أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - رسالة جاكوبي ضد العدمية















المزيد.....

رسالة جاكوبي ضد العدمية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 16:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


277- أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
25 - رسالة جاكوبي حول العدمية

من المفارقات الغريبة والتي يصعب تفسيرها في تاريخ الفلسفة الألمانية والأوروبية عموما، هو غياب إسم جاكوبي - Friedrich Heinrich Jacobi -1743-1819، من قائمة الفلاسفة المؤسسين للفكر المعاصر. أن عدم إنتماء جاكوبي للنخبة الأكاديمية وعدم إشتغاله بتدريس الفلسفة في الجامعات الكبرى الألمانية لا يفسر تماما هذا الغياب من قائمة الفلاسفة المهمين في القرن التاسع عشر. وفي دراستنا هذه عن جذور العدمية الأوروبية نكتشف أهمية هذا الفيلسوف الذي أراد تحطيم وتفجير الفلسفة، الذي يمكن القول بأنه مؤسس هذه الأسطورة الملحمية - "العدمية"- بصورتها الأوروبية وليس نيتشه، الذي نسي بدوره جاكوبي ولم يذكره سوى مرة واحدة في كتاباته ولأمر لا يتعلق بموضوع العدمية.
وضع جاكوبي مفهوم "العدمية" في قلب المناقشات الفلسفية في ألمانيا وذلك في رسالته الشهيرة إلى فيخته عام 1799، والتي تعرف حاليا بإسم رسالة حول العدمية Lettre sur le nihilisme حيث قام بتطوير الأطروحات الفلسفية المناهضة للفلسفة وللعقلانية التي طرحها لأول مرة عام 1785 في مراسلاته المبكرة مع الكاتب موسيس مندلسون Moses Mendelssohn المدافع عن فكرة ما يسمى بالـ "l’Aufklärung"-أو حركة التنوير الألمانية، وذلك بخصوص سبينوزا والسبينوزية. وتوصل في رسالته إلى فيخته إلى نتائجها النهائية ـ من خلال توسيعها لتشمل المثالية عند فيخته ثم الفلسفة عموما، وينادي بتبني فكر "لا فلسفي" وفيها ينعت فيخته بالمسيح الحقيقي للعقل التأملي. فبالنسبة لجاكوبي، فإن العقلانية الحديثة، من ديكارت إلى فيخته، تتحدد أساسًا من خلال تطلعها إلى فلسفة مطلقة وخالصة، تسعى إلى تأسيس المعرفة على العقل وحده. ويوجه إلى هذه العقلانية نقدا مزدوجاً: كما رأينا بالفعل عند ديكارت، ولكن بشكل أكثر تماسكاً عند سبينوزا، تسعى العقلانية في نظره إلى تقليص العلاقات بين الكائنات إلى علاقات "هندسية" وشكلية، قابلة للمقارنة بتلك التي توجد بين القضية والنتائج المترتبة عليها، تتميز بالضرورة. وهذا يؤدي إلى الحتمية والقدرية، وهكذا يتم إنكار الزمن والإرادة الحرة، ولم يعد من الممكن قبول إرادة ونوايا الإنسان كأسباب محددة لأفعاله، وكما يقترح سبينوزا في الملحق للكتاب الأول من الأخلاق، الخير والشر يصبحان مفهومين نسبيين، خاليين من أي قيمة موضوعية. وفقا لجاكوبي، فإن العقلانية الصرفة لسبينوزا تقوض أسس الأخلاق. إن طموح العقل إلى تأسيس علم محض يقود في الواقع إلى المثالية عند كانط وفيخته، وهذه المثالية ليس لها إسم سوى "العدمية". يؤكد جاكوبي أن العقل لا يستطيع أن يعرف كحقيقة وكواقع إلا ما تصوره وأنتجه بنفسه: وبالتالي يجب عليه أن يعيد كل شيء إلى الذات، ولا يستطيع أن يعرف إلا ما دمره كحقيقة خارجية وأعاد خلقه في نفسه، ولكن بهذا التعديم يحرم نفسه ويحرم الواقع من أي حقيقية ليست من باب الأوهام والخيال: "العقل المحض هو إدراك لا يدرك إلا نفسه. يجب أن يفني نفسه وفقًا للوجود، وأن يولد ويستولي على ذاته في المفهوم وحده. من العدم، نحو العدم، إلى العدم، في العدم. إن المثالية هي بالتالي عدمية لأنها تدعي أنها وجدت الوجود في النشاط الخالص للذات، دون أن تدرك أن مثل هذه الذات هي بالضرورة أنانية. إن العدمي يدمر الكائن الذي يعتمد عليه، وعندما يفعل ذلك فإنه يدمر نفسه. إنه الدمار والتدمير الذاتي".
