|
نظرية الثنائية الجوهر و الماهية (الكسندر أوريفان)
ألكسندر أوريفان
الحوار المتمدن-العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 08:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الانسان بين عالمين الجوهر و الماهية ما الذي يبقى فينا حين نصمت، وننام، ونغيب؟ هل نحن أجسادٌ تعي، أم وعيٌ يسكن جسدًا؟ أين نذهب حين ننام؟ من الذي يرى الأحلام؟ ومن الذي يموت ثم يعود ليحكي ما رآه؟ هذه الأسئلة، التي ظلت تُلاحق الفلاسفة والصوفيين والمفكرين منذ القدم، ليست مجرد تأملات عابرة. بل هي مفاتيح لفهم حقيقة الإنسان كما لم تُعرض من قبل: هل الوعي ينبع من الدماغ، أم من كيانٍ أعمق لا يُقاس بالمادة؟ هل الإنسان هو ما يفعل، أم ما يختبر؟ هل يمكن أن يوجد جوهر ثابت للإنسان، مستقل عن الجسد والعقل والمشاعر؟ في هذا المقالة، نطرح فرضية وجود "ثنائية خفية" تحكم الكائن البشري: جوهرٌ مستقل، خالد، واعٍ بذاته، وماهية متغيرة، فانية، تؤدي أدوارها ضمن الزمن والمكان بين هذين، يتوزع الوجود الإنساني وفي المسافة بين النوم واليقظة، الحياة والموت، تتجلّى هذه الثنائية بوضوح. منذ زمن بعيد، انطلق الإنسان في رحلة البحث عن معنى الوجود، باحثًا عن الإجابة التي تفسر ذاته والكون الذي يستوطنه. لم يكن هذا البحث مجرد تساؤل بسيط، بل مسارٌ طويل اتسم بالتعمق والتأمل؛ رحلةٌ أدت إلى تطور الفكر، وظهور نظريات قد جعلت الإنسان ينظر إلى الواقع من منظور جديد ومتفرد.
الجزء الأول: تاريخ تعمق الإنسان بفكرة الوجود
على مر العصور، خطت أفكار الفلاسفة الأولى خطواتهما في استقصاء المجهول، ساعين إلى كشف الستار عن حقيقة الوجود. كان البحث عن الكينونة موضوعًا محوريًا في ثقافات متعددة، من الأساطير القديمة إلى الحكمة الشرقية والغربية. الفكر الفلسفي الذي ينظر إلى الوجود كنتاجٍ لعلاقات داخليه متشابكة بين ما هو ظاهر وما هو باطن. هذه البداية الغنية ألهمت الفكر اللاحق لتساؤل أعمق حول طبيعة الإنسان؛ هل هو مجرد ظاهرة طبيعية عابرة أم أنه يحمل في جوهره بعدًا خالدًا لا تزول؟ لطالما شغلَ الوجودِ البشرَ منذُ فجرِ التاريخ، فالإنسانُ كائنٌ يسعى لفهمِ مَكانِه في هذا الكونِ الواسعِ والمُبهم. عبرَ العصور، تنوَّعتْ تفسيراتُ الوجودِ بينَ الأسطورةِ والدينِ والفلسفةِ والعلم، كلٌّ منها يحملُ رؤيةً تُعبِّرُ عن روحِ عصرِها. في العصورِ القديمة، نظرَ الإنسانُ إلى الوجودِ على أنَّه صراعٌ بينَ قُوىً غيبيةٍ، فألَّهَ الظواهرَ الطبيعيةَ ونسجَ حولَها قصصًا تشرحُ بدايةَ الكونِ ومصيرَ البشر. ثم جاءتِ الأديانُ لتُقدِّمَ تفسيرًا أكثرَ تنظيمًا، جاعلةً من الوجودِ رحلةً إلهيةً تخضعُ لإرادةٍ أعلى، تُحدِّدُ معنى الحياةِ والموتِ. معَ ظهورِ الفلسفةِ في اليونانِ، بدأَ العقلُ البشريُّ يطرحُ أسئلةً جريئةً عنِ الوجودِ بمنأىً عنِ الميثولوجيا. تساءلَ طاليسُ عن "الأصلِ" الذي نشأَ منه كلُّ شيءٍ، بينما رأى أفلاطونُ أنَّ العالمَ المحسوسَ ظلٌّ لحقيقةٍ مثاليةٍ أبديةٍ. وفي العصورِ الوسطى، مزجَ الفلاسفةُ بينَ الدينِ والعقلِ، كما عندَ ابنِ سينا أو توما الأكويني، محاولينَ التوفيقَ بينَ الوحيِ والمنطقِ. ثمَّ جاءَ العصرُ الحديثُ لِيقلِبَ المفاهيمَ رأسًا على عقبٍ؛ فديكارتُ شكَّ في كلِّ شيءٍ إلا وجودَهُ ككائنٍ مُفكِّرٍ، بينما طرحَ نيتشهُ فكرةَ "موتِ الإلهِ"، مُعلنًا أنَّ البشرَ أمامَ فراغٍ وجوديٍّ يجبُ أنْ يملأوهُ بأنفسِهم. أما العلمُ، فقدَّمَ روايةً ماديةً صارمةً، جاعلًا منَ الكونِ آلةً عمياءَ تسيرُ بقوانينَ فيزيائيةٍ صمَّاءَ. اليومَ، نواجهُ تناقضًا غريبًا: كلَّما تعمَّقنا في فهمِ الوجودِ عبرَ العلمِ، زادَ شعورُنا بالغرابةِ واللايقينِ. هل نحنُ مجردُ صدفةٍ في كونٍ بلا معنى؟ أم أنَّ هناكَ طبقاتٍ أعمقَ للحقيقةِ لم نكتشفْها بعدُ؟ يبقى السؤالُ قائمًا، والإنسانُ، ذلكَ الكائنُ المُتسائلُ، يُواصلُ رحلتَه الأبديةَ في البحثِ عنِ الجوابِ.
أفكار أرسطو ومحاولاته في فهم الوجود من بين الفلاسفة الذين سعوا إلى فك رموز الوجود الإنساني، يُعدّ أرسطو منارة فكرية تركت بصمتها على مدار العصور. فقد سعَى أرسطو إلى تفسير طبيعة الكينونة من خلال مبدأين أساسيين هما المادة والشكل، حيث رأى أن كل كائن يتكوّن من جزأين لا ينفصلان، المادة التي تُشكّل الأساس، والشكل الذي يمنح هذا الأساس الهوية والحدود.
