أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة














المزيد.....

الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 08:20
المحور: الادب والفن
    


ليس من اليسير فهم أولئك الذين اتخذوا من الولاء لأية سلطة قائمة مبدأً أسمى، يتبدل مع تبدل الرياح. لا تحكمهم قناعة فكرية، ولا تربطهم علاقة وجدانية بمنظومة قيم، بل يتكئون على سلطة ما، يستمدون منها شعورهم بالتفوق الزائف، ويتوسلون بها لإذلال المختلف، وتحصيل ما يتوهمونه امتيازاً أو مكانة.
في لحظة ما، يبدون لك من أكثر الناس حماسة للدفاع عن سلطةٍ ما، غالباً ما تكون دكتاتورية، مستبدة، لا تحتمل النقاش. يتحدثون باسمها، يحكمون باسمها، ينصبون أنفسهم وكلاء عنها في شؤون الفكر، والثقافة، والمجتمع. فإن انقلب الزمان، وانهارت تلك السلطة، هرولوا سريعاً نحو السلطة الجديدة. يقفزون فوق مبادئ الأمس، ويتقمصون جلد أعداء الأمس، ليؤدوا الدور ذاته، بالنزعة الاستعلائية ذاتها، ولكن بلباس آخر.
هم ليسوا ضحايا، ولا يمكن عدّهم مجرد متأقلمين مع التحولات القسرية. إنهم ماهرون. بارعون. يتمتعون بقدرة مذهلة على التلوّن، والتكيّف، وتحوير الخطاب بما يخدمهم. إنهم ليسوا بسطاء ولا عاديين، بل فيهم من الحذاقة ما يجعلهم يتصدرون المشهد في كل نظام، مهما تناقضت تلك الأنظمة، أو تضاربت منطلقاتها الفكرية والسياسية. فمنهم البهلوان الخطابي، والمفكّر المرتجل، والكاتب الانتهازي، والمنظّر المموَّه، وكلهم يشتركون في أمر واحد: خدمة السلطة، لا الحقيقة.
ومن هنا ينبع خطرهم الأكبر. فهم لا يكتفون بتغيير الأقنعة، بل يثأرون من المختلف. يحاولون إقصاء من يملك رأياً مغايراً، ويبتكرون في سبيل ذلك منظومات تسويغ، وتسويغ، وتفسير، تجعل من ارتزاقهم موقفاً، ومن تماهيهم مع السلطة الجديدة فضيلةً، بل ثورة في بعض الأحيان. يقدّمون أنفسهم كمفكرين منفتحين، متجاوزين، متحررين من الأطر السابقة، بينما هم في حقيقة الأمر ينتقلون من خندق إلى آخر دون أن يخلعوا عباءة الاستبداد، بل يلبسونها بألوان مختلفة.
لو دققنا في سيكولوجيا هؤلاء، لوجدنا أنفسنا أمام بنية متشابكة من التناقضات النفسية العميقة. يعانون من خلل في الشعور بالذات، ويعوضون نقصهم بالتموقع في جوار الأقوياء. لا يحتملون الفقد، ولا يقبلون الهامش. ولذا، فإن تبدّلهم ليس نتيجة تأمل عميق، أو مراجعة فكرية، بل بدافع مصلحي، نفعي، متسلق. تراهم يسوغون التبدل بعبارات كبرى: الواقعية، الضرورة، القراءة الجديدة، بينما هم في دواخلهم يعرفون أنهم لا يسعون إلا لموقع أعلى، ولو على حساب الآخرين.
إنهم كالحرباء، بل أشد مراوغة. يعتادون الجلوس في دوائر القرار، ويؤذون المختلف عبر النميمة الفكرية، والإقصاء الرمزي، والتشويه الممنهج. لا يملكون شجاعة المواجهة، ولا شرف الخصومة. يتمسّكون برواسبهم العفنة، ويحملونها معهم إلى كل مكان وزمان. يغيّرون خطابهم، لكن لا يغيّرون ضغينتهم. فالحرباء تغيّر لونها لتنجو، وهؤلاء يغيّرون جلدهم ليغدروا.
وهؤلاء يظهرون على حقيقتهم في محطات التحول، حين تتغير السلطة أو تتبدل المواقف. فحين تنكشف أقنعتهم، ويصبحون مكشوفين أمام المجتمع، ينبذهم الناس من حولهم، ويحتقرونهم بوعيٍ جمعي ساخر. إن أكثرهم سليط اللسان، لا يتورع عن ممارسة العنف اللفظي أو الرمزي أو حتى الجسدي، ما دام في كنف سلطة تشرعن له قبحه، وتغض الطرف عن أفعاله. طبيعي أن لا قيم، ولا مبادئ، تحكم سلوكهم، لأنهم ببساطة لا يؤمنون إلا بالمنفعة، والمكانة، والسيطرة.
الرأي عند هؤلاء ليس موقفاً، بل قميص يُخلع ويُرتدى حسب المناسبة، بل هو حذاء تتغير ماركته وفق الطاغية الجديد. يشتمون الأمس ليتبركوا بالغد، ثم ينهشون الغد إن تبدل. إنهم غير أوفياء، متقلبون، انتهازيون، لا يؤتمن لهم منبر ولا يؤخذ منهم رأي. ولنا في سلسلة الانقلابات في سوريا والعالم العربي، منذ انقلاب حسني الزعيم حتى انكسارات اليوم، خير مثال على ما يفعله هؤلاء الطفيليون بتاريخ الشعوب.
