عبد الواحد بلقصري /باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة /المملكة المغربية
الحوار المتمدن-العدد: 8319 - 2025 / 4 / 21 - 01:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عبد الواحد بلقصري
باحث في علم الاجتماع السياسي
*المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كخطة استراتيجية رائدة*
شكلت المبادرة الوطنية التي أعلن فيها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بتاريخ 18 ماي 2005 مشروعا اجتماعيا تنمويا وورشا ملكيا خاصا خلاقا ومبدعا و مفتوحا باستمرار وفلسفةر رائدة تهدف الى معالجة اشكاليات الفقر والإقصاء الاجتماعي والهشاشة ضمن استراتيجية شمولية ترتكز على البعد التراثي والمقاربة التشاركية مع مختلف الفاعلين المعنيين بالحقل التنموي ، وقد جاءت المبادرة لتغيير أنماط العمل الاجتماعي في البلاد من خلال فتح أفق جديد يرتكز على تطوير القدرات البشرية ، فبناءا على التجارب السابقة و معرفة أفضل بظواهر الاقصاء والفقر ، فإن هذه المبادرة تعكس إرادة سياسية على أعلى المستويات في الدولة لترسيخ سياسة سريعة وفعالة في مكافحة الهشاشة والفوارق الاجتماعية، وقد جاءت لتقدم أيضا تغييرا نوعيا في الاسلوب ، لأنها ترتكز على مبادئ أساسية من قبل تحديد جيد للأهداف والمناطق والمستفيد ين أو ادماج سوسيواجتماعي للتدخلات والبرامج عبر مبادرة تستفيد من تمويل خاص ذو طابع مؤسسي.
وجاءت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كخطة تنموية استراتيجية مختصة من طرف الملك محمد السادس نصره الله.
لتجعل من تنمية العنصر البشري الهدف الاسمى من خلال أهداف استراتيجية نجملها فيما يلي:
- الحد من الفقر و الهشاشة؛
- تحقيق العدالة الاجتماعية عبر الرفع من مؤشر الدخل؛
يتمثل التوجه العام للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية استراتيجية كما ذكرنا سابقا في ما يلي:
- تقسيم ترابي متماسك؛
- تنمية البنيات التحتية؛
- التمكين الاقتصادي للمرأة؛
- خلق التقائية بين الفاعلين المحليين لبناء سياسات عمومية محلية معقلنة؛
وبالإضافة الى هاته العناصر الاساسية هناك محاور فرعية تستند عليها هاته المقومات ولعل أهمها نجد.
أ- التصدي للعجز الاجتماعي الذي تعرفه مختلف الجماعات الترابية المهشمة والجماعات الحضرية الفقيرة، عن طريق استفادتها من المرفق ( الخدمات والتجهيزات الاجتماعية).
ب- تشجيع الانشطة المدرة للدخل والمنتجة لفرص الشغل عبر الإدماج الاقتصادي للشباب.
ت- بناء الرأسمال البشري عبر الاهتمام بالطفولة المبكرة وصحة الام والطفل وتقوية دعائم الصحة المدرسية
هـ - تجويد العملية التربوية عبر تدعيم المنظومة التربوية بمختلف برامج الدعم الاجتماعي والتربوي
وجائت فلسفة المبادرة انطلاقا من قيم مركزية وهي :
- الكرامة
-الثقة
- المشاركة
- الاستمرارية
- الحكامة
وعلى مقاربة غير متمركزة تعتمد على المبادئ التالية :
- القرب
- التشاور
- التعاقد
- الشفافية
وأهدافا تعتمد على مايلي :
- دعم الانشطة المذرة للدخل
- تحسين شروط الولوج إلى الخدمات الأساسية
- إدماج المراة والشباب في التنمية
كماأن برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الاولى والثانية خلقت دينامية مهمة ساهمت من خلال إجراءاتها ومشاريعها النموذجية في خلق اقتصاد محلي بالإضافة الى مجال تدخلها في المجال الاجتماعي عبر التأسيس لمجموعة من المراكز الاجتماعية مثل مراكز الرعاية الاجتماعية ، ومدارس جما عاتية وبنيات تحتية ، لكن بالرغم من ذلك كانت هناك مجموعة من النواقص نجد ها من جهة أولى أن العديد من المصالح الخارجية اعتبرت أن المبادرة سياسة عمومية تحل محل القطاعات وليست رافعة وهو على العكس من ذلك المبادرة هي مشروع اجتماعي يروم تحقيق الالتقائية ويعتبر رافعة لتحقيق التنمية المحلية والرفع من مؤشرات التنمية بالمغرب وتحسين مرتبة المغرب في هذا المجال ومن جهة ثانية بالرغم من العدد الاجمالي الكبير للمشاريع التي أنجزت إلا أن ضعف المواكبة والتقييم أثرت على سير وتدبير هاته المشاريع، ومن جهة ثالثة اعتبر ضعف التكوين والتواصل لدى الفاعلين المحليين وكذا تسييس العديد من المشاريع حيث نجد باعتبار أن رئيس اللجنة المحلية في أجهزة الحكامة على المستوى المحلي كان هو رئيس الجماعة ، حيث أن شرعية إنجازات مشاريعها كانت ذات نظرة سياسية وليست نظرة تنموية بالنسبة لبرنامج محاربة الفقر انذاك مما أثر على السير العادي للمبادرة ،كما أن المرجلة الثالثة الذي أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله انطلاقتها يوم 19 شتنبر 2018
ترتكز على مقاربة متجددة تهدف إلى تحصين وتعزيز المكتسبات مع إعادة توجيه البرامج سعيا للنهوض بالرأسمال البشري ودعم الفئات الهشة وتنمية العالم القروي
بالإضافة إلى اعتماد جيل جديد من المبادرات المذرة للدخل والمجددة لفرص الشغل.
