أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فريدة لقشيشي - حين بكت النخلة دماََ...














المزيد.....

حين بكت النخلة دماََ...


فريدة لقشيشي

الحوار المتمدن-العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 14:52
المحور: الادب والفن
    


"لالة العارم... حين بكت النخلة دماً"

ذات مساءٍ مشبعٍ برائحة التراب الندي ووجع الحكايات القديمة، جلست أمي تبكي… وبكيت معها. كنت لم أتجاوز الخامسة، لكنها كانت تحكي وكأنها تحرّر وطنًا من تحت لسانها.
قالت:
كان جدّك، يا وليدي، شيخ زاوية في قجال، رجلٌ من نورٍ ونار، لا يرضى بالذلّ، ولا يسكت عن عبور الغاصبين.
حين زحفت قوافل الاحتلال نحو قسنطينة عام 1837، وقف لهم في الطريق، كمن يستوقف الريح بقلبه.
قاوم… قاوم حتى قبضوا عليه.
فصلوا رأسه عن جسده الطاهر،
وعلّقوه على مئذنة المسجد،
ثمّ دنّسوا الزاوية، وحوّلوها إلى مركزٍ عسكريّ.
ظنوا أنّهم قتلوا فيه الصوت، ولكنّهم أيقظوا الجبل.
ما ترويه الأمهات في مواويل الحنين ليس خيالًا، بل ذاكرةٌ تنقشها الأرواح في صخور الوطن.
العارم العمرية، زوجته، حملت الرأس في قلبها، والجسد على ظهر الذكرى، وامتطت الفرس كما الرجال، بل خيرٌ منهم.
كانت فارسةً لا تُلحق،
سبقت زوجها سيدي محمد الطيب الخيّر يوم العيد،
فقال الناس:
"هذي هدية من سيدنا لها… يوم العيد".
ولما سقط الحبيب، ما تردّدت،
قالت:
"ما نخليه في لغريب
ما يصوم ما يصلي
للورا ما نولي"
سار العرش معها، رجالٌ ونساء، والدم سال كالوعد القديم،
دمٌ رسم الطريق من قجال حتى قسنطينة…
وهي تجري، وتسأل، وتبكي، تبحث عن كبير الحارة.
فقال لها:
"رماوه مع كبار الشان في كاف شكّارة"
في أعلى الجبل، حيث الوادي يصبّ في البحر،
هناك، حيث العار لا يمرّ، وحيث التاريخ يحنّي الرأس.
قسنطينة، يا ولدي، قاومت أول حملة سنة 1835،
وفي 1837، عادت فرنسا بمارشالٍ وسبعة جنرالات.
حاصروا المدينة،
قصفوا بأسلحتهم،
قطعوا المؤونة…
وقالوا لأهلها:
"استسلموا…"
فردّوا:
"الموت على الأسوار
ولا حياة العار"
وحين تدفّق الكفّار،
خرجت مئة طفلة، زهرات من بنات المدينة،
جميلات، بثياب العرائس،
سِرنَ يدًا بيد،
ووصلنَ كاف شكارة،
ثم… رمين أنفسهنّ في الوادي،
أرحنَ أجسادهنّ للموج،
وأرواحهنّ للحرية.
وهكذا فعلت لالة العارم…
لحقت بسيدها الخير،
غابت كما تغيب الشمس لتشرق في الذاكرة.
قالت أمي:
"النخلة كانت تبكي يا وليدي…"
وأنا أبكي…
فيض من الدمع لم تقدر عليه الشاشات ولا الجفون.
قال شهودٌ من جنود الاستعمار:
"أزقّة قسنطينة كانت تئنّ من الدم،
كأنّ السماء مطرت نارًا حمراء.
المدينة القديمة امتلأت صراخًا،
حتى إنّ قنواتها البسيطة عجزت عن تصريف الألم،
وغمر الدم بيوتًا…
ورحل بمن فيها."
رحمكِ الله يا يمّة…
ورحم تلك البلاد التي تعلّمت الشموخ من نسائها،
وحملت الثورة فوق السروج،
وفي مآقي اليتامى،
وفي أغاني الجدّات…
نحن لم نُخلق للركوع…
بل لنحيا واقفين، حتى النهاية.
...
فريدة لقشيشي.



#فريدة_لقشيشي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُلهمة ..
- نبضة أمل ..
- دهشة العبور في مرآة الشيخوخة
- قاطرة الأحلام
- آخر المطاف..
- غربه الروح ..
- -ألحان الحزن وروايات الحب في صندوق صغير -
- أين انا مني ....؟!
- عُرسُ حبيبتي
- الوطن..
- أكتب ياسيدي
- الربيع الأخير...
- -الهروب من الذات: بين القلب والعقل وعبء الحياة
- أين الإنسانية؟..
- يوم جديد
- دقائق تحت المطر
- أجمل الذكريات
- هنا الفجر
- إيقاع الحروف
- كفاح وصمود


المزيد.....




- عن عمر ناهز 64 عاما.. الموت يغيب الفنان المصري سليمان عيد
- صحفي إيطالي يربك -المترجمة- ويحرج ميلوني أمام ترامب
- رجل ميت.. آخر ظهور سينمائي لـ -سليمان عيد-
- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فريدة لقشيشي - حين بكت النخلة دماََ...