هؤلاء خطر على المجتمعات. الطغاة الصغار، أدوات الطغيان الكبرى. من هنا تأتي أهمية عدم الاكتراث بهم. ليس انتقاماً، بل حماية للوعي الجمعي. يجب على أي نظام لاحق ألا يستعين بهم، حتى وإن غيروا آراءهم وتلونوا بلون المرحلة. من حق الإنسان أن يراجع نفسه، نعم، لكن ليس بكبسة زر، وليس تحت إيقاع المصلحة اللحظية. المراجعة فعل طويل، متأنٍ، لا يفعله من طبعه الغدر.
"التوبة المستعجلة" ليست مراجعة فكرية
كثيرون من هؤلاء حين تسقط السلطة التي عبدوها، يتسابقون لإعلان التوبة، لا عن قناعة، بل تملقًا للنظام الجديد. يكتبون خطابات الندم، ويمارسون نقدًا ذاتيًا مفتعلًا، ويتظاهرون بالتحول الفجائي. لكن من تأقلم مع القمع لا يتحول إلى مناضل في ليلة، ولا يولد الشرفاء من رحم الانتهازية. إن من لم يعتذر عن إساءاته بحق المختلفين، ولا ردّ المظالم، لا يستحق أن يعتلي منصة باسم الحرية.
إنهم الطغاة الصغار في كل عهد، يعيدون إنتاج القمع بأدوات محدثة، بواجهات ناعمة، وبأساليب ملتوية. لذا، فإن رصدهم، وفضح تناقضاتهم، وتفكيك خطاباتهم، مهمة لا تقل أهمية عن مواجهة الاستبداد ذاته. لأنهم يشكلون غطاءه الفكري، ويجهّزون له الأرضية الشعبية، ويحوّلون الاستعباد إلى ثقافة، والطاعة إلى فضيلة، والخنوع إلى وعي بديل. وإذا تُرك لهم الحبل على الغارب، فلن نجد فرقاً بين نظام سقط، وآخر حلّ محله، لأن جوهر القمع يبقى ذاته، وإن اختلفت تسمياته.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جلد الذات والعبودية تجاه الآخر وسائل التواصل ومفاقمة العقدة!
- لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من ا ...
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
- الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة
- السنية السياسية كإطار جامع جدلية القيادة والشراكة في سوريا ا ...
- من يرفع علم إسرائيل - 2-
- وصايات وتوصيات النذر بالقيم وتناسي الذات!
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟ .
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟
- حكومة دمشق الانتقالية: في امتحان الاعتراف بحقوق الكرد
- بعد سقوط البعث العنصري ونظام أسده: قمم جيايي كورمينج تتوهج ب ...
- الأسد والبعث وثنائية الأكثرية والأقلية
- السيد الشرع في دوامته لا خريطة طريق للخلاص إلا عبر رفع آلة ا ...
- دولة المماطلة: بين الحلم بالمواطنة وواقع الإقصاء
- نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال ...
- نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال ...
- حصار الساحل السوري موت بطيء تحت الحصار لمن نجوا من القتل الج ...


المزيد.....




- السنغال بلد الثقافة والتصوف ومحاربة الاستعمار
- مصر.. إلزام أسرة موسيقار شهير راحل بدفع 3 ملايين جنيه لصالح ...
- تكريم عدد من المثقفين العرب مع انطلاق الدورة 30 لمعرض الرباط ...
- 3 معارض رائدة في المتحف العربي للفن الحديث بالدوحة
- ما قصة اليوتيوبر المصري مروان سري، والناقدة سلمى مشهور مع نا ...
- مترجمة إيطالية تعتذر عن ارتباكها في البيت الأبيض.. وميلوني ت ...
- لحظة محرجة في البيت الأبيض.. مترجمة ميلوني تفقد السيطرة ورئي ...
- فريد عبد العظيم: كيف تتحول القصة القصيرة إلى نواة لمشروع روا ...
- جمعة اللامي يرحل بعد مسيرة حافلة بالأدب ومشاكسة الحياة
- رجل نوبل المسكون بهوس -الآلة العالِمة-: هل نحن مستعدون لذكاء ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة