وداد عبد الزهرة فاخر
الحوار المتمدن-العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 14:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعداد هيئة تحرير جريدة السيمر الاخبارية
وداد عبد الزهرة فاخر*
رسل جمال *
المقدمة:
كيف كانت البداية ؟
كانت بداية أحداث 7 أكتوبر 2023 ، لحظة مفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ففي صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023، قابلتها التسمية الاسرائيلية بعنوان "عمليَّة السُّيُوف الحديديَّة "، أو الحرب الفلسطينية الإسرائيلية ويشار إليها بشكل غير رسمي باسم معركة السابع من أكتوبر . حيث استيقظ العالم على واحدة من أكثر الهجمات المفاجئة والدراماتيكية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حين شنّت حركة المقاومة "حماس" هجومًا واسع النطاق على المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة.
عُرفت العملية باسم "طوفان الأقصى"، وشكّلت نقطة تحوّل غير مسبوقة في طبيعة هذا الصراع، سواء من حيث حجم العمليات أو التداعيات السياسية والعسكرية التي تلتها، او توقيتاتها الزمكانية والتأريخية والجغرافية معاً.
بدأت الأحداث فجرًا، حين أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية وابلًا كثيفًا من الصواريخ باتجاه المدن والبلدات الإسرائيلية، شمل مناطق بعيدة مثل تل أبيب وأشدود، وبدأت عمليَّة طُوفَان الأقصى عبر هُجومٍ صَاروخي وَاسعِ النطاق شنَّته فصائل المقاومة، إذ وجَّهت وابل من الصواريخ بلغ 4300 صاروخًا على الأقل صوبَ مختلف المستوطنات الإسرائيليّة من ديمونا في الجنوب إلى هود هشارون في الشمال والقدس في الشرق، وتزامنَ مع ذلك اقتحام برِّي من المُقاومين عبر الدّراجات النّارية والطّائرات الشّراعيّة وغيرها للبلدات المتاخمة للقطاع، والتي تُعرف باسم غلاف غزة ما أربك منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية التي تعرف بـ "القبة الحديدية"، بالتوازي مع القصف الصاروخي، نفّذت مجموعات من كتائب القسام وأجنحة عسكرية أخرى توغلات برية مفاجئة عبر الحدود الشرقية للقطاع، مستخدمة دراجات نارية، مظليّين، وآليات مفخخة لاختراق التحصينات الإسرائيلية.
خاصة في سديروت، ووصلوا أوفاكيم، واقتحموا نتيفوت، وخاضوا اشتباكاتٍ عنيفة في المستوطنات الثلاثة وفي مستوطنات أخرى كما أسروا عددًا من الجنود والمدنيين واقتادوهم لغَزَّة فضلًا عن اغتنامِ مجموعةٍ من الآليّات العسكريّة الإسرائيليَّة.
فقد توغلت واخترقت قوات حماس الحدود بشكل لم يكن متوقعًا، وهاجمت مواقع عسكرية ونقاط حراسة، بالإضافة إلى مستوطنات مثل سديروت وكيبوتس بئيري، حيث وقعت اشتباكات مباشرة واحتجاز رهائن، في مشهد وصفه مراقبون بأنه "زلزال أمني وعسكري" لإسرائيل، وحجة دامغة بيد الاسرائليين من اجل التمادي بارهابهم لاحقا.
تزامن هذا الهجوم مع أجواء متوترة داخل إسرائيل نفسها، بسبب الانقسامات السياسية الحادة حول سياسات الحكومة وقوانين تعديل القضاء، وقد فاجأت هذه العملية الاستخبارات الإسرائيلية التي لطالما تباهت بقدرتها على مراقبة الوضع في غزة عن كثب، مما طرح أسئلة كبيرة حول الإخفاقات الأمنية والاستخبارية.
كما اجبرت اسرائيل على مراجعة اوراقها من جديد، والوقوف على حقيقة امكانياتها العسكرية لذلك ردّت بهجوم واسع على قطاع غزة، معلنة حالة الحرب رسميًا، وأطلقت عملية عسكرية أطلقت عليها "السيوف الحديدية"، ومع اشتداد القتال دخلت المنطقة في واحدة من أعنف جولات التصعيد، مخلفة آلاف الضحايا المدنيين ودمارًا هائلًا في القطاع.
كان يوم 7 أكتوبر بداية فصل جديد من التصعيد، تجاوز المفاهيم التقليدية للصراع، وأعاد خلط الأوراق إقليميًا ودوليًا، وفتح الباب أمام تغيرات سياسية واستراتيجية لا تزال تتفاعل حتى اليوم، ولا يمكن لمقال واحد ان يختزل جميع المعطيات والتغييرات والاحداث التي جرت وتجري وستجري لاحقا، لذلك سيكون لجريدة السيمر سلسلة مقالات حول السابع من اكتوبر تنشر تباعاً ..
