أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - فلسفة الجسد في المسرح التجريبي














المزيد.....

فلسفة الجسد في المسرح التجريبي


هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية

(Howaida Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 8319 - 2025 / 4 / 21 - 08:56
المحور: الادب والفن
    


لقد تراجع دور الكلمة في الصيغ التعبيرية في المسرح، فبعد أن كان دور الكلمة جوهريا في المسرح الكلاسيكي، حيث يعتمد بالأساس على نص الخطاب المكتوب، الذي يصبح بالضرورة منطوقا حال تحول المسرحية من حالة النص إلى حالة العرض، أصبح الأمر مختلفا حينما مُنحت لغة الجسد مساحات كبرى للتعبير، وأزاحت الدور الرئيس للكلمة، فبدأ الاهتمام بالحركة والكوريغراف، وصارت لغة الجسد لغة تعبيرية. فالممثل استطاع من خلال الحركة أن يحقق خطابه البصري.وصارت لغة الجسد قادرة على التوصيل والتواصل، فهي لغة عالمية يفهمها الجميع، حتى وإن اختلفت لغاتهم المحكية وثقافاتهم المختلفة. وقد عرفها الإنسان القديم حتى قبل اختراع الكلام. ورغم اختراع الكتابة والتدوين إلا أن لغة الجسد ظلّت هي الأكثر قدرة على التعبير. وقد ارتبطت لغة الجسد بالمسرح منذ البدء، حيث الاعتماد على جسد الممثل في أدائه، بل أصبحت تمتلك بلاغتها الخاصة بما يفوق بلاغة اللفظ وما يمكن أن يوصله من دلالات ومعانٍ، فللجسد قدرات خلاقة وإمكانيات جمالية، ليس بوصفه جسدا يتحرك، بل بوصفه مفكرا ومنتجا للمعنى عبر لغته الخاصة، وفلسفة هذه اللغة في التعبير عن المعنى.
كما يمكن من خلال لغة الجسد الكشف عما يجول في النفس الإنسانية، وتعتبر حركات الممثل على المسرح وسيلة من وسائل التعبير التي يلجأ إليها، فالوظيفة التعبيرية للأداء الحركي على المسرح تساعد على اكتمال الرؤية الإخراجية ، حيث تصبح حركة الجسد وسيلة من وسائل التمثيل الصامت الذي يعتمد على التعبير الحركي مع بقية عناصر العرض من ديكور وإضاءة في توصيل الرسالة الجمالية للنص المسرحي.

إن المسرح المعاصر وهو يراهن على استخدام بلاغة الجسد، إنما يسعى بالضرورة إلى إحداث نوع من المفارقة والدهشة والمغايرة لما هو سائد والخروج على المعايير التقليدية للمسرح الكلاسيكي، حيث الاعتماد على النص المكتوب الذي يتحول على لسان الممثل وعبر رؤية المخرج إلى نص محكي.كما يراهن عبر توظيف لغة الجسد إلى مغامرة جمالية تتسم بالجرأة في التناول والتنوع في الرؤى الإخراجية مع تحويل مساحات الصمت التي يتركها النص المكتوب إلى مساحات أكثر صخبا التي تصنعها لغة الجسد.
وهذا التطور الجمالي في المسرح التجريبي والمعاصر منح لغة الجسد مكانة أوسع من مكانة اللفظ المنطوق، مما أتاح الإفادة من الدراسات النفسية والفلسفية التي تشير إلى وعي القائمين على العرض المسرحي المعاصر بمقتضيات هذه الدراسات النفسية والفلسفية, مما يتيح الإفادة من هذه الدراسات لإيجاد صيغ تعبيرية تعتمد على جسد الممثل وتعبيرات وجهه، في تشكيل صورة العرض، وانطلاقا من محاولة تجسيد الواقع على خشبة المسرح.
والاعتماد على لغة جسد الممثل يجعل المخرج يركز على انفعالات الشخصية وصراعاتها الداخلية وانعكاساتها على الشكل الخارجي للممثل، بحيث تصبح السيادة للفعل الجسدي الذي يثري العرض، ويقيم تواصلا مع المتلقي، بحيث ينعتق صناع العرض من سلطة اللفظ، مستخدمين لغة الإشارة والإيماء ووضعية الجسد؛ وحركته المعبرة عن معان ودلالات تثري العرض؛ مما يتطلب أن يمتلك الممثل قدرا من المرونة الجسدية التي تتيح له الحركة والتعبير، بحيث يمكن تدريب الجسد على توصيل الملامح والمشاعر المرغوبة من خلال مفردات لغته.
ويقوم الممثل وفقا لـ " مارتن اسلن " بإنتاج ثلاثة أنواع من العلامات بجسده، هى علامات جسده باعتباره كائنا فوق الخشبة وعلامات اللعب وتشمل التعبير الحركى، ثم علامات صوتية يصدرها بجسده، وتقوم هذه العلامات بخلق فضاء مستقل بذاته يتفاعل مع باقى العلامات المسرحية البصرية والسمعية لإنتاج الدلالة، لذلك يؤكد السيميوطيقيين على أن القيمة الحركية الجسدية للممثل ثلاثية الأبعاد"أيقونى، إشاري، رمزي".
لكن كيف يمكن للممثل أن يتمثّل لغة جسده وهو يقف على المسرح؟ هل ثمة تدريبات يقوم بها ليدرب جسده على أن تصنع دلالات المعنى المراد منه توصيله للمتلقي؟ هل ثمة ورش للتمثيل تعلم لغة الجسد وكيفية توظيفها على المسرح في مواجهة الجمهور؟ هل يمكن أن يجد الممثل جسده بلا خبرة، بلا معرفة بتلك اللغة الإشارية؟ هل الوعي بهذه اللغة تجعل الممثل يحسن التصرف، يصنع لجسده مجالا على المسرح؟
أم أنه يعتمد فقط على تراكم الخبرات و التجربة الذاتية ومن المجتمع الذي ينتمي إليه. ويعبر من خلال هذا في أدائه للشخصية الدرامية متمثلا أبعاد الشخصية، صانعا لغة للجسد خاصة به تعبر عن مكنون الشخصية وما يعتريها من انفعالات؟

