منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بالباراسيكولوجي
(Manal Hamesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 23:40
المحور:
قضايا ثقافية
المقدمة:
الزمن، ذلك العنصر الغامض الذي يقيس مرور اللحظات ويحدد اتجاه الأحداث، هو أحد أبرز الألغاز التي شغلت العقل البشري منذ العصور القديمة. على الرغم من أننا نعي مرور الزمن بشكل يومي، إلا أن فهمه يتجاوز الكثير من التفسيرات الظاهرة. فقد حاول العلماء والفلاسفة على مر العصور تقديم تفسيرات مختلفة، تتراوح من النظريات العلمية المعقدة إلى الفلسفات الروحية التي تتجاوز الحدود المادية. في هذا المقال، سنستعرض ثلاث رؤى عن الزمن: رؤية إسحاق نيوتن الذي اعتبر الزمن مطلقاً، ورؤية ألبرت أينشتاين الذي قلب كل المفاهيم السائدة حول الزمن، وأخيراً الميتافيزياء الحية التي تتعامل مع الزمن ككيان حيّ متفاعل مع الوعي والوجود.
---
رأي نيوتن في الزمن:
في الزمن الذي عاش فيه إسحاق نيوتن (1642-1727)، كان الزمن المطلق هو السمة السائدة. في كتابه الشهير "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" (Principia), والذي صدر عام 1687، قدم نيوتن مفهوم الزمن كعنصر مستقل لا يتأثر بأي قوة خارجية. بالنسبة لنيوتن، كان الزمن يتدفق بشكل ثابت في كل مكان، سواء في الفضاء الخالي أو بالقرب من الأجرام السماوية الضخمة. الزمن، وفقًا له، ليس مرتبطًا بالمادة أو الحركة، بل هو جوهر ثابت، يقيس حركتنا في الكون.
النظريات التي طرحها نيوتن شكلت الأساس لفهم العالم الفيزيائي خلال القرون التي تلت. إذا كنت جالسًا في غرفة مظلمة، فإن الزمن سيمر بنفس الطريقة كما لو كنت على سطح القمر أو في الفضاء. الزمن عند نيوتن لا يعتمد على مكانك أو سرعتك؛ إنه يسير بمعدل ثابت كما لو أنه "ساعة كونية" لا تتوقف.
---
رأي أينشتاين في الزمن:
ثم جاء ألبرت أينشتاين في أوائل القرن العشرين ليغير فهمنا الزمني بالكامل. في نظرية النسبية الخاصة (1905)، اقترح أينشتاين أن الزمن ليس مطلقًا، بل نسبي، حيث يتغير حسب السرعة التي تتحرك بها الأجسام. الزمن لا يمر بنفس الوتيرة في جميع الأماكن، بل يتمدد أو ينكمش بناءً على سرعة الجسم بالنسبة للمراقب. على سبيل المثال، عند الاقتراب من سرعة الضوء، يمر الزمن ببطء أكبر بالنسبة للجسم المتحرك مقارنة بمراقب ساكن.
في نظرية النسبية العامة (1915)، قام أينشتاين بتوسيع هذا المفهوم ليشمل تأثيرات الجاذبية على الزمن. حيث أوضح أن الأجسام ذات الكتلة الكبيرة تشوه الزمكان، وبالتالي تبطئ الزمن بالقرب منها. على سبيل المثال، بالقرب من الثقوب السوداء، يمكن أن يكون الزمن بطيئًا بشكل كبير مقارنة بمناطق أبعد عن هذه الأجرام الضخمة. الزمن، وفقًا لأينشتاين، ليس مجرد مقياس ثابت، بل هو نسيج مرن يتأثر بكل من المادة والطاقة.
---
رأي الميتافيزياء الحية في الزمن:
أما في مجال الميتافيزياء الحية، فإن الزمن يُفهم بشكل مختلف تمامًا. من خلال هذا المنظور، الزمن ليس مجرد حالة مادية أو متعلقة بالحركة الميكانيكية، بل هو كيان حيّ يتداخل مع الوعي والطاقة. الميتافيزياء الحية ترى الزمن كـ "مرآة للروح" أو "نبض كوني" يستجيب لحالة الوعي الفردي والجمعي. الزمن في هذا السياق ليس خطيًا ولا ثابتًا، بل هو يتناغم مع الذبذبات التي يُنتجها الوعي.