في فلسفة أرسطو، تُعتبر المادة الخامّ التي لا معنى لها من تلقاء نفسها، إلا أن تَشكُّلها بالشكل يمنحها غاية واتجاهًا نحو تحقيق كامل إمكانياتها. وفي هذا السياق، برز مفهوم "الجوهر" عند أرسطو، والذي يعبر عن الكينونة الثابتة التي تظل راكزة على رغم تغير المظاهر. كان يرى أن الإنسان، بكونه مخلوقًا من مادة وصورة، يجسد في وجوده تعبيرًا عن القدرة الكامنة التي تتحول إلى حقيقة عند تفعيل الشكل. محاولات أرسطو كانت تهدف إلى تحقيق توازن بين هذين البعدين؛ فالمادة لا تتحقق من نفسها دون الشكل، والشكل لا يكتمل إلا بوجود المادة التي يقم عليها. يتبلور هذا المفهوم في فكرة الجوهر عند أرسطو، الذي يُمثل النواة الحقيقية التي يقصد إليها التغير؛ فالمادة قد تتغير وتتحول، إلا أن الشكل الذي يحمله يظل علامة على كينونة لا تزول. من هنا، نرى أن الثنائي بين المادة والشكل، الذي قد يبدو محدودًا عند البعض، يحمل في طياته بذورًا لتفسير لاحق أكثر تعقيدًا: التمييز بين ماهية الوجود وظواهره.
إذ إننا اليوم نسعى لتوسيع هذا التفكير في إطار ثنائية أوسع، تتضمن الجوهر والماهية؛ حيث يُعتبر الجوهر كيانًا ثابتًا، والماهية هي التعبير المادي، المظهر الذي يعكس تحولاته وتجلياتها. في هذا الإطار، يُعدّ فكر أرسطو حجر أساس للانتقال من النظرة التقليدية التي تنحصر في التفاعل بين المادة والشكل إلى نظرة أكثر شمولًا تُلقّي الضوء على طبقات الوجود المتعددة. فالتساؤل عن ماهية الإنسان اليوم يقتضي منا أن نتجاوز مجرد التقسيم الثنائي السطحي، لنصل إلى سؤالٍ أعمق: ما الذي يبقى من الإنسان حين تزول المظاهر وتتبدل الصور؟ وما هو الثابت الذي يمكننا أن ننسب إليه حرية الوعي والكينونة؟ من خلال إعادة قراءة أفكار أرسطو في ضوء ثنائية الجوهر والماهية، نكتشف أن الفلسفة ليست مجرد تأملات خيالية، بل هي أداة نقدية تساعدنا على فهم أن الإنسان يحمل في أعماقه بعدين متناقضين: جانبًا ثابتًا لا يتأثر بتقلبات الزمن، وجانبًا متحركًا يتأثر بكل ما هو ظاهر ومادي.
بهذا التناول، نستطيع أن نُضيء الطريق لمن يبحث عن معرفة ماهية الوجود، عبر تأصيل مفهومٍ يبحث عن جوهر ثابت في ظل تقلبات المظهر. على الرغم من أن أفكار أرسطو كانت متأصلة في إطار مادي نسبيّ، إلا أنها وضعت الأسس لفهم الوجود من منظور شامل يتجاوز مجرد التفاعل العابر للصفات الخارجية. فقد أدرك أرسطو أن لكل شيء "ماهية" تسكن في طياتها تلك الخصائص الجوهرية التي تجعل منه أكثر من مجرد مجموعة متقاربة من العناصر.
ينفتح بذلك بابٌ للتأمل في أن الإنسان ليس مجرد جسد متحول أو عقل نشط، بل هو تركيب معقّد يتألف من طبقات؛ طبقة تتجلّى عبر الشكل الحيّ وطبقة أخرى، قد يبدو أنها خفية، تحمل الأبعاد الثابتة للكينونة. تشكل محاولات أرسطو إذًا نقطة انطلاق لتأملنا في السؤال الأزل: (ما هو الإنسان؟) وهنا، نجد أن طرحه للمادة والشكل يفتح أمامنا مجالاً لإعادة النظر في العلاقة بين ما هو ظاهر وما هو باطني، بين ما يتحول وبين ما يظل على حاله. هذه الأفكار القديمة، وإن كانت مستوحاة من زمنٍ مضى، إلا أنها تبقى حجر الأساس لتطوير نظرية معاصرة ترتكز على الثنائية بين الجوهر والماهية، حيث يتواجد الإنسان بين عالمين؛ أحدهما ماديّ متغير، والآخر ثابت لا يتبدل مهما تغيرت الظروف الخارجية. وبهذا، يبدأ البحث في إعادة صياغة تصور الوجود الإنساني، ليس كعملية انقسامية بسيطة، بل كحوار دائم بين ما يُرى وما يُحس، وبين ما ينشط في ميدان المظهر وما يسطع من عمق الجوهر. إن فهمنا لأرسطو ومناحاته يوفر لنا عدسة نقدية نستشف من خلالها حقيقة الإنسان، وأسئلة أبدية تتحدى حدود المعرفة التقليدية. في هذا المقالة، تُطرح فرضية تتجاوز المألوف، وتضرب بجذورها في أعماق الوجود الإنساني. نحن لا نعيش في عالمٍ واحد، بل في عالَمين يتقاطعان: عالمٌ مادي نُمارس فيه وجودنا، وعالم ميتافيزيقي نُلامس فيه حقيقتنا، الإنسان ليس ما يظهر منه، بل ما يَثبُت فيه. فالماهية، بما هي الجسد والعقل والانفعالات، ليست سوى أداة تنفيذ. أما الجوهر، فهو الذات الأصيلة، الحرة، اللامرئية، التي تظل ثابتة رغم تبدّل الصفات وتغيّر الظروف، حين ننام، لا نغيب، بل نعود، حين نموت، لا نفنى، بل ننكشف، وحين نفكر بعمق، فإننا نستدعي صوت الجوهر عبر صمت الماهية. هذه النظرية تُعيد للوعي حقيقته، وللنوم دلالته، وللحياة والموت معناهما.