مما سبق ننستتج على أنه بالرغم من نواقص المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الاولى والثانية إلا أنها على استطاعت أن ترسخ ثقافة المبادرة من خلال برامجها وثقافة المشروع والتربية على ثقافات التنمية المبنية على إعطاء الناس الفرص وتعزيز قدراتهم حيث نجد انه مع تأسيس المبادرة ازداد عدد الجمعيات وبحكم أن المجتمع المدني كان فاعلا أساسيا في تفعيل برامج ومحاور المبادرة ،وبالرغم مع أن العديد من الجمعيات فشلت في تدبير العديد من المشاريع بسبب ضعف حكامتها الداخلية وضعف التكوين وفق الحاجيات ،إلا ان العديد من الجمعيات حققت تراكمات إيجابية لمجموعة من المشاريع سواء في ميدان العمل الاجتماعي أو الأنشطة المذرة للدخل واستطاعت أن تخلق لنا مشاريع تنموية متميزة كان لها أثر اجتماعي مهم ،وبالرغم مع أنه في حديثنا عن مؤشرات التنمية البشرية نجد أن رتب المغرب مازالت لم ترقى إلى مصاف الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة ،لأنه لايمكن أن نعتمد على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لأن المبادرة لاتحل محل السياسات العمومية إضافة إلى أن مسالة النواقص المرتبطة بالتشخيص الترابي ومعرفة الجغرافية الاجتماعية أثرت بشكل كبير على نجاح المرحلة الأولى والثانية ،كل هذا تم تداركه في المرحلة الثالثة .
وفي الحديث عن ثقافات التنمية لابد ان نعالج جدلية العلاقة بين الثقافة والتنمية.
**جدلية العلاقة بين الثقافة والتنمية*
شكلت جدلية العلاقة بين الثقافة والتنمية إحدى أهم القضايا التي طرحت إبان اهتمام العالم بالتنمية بمفاهيمها الشاملة (البشرية والانسانية والمستدامة ) وإذا كانت علاقة الثقافة بالتنمية علاقة عضوية بحكم أننا لايمكن أن نتحدث عن مشروع تنموي بدون حضور البعد الثقافي حيث أن التنمية لايمكن تحقيقها إلابأبعادها الثلاثة البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي والبعد الثقافي ،وإذا كانت أطروحات التنمية لم تركز على البعد الثقافي فإن المنظمات الدولية التي تعنى بالتربية والثقافة (اليونيسكو ،الإيسيسكو ..)لا تكاد تؤكد في اجتماعاتها ومؤتمراتها على أهمية الثقافة كعنصر محدد لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية و السياسية ،وقد لانبالغ إذا ما قلنا أن هناك توافق في الرأي بين علماء الاجتماع حول العلاقة بين الثقافة والتنمية وكما أكد المفكر محمد سيد محمد في كتابه الاعلام والتنمية أن للثقافة في التنمية الشاملة دورا مميزا وموازيا للبعد الاجتماعي والاقتصادي وأن الثقافة تعتبر ركيزة مهمة من ركائز التنمية الشاملة ،حيث وإذا كان الانسان هو محور وهدف التنمية في ان واحد وأن التنمية هي إعطاء الناس الفرص والقدرات فإن الثقافة كما أكدها إعلان مكسيكو أثناء انعقاد مؤتمر اليونسكو للثقافة سنة 1982 هي التي تمنح الانسان قدرته على التفكير في ذاته وهي التي تجعل منه كائنا يتميز بالإنسانية المتمثلة في القدرة على النقد والالتزام الأخلاقي وعن طريق الثقافة نستطيع تحقيق قيم مركزية بواسطتها يستطيع الانسان التعبير عن نفسه والتعرف على ذاته والبحث عن مدلولات الإبداع ، وقد اكد بيانات المؤتمر العالمي للتربية لسنة 1992 ان التنمية تقاس بالتغير من الحالة القائمة ،التقدم ،الاغتناء والتمتع بل تقاس و ليس بازدياد الإنتاج كما ونوعا بل أيضا بالتحسن الذي تحمله إلى الإنسان وإلى طريقة حياته .
نخلص في الاخير الى الخلاصات التالية:
*الخلاصة الأولى* : أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية استطاعت ترسيخ ثقافة المبادرة التي تعتبر إحدى أهم ركائز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بحكم أن الازمات المالية التي عرفها العالم بسبب تضخم الرأسمالية المالية وهيمنة الشركات المتعددة الجنسيات جعلت هذا النموذج هوالحل والمخرج من هاته الأزمات وتحقيق هاته الثقافة لن يتأتى إلا عن طريق التمويل بل بخلق فرص العمل ودعم المشاريع الصغرى وترسيخ ثقافة داعمة للمبادرة عبر تربية النشئ وذلك لترسيخ مداخل هاته الثقافات.بالاضافة الى الاهتمام بالراسمال البشري الذي يعد مدخلا اساسيا للرفع من النمو الاقتصادي
*الخلاصة الثانية:*أنه بفضل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية استطعنا كذلك الانتقال من المقاربة الاحسانية للتنمية الى مقاربة مبنية على الادماج المهني وتحسين مؤشرات التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية.
#عبد_الواحد_بلقصري_/باحث_في_علم_الاجتماع_السياسي_بجامعة_ابن_طفيل_بالقنيطرة_/المملكة_المغربية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