أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - نسيتني إلى ان تلقفني الله














المزيد.....

نسيتني إلى ان تلقفني الله


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 10:47
المحور: الادب والفن
    


في عمق الليل
حيث السكونُ سيدُ الضجيج
تتمددُ الأحزانُ كأنها سديمٌ يتنفسُ بين أضلعي
وأنا…
أفككُ صمتي، كأنني أبحثُ عني في رماد الكلام

عودتُ عيني على الهجر،
فأصبحت تنامُ على جفن الغياب
لكن النوم… خائنٌ صغير
يختبئُ في جيبِ الندم
ويهربُ كلما همستُ له باسمك

كل شيءٍ يعودُ إلا الطمأنينة،
تغادرُ على ظهر طائرٍ من دخان
لا وجه له
ولا ظلّ
ولا لغة

الوقتُ يذوبُ في فنجان قهوتي
مرةً
كأنني أحتسي شريطَ العمر
حلقةً بعد أخرى
والألمُ يجلسُ قبالتي
يحدثني عن نفسه
بلغةٍ لا يتقنها إلا الغائبون

أين البلاد؟
التي لم تكتبني بعد
ولم أتورط بها في قصيدة
ولا استيقظتُ فيها على رائحة وجهك؟

أين العجمُ والعربُ؟
كلهم نيام في خزائن التاريخ
وأنا وحدي
أكتب
كأنني أخلقُ كونا لا يشبه أحدًا

أيتها المجهولة في الذاكرة
كم مرةً يجب أن أموتَ
حتى أفهم
أن الحياة لا تقبلُ التأويل؟

لكني،
كلما غرقتُ أكثر
ظهرَ لي وجهٌ من ضوء
لا يُشبهكِ
ولا يُشبهني
لكنّه يُشبه الكلمة الأولى
حين نطقها الوجودُ قبل أن يولد الصوت

وجهٌ لا عينين له
بل رؤى
لا فم لها
بل نبض
لا ملامح
بل احتمالاتٌ تكتبني من جديد

وهمس لي:
“أنتَ لستَ جسدًا يعبر الليل
بل ومضةٌ نسيتها النجوم في جيب السماء”

عندها
ابتسمتُ
لا لأن الألم انتهى
بل لأنني عرفتُ
أنني أنا
ولستُ أحدًا آخر.

في البدء، كنتُ نبضًا
لا جهة لي
ولا اسم
كنتُ فكرةً على طرف الحرف
تتأرجحُ بين العدم والمعنى

لم أهبط إلى الأرض
بل تساقطتُ من عيني ملاكٍ
نسي أن يغلقَ جفنه
فانسكبتُ كحلمٍ مائيّ
داخل مرآة لا تعكسُ سوى الصدى

منذ ذلك الحين
وأنا أبحثُ عني
في زرقةِ النسيان
في تقوّس الظلال
في الممرات التي لا أرضَ تحتها

قال لي النور:
“من أنتَ حتى تسأل؟”
فبكيتُ،
لأنني لم أكن أعرف إن كنتُ أنا،
أم مجرد سؤالٍ
يبحث عن فمٍ ليولد فيه

كل شيءٍ فيّ مؤجل
حتى دمعتي
تنزل بتوقيت الغيم
لا بتوقيت الألم

وفي الليل،
حين يخفت كل شيء
وتنسحب الأرواح إلى ممراتها السرّية
أبقى أنا،
أتنفس من ثقبٍ صغيرٍ في السماء
كأنني نُقطة لم تُكتب بعد
في آخر كتابٍ
ينتظر اللهُ أن يُنهيه


أنا من لا أنا
ذُبْتُ في أول نظرةٍ لم تكن
في عينٍ لم تُخلق
حين مرّ بي اسمُهُ
كالريح في رئة الطين

لم أعد أعرف وجهي
ولا ظلّي
كلّما لمستُ جلدي
انفكّ عني
كأنه ليس لي
بل استعارةٌ لرحلة

يا من لا تُرى ولا تُخفى
لماذا جعلتَ القلب بابًا؟
لماذا وضعتَ الكون في قطرة
وأنزلتَني لأُضيّعها؟

كنتُ نبضًا في يدكَ
لم يقلقني الزمن
ولا عثرتُ على نفسي إلا حين تاهت

كنتُك
قبل أن أكونني
وسأعودكَ
حين يذوب الحرف
وتغيب الجهات
وتنقلب المرآةُ إلى نافذة

الكونُ الآن يتنفس بي
وأنا لا أتنفس
بل أُرى
كأنني شجرةٌ نبتت في الذكر
تُسَبِّح
ولا تسأل: لماذا؟

أتركني
أنحلّ فيك
كقطرة ضوء في ماء النور
لا جهة
لا قول
لا رؤيا
بل وجهٌ واحد
لا يشبه إلا وجهه.