بداية هجوم السابع من أكتوبر:
وقد أثار الهجوم صدمة كبرى داخل إسرائيل، واعتبرته الحكومة "أسوأ اختراق أمني" في تاريخ البلاد، مما أدى إلى إعلان حالة الحرب رسميًا، واتخذته اسرائيل ذريغة قوية للتوغل في الجانب الفلسطيني ونقصد به غزة والامعان بالقصف والدمار بحجة الثأر لذلك كان الرد الاسرائيلي بعملية عسكرية واسعة النطاق أطلقت عليها اسم "السيوف الحديدية"، وبدأت بقصف جوي مكثف على قطاع غزة استهدف البنية التحتية لحماس والجهاد الإسلامي، إلا أن القصف شمل مناطق مدنية بشكل واسع، ما أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، معظمهم من المدنيين، بينهم أطفال ونساء، كما شملت الحملة ضرب مستشفيات ومدارس، ومخيمات للنازحين، مما فاقم الكارثة الإنسانية في القطاع.
الحصار الإنساني وتفاقم الأزمة :
فرضت إسرائيل حصارًا شاملاً على غزة، شمل منع دخول الوقود، الغذاء، والماء والكهرباء، ما أدى إلى شلل شبه كامل للخدمات الأساسية. ومنذ بداية الحرب، نزح أكثر من مليون ونصف فلسطيني من منازلهم، وتحولت مدن مثل غزة وخان يونس إلى مناطق مدمرة بالكامل.
ونظن بان مخططو عملية الاجتياح من المقاتلين المقاومين الفلسطينيين ، كانوا يأملون ان تبادر دولة او اكثر من دولة عربية باسناد رسمي وشعبي للعمل العسكري الفلسطيني لذلك وكما يبدو انهم لم يضعوا بحسبانهم بان الماكنة العسكرية الاسرائيلية ستنفرد بهم .
كذلك جرى تصعيد اسرائيلي آخر في الضفة الغربية ، وقد شهدت تصعيدا في المواجهات بين الفلسطينين والجيش الاسرائيلي مع زيادة في عمليات الاعتقال والقتل وارتفاع عدد الشهداء بشكل يومي.
ومع إن العديد من المنظمات الدولية، منها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، وصفت الوضع في فلسطين بشكل عام و غزة بالخصوص بأنه "كارثة إنسانية"، محذّرة من مجاعة وشيكة وانهيار النظام الصحي بالكامل، إلا عملية الانتقام الاسرائيلي ضربت عرض الحائط كل المطالبات الدولية والانسانية ، وداست ببساطيل جنودها المنتقمين على كل القيم الانسانية ..
ولم يبادر للوقوف لمساندة المقاومين الفلسطينيين في اليوم التالي للحرب ، الا حزب الله اللبناني بشكل اعلن عن تصديه ودفاعه من اجل مشاغلة الجيش الاسرائيلي لتخفيف وطأة الحرب على اهل غزة خصوصا ، اعقب ذلك تحرك واسع وفاعل من قبل انصار الله الحوثيون ، ومساندة سريعة من قبل المقاومة العراقية رغم ظروف الحصار الرسمي المفوض امريكيا للجهات الحاكمة ببغداد التي تقوم بدور وكيل امريكا على العراقيين .
امتداد الصراع إقليميًا :
ولاول مرة تمددت رقعة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني خارج حدود فلسطين المحتلة اذ لم يقتصر الصراع على غزة وحدها، بل امتد إلى جبهات أخرى منها الحدود اللبنانية التي شهدت اشتباكات متقطعة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، بعنوان " جبهة الاسناد " التي لعبت دورا اساسيا باشغال الاجيش الاسرائيلي وفتح جبة حرب اخرى، مما أثار مخاوف من اتساع رقعة الحرب.
كذلك حوثيو اليمن وفصائل المقاومة العراقية كانت لهما مشاركة واضحة ضمن " جبهة الاسناد " في عمليات تهدد المصالح الامريكية في المنطقة كرد للاعتداءات الاسرائيلية على غزة مثل قيام الحوثيين بعمليات نوعية تهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر والمنطقة،اذ انذر الحوثيون كافة السفن المتوجهة لاسرائيل بانها ستتعرض للقصف ، وقد نفذ الحوثيون تهديدهم بكل وقوة وشجاعة وصرامة، مما دفع واشنطن إلى نشر قوات إضافية في الشرق الأوسط. ثم بدأت وفود من كبار الشخصيات الامريكية والاوربية بالوصول الى تل ابيب للمشاركة بوضع الخطط العسكرية ، والدعم المادي والمعنوي بينما ظلت ما يسمى بدول الطوق العربي صامتة لا تتحرك ، لا بل شاركت بالتحرك وتشكيل اسطول من الناقلات البرية لتشكيل جسر بري لاسرائيل مشكل من الامارات والاردن والسعودية لكسر الحصار اليمني عن اسرائيل وافشاله، مع غلق مصر المتعمد لممر رفح الشريان الوحيد لايصال المساعدات لغزة .
