أن يقع في اختزالها الميكانيكي، ومن التحليل النفسي دون أن ينغلق على فردانيته، ومن فلسفة اللغة دون أن ينفصل عن السياسة. لقد كانت رغبته عميقة في الجمع بين طموح التنوير ونقده، بين إرادة التحرر والوعي بمخاطره، بين قوة العقل وضعفه، بين الفردانية والتضامن. ومن هنا جاءت أفكاره حول أخلاقيات الحوار، حيث لا يعود الحق نتيجة لقرار سلطوي، بل ثمرة حوار عقلاني بين أطراف حرة ومتساوية، يحترم كل منها الآخر بوصفه ذاتًا قادرة على الفهم والتعبير. هذه الفلسفة لم تكن مجرد تنظير نخبوي، بل كانت مشروعًا نقديًا للحداثة من داخلها، ومحاولة لإصلاح مسارها دون السقوط في حنين رومانسي إلى ما قبلها أو في احتفاء أعمى بما بعدها. كان هابرماس يرى أن الأزمة ليست في العقل، بل في تشويهه، وأن الجواب لا يكون في تدميره، بل في تحريره من قيود الاقتصاد والتقنية، من أجل أن يعود إلى جوهره التواصلي، حيث تُبنى الشرعية بالحوار، ويُصاغ القانون بالتوافق، وتُمارس السياسة لا كصراع مصالح، بل كفعل تفاهمي بين مواطنين أحرار. وإذا كانت النظرية النقدية الكلاسيكية قد نبهت إلى أن الأيديولوجيا تتغلغل في كل شيء، فإن هابرماس وسّع هذا الوعي ليشمل المؤسسات السياسية، والنظام التربوي، والإعلام، وحتى الحياة اليومية، لكنه لم يكتف بالتحليل، بل أراد أن يبني نموذجًا نظريًا قابلاً للتطبيق، يفتح أفقًا لإصلاح ديمقراطي حقيقي، أساسه ليس العنف ولا الإكراه، بل الاقتناع الجماعي الناتج عن تداول عقلاني. لقد أراد أن يُحيي الأمل في مجتمع يستطيع أن ينقد ذاته من خلال ذاته، عبر نقاش عمومي حر، لا يخضع للمال ولا للسلطة، بل للمنطق وللبرهان ولإرادة التفاهم. بهذا المعنى، لم يكن هابرماس مجرد امتداد لمدرسة فرانكفورت، بل كان بمثابة إعادة تشييد لها على أسس جديدة، أكثر انفتاحًا وأقل تشاؤمًا. لقد حافظ على النفس النقدي، لكنه وسّعه ليشمل إمكانات الفعل التواصلي، واستعاد الثقة في أن الإنسان، رغم كل شيء، لا يزال قادرًا على أن يبتكر شروط تحرره، شريطة أن يعترف بالآخر، ويحترم اللغة، ويؤمن أن الحقيقة لا تُفرض، بل تُبنى جماعيًا، في فضاء من الإنصات والتبادل. وفي هذا الأفق، يبقى فكره علامة فارقة في مسار الفلسفة الاجتماعية المعاصرة، لأنه لم يتخلَّ عن العقل، بل دافع عنه ضد ذاته، وجعل من التواصل أفقًا لفهم جديد للعالم، لا يقوم على الهيمنة، بل على الاعتراف المتبادل.