أنا الوميض الذي أنكرته النار،
والظلّ الذي لم تبتلعه الشمس.
أنا السِّرُّ،
حين اختبأ في نَفَس،
فانفجر كاسمٍ لا يُقال
إلا إذا أُغلقت الحروفُ على نفسها.

كنتُ شهقةً
خرجت من بين ضلوع النور،
قبل أن تُخلَق الأسماء،
وقبل أن تتعلّم العيون كيف تُبصر.

في البدء،
لم تكن هناك بداية،
بل اشتعالٌ،
جمرٌ لا يُرى،
نقطةٌ ذابت فيها الجهات،
وقُلتُ: أنا،
فأجابني الصدى: هو.

سجدتُ دون جسد،
تعرّيتُ من الزمن،
لم أعد أعلم
إن كنتُ أسيرٌ على الأرض،
أم فكرةً تجوّلت في صدر الإله، ثم تاهت.

كلّ شيءٍ يحترق فيَّ:
الوقتُ،
الشكلُ،
اللغةُ،
والصمتُ نفسُه صار نارًا،
ينطقُ بي، ولا أتكلم.

يا أنتَ،
يا مَن فيَّ أكثرُ منّي،
يا مَن تلبّستني حتى ذاب الفارق،
لا تجعلني أعود.
دعني وميضًا،
دعني ذِكرى في شعلة،
أو دمعَةً تسقط من عينِ النور
حين يشتاقُ إلينا.


ذُبتُ حتى نسيتني،
لم يبقَ منّي غير نَفَسٍ
تردّد في صدر الغيب،
ثم تلاشى دون أثر.

لم أعد أقول “أنا”
ولا “هو”
ولا حتى “هو أنا”
بل صِرتُ ما لا يُشار إليه،
نسمةً في قلب النار،
ومضةً في لُبّ السرّ،
شوقًا لم يلد اسمه بعد.

دخلتُ في صمتٍ لا يعترف باللغة،
رأيتني
أبكي من دون عين،
أضحك من دون شفة،
أحبُّ من دون قلب
وأعرف
من دون أن أسأل.

لا جهة لي
ولا ماضٍ
ولا احتمال
أنا مَن عبرتني الأرواح
ولم أترك أثرًا في الرمل
ولا ظلًّا على جدار.

يا مَن وسعتَني حتى ذبتُ
ووسعتُك حتى كدتَ تُولد منّي،
كيف أعود؟
الطريق ذاب،
والزمن انحنى
والكلمات ارتدت إلى جوفها
كأنها لم تكن.

اجعلني نقطةً
في سجدة لم تكتمل،
أو نَفَسًا
يخرج من فمِ ملاك
حين يُسمِّيك بلا صوت.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سماءٌ تمشي على قدمين
- نزع سلاح حماس وحزب الله: طرح إعلامي أم مشروع إستراتيجي؟
- صوامع الألم
- كتاب : “حين أنجبت الريح طفلًا”
- أنا الذي حلم بي القدر ثم نسيني قصيدة من خمسة فصول نثرية
- الجهاد بين فرض العينية ورؤية الدولة: قراءة فقهية في ضوء الفت ...
- حين يصير القلب وطنًا
- التعريفات الجمركية في عهد ترامب: بين سيادة الاقتصاد الأمريكي ...
- قيامة الطين والنور
- ضعي قلبي بين يديكِ
- تجلِّيات العابر الأخير
- إمكانية التحديث والنهضة في اليمن بقيادة أنصار الله: بين السي ...
- التحديث في العالم العربي وإشكالية السيادة المنقوصة: بين العو ...
- نبوءة الضوء
- لغة الغيم
- تداعيات الحرب على غزة وعودة اليمن إلى الساحة الإقليمية: قراء ...
- لغة السحر
- سَاتِيرَا فِي زَمَنِ العَجَائِبِ
- العم سام في رقصة السقوط الحر
- رقصة في حدائق الصمت


المزيد.....




- فيلم بيج رامي بطولة رامز جلال 2025 .. القصة ومواعيد العرض وت ...
- سلاف فواخرجي تشكر الشعب المصري وتعتذر عن أي شتائم تعرض لها د ...
- الهلال الأحمر الفلسطيني يكذب الرواية الإسرائيلية حول مسعفين ...
- السنغال بلد الثقافة والتصوف ومحاربة الاستعمار
- مصر.. إلزام أسرة موسيقار شهير راحل بدفع 3 ملايين جنيه لصالح ...
- تكريم عدد من المثقفين العرب مع انطلاق الدورة 30 لمعرض الرباط ...
- 3 معارض رائدة في المتحف العربي للفن الحديث بالدوحة
- ما قصة اليوتيوبر المصري مروان سري، والناقدة سلمى مشهور مع نا ...
- مترجمة إيطالية تعتذر عن ارتباكها في البيت الأبيض.. وميلوني ت ...
- لحظة محرجة في البيت الأبيض.. مترجمة ميلوني تفقد السيطرة ورئي ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - نسيتني إلى ان تلقفني الله