الجوهر والماهية: نحو نظرية في الكينونة المزدوجة بين العالمين المادي والميتافيزيقي نشرح فيها سبب أهمية هذا الطرح، ولماذا نحتاج لإعادة تعريف العلاقة بين الإنسان، وعيه، وجسده، مع الإشارة إلى التداخل بين العلم، الفلسفة، والتجربة الإنسانية. لطالما سعى الفكر الفلسفي إلى الإجابة عن سؤال الوجود: ما هو الإنسان وما يتكون؟ ومنذ القدم تنوعت المحاولات في هذا المضمار، فظهرت نظريات تعطي الأولوية للعقل والروح، بينما يركز البعض على جوهر الجسد وإدراكاته البيولوجية. وفي هذا السياق، نقدم نظرية تفترض أن الإنسان مركب من طبقتين أساسيّتين:
1. الجوهر الميتافيزيقي، الذي يمثل الذات الثابتة والواقعية التي لا تتغير أو تفنى، وهو مصدر الوعي والإدراك الحقيقي. 2. الماهية المادية، التي تشمل الصفات والوظائف البيولوجية والعقلية التي تظهر من خلال جسد الإنسان، والتى تخضع للتغيير والزوال.
من خلال هذا الإطار، يتبلور مفهوم العرض الذي يشمل جميع الظواهر والإفرازات الظاهرة على الماهية أو الناتجة عن تفاعل الجوهر مع الماهية. سنستعرض في هذه المقالة كيف يتفاعل الجوهر والماهية والعرض، وكيف يتجسد هذا التفاعل في تجارب الحياة مثل النوم والموت. تأصيل المفاهيم الأساسية.
الجوهر الجوهر هو الكيان الثابت الذي يُعتبر لبّ الوجود. فهو ما يظل باقياً رغم تغير مظهر الظواهر الخارجية أو حدوث الفناء في العالم المادي. في هذه النظرية، الجوهر هو ذوات الإنسان الحقيقية، هو ذلك العنصر الميتافيزيقي الذي يحمل الوعي الحقيقي والاستقلال الفكري والإرادي. ومن هنا تنبع القدرة على التحكم في حركة الماهية دون أن يتأثر الجوهر بتغيراتها.
الماهية الماهية هي ما يجعل الإنسان إنسانًا، وهي مجموعة الخصائص والصفات التي نميز بها الكائن في عالم المادة. إلا أن هذه الصفات والوظائف قابلة للتغير والتحلل، إذ أن الإنسان بمظهره المادي يتأثر بعوامل الزمن والمرض والتلف الطبيعي. الماهية هي جسد الإنسان، عقله بتراكيبه الكيميائية، وعمليات الإدراك والذاكرة التي تنفذ على مستوى المادة.
العرض العرض هو مستوى التجلي الخارجي الذي يربط الجوهر بالماهية، وينقسم إلى نوعين:
العرض الجوهري: الصفات والوظائف الذاتية مثل التفكير، الإبداع، التخطيط والوعي، والتي يُستمد وجودها من الجوهر الميتافيزيقي.
العرض الماهوي: يشمل الوظائف البيولوجية والمادية مثل الحفظ، التركيز، المشاعر والكلام؛ تلك التي تُنتج عن تفاعل الماهية مع المكونات الفيزيائية للكائن.
العالم المزدوج: المادي والميتافيزيقي يمكن تقسيم الواقع وفق هذه النظرية إلى بعدين متعايشين:
العالم المادي: هو العالم الذي تظهر فيه الماهية والعرض الماهوي، حيث تتجلى الصفات الظاهرة للإنسان والعناصر التي تخضع للتغيير والاضمحلال.
العالم الميتافيزيقي: هو بُعد الجوهر والعرض الجوهري، حيث يبقى الجوهر كيانًا ثابتًا يتخطى حدود الزمان والمكان المادي. هذا العالم يستمد وجوده من الذات الخالصة، ويمثل مرآة الوعي الحقيقي الذي لا يتأثر بتبدلات الماهية.
زيد كجوهر ثابت: يبقى "زيد" كما هو، دون أن تتأثر هويته بالتحولات التي قد تطرأ على مظهره المادي. يظل الجوهر موجودًا مستقلًا عن الماهية، ويحتفظ بالوعي الحقيقي الذي يمنحه القدرة على إدراك ذاته والكون من حوله.
الماهية كوظيفة عرضية: تُشكل الماهية الجسد والعقل، وتقدم الوسيط الذي من خلاله يظهر الجوهر للعالم الخارجي. لكنها قابلة للتبدل والتلف، وقد تنفصل في حالتي النوم أو الموت، لتُظهر بذلك بروزًا للحقيقة الميتافيزيقية في صورة انقطاع بين الجوهر والماهية. مثال توضيحي: عندما ينام الإنسان، يحدث انفصال مؤقت بين الجوهر والماهية؛ ففي هذه الحالة يسترجع الجوهر ذاته البحتة ويستقر في عالم الميتافيزيقي، حيث يكون قادراً على رؤية جواهر أخرى، بينما يبقى الماهية نائمة أو في حالة خمول. هذا الانفصال يفسر رؤية الأحباب في الأحلام كواقع يتجاوز حدود الجسد المادي.
النوم والموت كبوابتين للعالم الميتافيزيقي يمثل النوم والموت حالات فريدة من حالة الانفصال بين الجوهر والماهية:
النوم: هو حالة مؤقتة يعود فيها الجوهر إلى العالم الميتافيزيقي، مما يمنحه القدرة على الوصول إلى مستويات من الوعي تختلف عن الحالة المادية. قد تُفسر الأحلام بهذا المنطلق على أنها لقاءات بين الجواهر، حيث يتم نقل رسائل أو تنفيذ "مهمات" يرسلها الجوهر إلى ذاته أو إلى جواهر أخرى. الموت: هو حالة دائمة يتلاشى فيها المظهر المادي، فيما يظل الجوهر حيًا في عالمه الميتافيزيقي. هذا الانفصال الأبدي يُعيد التأكيد على أن الوعي والكينونة الحقيقية يكمنان في الجوهر، وليس في الماهية الفانية.
