أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - ومات ماريو بارغاس يوسا















المزيد.....

ومات ماريو بارغاس يوسا


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 15:03
المحور: الادب والفن
    


توفي قبل أيام قدوتي، الروائي العظيم "ماريو بارغاس يوسا" -لروحه السلام- الذي حين قرأت أعماله قلت لنفسي: لا بد أن أصبح روائيا. من هنا فإني أعيد نشر هذه المقالة القديمة التي كتبتها عنه:

يقول الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا “تمرّ الأزمنة على المواقف السياسية البليدة، لكن الرواية العظيمة تبقى مؤثرة وخالدة على مرّ الزمن”.

في عام 1993 أصدر ماريو بارغاس يوسا روايته “حفلة التيس”، التي هي نتاج إعجازي لتقنية روائية متقنة بشكل مثير للإعجاب، وضعت في خدمة رؤية سياسية قوية وواضحة. تغرقنا الرواية في قلب حادثة اغتيال الدكتاتور الدومينيكي تروخيو في عام 1961، وتكشف سياقها الاجتماعي والسياسي مثل الماسح الضوئي.

يأخذ كل جزء من الواقع شكله وحقيقته من خلال قراءات متوازية متعددة. نجد أنفسنا -ونحن نقرؤها- ننتقل بشكل غير واضح، أحيانا حتى في منتصف الجملة، من الوصف الموضوعي لحدث ما إلى تجربة الوقت الحقيقي لهذا الحدث من قبل مختلف أبطاله، ثم إلى النظرة التي يلقيها الآخرون بعد سنوات. ما يكشف معناه أو يواجهه بعواقبه.

روايته “حفلة التيس” التاريخية ليوسا أصدق من القصة نفسها. تستمد قوتها من طابعها السمفوني، ومن أبعادها المتعددة، كما تولد صورة مؤثرة لهذه الدكتاتورية، لقائدها -ذكي وقاس وفاسق- وأساليبه في الحكم التي يحيط بها شركاءه، وهي عبارة عن شبكة متحركة من الامتيازات والعار، التي يلعب بها بسادية.

ليوسا رواية مشهورة جدا تحمل عنوان “حرب نهاية العالم”، تروي قصة حرب كانودوس في شمال شرق البرازيل في القرن التاسع عشر. إنها لوحة جدارية مدهشة لتطلعات الإنسان في عالم لا تزال فيه المدينة الفاضلة تحتل مكانها. يتم أخذ القارئ إلى أماكن غير معروفة -السرتاي- حيث يتم تعويض فقر الحياة إلى حد كبير من خلال الأمل في عالم أفضل، يتضح هذا من خلال الشخصيات التي تتبع شخصية “المستشار” المسيانية. تعد هذه الرواية في رأيي موضوع الساعة، حيث يتم فيها تناول الأسئلة الاجتماعية والدينية، من خلال مجتمع ثابت على جموده الرجعي في أيدي ثروات كبيرة.

إنها رواية تتمتع بالجاذبية الأولية والأساسية للمدينة المثالية لجول فيرن، كما أنها تجعلني أفكر بشكل خاص في “الناجون من جوناثان” لجول فيرن كذلك وابنه ميشال. يسلم الإنسان نفسه لها بدلا من الإنكار؛ فالشخصيات لها قوة الواقع. ففي ثمانينات القرن الماضي عندما كان الظرف في أغلب الأحيان -بسبب غلبة ثقافة المظاهر- أكثر أهمية من الرسالة، حملت هذه الرواية عاليا اليوتوبيا والأمل. بمعنى آخر، لقد قالت كلمتين كبيرتين في ذلك الوقت. هذا بلا شك ما يمنحها قوتها. هذه الرواية فرصة للاستمرار في الإيمان قليلا بالإنسان.

إنها آسرة بقدر ما هي محرجة للقراءة. يدفعنا فيها يوسا إلى تبني قضية مجموعة من المتعصبين الدينيين، الذين يرفضون تماما العقلانية الديكارتية والقيم الجمهورية التي تشكل أساس مجتمعنا اليوم. تدور أحداث الحبكة، المستندة إلى قصة حقيقية، في نهاية القرن التاسع عشر، في منطقة نائية من جمهورية البرازيل الوليدة. وعلى الرغم من مرور فترة طويلة على قراءتي لهذه الرواية إلا أني لا زلت أحتفظ بتعاطف خاص مع شخصياتها التي يبدو أنها اكتشفت حقيقة القلب، بينما هي غارقة في أيديولوجيا تبدو اليوم قد عفا عليها الزمن بقدر ما هي منحرفة.

