أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - معرض الكتاب... جنازة ثقافية بكاميرات عالية الجودة














المزيد.....

معرض الكتاب... جنازة ثقافية بكاميرات عالية الجودة


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8319 - 2025 / 4 / 21 - 08:54
المحور: قضايا ثقافية
    


يُقام معرض الكتاب في المغرب كما يُقام عرس لا عروس فيه، مهرجان سنوي نعلّق عليه آمالًا ثقافية لا أحد يكلّف نفسه عناء تحقيقها، نضع الكتب على الرفوف كما توضع الحلوى في الأعراس، للزينة لا للاستهلاك، ثم ننتظر أن يقول العالم: انظروا، إنهم يقرؤون.
يدخل الزائر بوهم كبير، يظن نفسه في حضرة الفكر، فإذا به في مول ثقافي حيث تُلتقط الصور أكثر مما تُلتقط الأفكار. تمشي بين الأروقة، فتسمع أسماء فلاسفة عظام يُنطقون بطريقة خاطئة، وتُطرح عنهم أسئلة أغبى من أن تُطرح، ثم تُقتنى كتبهم لا للقراءة، بل لأن الغلاف يليق بصورة سيلفي تحمل وسمًا ثقافيًا وهميًا. كل شيء هنا مؤقت: المعرفة، الحماسة، حتى القارئ نفسه.

الكاتب المحلي يجلس خلف طاولة مرتفعة، يتعامل مع توقيعه كأنه وثيقة دبلوماسية، يبتسم للكاميرا كمن فاز بجائزة لم تُعلَن، وكل من يشتري كتابه يُسجّل في ذاكرته كحدث تاريخي. ينظر إلى الفراغ بفخر من يعتقد أن روايته ستُترجم إلى اليابانية، بينما لا تزال نسخها مطبوعة على نفقته، ومكدّسة في كرتون بجانب الثلاجة. يشعر بأنه عالمي، رغم أن قارئه الوحيد إلى الآن هو أخوه الأصغر الذي استُعمل كفأر تجارب.

يقترب أحد الزوار ويسأل الكاتب: هل هذه الرواية واقعية أم خيالية؟ يجيبه الكاتب بثقة: إنها من الخيال المغربي. لا أحد يسأله عن الأسلوب، عن البنية، عن اللغة. الأسئلة تدور حول الغلاف، الثمن، والتوصيل المجاني. ثم يأتي شاب يلتقط صورة بجانب طاولة التوقيع، ينشرها مرفقة بجملة ركيكة مثل: "في حضرة الفكر"، دون أن يعرف إن كان الفكر مذكرًا أم مؤنثًا.

بائعة الكتب في ركن جانبي تعرض مؤلفات لا تُصنّف، تتنقل بين كتب السحر، وصفات الطبخ، وأدعية يوم الجمعة. تخبرك بأن كتب الحب لا تباع، لكن كتيب “فتح الكنوز بالأحرف والطلاسم” نَفِد من اليوم الأول. تُقسم أن بعض الزبائن يسألونها عن كتاب يُرجع الحبيب، لا عن كتاب يُرجع العقل.

ثم هناك المؤثرة التي أصدرت كتابها الأول، عبارة عن جُمل محبطة مرفقة بصورها وهي تشرب القهوة قرب النافذة. تحيط بها المراهقات لأخذ صور ونشرها مع عبارات مثل: “شكراً لأنك ألهمتينا”، رغم أن لا أحد يعرف ما الذي ألهمته بالضبط، ولا أحد قرأ فعلاً ما كتبته، لأن أكثر صفحات الكتاب بيضاء من الداخل، باستثناء توقيع بخط مائل يقول: “إلى من يشبهني... لا تيأس”.

القارئ الزائف يتجول بكِتاب مفتوح بين يديه، يضعه أمام الكاميرا فقط، ويحدّث الناس عن تجربته العميقة مع "نيتشه"، رغم أنه ينطقه “نيتشا”، ويظنه خبيرًا في تطوير الذات. يسألك إن قرأت الوجود والعدم لسارتر، ثم يختتم كلامه بجملة رنانة: “أنا أفكر... أنا موجود”.