العرض الجوهري والعرض الماهوي: مخرجان للذات تتشكل الظواهر التي نراها نتيجة للتفاعل بين الجوهر والماهية، وينقسم العرض إلى:
العرض الجوهري: الذي يتضمن القدرات العقلية العليا مثل التفكير الخلاق، والوعي الذاتي، والقدرة على التخطيط. هذه الوظائف تولد عن الجوهر، وتظهر القوة الحقيقية للذات غير المقيدة بالزمن والمادة.
العرض الماهوي: الذي يشمل العمليات الوظيفية المادية كالحفظ والتركيز والكلام، تلك العمليات التي يديرها الدماغ والعناصر الكيميائية. في حالات اضطراب الاتصال بين الجوهر والماهية (كما في بعض حالات الجنون أو المرض العقلي)، قد يستمر المظهر المادي في العمل كآلة آلية دون وعي أو تفكير ذاتي.
مثال توضيحي آخر: يمكن مقارنة الشخص المريض عقليًا، الذي رغم قدرته على أداء وظائف حفظ وتركيز محددة، بأنه يشبه آلة تعمل بدون توجيه واعٍ؛ فالجسد يستمر في الحركة والتفاعل مع المحيط، بينما الجوهر، المصدر الحقيقي للوعي، يكون منفصلاً أو معطلًا عن الماهية.
التوضيح النظرية بشكل ابسط: أولاً: الجوهر كذات خالصة وثابتة الجوهر، في هذا التصور، ليس فكرة مجردة بل هو الهوية المطلقة للإنسان. زيد، في جوهره، يبقى زيدًا حتى وإن تبدلت ملامحه، واختفت خصائصه الجسدية، أو غابت قدراته العقلية. إنه كيان لا يُختزل في جسده، ولا يُعرف بماهيته، بل هو سابقٌ عليها، ومتعالٍ عنها. الجوهر هو الذي يعي، يفكر، يريد، ويختبر العالم عبر أدواته، دون أن يكون مرهونًا بها. وإذا انفصل عنها (كما في النوم أو الموت)، لا يفنى، بل يستمر في وجوده الحر في العالم الميتافيزيقي.
ثانياً: الماهية كوسيط مادي للظهور الماهية هي القالب الذي يتجسد فيه الجوهر في العالم المحسوس. إنها الجسد، بما فيه من نظام عصبي، وعقل كيميائي، ومشاعر وحواس. لكنها ليست إلا أداة. فالماهية لا تملك وعياً ذاتياً، بل تستقبل إشارات من الجوهر، وتنفذ ما يمكن تنفيذه بحسب قدراتها المادية. فإذا مرض الجسد، أو اختلّ الدماغ، تعذر على الجوهر التعبير عن ذاته، رغم أنه لم يتأثر في ذاته.
ثالثاً: العرض بوصفه مخرجات الثنائية يُقسّم العرض إلى نوعين رئيسيين: العرض الجوهري: هو التجليات التي تصدر عن الجوهر مباشرة، مثل التفكير، الوعي، الحدس، التخطيط، الإبداع. وهذه مظاهر لا تُفسر ماديًا صرفًا، بل تنبع من جوهر يمتلك حرية وذاتية.
العرض الماهوي: هو ما تنتجه الماهية من وظائف جسدية كالحفظ، التركيز، المشاعر، والكلام. وهي وظائف ترتبط بحالة الدماغ والجهاز العصبي، ويمكن أن تستمر حتى في غياب الوعي الجوهري (كما في حالات الغيبوبة أو المرض العقلي).
رابعاً: العالم المزدوج ووعي الإنسان عالم مادي: يُختبر عبر الحواس، وفيه تتفاعل الماهية والعرض الماهوي.
عالم ميتافيزيقي: لا يخضع للزمان والمكان، تعيش فيه الجواهر حرة، وتلتقي، وتتواصل خارج قيود المادة.
في النوم، ينفصل الجوهر مؤقتًا عن الماهية، ويعود إلى العالم الميتافيزيقي. وفي الموت، ينفصل نهائيًا، ويُكمل وجوده هناك. ولذلك، فالأحلام – في هذه الرؤية – ليست مجرد نشاط دماغي، بل هي عودة مؤقتة للجوهـر إلى مستقرّه الأصلي، حيث يتواصل مع جواهر أخرى، وقد يُدرك أشياء لا يمكن تفسيرها ماديًا.
خامساً: حالات الاختلال كدليل على الاستقلال
في حالات الجنون، تعمل الماهية كآلية فارغة، تُنفّذ دون وعي، ويغيب فيها العرض الجوهري، مما يشير إلى انفصال أو اضطراب في العلاقة بين الجوهر والماهية. في تجارب الاقتراب من الموت، يدرك الأفراد ذواتهم من خارج أجسادهم، مما يدل على أن الجوهر، وإن فقد جسده، لا يفقد وعيه، بل يتحرر منه.
خلاصة : أن الإنسان يتكون من ثلاث طبقات: الجوهر، الماهية، والعرض.
الجوهر: ثابت الماهية: تتغير او تفنى العرض: تتغير بتأثير من الماهية او الجوهر
الجوهر حامل الماهية، زيد يبقى زيد ان فقد ماهيته كأنسان الماهية يتم تحديدها من الجوهر كمثل زيد انسان فزيد جوهريا حدد على انه انسان (ماهيته) وفقاً لهذه الرؤية، فإن الوعي والإدراك والابداع و التخطيط مصدرهم الجوهر، وليس الدماغ. وعند النوم أو الموت، ينفصل الجوهر عن الماهية، فينتقل إلى عالم ميتافيزيقي، حيث يستمر في الوجود، ويستطيع التواصل مع جواهر أخرى.