رابعًا: الجيل الثالث – الاعتراف، الهوية، والنقد المعولم حين بدأت النظرية النقدية تستعيد أنفاسها في أواخر القرن العشرين، كانت روح العصر قد تغيّرت جذريًا. لم يعد الانشغال منصبًا على العقل الأداتي كما كان عند الجيل الأول، ولا على الفعل التواصلي كما نظّر له الجيل الثاني، بل أصبحت قضايا الهوية والاعتراف والانتماء والهامش والهجرة والجنسانية والنيوليبرالية والعولمة هي التي تشغل الفكر النقدي الجديد، في زمن تتقاطع فيه السلطة مع الثقافة، والسياسة مع الجسد، والاقتصاد مع النفس. ومع الجيل الثالث من مدرسة فرانكفورت، لم تعد النظرية النقدية محصورة في أفق غربي أو أوربي داخلي، بل انفتحت على تعددية الأصوات، وعلى أزمنة وتجارب وثقافات أخرى، محاولةً أن تحافظ على جذورها الفلسفية النقدية، لكن بإيقاع جديد، وبأسئلة أكثر راهنية، وبحساسية مرهفة إزاء التفاوتات المعولمة. لقد ورث هذا الجيل أسئلة الحريّة والعدالة والعقل، لكنه لم يعد يرى في العقل التواصلي الحل الأوحد، بل أدرك أن التفاهم العقلاني لا يُثمر عدالة ما لم يُدمج في بنيته الاعتراف بالآخر، لا فقط كفاعل ناطق، بل كذات مجروحة، تحمل ذاكرة ألم وتاريخ تهميش. وهنا تتقدم أطروحات أكسل هونيث بوصفها محاولة لتوسيع النظرية النقدية، من خلال جعل مفهوم الاعتراف حجر الزاوية في كل تصور اجتماعي حقيقي للعدالة. لم يكن الاعتراف عنده مجرد اعتراف بالحقوق، بل هو اعتراف بالوجود والكرامة والتاريخ والهوية، وهو فعل يتأسس عليه توازن الذات مع نفسها ومع الآخرين. فالاحتقار لا يُختزل في العنف الجسدي، بل في غياب الاعتراف، في النظرة التي تهمّش، وفي المؤسسات التي تُقصي، وفي اللغة التي تُقصّر عن احتضان التنوع. هذا التحول في المنظور دفع النظرية النقدية إلى أن تنفتح على علم النفس الاجتماعي، وعلى الفلسفة الأخلاقية، وعلى تحليلات ما بعد الاستعمار، وعلى حركات التحرر النسوية والبيئية. لم يعد النقد حكرًا على المثقف الفيلسوف، بل صار مشتركًا إنسانيًا، يمارسه المهمَّشون في الشارع، وتُعيد صياغته الأقليات في خطابها، ويتجدد في نضالات من لا صوت لهم. لقد اتخذ النقد طابعًا معولمًا، ليس فقط من حيث المواضيع، بل أيضًا من حيث الفاعلين، ولم يعد مركزه برلين أو فرانكفورت، بل قد يكون مهاجرًا في باريس، أو امرأة في مراكش، أو لاجئًا في أثينا. في هذا الانفتاح، لم تتخَلّ النظرية النقدية عن طابعها الفلسفي، لكنها صارت أكثر حساسية إزاء الألم الإنساني المتشظي في تفاصيل الحياة اليومية. لقد تغيرت صورة السلطة كذلك. لم تعد سلطة الدولة وحدها هي المعنية بالنقد، بل امتدت إلى السوق، إلى الإعلام، إلى اللغة، إلى الصورة، إلى السياسات الحيوية التي تدير الأجساد والأزمنة والرغبات. ومن هنا أصبح مفهوم الاعتراف لا ينفصل عن مفهوم المقاومة، فكل اعتراف مفقود يستدعي احتجاجًا ما، وكل هوية مُحتقَرة تطالب بمكانها، وكل ذات غير مرئية تصرخ بوجودها عبر تعبيرات متعددة: فنون، سرديات، نضالات، سرديات مضادة. وفي هذا السياق، تغدو النظرية النقدية ملتقى بين الفلسفة والسياسة، بين الذاتية والجماعية، بين المحلي والكوني، بين الكلمة والصرخة. إن أحد ملامح هذا الجيل من المفكرين هو وعيهم بأن الهوية لم تعد معطًى ثابتًا، بل سيرورة معقدة، تتشكل في توتر دائم بين الذات