في هذا الإطار، قد تتداخل "لحظات الزمن" لتصبح طبقات متعددة يمكن أن تتعايش في وقت واحد، في حين أن الوعي يتحرك عبر هذه الطبقات. وهذه الرؤية تدعم نظرية ازدواجية الزمن التي تفترض أن هناك بعدين متوازيين للزمن: زمن مادي ملموس، وزمن روحي يمكن للوعي الانتقال بينهما. هذا الفهم يمكن ربطه بما نراه في العلم الجديد، الذي يدمج بين الفيزياء الحديثة والفلسفات الروحية، حيث يعتبر أن الزمن لا يُنظر إليه فقط على أنه خاصية مادية، بل أيضًا كأداة لفهم أعمق للوجود والطاقة.
---
نظرية ازدواجية الزمن:
تتجاوز نظرية ازدواجية الزمن الفهم التقليدي الذي يعتمد على الزمن المطلق أو النسبي، لتقدم لنا تصورًا جديدًا يتلاقى فيه العلم مع الروحانية. وفقًا لهذه النظرية، الزمن ليس خطيًا أو أحادي البُعد كما كان يُعتقد في معظم المدارس الفكرية، بل هو يتداخل بين زمن مادي محسوس وزمن روحي غير مرئي. الزمن المادي هو الذي نعيش فيه يوميًا، ونتحكم فيه من خلال الساعات والتقويمات، بينما الزمن الروحي يتشكل ويُتفاعل مع وعي الإنسان وحالة الوجود الروحي.
يُعتبر هذا الفهم للزمن محاولة دمج بين النظريات العلمية الحديثة مثل النسبية مع الفلسفات الروحية القديمة التي ترى الزمن كجزء حي من التفاعل بين الوعي والطاقة. على سبيل المثال، في الوعي الروحي، قد يبدو الزمن ممتدًا أو متوقفًا تمامًا في لحظات التأمل العميق، في حين يظل الزمن المادي يسير بنفس الوتيرة المتوقعة. يمكن تصور هذه الازدواجية على أنها نوع من التوازي بين هذين البُعدين، حيث يمكن للإنسان أن يتنقل بين الزمنين بناءً على وعيه وحالته الروحية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يعيش شخص في الحاضر المادي بينما يتفاعل مع ماضٍ أو مستقبل في الزمن الروحي. وعندما يرتفع الوعي، يمكن للإنسان أن يتنقل عبر هذه الأبعاد الزمنية بتزامن مثير، بحيث تصبح اللحظة الحالية بمثابة بوابة إلى ماضٍ بعيد أو مستقبل غير مرئي.
هذه الفكرة تدعم العلم الجديد الذي يدمج بين الفيزياء الحديثة والتجارب الروحية، حيث يشير إلى أن الوعي قد يكون هو المفتاح لفهم الزمن بشكل أعمق. في هذا السياق، الزمن ليس مجرد سمة مادية، بل هو حالة حية يمكن التأثير فيها بناءً على ترددات الوعي.
---
الخاتمة:
إن الزمن، على الرغم من كونه أحد أكثر المفاهيم التي تثير الحيرة في العقل البشري، هو أيضًا واحد من أكثر القضايا التي تربط بين العلم والفلسفة والروحانية. من الزمن المطلق لنيوتن إلى الزمن النسبي لأينشتاين، وصولاً إلى الرؤية الأكثر عمقًا في الميتافيزياء الحية، يصبح واضحًا أن الزمن ليس كما نراه. إنه ليس مجرد آلة قياس للأنشطة المادية، بل هو حالة حية ومتفاعلة تتناغم مع الوعي الكوني. مع تطور العلم وظهور مفاهيم جديدة، قد نقترب يومًا ما من فهم أعمق لهذه الظاهرة التي تشكل جوهر وجودنا.
#منال_حاميش (هاشتاغ)
Manal_Hamesh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