بذلك، يعيش الإنسان بين عالمين متداخلين: العالم المادي الذي تُمارَس فيه الحياة عبر الماهية، والعالم الميتافيزيقي الذي يتحرر فيه الجوهر، ويُدرك ذاته وذوات الآخرين في مستوى أعمق من الوجود
يمكن للانسان الانفصال من ماهيته في العالم المادي والرجوع الى جوهره (عالم الميتافيزيقي) من خلال النوم المؤقت، التأمل العميق، الموت فالنوم و تجارب التأمل العميق، يمكن للانسان ان ينفصل عن ماهيته بشكل مؤقت فهو يدرك و يوعي مثل الحلم الانسان يستطيع ان يوعي ويدرك لكن لا يتذكر ما تعلمه في عالمه المادي لا يحس لا يكره لا يحب لان هذه ناتجة من عمليات الدماغ وليس الجوهر. في حالة الموت، ينفصل الانسان عن ماهيته بشكل دائم ويبقى وعيه و ادراكه في جوهرة، زيد يبقى زيد يعي ويدرك حتى في حالة موته لكن لا يعرف ما هيته ولا يدرك من هو هل هو انسان ملاك روح لا يعلم لان لا يتستطيع ادراك ماهيته، يتجرد الوعي و الادراك عن الماهية
الإنسان قبل الولادة: هو جوهر قائم بذاته، مستقل عن الماهية المادية التي لم تتشكل بعد. هذا الجوهر موجود في العالم الميتافيزيقي (عالم ما قبل التجسد). لم يتصل بعد بالهيولة (المادة) والهيئة (الشكل)، أي لم يتجسد في جسد. لا يمتلك "ماهية إنسانية" كاملة لأنه لم يُولد بعد، لكنه يمتلك الاستعداد للارتباط بها. لا يملك ذاكرة مادية، أو إحساسًا زمنيًا، لكنه موجود بـ"ذاته" اللامادية.
الوظائف للجوهر قبل الولادة: 1. يكون الجوهر في حالة استعداد واختيار: أي أنّ الجوهر يتهيأ للارتباط بماهية معينة (جسد معين، زمن معين). 2. يكون الجوهر مدركًا بشكل غير زمني أو غير خطّي، أي خارج حدود الزمان والمكان. 3. لا توجد عروض ماهوية (كالعاطفة، واللغة، والحركة الجسدية) في هذه المرحلة، لكن العرض الجوهري مثل الحدس أو الوجود الصامت قد يكون حاضرًا.
بعد الولادة، ووفقًا لنظريتك في ثنائية الجوهر والماهية، يحدث تحول وجودي كبير يتمثّل في اتحاد الجوهر بالماهية، وفيه ينتقل الإنسان من حالة "الوجود الجوهري الخالص" إلى حالة "الكيان المركّب" الذي يجمع بين:
الجوهر: الثابت، الواعي، الحر. الماهية: المتغيرة، المادية، الخاضعة للزمن والمكان.
ماذا يحدث لحظة الولادة؟ 1. اتحاد الجوهر بالهيولة والهيئة: الهيولة: المادة الأولية (الجسد). الهيئة: الشكل والصورة والصفات الجسدية. بهذا الاتحاد تتشكل ماهية الإنسان.
2. ظهور الكيان الإنساني المركّب: يصبح الإنسان "زيد"، كهوية فردية متميّزة. يحمل خصائص الجسد، وصفات الوراثة، والزمان والمكان، لكن بداخله جوهرٌ مستقل.
3. بداية التفاعل بين الجوهر والماهية: يبدأ العرض الجوهري بالظهور تدريجيًا (الوعي، التأمل، التخيّل). وتظهر العروض الماهوية (الجوع، الألم، العاطفة، الكلام).
أن الإنسان منذ ولادته ليس مجرد جسد، بل كيان يعيش في بينية الوجود: بين الأعلى (الجوهر الميتافيزيقي) والأدنى (الماهية المادية). يولد الإنسان حاملاً قابلية للتحرر أو السقوط: فإما أن يسمو بجوهره ويتحكم في ماهيته، أو ينغمس في الماهية وينسى جوهره.
الهبوط الأول – اتحاد الجوهر بالماهية في لحظة الميلاد، لا يبدأ الإنسان من العدم، بل يبدأ من التجلّي. فالوجود الميتافيزيقي الذي كان مستقلًا، صامتًا، خارج الزمان والمكان، يتخذ هيئة محسوسة، ويتحد بجسد يلتزم بشروط الطبيعة والمادة. في تلك اللحظة، لا يولد الجسد وحده، بل يولد الكيان المزدوج: الجوهر المتعالي والماهية المتجسدة، اللذان سيتقاطعان في تجربة تُدعى الحياة. الطفل الوليد لا يعي ذاته، لكن الجوهر فيه موجود؛ مستكنّ في أعماق ما لا يُرى، يُراقب، يتفاعل، ينتظر أن تنضج الماهية لتستجيب لنداءه. كل صرخة، كل لمسة، كل خفقة قلب، هي إشارة أولى لانفتاح الجسد على العالم، لكنّ الوعي لا يزال جنينًا آخر، لم يولد بعد. فالاتحاد لا يعني اكتمال التجربة، بل بدايتها. الماهية تتكون من هيولة هي المادة الخام، الدم، اللحم، الخلايا، ومن هيئة هي الشكل الظاهري، الوجه، الأطراف، الملامح التي تحدد الإنسان في عيون الآخرين. بينما الجوهر، هو ما لا يُرى، ما لا يُوصف، لكنه يُحسّ بعمق لا يملك لغة. تبدأ الدراما الوجودية: هل يستطيع الجوهر أن يقود الماهية؟ أم هل تهيمن الماهية فتطغى على الجوهر؟ الجوهر يريد الحرية، الوعي، الإرادة. والماهية تحتاج إلى الأمان، الغريزة، والبقاء. وبين هذا وذاك، يتكون العرض – إمّا أن يكون عرضًا جوهريًا (تفكّر، إدراك، حدس)، أو عرضًا ماهويًا (جوع، خوف، رغبة). ومع تكرار التجربة، يختلط الاثنان، وقد يضيع الجوهر في دوامة الهيئة.