والعالم، بين الانتماء والاختلاف، بين الخصوصية والاعتراف المتبادل. فلم يعد ممكناً الحديث عن هوية نقية، بل عن هويات هجينة، متقاطعة، متحركة، تحمل في أعماقها آثار الصراع، وندوب الإقصاء، لكنها تسعى، رغم كل شيء، إلى الاعتراف، لا بوصفها امتيازًا، بل حقًّا إنسانيًّا يؤسس للمساواة. وهنا تتقاطع هذه التصورات مع أعمال مفكرين كنانسي فريزر، التي وسّعت أفق النقد ليشمل لا فقط التوزيع الاقتصادي، بل الاعتراف الثقافي، في تمييزها الشهير بين العدالة بوصفها إعادة توزيع والعدالة بوصفها اعترافًا. هذا الأفق الجديد للنظرية النقدية لم يلغِ منطلقاتها الأولى، بل أعاد تأويلها في سياق العولمة، حيث لم تعد الهيمنة ثقافية فقط، بل رقمية ورأسمالية ومناخية، حيث التكنولوجيا تُعيد تشكيل الوعي، والمراقبة تُنتج ذاتًا مطيعة، والأزمات البيئية تكشف هشاشة العقل الأداتي الذي طالما حذر منه الجيل الأول. وهكذا، تعود مفاهيم قديمة بروح جديدة: التشيؤ، الاغتراب، الاستلاب، ولكنها تُقرأ الآن في ضوء الذكاء الاصطناعي، والرقابة الرقمية، والتحكم في البيانات، والأسواق الافتراضية. لم يكن الجيل الثالث من مدرسة فرانكفورت مجرد تطوير لمقولات سابقة، بل هو انعطاف عميق نحو الاهتمام بأشكال جديدة من الظلم، بأصوات المهمشين، بلغة الجسد، وبسياسات الاعتراف. لقد صارت النظرية النقدية أكثر تواضعًا، أقل مركزية، أكثر تعددية، لكنها لم تتخلَّ عن حلمها الأصلي في تحرير الإنسان من أشكال القهر المادية والرمزية. وفي زمن التشتت واللامعنى، تبقى هذه الفلسفة بمثابة مقاومة فكرية، لا تحتمي بالحنين، بل تواجه الحاضر المعولم بلغة جديدة، تسعى إلى إنصاف من لم يُنصَف بعد، وإسماع من لم يُسمَع من قبل، وفتح أفق للعيش المشترك، حيث لا يُطلب من أحد أن يتخلى عن ذاته كي يُعترَف به، بل يُحتفى به في اختلافه، ويُضمَّن في مشروع إنساني نقدي، أكثر رحابة، وأكثر عدالة.
خاتمة: الإرث النقدي واستمرار المشروع لم يكن مشروع مدرسة فرانكفورت مجرد اجتهاد نظري حبيس الأكاديميا، بل كان منذ بدايته، وما يزال في امتداداته، محاولةً فلسفية لفهم العالم من أجل تغييره، رؤية تتحدى السائد وتفكك البُنى المستقرة التي تخفي في جوفها علاقات قهر وهيمنة. لقد أسست النظرية النقدية منذ الجيل الأول موقفًا جذريًا من العقل الأداتي، وفضحت كيف تحوّل العقل، بدل أن يكون أداة تحرير، إلى أداة إخضاع، متماهٍ مع مصالح السلطة والسوق، مختزلٍ الإنسان إلى كائن وظيفي، محكوم بحسابات النجاعة والمنفعة. غير أن هذا النقد لم يكن عدميًا، بل كان يحمل وعدًا بإمكانية أخرى للعقل، عقل قادر على التأمل، على التفاهم، على التحرر من القيود الخفية التي تشكل الوعي. في هذا السياق، لا يُفهم إرث مدرسة فرانكفورت باعتباره جملة مفاهيم عالقة في تاريخ الفلسفة، بل باعتباره موجهًا لمساءلة الحاضر، نقدًا للعالم كما هو، لا كما يُقدَّم في واجهات الإعلام والخطاب الرسمي. لقد تنبّه مفكرو المدرسة إلى أن السلطة لا تتجلى فقط في العنف المباشر، بل في أشكال رمزية ومعرفية، في اللغة، في الصورة، في التنميط، في صناعة الرغبة، في تحويل الثقافة إلى بضاعة، والمعرفة إلى أداة تطويع. ولهذا ظل الإرث النقدي حيًّا، لأنه يلامس الجذور العميقة للمشكل، ولا يكتفي بتحليل السطح. إن ما يجعل هذا المشروع