عبد الرضا المادح
قاص وكاتب - ماجستير تكنلوجيا المكائن
الحوار المتمدن-العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 02:49
المحور:
الادب والفن
"الصــلاة... الصــلاة..."
صوت مدوٍّ يصم الآذان اطبق على المكان، مكبرات الصوت فتحت افواهها، كتنين مارد بثماني رؤوس تنفث فحيحها بكل الاتجاهات.
خرج مهرولاً حال سماعه صوت المؤذن وهو ينادي الى صلاة الخسوف، شاهد اشباحاً تهرول في نفس الاتجاه، وبسبب تسرعه عند الخروج من البيت إنتعل خفـّي اخيه ذي المقاس الاكبر، في الزقاق المترب المتخسف تعثر وكاد يسقط على وجهه، ظلمة المكان تزايدت مع الشحوب التدريجي لضوء القمر. كانت التساؤلات تطرق رأسه و تسابق حركة قدميه:
ـ هل سقط في البحر!؟
ـ هل ابتلعت الحوت القمر!؟
ـ وماذا سيحصل له بعد ذلك!؟
ـ هل ستنقلب بنا الدنيا!؟
ـ هل حلـّت الساعة!؟
تمتم مع نفسه والعرق يرسم خطوطا ًمتعرجة على صدغيه:
ـ اعوذ بالله من الشيطان الرجيم... ارحمنا برحمتك الواسعة يا ارحم الراحمين!
حشر نفسه بين الاجساد المصطفـّة بخطوط متوازية على سجاد طويل رسمت عليه اقواس تحدد لكل مكانه، تناسقت الاجساد بحركتها مع انحناءات جسد الامام كأنها في طابور عسكري.
بعد الصلاة شعر بالطمأنينة تغمر قلبه، مع طقطقة خرز مسبحته الطويلة كان يكرر بلا نهاية:
ـ الحمد لله... الحمد لله... الحمد لله... الحمد لله... الحمد لله... الحمد لله... الحمد لله... الحمد لله .......
طلب قدح ماء و (إستكان) شاي من زوجته، جلس امام جهاز التلفاز ذي الصندوق الخشبي البنـّي الصقيل،
"طالعة من بيت ابوها ورايحة لبيت الجيران..." كان الصوت الشجي للمغني ناظم الغزالي يثير البهجة في النفوس الحبيسة بين الجدران، ادار عتلة التلفاز ليبحث عن الاخبار، برمشة عين تبدّد صوت المغني، ليزحف صوت مقدم الاخبار بثقة نحو ثقوب الآذان، عدّل من وضع جسده على الاريكة وركز انتباهه:
ـ اليوم ولاول مرة في تاريخ البشرية، يحقق الانسان انجازاً علمياً باهراً، حيث وطأت قدماه سطح القمر...
شهقت زوجته واطلقت صيحة مكتومة:
ـ ألله اكبر!؟
إتسعت حدقتا عينيه لتستوعبا صورة الحذاء الثقيل الذي رسم اثراً واضحاً على تربة القمر الناعمة عبر الشاشة الفضية.
تسارعت دقات قلبه مع خرز مسبحته الملساء وهي تنزلق بين اصابع يده متمتماً بأرتباك:
ـ اعوذ بألله... اعوذ بألله... اعوذ بألله... اعوذ بالله... اعوذ بألله... اعوذ بألله... اعوذ بألله...
2010 07 03
البصرة
#عبد_الرضا_المادح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