‎وقد دُعي جاكوبي علناً للتدخل في الخلاف حول الإلحاد، وانتهز الفرصة لتوضيح موقفه. وستكون رسالته المفتوحة الشهيرة إلى فيشته أهم كتاباته في هذا المجال، وقد عرضها على فيخته ووافق عليها في بداية الأمر قبل أن يدرك السم الذي تحتويه. يتبنى جاكوبي نبرة مرحة، ويضاعف تحفظاته، ويبالغ في الأدب واللباقة، ولكن خلف المجاملات، يشن هجوما شرسا وحربا واسعة النطاق على العقلانية والفلسفة وفيخته الذي يمثل كل ما يكرهه أكثر من غيره. لأن عقيدة العلم، التي تقدم في نظره الكمال وجاذبية الميكانيكا الجميلة، هي في نظره أكثر خطورة وتمثل بامتياز الهدف الذي يجب إسقاطه. ويتظاهر بأنه يريد تبرئة فيخته من تهمة الإلحاد، مستشهداً بالحجة القائلة بأن الفلسفة المتعالية لا يمكن أن تكون ملحدة "أكثر من الهندسة والرياضيات". هذه الرسالة أتاحت له الفرصة لإيصال الحرب ضد الفلسفة إلى ذروتها، والتي بدأت برسائل حول عقيدة سبينوزا واستمرت لتتخذ الآن طابعًا عالميًا: كل الفلسفات، بغض النظر عن توجهاتها، تؤدي في النهاية إلى نفس النتيجة الكارثية. إنها تشترك في نفس الخلل، المرتبط بمشروعها العبثي المتمثل في الرغبة المرضيّة في إيجاد تفسير لكل شيء. من خلال التجريد والتأمل، العمليتين المفضلتين في الفلسفة، يبدأ الفيلسوف في إنكار أحد مصطلحات الثنائية البدائية التي تشكلها الذات والعالم، ومن خلال عملية التكوين والتركيب الاصطناعي، إعادة بناء المصطلح المنكر. سواء كانوا واقعيين أو مثاليين، فإن الفلاسفة جميعهم مصابون بنفس العمى. ومن خلال قطع أنفسهم عن العالم، فإنهم يفقدون العالم، وبميل طبيعي، يصبحون عدميين، لأنه ليس صحيحا أن أحد حدي المعادلة الذي يجدونه في نهاية العملية هو نفس المصطلح الذي أنكروه في البداية. إن العالم الذي يجدونه في النهاية هو عالم معقم، أملس بدون حواف خشنة، وشفاف بشكل محبط. الفلاسفة هم حفاري قبور الواقع، والفلسفة الحديثة تتجه نحو العدمية.
إن محاكمة "العقل" التي أثارها جاكوبي هنا وتهمة العدمية هي محاكمة فلسفة التنوير، إنها محاكمة الحداثة التي بدأها ديكارت قبل مئات السنين، وهي، في نظر جاكوبي، محاكمة الآمال المفرطة المعقودة على قوى العقل، والغطرسة البشرية التي اعتقدت أنها قادرة على خلع الله عن عرشه، وتحرير نفسها من وصايته. ولكن هذه الجهود الجبارة لوضع الإنسان في مركز العالم كانت ستؤدي بالضرورة إلى نتائج عكسية. والآن، بعد أن أصبح العقل أصمًا عن كل ما يتعلق بفكرة التسامي، فإنه قد أصبح أداة للإبادة وسلاح من أسلحة الدمار الشامل. إن العقل، بعيداً عن تعزيز إثراء الفكر من خلال الاتصال الملموس مع عتمة العالم، أو بعيداً عن "الكشف عن الوجود"، فإنه لن ينتج سوى تجريدات، وخيالات وأوهام، وهذا هو ما يسميه بالعدم.
يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثالية الألمانية
- بيكيت بين العبث والعدمية
- الجنون
- محنة هاملت
- النفي والإثبات وما بينهما
- العنصرية والكزينوفوبيا
- مسؤولية العدسة
- الفن من أجل الفن .. !
- ألهة الدمار
- داغرمان ودكتاتورية الكآبة
- حدود العقل
- العلم والجهل والذكاء
- اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء
- عن الشعر والملل
- إشكالية الإيمان عند كانط
- الشوكولاطة وجنية البحر
- عن الغربة والإستلاب
- عن الثورة والندم
- التضخم في التقنين
- عدمية كانط


المزيد.....




- الكويت: القبض على مقيم بحوزته سلاح ناري دهس رجل أمن عمدا وفر ...
- آلاف المؤمنين في ملقة يشاركون في موكب عيد الفصح السنوي
- تقرير يحصي تكلفة وعدد المسيرات الأمريكية التي أسقطها الحوثيو ...
- إعلام أمريكي: كييف وافقت بنسبة 90% على مقترح ترامب للسلام
- السلطات الأمريكية تلغي أكثر من 400 منحة لبرامج التنوع والمسا ...
- البيت الأبيض يشعل أزمة مع جامعة هارفارد بـ-رسالة خطأ-
- ارتفاع حصيلة الضربات الأميركية على رأس عيسى إلى 74 قتيلا
- الكرملين: انتهاء صلاحية عدم استهداف منشآت الطاقة الأوكرانية ...
- في ظلال المجرات… الكشف عن نصف الكون الذي لم نره من قبل
- القوات الروسية تتقدم وتسيطر على ثالث بلدة في دونيتسك


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - رسالة جاكوبي ضد العدمية