في السنوات الأولى من حياة الإنسان، تنمو الماهية بسرعة مذهلة: الجسد يكبر، اللغة تتشكل، الغرائز تستيقظ، والعالم يقتحم الحواس من كل الجهات. غير أن الجوهر، في هذا الطور، لا يزال في حالة صمت وجودي، يراقب، يخطو بحذر نحو الإدراك، لكنه لا يفرض سلطته بعد. الطفل يبدأ بالتمييز، لكنه لا يزال مغمورًا بالماهية. الهيئة تهيمن على إدراكه لذاته: "أنا لأنني أُشبه، أُشير، أتحرك، أصرخ". والهيولة تسيطر على استجابته: الجوع، الدفء، الألم، الراحة. هنا، يكون الإنسان مشدودًا إلى الأرض، إلى اللحظة، إلى الغريزة. ومع ذلك، تظهر الومضات الأولى للجوهر:
سؤال مبهم: "من أنا؟" دهشة أمام الليل والسماء. صمتٌ يرافق الحواس بعد لحظة جمال أو خوف. هذه اللحظات ليست نتاج الماهية، بل علامات على استيقاظ الجوهر، على محاولة التسلّل
في هذه المرحلة، تبدأ العروض بالتمايز: العرض الماهوي: مصدرها (الهيئة و الهيولة) تمييزها (الجوع، التعب، الغضب، التقليد) العرض الجوهري: مصدرها (من الجوهر) الأمثلة (التأمل، التسائل، الحياء، التردد، التخطيط، التفكير)
وحين يبدأ الطفل بالتساؤل، أو يخجل من الكذب، أو يتألم لألم غيره دون منفعة، نعلم أن الجوهر بدأ يتكلم، لا بالكلمات، بل بالتوجيه الخفي خلف الأفعال. لكن هذا الاتحاد بين الجوهر والماهية، وإن كان ضروريًا، ليس دائمًا متوازنًا. فقد تهيمن الماهية وتخنق صوت الجوهر، أو قد يستيقظ الجوهر مبكرًا في بيئة لا تسمح له بالنمو، فينشأ الإنسان منقسمًا، متألّمًا دون سبب واضح.
ما الذي تستطيع تفسيره النظرية؟ 1.الجوهر (كزيد) يبقى ثابتًا ومدركًا لوجوده حتى بعد انفصاله عن الماهية (الجسد) في النوم أو الموت، لكنه يفقد إدراك ماهيته الأصلية (كإنسان). يقدم تفسيرًا لـ: تجارب الاقتراب من الموت (رؤية الجسد من الأعلى). الأحلام الواضحة التي يلتقي فيها الناس بأحبائهم المتوفين.
2.الجوهر يتحكم في الماهية (الجسد) عبر "عرض الجوهري" (مثل الوعي والإرادة)، لكنه يعجز إذا تضررت الماهية (كالنعاس أو تلف الدماغ). يقدم تفسيرًا لـ: تفسير منطقي لحالات مثل الشلل النومي (حيث يريد الجوهر الحركة لكن الجسد لا يستجيب). تفسير الجنون أو الغيبوبة كانفصال جزئي بين الجوهر والماهية. (حيث تبقى الماهية في عمل مستمر لكن لا تدرك او تعي مجرد حركة عشوائية بسبب نشاط الدماغ كالقدرة على الحركة او الحفظ او التحدث او التعلم او الاكتساب، لكن لا تخطط ولا تفكر ولا تبدع وليس له اراء او فكار، مجرد يتعلم ويطبق، وهذا يعود فقدان الجوهر)
3.نعيش في عالمين متوازيين: المادي: حيث الماهية تعمل كأداة تنفيذ. الميتافيزيقي: حيث الجوهر حرٌّ في النوم أو بعد الموت. تقدم حلاً لمسألة "ماذا بعد الموت؟" دون الحاجة إلى إيمان ديني تقليدي. تفسر ظواهر مثل الإسقاط النجمي أو الأحلام النبوية.
4.الوعي ناتج عن الجوهر (كالنار التي تنتج الحرارة)، وليس الدماغ. تجيب على إشكالية "الهارد بروبلم" في فلسفة العقل: كيف تنشأ التجربة الواعية من المادة؟ تفسر حالات مثل "الدماغ السليم بلا وعي" (كحالات الغيبوبة) (حيث يكون الدماغ سلمين ونشط والقاب نشط ووظائف الجسدية نشطة لكن لا يعي من الغيبوبة، هذا يعد سبب الانفصال بين الجوهر و الماهية ).
الجوهر يرسل أوامره للماهية، بينما الماهية تنفذ الأوامر عبر آلياتها المادية (كالإشارات العصبية). مثال: عندما يريد زيد تحريك يده، يرسل الجوهر أمر تترجمها الماهية (الدماغ) إلى إشارات كهربائية تُحرِّك العضلات. تُقدِّم تفسيرًا عمليًّا لكيفية تحكم "الوعي" (الجوهر) في الجسد (الماهية). تقدم تفسيرًا لكيفية عمليا لماذا الدماغ ولدت هذه الفكرة بالذات؟ اذا كانت الافكار مجرد تفاعل كميائية عشوائي فلماذا أنتجت هذه الفكرة بالذات وليس غيرها هذا يدل على ان هناك جوهر واعي متحكم تتفادى مشكلة "الشبح في الآلة" لغيبرت رايل بتحديد آلية (ولو غير مادية).
نظرية الجوهر والماهية: بناء متكامل وإجابات على الإشكالات
1. تعزيز الأسس الفلسفية للنظرية
أ. التأصيل التاريخي المعمق النظرية لا تنطلق من فراغ، بل لها جذور في: فلسفة أرسطو: حيث الجوهر (Ousia) هو الموجود القائم بذاته، لكننا نطور المفهوم لنفصل بين الثابت (الجوهر) والمتغير (الماهية). الفلاسفة المسلمين: مثل ابن سينا الذي ميّز بين "الوجود" و"الماهية"، لكننا نضيف بُعدًا ديناميكيًا للتفاعل بينهما. الفينومينولوجيا: نستفيد من هوسرل في وصف "التجربة الواعية" كدليل على وجود الجوهر.
ب. تطوير المفاهيم الأساسية الجوهر: ليس مجرد فكرة مجردة، بل هو: المصدر الفاعل للإرادة والوعي. الكيان السببي الذي يوجه الماهية (مثل إرادة تحريك اليد). الحامل للهوية الشخصية عبر الزمن.
الماهية: ليست مجرد جسد، بل تشمل: الدماغ كجهاز استقبال وتنفيذ. الذاكرة البيوكيميائية (التي تفسر فقدان الهوية في بعض الأمراض). التعبيرات الجسدية للعواطف (التي تتفاعل مع الجوهر).