مستمرًا هو قدرته على التجدد، على إعادة صياغة أسئلته في ضوء تحولات العالم. فإذا كان هوركهايمر وأدورنو قد انتقدا العقلانية الغربية بوصفها منتجة للباربارية، وإذا كان ماركوزه قد فضح وهم الحريات الاستهلاكية، فإن هابرماس جاء ليعيد الثقة في إمكانية العقل التواصلي، ليؤسس للمشترك الإنساني القائم على الحجاج والتفاهم، لا على الهيمنة والقسر. ومع الجيل الثالث، تتسع رقعة النقد لتشمل الهوية والاعتراف والعنصرية البنيوية وتفاوتات العولمة. وهذا ما يُظهر أن مشروع فرانكفورت لم يكن مقصورًا على ظرف تاريخي محدد، بل هو أفق مفتوح، يتكيف دون أن يتنازل، يتغير دون أن يفقد جوهره. إن مساءلة الحاضر من خلال إرث مدرسة فرانكفورت ليست ترفًا نظريًا، بل ضرورة فكرية في عالم تتشابك فيه أدوات السيطرة، حيث صار التحكم ناعمًا، يسكن أنماط الحياة، ويتسلل إلى العلاقات اليومية، ويتجسد في التقنيات التي تُنتجنا بقدر ما نستخدمها. لقد تحوّلت الهيمنة إلى ما يشبه الهواء، لا يُرى ولكن يُتنفس. وهنا تبرز أهمية النظرية النقدية: أن تجعل ما هو مألوف موضوعًا للدهشة، أن تكشف ما يبدو طبيعيًا باعتباره مُشكلاً، أن تسائل اللغة عندما تصبح غطاءً للتهميش، والتكنولوجيا عندما تصير غايةً في ذاتها، والتعليم حين يتحوّل إلى آلة إنتاج للامتثال بدل أن يكون مشروعًا للتحرر. لم تتوقف مدرسة فرانكفورت عن التورط الفلسفي في معضلات العصر. فهي لا تقدم أجوبة جاهزة، بل تطرح أسئلة محرجة، تحفر في الأعماق، وتضع الذات أمام مسؤوليتها الأخلاقية. هي فلسفة تقاوم التبسيط، وتدعو إلى يقظة نقدية دائمة، حيث لا شيء يُسلَّم به دون تمحيص. ولهذا السبب تحديدًا، فإن استمرار مشروعها لا يكون بتكرار مقولاته، بل بإعادة قراءتها في ضوء الواقع، بإبداع مفاهيم جديدة، والانفتاح على تجارب مختلفة، دون التخلي عن الجوهر: تحرير الإنسان، لا فقط من الخارج، بل من الداخل أيضًا، من الأوهام التي يحملها، من الصور التي يصنعها لنفسه، من علاقته المشروطة بذاته وبالآخر. إن إرث فرانكفورت يدعونا إلى مقاومة النسيان، إلى تذكّر أن الحرية ليست فقط حقًا قانونيًا، بل هي مشروع فردي وجماعي، يتطلب وعيًا وسؤالًا ونقدًا دائمًا. يدعونا إلى إدراك أن العدل لا يتحقق بمجرد إعلان المبادئ، بل يحتاج إلى تفكيك البنيات غير المرئية التي تصوغ مصائر الناس. يدعونا إلى الانتباه إلى أن التقدم التقني، إذا لم يُرافقه وعي أخلاقي وسياسي، قد يصير كارثة. ومن ثم فإن النظرية النقدية، في إرثها المستمر، تضعنا أمام مسؤولية مزدوجة: ألا نكون مجرد شهود على ما يحدث، بل فاعلين فيه، وألا نغرق في التشاؤم، بل نُبقي أفق الأمل مفتوحًا، لا كحلم ساذج، بل كفعل نقدي يومي، يبدأ من مساءلة الذات قبل العالم. هكذا يبقى مشروع مدرسة فرانكفورت حيًّا بقدر ما يبقى السؤال حيًّا. لا لأن العالم لم يتغير، بل لأنه تغيّر بطريقة تستدعي نقدًا أكثر عمقًا، وأكثر حساسيةً تجاه ما لا يُرى، تجاه ما يُمارس باسم العقل، أو التقدم، أو الحرية، فيما هو في جوهره إعادة إنتاج للقهر بصيغ حديثة. والرهان هو أن نظل أوفياء للروح النقدية، لا بالشعارات، بل بالفعل الفلسفي المتأمل، القادر على النفاذ إلى لبّ الأشياء، ومساءلتها حتى تنكشف حقيقتها، ونصير أقدر على إعادة بناء الممكن في وجه واقع لا يُسلم بسهولة..