إن التناقض بين المدافعين عن جمهورية البرازيل الوليدة وهؤلاء الطوباويين لا يمكن إلا أن يذكرنا بالتناقض الذي نشهده اليوم، مع نوع آخر من المتعصبين الدينيين.

من بين الروايات الرائعة التي كتبها يوسا، رواية “العمة جوليا وكاتب السيناريو”، وهي رواية غارقة في الفكاهة وحب المراهقين، جوهرة تجعل ليما في الخمسينات من القرن الماضي تهتز، رواية تتحدث عن سحر المدينة المفقودة. إنها أيضا قصيدة للأدب، وهي قصيدة رائعة عن فعل الكتابة، والسرد، والإشادة بالتجارب السردية التي بدأها بلزاك وفلوبير.

هذه الرواية نوع من السيرة الذاتية لبارغاس يوسا. غمرتني طريقة كتابتها السلسة، الغنية والخفيفة على حدّ سواء، بالسرور والبهجة، وفي حنين يوسا إلى ليما في الخمسينات من القرن الماضي.

هناك أيضا رواية “الكلاب والمدينة”، التي هي العمل الأول ليوسا، والعمل الثاني الذي قرأته له بعد رواية “الجراء”. كتبت هذه الرواية في ستينات القرن الماضي (في علية بالحي اللاتيني في باريس)، تفاجئ بإيقاعها الأصلي للغاية للحوار، ووصفها للعالم العنيف للطلاب العسكريين في مدرسة ليونسيو برادو العسكرية، والتوجه التحليلي للعلاقات بين الشخصيات. يقدم الكل صورة للمجتمع البيروفي في منتصف القرن العشرين. من الواضح أن الشخصية الرئيسية “الشاعر” مستوحاة من الشاب بارغاس يوسا، فمن يعرف القليل عن سيرته الذاتية سيجده في العديد من أعماله الأخرى.

توجد كذلك رواية “محادثة في الكاتدرائية”، التي تعتبر من أهم ما كتب بارغاس يوسا، كونها وجدت اهتماما كبيرا وصدى واسعا بين المثقفين البيروفيين. وستفهم لماذا أقول هذا عندما تقرأ ما يورده فيها يوسا عن البيرو وتاريخها السياسي، فمن المستحيل تجنب تغيير منظورك تجاه المجتمع البيروفي، وخاصة في ليما بعد قراءتها. قرأت هذه الرواية قبل عشر سنين، وقد اندهشت من القدرة الهائلة لهذا الكاتب على التعبير عن المشاعر والمواقف والقضايا الإنسانية.

أما رواية “ليتوما في جبال الأنديز”، فهي إثارة حقيقية، مكثفة ورائعة. جبال الأنديز في الخلفية، خشنة وفخمة، المخبأ النهائي للهنود “بعيون جليدية”، والرقيب ليتوما، وهو رجل من الساحل، يجب أن يحل لغزا. تمزج هذه القصة بين الحقيقة المروعة لبيرو، الملطخة بدماء أسالها الإرهاب الدموي، والواقع الهادئ لتحقيقات الشرطة.

مستعينا بمساعده المضطرب والرائع، يجد ليتوما نفسه في مواجهة أكثر جرائم القتل دناءة، مثل جريمة قتل اثنين من الأساتذة الفرنسيين في حافلة تقلهم إلى كوزكو. على خلفية حرب العصابات المشتعلة، ظهرت ممارسات شعبية تطاردها طقوس الإنكا القربانية. أحببت هذه الرواية بشغف، سواء بسبب حبكتها القاسية أو المضحكة أحيانا، أو بسبب بعدها السياسي. صورة لبيرو في حالة غرق كامل حيث يبدو أن الآلهة ما زالت قوية، وتظهر مرة أخرى. أثار صمت هذه القصة إعجابي، حيث ساعدني في جعل الرياح الجليدية التي تهبط من “الجبهة الخشنة لجبال الأنديز” محسوسة.

يقول هنري ميللر “من يُجيد قراءة الرّجل، يُجيد قراءة مؤلّفاته”، لذا أرى أن من الأهمية بمكان أن أتطرق ولو في عجالة إلى تغيّر توجّه يوسا الفكري.