2. ردود قوية على الإشكالات الرئيسية أ. إشكالية الإثبات التجريبي السؤال: كيف نثبت وجود الجوهر غير المادي؟ الرد: 1. أدلة من حالات الوعي المُغيّر: تجارب الاقتراب من الموت (NDEs): حيث يصف المرضى وعيًا منفصلًا عن الجسد، مع إدراك أحداث مؤكدة علميًا (كوصف غرفة العمليات أثناء السكتة القلبية). الأحلام الواضحة: القدرة على التحكم في الحلم تدل على وجود "مراقب" مستقل عن الدماغ. 2. الاستدلال المنطقي: إذا كان الوعي ناتجًا فقط عن الدماغ، فلماذا لا نستنسخ الوعي بتكرار التركيب الكيميائي للدماغ؟ (مشكلة "الغرفة الصينية" لسيرل). التجربة الواعية لا يمكن اختزالها إلى إشارات عصبية (كما يظهر في "المشكلة الصعبة" للوعي لديفيد تشالمرز).
ب. مشكلة التفاعل بين الجوهر والماهية السؤال: كيف يتفاعل الجوهر غير المادي مع الماهية المادية؟ الرد: نموذج التفاعل الثنائي: 1. الجوهر يؤثر في الماهية عبر: التوجيه الكمي: اقتراح أن الوعي قد يتفاعل مع العمليات الكمية في الدماغ (كما في نظريات بنروز-هاميروف). الحقول المعلوماتية: فكرة أن الجوهر يعمل كحقل معلوماتي يوجه النشاط العصبي (مقارب لنظرية "الزمكان المعرفي" عند دونالد هوفمان).
2. الماهية تؤثر في الجوهر عبر: القيود المادية: مثل تأثير الأدوية أو الإصابات الدماغية على التعبير عن الوعي (لكنها لا تلغي الجوهر، فقط تحجب اتصاله).
ج. مصير الذاكرة والهوية بعد الموت السؤال: إذا فقد الجوهر إدراك ماهيته، فكيف يحافظ على هويته؟ الرد: نظرية الطبقات المتعددة للذاكرة: ذاكرة الماهية: مرتبطة بالدماغ وتفنى بالموت (مثل الذكريات الشخصية). ذاكرة الجوهر: سجل وجودي غير مادي (مثل "الذاكرة الكارماوية" في الفلسفات الشرقية)، تحفظ جوهر التجارب دون التفاصيل المادية.
3. تطبيقات عملية تعزز مصداقية النظرية
أ. تفسير ظواهر عصبية غامضة 1. الوعي أثناء الغيبوبة: بعض المرضى يُظهرون نشاطًا واعيًا رغم غياب الأدلة الدماغية (مطابق لفكرة انفصال جزئي للجوهر). 2. التخاطر: يمكن تفسيره عبر اتصال الجواهر في البعد الميتافيزيقي. الحدس الفائق: إدراك مباشر لحقيقة أو موقف دون تحليل أو استدلال. ينبع من الجوهر كإضاءة داخلية. 3. الإسقاط النجمي: تحرر جزئي للجوهر من الماهية، يسمح له بخبرة ميتافيزيقية خارج حدود الجسد والمكان. 4. الجلاء البصري (الرؤية الباطنية): قدرة الجوهر على رؤية ما وراء الحجاب المادي، مثل استشعار الأماكن أو الأحداث أو الكائنات غير المرئية. 5. الرؤى العميقة (الإلهام): تدفّق من المعاني أو الصور أو الأفكار من الجوهر إلى الماهية، يُشبه وحيًا داخليًا غير معلن. 6. الاستبصار أو التوقع غير العقلي: قدرة على الشعور بما سيحدث دون معطيات عقلية واضحة، ناتجة عن اتصال الجوهر بمستوى زمني غير خطي. 7. الاتصال الجوهري (المحبة أو الألم المتبادل دون سبب مادي): إحساس عميق يرتبط بجوهر إنسان آخر، كأن بين الجوهرين خيطًا غير مرئي يتأثر أحدهما بتغير الآخر.
ب. اختبارات مقترحة للتحقق من النظرية 1. دراسة تجارب الاقتراب من الموت: توثيق حالات أدرك فيها المرضى أحداثًا خارج نطاق الحواس (كقراءة أرقام سرية في غرفة العمليات).
2. بحث الأحلام الواضحة: اختبار قدرة الحالمين على الحصول على معلومات غير معروفة لهم سابقًا (كأرقام أو كلمات مخبأة).
3. تأثير التأمل العميق: قياس التغيرات في نشاط الدماغ أثناء حالات "الانفصال عن الجسد" لدى المتأملين المتقدمين.
4. خلاصة: لماذا هذه النظرية مقنعة؟ 1- شموليتها: تجيب على أسئلة الوعي، الهوية، الموت، والتجارب الغامضة في إطار واحد. 2- اتساقها الداخلي: تقدم حلولًا مترابطة للإشكالات الفلسفية والعلمية. 3- قابليتها للتطوير: يمكن دمجها مع فيزياء الكم أو علوم الأعصاب لبناء نموذج أكثر دقة.
5- كيف تتفوق هذه النظرية على النظريات المنافسة؟ اولا- نظرية المادية دانيال دينيت: "تنكر وجود الجوهر وتختزل الوعي الى نشاط دماغي" نظرية الثنائية الكسندر تتفوق بـ: تفسر حالات لا يمكن اختزالها ماديا مثل(الوعي اثناء توقف الدماغ)
ثانيا- الثنائية الديكارتية: "تفصل العقل عن الجسد دون آلية واضحة" نظرية الثنائية الكسندر تتفوق بـ: تقدم نموذج تفاعليا بين العرض و الماهية
ثالثا- المثالية بيركلي: "تعتبر المادة وهما و الوعي اساس" نظرية الثنائية الكسندر تتفوق بـ: تحافظ على الواقعية، المادة (كماهية) دون انكار دورها
بقلم الكسندر اوريفان – في تمايز الجوهر والماهية عند الإنسان
أن الماهية الإنسانية قابلة للتغير، بينما يبقى الجوهر ثابتًا. فالإنسان لا يولد حاملًا ماهية مُطلقة أو نهائية، بل يكوّنها عبر أفعاله، أفكاره، تجاربه، وتحولاته الوجودية. إن ماهية الإنسان ليست شيئًا جامدًا يُولد به، بل هي حصيلة تشكّل مستمر، وبالتالي فهي عرضة للتبدل، والتطور، بل وحتى للاضمحلال. لكن الجوهر، بخلاف ذلك، يمثل ثبات الوجود الفردي بذاته. وجود "زيد" مثلاً، كشخص محدد، يبقى قائمًا سواء تغيرت صفاته أو تبدّلت حالاته النفسية والعقلية. الجوهر هنا ليس هو الصفات، ولا الأدوار، ولا السلوكيات، بل هو الوجود العيني، المستقل، الذي لا يفقد هويته حتى لو تبدلت ماهيته. وعند الموت، تفنى ماهية الإنسان، لأنها تتعلّق بالفعل والإرادة والوعي، وهي أشياء تزول بانتهاء الحياة. لكن الجوهر لا يفنى بالموت؛ فوجود "زيد" ككائن كان حاضرًا في العالم لا يمكن إنكاره، حتى لو صار جسدًا بلا دماغ. الأثر الوجودي للجوهر يبقى، حتى بعد غياب الماهية التي كانت تُفعّل الإنسان في حياته. إنني أميّز هنا بين الوجود الحي القابل للتشكل (الماهية)، والوجود الثابت غير القابل للنفي (الجوهر). وبينما تتغير الأولى، يظل الثاني قائمًا، غير متأثر بتغيراتها، أو حتى بزوالها. وأما العرض، فهو التجلي الذي يظهر نتيجة تفاعل الجوهر والماهية؛ هو كل ما يُلاحظ من خصائص وظواهر في حياة الإنسان، سواء كانت في الفكر أو في التصرفات أو في الإبداع. فالعرض ليس مجرد مظاهر سطحية، بل هو نتاج العلاقة الحية بين ما هو ثابت وما هو متغير.