#أحمد_زكرد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضية الفلسطينية: مرآة الجرح الإنساني وصراع القوى الكونية
-
فلسفة نيتشه عن المرأة
-
أزمة القيم والتربية في عصر الإعلام الرقمي
-
اليوم العالمي للمرأة: تأمل فلسفي في مسار النضال والعدالة وال
...
-
الطبيعة والثقافة في ضوء فيلم LEnfant Sauvage: رحلة الإنسان م
...
-
إشكالية الحب عبر التاريخ
-
الريح التي حملت الأمل: قراءة في فيلم The Boy Who Harnessed t
...
-
تأملات في مسيرة الإنسان وتحديات المستقبل من خلال كتاب العاقل
...
-
إشكالية الرغبة والسعادة في عالم متغير: من خلال فيلم -Nomadla
...
-
الأتمتة وسؤال الإنسان
-
الريد بيل Red pill: فلسفة جديدة لفهم العلاقات بين الجنسين وت
...
-
نظرة بانورامية حول تاريخ الفلسفة منذ الاغريق الى الآن
-
اشكالية الرغبة: جدلية النقص والإشباع في تشكيل الذات
-
إشكالية نقد الدين بين الوعي والواقع: من فيورباخ إلى ماركس
-
Lillusion et la vérité
-
مستقبل سوريا في ظل الصراع الدولي
-
الفلسفة المعاصرة: جدلية الإنسان بين انهيار اليقين والبحث عن
...
-
إشكالية الهوية و الوجود الرقمي: بين الأصالة والاغتراب
-
بين الظلم التاريخي وإعادة الاعتبار: إشكالية قراءة أفكار السف
...
-
النقاب كظاهرة ثقافية: تحليل فلسفي واجتماعي في السياق المغربي
المزيد.....
-
مصطفى غريب و-توتا- يجتمعان بمسلسل -بريستيج-.. مَن الجاني؟
-
على مسافة يد.. قروش تسبح بين أطفال في شاطئ بشمال إسرائيل
-
ماذا نعرف عن الحمى النزفية؟
-
هل تعرف الكائنات الفضائية بوجود البشر؟
-
سوريا تعتقل قياديين من -الجهاد الإسلامي- عقب زيارة عباس لدمش
...
-
الإمارات العربية المتحدة ضيفة الشرف في منتدى بطرسبورغ القانو
...
-
فانس: واشنطن تريد إنشاء نظام تجاري جديد ومتوازن وعادل
-
الداخلية الأردنية تكشف معلومات وإجراءات جديدة قريبا بشأن -ال
...
-
سياسي سلوفاكي يعلن جمع التوقيعات للاستفتاء على رفع العقوبات
...
-
ترامب يدعم وزير دفاعه بعد فضيحة جديدة طالته
المزيد.....
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
المزيد.....
|