إن الممثل يصير ذاتا منتجة للمعنى، لكن بشرط وعيه بمفردات لغة الجسد، بطرائق التعبير عن الحزن والفرح، بالقدرة على تلوين فونتات الصوت حسب المعنى الذي يجب إيصاله.
إن الممثل يصبح مشاركا للمؤلف في إنتاج المعنى، من خلال دراسة الشخصية بكل محمولاتها الثقافية وخلفياتها المعرفية وحالاتها الانفعالية التي تحدد وجدانها ورؤيتها للعالم، ومن ثم يصنع الممثل عبر لغة جسده هوية الشخصية ويمنحها كينونتها. إن الوعي بلغة الجسد لدى الممثل تمكنه من صياغة نص المؤلف صياغة عميقة، فه يقرأ ما بين السطور ويجسد الشخصية الدرامية عبر وعيه بفلسفة الجسد ولغته.
إن فلسفة الجسد والوعي بها تفرض أيضا على الممثل أن يعي أن ثمة لغة جديدة لا تعتمد فقط على الكلمة، بل تعتمد على الوجود الفيزيقي لجسده، بحيث يتمكن من تشكيل فضاء بصري عبر جسده.
كما أن المخرج يستطيع عبر وعيه بفلسفة الجسد أن يفيد من معطيات السينوغرافيا مع إمكانيات التعبير الجسدي للمؤلف ليصنع ا علاقة مشهدية متجانسة ومتكاملة فالصورة المسرحية المتكاملة هي الفن المركب من تقنية الإخراج وعناصر السينوغرافيا.



#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرواية والذكاء الاصطناعي: تحولات في الأدب والأساليب السردية ...
- الذكاء الاصطناعي وما بعد الإنسانية في الرواية
- روايات أدب الرعب: لماذا هي الأكثر مبيعًا بين الشباب؟
- مسلسل- فاتن أمل حربي- وال - ستريو تايب-
- فلسفة الميتافيرس ومستقبل البشرية
- بث الحياة في الماضي: كيف يمكن للروائيين الجدد أن يستلهموا ال ...
- تأثيرات استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعات الثقافية
- التنمية المستدامة في عصر ال A I
- فلسفة التأمل الداخلي..الغوص عميقا داخل الذات
- قراءة في رواية- ثلاث طرق للسعادة- د. عمار علي حسن
- تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الفن التشكيلي والتصميم الجرافيت ...
- قراءة في رواية -كفر هلال، رجال أتلفها الهوى-
- الذكاء الاصطناعي وكتابة الشعر
- الأفروسنتريك والحقوق التاريخية المزيفة!
- الوجه الأنثوي للثورة المصرية
- -هامنت- الرواية التي جسّدت سيرة حياة ابن شكسبير
- حين يحول الإرهابيون الرأي إلى رصاصة تغتالنا!
- عبد الناصر الحي الباقي في قلوب الشعوب
- متى يتوقف المصريون عن لوم عبد الناصر على معاناتهم؟!
- فاز محمد صلاح وأخفقنا نحن!


المزيد.....




- بعد وفاة الراحل سليمان عيد .. فيلم فار ب 7 تراوح يتصدر أعلى ...
- فيلم -Sinners- يحطم توقعات صناعة السينما
- من 41 دولة.. 200 رئيس نقابة ينددون بإبادة غزة أمام الممثلية ...
- الفنان اليمني كمال شرف يحصل على جائزة الفن الثوري الإسلامي ا ...
- مبادرة -بالعربي-: خطوة لإحياء اللغة العربية كمحرك للإبداع وا ...
- فضيحة جديدة لميغان ماركل.. اتهامات بالسرقة الفكرية في مسلسل ...
- واسيني الأعرج: المثقفون السوريون وضعوا اللبنة التي فضحت المظ ...
- فيلم بيج رامي بطولة رامز جلال 2025 .. القصة ومواعيد العرض وت ...
- سلاف فواخرجي تشكر الشعب المصري وتعتذر عن أي شتائم تعرض لها د ...
- الهلال الأحمر الفلسطيني يكذب الرواية الإسرائيلية حول مسعفين ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - فلسفة الجسد في المسرح التجريبي