لقد تغيرت أفكار يوسا بسبب قراءاته لمفكرين كبار أمثال آدم سميث، وكارل بوبير، وفريدريك فون هايك، وأشعيا برلين، وأورتيغا إي غاسيت. حيث اعترف بهذا في كتابه نداء القبيلة. ولا ينبغي تجاهل أمر آخر، وهو إقامته سبع سنوات في فرنسا (1959 – 1966) تأثّر خلالها بأفكار ألبير كامي، ويعترف بأن إقامته في فرنسا شكلت منعطفا جوهريا في حياته. كما لا يمكننا إغفال قراءته لشهادات المثقّفين المنشقّين عن الاتّحاد السّوفييتي وأثرها العميق عليه.

إنّ انتقال يوسا من الماركسية إلى الليبرالية، كان سببا في حدوث قطيعة نهائية بينه وبين كتّاب كبار (خوليو كورتاثار، كارلوس فوينتس، وغابرييل جارثيا ماركيز)، خاصّة مع صاحب “مئة عام من العزلة” الذي كانت تربطه به صداقة وطيدة، فيوسا أصبح يعد الزعيم الكوبي الخالد كاسترو دكتاتورا، ويعتبر نظامه من أبشع الدّكتاتوريّات في أميركا اللّاتينيّة، في حين أنّ الأسماء الأدبيّة الثلاثة التي ذكرتها، كانت داعمة لكاسترو ونظامه.

وأخيرا، لا تفوتني الإشارة إلى ترشح يوسا لرئاسيات 1990 وفشله فيها.

إن أهم ما علمنيه يوسا هو أن هناك طريقة أخرى لقراءة الرواية، كما رسخ بداخلي عشقها، ووضعني على دروب الأدب في أميركا اللاتينية، لذا فإن فوزه بجائزة نوبل في الأدب عام 2010 لم يكن حدثا هاما في حياته فقط، وإنما في حياتي كذلك، كونه عرفني عليه.

هذا نزر يسير عن رجل كبير وكثير اسمه ماريو بارغاس يوسا، قال ذات يوم: أكتب لأني حزين.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية كتاب الأبواب.. غاريث براون
- تأثير دانينغ-كروجر.. ترامب مثالا
- جاك لندن.. تصحيح حُكْم
- رواية كرنفال أشباح.. روجر جون إلوري
- رواية الطوفان.. ستيفن ماركلي
- اكتشافات الكلية.. فريدريك جيمسون
- دول البلطيق والخطر الروسي
- رواية ستالينغراد.. فاسيلي غروسمان
- رواية نلتقي في أغسطس.. غابرييل غارسيا ماركيز
- دونالد ترامب وتقليده السيء لنيكسون
- أحلى من التفاؤل مفيش
- عن الكتابة والكُتّاب
- مستقبل الحرب في أوكرانيا
- لكي نفهم جيدا الحرب الروسية الأوكرانية
- مستقبل علاقة الرياض مع واشنطن وتل أبيب
- هل سيصمد النظام الكوبي في وجه ترامب؟
- أوربا وقيمها.. التحديات والحلول
- هل سيفي ترامب بوعده ووعيده؟
- تعليق عدم التصديق
- رواية الخوف من النور.. دوجلاس كينيدي


المزيد.....




- السنغال بلد الثقافة والتصوف ومحاربة الاستعمار
- مصر.. إلزام أسرة موسيقار شهير راحل بدفع 3 ملايين جنيه لصالح ...
- تكريم عدد من المثقفين العرب مع انطلاق الدورة 30 لمعرض الرباط ...
- 3 معارض رائدة في المتحف العربي للفن الحديث بالدوحة
- ما قصة اليوتيوبر المصري مروان سري، والناقدة سلمى مشهور مع نا ...
- مترجمة إيطالية تعتذر عن ارتباكها في البيت الأبيض.. وميلوني ت ...
- لحظة محرجة في البيت الأبيض.. مترجمة ميلوني تفقد السيطرة ورئي ...
- فريد عبد العظيم: كيف تتحول القصة القصيرة إلى نواة لمشروع روا ...
- جمعة اللامي يرحل بعد مسيرة حافلة بالأدب ومشاكسة الحياة
- رجل نوبل المسكون بهوس -الآلة العالِمة-: هل نحن مستعدون لذكاء ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - ومات ماريو بارغاس يوسا