الجهود الدولية وردود الأفعال :
وضمن التحالف الامريكي الغربي الاسرائيلي ، تحركت الولايات المتحدة الامريكية وأبدت دعمًا مطلقًا لإسرائيل، وزوّدتها بالأسلحة والذخائر، لكنها دعت لاحقًا إلى "ضبط النفس" بعد اشتداد الأزمة الإنسانية.
خصوصا مع دخول عدة جبهات على خط المواجهة اي مما يعني اشتعال المنطقة وقيام حرب عالمية وشيكة لولا تدخل بعض الاطراف في تهدئة الاوضاع والدعوة الى هدنة.
وقد ظهر الانحياز الكامل لقوى ودول غربية ، بالتضامن مع الولايات المتحدة الامريكية ، واعلان شبه رسمي بابادة الشعب الفلسطيني بحجة ان هناك عدوانا على اسرائيل ، مغلفا بشعار " العداء للسامية" .
وشهد المجتمع الدولي انقسامًا حادًا، حيث دعم الغرب وامريكا إسرائيل في أغلب مواقفه، بينما نادت دول الجنوب العالمي ومعظم الدول العربية بوقف إطلاق النار الفوري ورفع الحصارعن غزة ، رغم ان مطالب معظم الدول العربية كانت شكلية ومن اجل ذر الرماد في العيون ، واغلقت مصر بالذات معبر رفح وتركت اهالي غزة يقاسون من مجاعة متعمدة ، وحرمان من الوقود واحتياجات المستشفيات التي ظلت تعمل لفترة قصيرة قبل قصفها وخروج معظمها عن الخدمة .
اما محكمة الجنايات الدولية فقد رفعت عدة قضايا ضد إسرائيل تتهمها بارتكاب جرائم حرب.وكانت مبادرة دولة جنوب افريقيا هي الفاعلة بتقديم الشكوى لمحكمة الجنايات الدولية ، ولم تقف اية دولة عربية مساندة لهذا الموقف الانساني النبيل ، وظهر العداء العربي واضحا وجليا من تصرفات حكامهم العملاء والمعادين اصلا للقضية الفلسطينية ..
الوضع المأساوي (حتى أبريل 2025) :
ورغم الدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار، استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وإن كانت بوتيرة أقل من الأشهر الأولى، كذلك فان المفاوضات التي ترعاها مصر وقطر والولايات المتحدة بخصوص صفقة تبادل أسرى الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ،ووقف إطلاق النار لكنها واجهت عراقيل عديدة، أبرزها إصرار إسرائيل على "القضاء الكامل على حماس"، وعمليات قتل وابادة مبرمجة للاطفال والشيوخ والنساء وبدون اي رادع او رحمة . في مقابل مطلب الفصائل الفلسطينية بوقف دائم للحرب ورفع الحصار، وايصال المساعدات الغذائية والدوائية والسماح بنقل الجرحى لدول مجاورة .
وظل الوضع الإنساني متدهورًا، والعمليات الحربية مستمرة ، مع حصار خانق لاهل غزة ، دون ان ترعوي اسرائيل ، او تفكر وتشعر بذرة انسانية تجاه ما يحصل من حملات الابادة اليومية .
إذ تشير التقديرات إلى استشهاد أكثر من 51.000 فلسطيني، حسب مصادر وزارة الصحة الفلسطينية،و UN OCHA ،وتدمير البنى التحتية للقطاع بنسبة كبيرة، ما يجعل إعادة الإعمار تحديًا ضخمًا للمجتمع الدولي في المرحلة المقبلة.
من ناحية اخرى يمثل ما جرى بعد السابع من أكتوبر نقطة تحول حادة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ليس فقط من حيث حجم العنف والدمار، بل أيضًا في تأثيره على النظام الإقليمي والدولي، وبينما تتواصل المعاناة الإنسانية، تظل الحلول السياسية بعيدة المنال في ظل غياب توافق حقيقي بين الأطراف، ما يُبقي المنطقة على فوهة بركان.
وللحديث بقية .....
17 . 04 . 2025
*رئيس تحرير جريدة السيمر الاخبارية
*سكرتير التحرير
www.saymar.org
#وداد_عبد_الزهرة_فاخر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