تقسيم الماهية: الهيولى والهيئة من هنا، يصبح الإنسان مزيجًا دقيقًا بين "الهيولى"، التي هي الديناميكية الحيوية المتغيرة، وبين "الهيئة"، التي تُثبت وتعطي ثباتًا لشكل الكينونة. والجميل في النظرية أن الجوهر لا يتأثر بتقلبات الهيولة أو الهيئة، بل يبقى هو النواة الثابتة التي ينطلق منها كل ما يظهر في العرض.
تقسيم العرض: العرض الجوهري و العرض الماهوي العرض الجوهري والعرض الماهوي كمزيجين متّصلين ومتداخلين، يشكّلان معًا صورة "الوجود الكامل للإنسان"، ولكن هذا الوجود ليس جامدًا أو مكتملًا تلقائيًا، بل هو عملية ديناميكية مستمرة بين طرفين متغايرين في الطبيعة ومتعاونين في الوظيفة. أولًا: العرض الجوهري هو الناتج المباشر من الجوهر؛ أي من الذات الواعية الثابتة التي لا تتغير. خصائصه: متصل بالوعي، والإدراك، والتخطيط، والتفكير الحر. يصدر من "أنا" الإنسان الداخلية. يظهر حين يكون الجوهر حاضرًا بوعيه الكامل، كما في حالات الإبداع أو التأمل أو القرار الحر. لا يعتمد على وظائف الدماغ أو الجسد المادي، لكنه يُفعَّل عبر الماهية.
مثال توضيحي: عندما يفكر الإنسان بفكرة فلسفية عميقة، ويخطط لمستقبله، ويعي ذاته، فهو يُفعل عرضًا جوهريًا؛ لأن هذه الفعاليات تنبثق من ذاته العاقلة، لا من مجرد تفاعل كيميائي في الدماغ.
ثانيًا: العرض الماهوي هو الناتج من الماهية، أي من الجسد ووظائفه الفيزيائية والنفسية. خصائصه: متصل بالحواس، والانفعالات، والذاكرة، والكلام، والمشاعر الجسدية. يصدر عن تفاعل المادة (الهيولة) والشكل (الهيئة). يتأثر بالحالة البيولوجية والعصبية والبيئية. يمكن أن يعمل حتى بغياب كامل للوعي الجوهري، كما في حالات النوم أو الإغماء أو الأمراض النفسية.
مثال توضيحي: الإنسان يشعر بالخوف فجأة نتيجة محفز خارجي، أو يحفظ نصًا دون وعي لمعناه العميق؛ هذا عرض ماهوي، لأنه صادر من وظائف الدماغ والبيئة دون تدخل مباشر من الجوهر.
كيف يتكاملان لتكوين الوجود الإنساني؟ تصوّر أن العرضين هما وتران مختلفان في آلة واحدة، لا يصدر عنها لحن إنساني كامل إلا إذا عزفا معًا. العرض الماهوي يُعطي الجسد أدوات التفاعل والتنفيذ، لكنه محدود بالإطار الحسي والزمني. العرض الجوهري يُعطي التوجيه، المعنى، الغاية، لكنه بحاجة لأداة (الماهية) ليُعبّر عن نفسه. الإنسان الكامل هو ذلك الذي: يسمع صوته الداخلي (العرض الجوهري)، ويترجمه إلى فعل محسوس (عبر العرض الماهوي)، دون أن يطغى أحد الطرفين على الآخر.
إذا انفصل العرضان أو اختلّ توازنهما: قد يتحوّل الإنسان إلى كائن ميكانيكي بلا روح (هيمنة العرض الماهوي). أو يضيع في التأمل والعزلة غير القابلة للتجسيد (هيمنة العرض الجوهري).
#ألكسندر_أوريفان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لِمَ انتظر هذا الرجل سن التقاعد حتى يمارس شغفه بتحويل الخردة
...
-
-إن مت أريد موتا صاخبا-.. مقتل المصورة الصحفية فاطمة حسونة ب
...
-
نعيم قاسم: لن نسمح لأحد بنزع سلاح حزب الله وسنواجه من يسعى ل
...
-
قصة عروس في غزة فقدت عريسها قبل الزفاف بيوم
-
الصحافة في عصر التزييف العميق: رؤى وتحديات من منتدى الإعلام
...
-
اليمن: غارات أميركية على صنعاء والحديدة والجوف تخلف أكثر من
...
-
محاكمة -التآمر-..أحكام بالسجن بين 13 و66 عاماً على قادة المع
...
-
-نوفوستي-: المحتالون الذين يهاجمون الروس عبر الهاتف يعملون ت
...
-
رابطة صينية تتهم واشنطن بانتهاك قواعد التجارة الدولية بشكل ص
...
-
أورتاغوس -تتثاءب- ردا على أمين عام حزب الله
المزيد.....
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
المزيد.....
|