دور النشر تحولت إلى باعة متجولين، كل واحدة تصرخ بعروضها: “اشترِ كتابين وخذ الثالث مجانًا”، ثم تكتشف أن المجاني ديوان شعر لا يفهمه حتى صاحبه، أو كتيب عن التنمية الذاتية كتبه مدرب تحفيزي يملك قناتين على اليوتيوب وخمسة حسابات وهمية للمتابعة الذاتية.

الكتب لا تُقرأ، بل تُوقَّع. لا تُقتنى من أجل الفكرة، بل من أجل التوثيق. والكاتب لا يُقيَّم بما كتب، بل بعدد الصور التي التُقطت له، وعدد الهاشتاغات التي رُفعت باسمه. كل شيء هنا يشبه الثقافة، لكنه ليس منها. يشبه المعرفة، لكنه زيف مُغلّف بورق فاخر.

وفي ركن هادئ من المعرض، تقف الروايات الحقيقية، وحيدة، صامتة، تراقب ما يجري. بعضها يتمنى أن يُقرأ، بعضها فقط يتمنى أن يُباع، وبعضها يتمنى لو بقي في المطبعة، ولم يُجلب إلى هذا السيرك. الكتب تسألنا: لماذا طُبِعنا؟ من سيقرأنا؟ لكن لا أحد يجيب. الجميع منشغل بالتصوير، باللايكات، وبمواعدة كاتب جديد لن يبيع إلا لأصدقائه.

هذا هو معرض الكتاب، حيث تُذبح القراءة تحت عدسات الهواتف، وتُدفن الروايات بين أقدام المؤثرين، ويُمنح الكاتب وسام الوطنية لأنه صمد أسبوعًا في كرسي بلا بيع ولا قراءة. كلنا نضحك، والكتاب يبكي بصمت، بين رفٍّ وهاشتاغ.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تكشف الرقمنة المستور: الأمن السيبراني في عطلة مدفوعة الأ ...
- من أسامة مسلم إلى أحمد آل حمدان: حين يكتب التيك توك الرواية
- من التوقيف الى التصفيق
- الدعم… وقسمة الحظ
- موسم الانتخابات… نُمنح الحق في الحلم من جديد
- الخوف.. البضاعة التي لا تبور
- بين المساواة والنفقة… تضيع العدالة
- رحلة في الطوبيس: من الكرامة إلى الزحام
- المغرب يقود طريق السلام في الصحراء: رؤية تنموية تكشف زيف شعا ...
- خاتم من ورق وقفطان للذِّكرى… العُرس تأجيلٌ جماعي
- المجتمع الذي يربّي بسكين
- أرض النخبة وقوة القاع: رحلة في تفاوتات المغرب الاجتماعية
- صرخة أرفود: دم الأستاذة على جبين الدولة
- الأسرة التي أصبحت الآلة لتفريخ المجرمين بتفوّق
- الطماطم تحكم… والمواطن ينتخب الصبر
- الكرة في ملعبهم… ونحن في قاعة الانتظار
- الإيمان تحت رحمة الجغرافيا
- كاتب رأي... لا صحافي ولا هم يحزنون
- أعيدوها إلى السجن... حمايةً لما تبقّى من ملامح العدالة
- تازة... حين تتحول الصحافة إلى ميكروفون بلا شهادة


المزيد.....




- بعد رحيل فرنسيس.. ما هو -المجمع السري- وكيف يتم اختيار الباب ...
- كيف ترون إرث البابا فرنسيس وتعامله مع قضايا الشرق الأوسط؟
- روسيا تستأنف ضرباتها الجوية على أوكرانيا بعد انتهاء الهدنة
- سلطان عمان يصل إلى موسكو في زيارة دولة (فيديو+صور)
- روسيا تطور سلسلة من الطابعات ثلاثية الأبعاد لطباعة المنتجات ...
- بوتين يوقع قانونا لضحايا الإبادة الجماعية للشعب السوفيتي في ...
- منتدى -روسيا-العالم الإسلامي- يشهد هذا العام مشاركة دولية وا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال عنصر في -الجهاد الإسلامي-
- محميات -أرض النمر- الروسية تكشف عن حالة النمر النادر الذي كا ...
- مكتب زيلينسكي ينفي موافقة أوكرانيا على الاعتراف بتبعية القرم ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - معرض الكتاب... جنازة ثقافية بكاميرات عالية الجودة