أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - الحرب الإقتصادية – مقوّمات القوة والضُّعْف الأمريكيَّيْن















المزيد.....

الحرب الإقتصادية – مقوّمات القوة والضُّعْف الأمريكيَّيْن


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 13:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الولايات المتحدة، سُلْطَة الأثرياء المُتهوّرين
رَصَدَتْ قائمة مجلة "فوربس" لأثرياء العالم نحو ثلاثة آلاف شخص يمتلكون – في بداية سنة 2025 - ثروة إجمالية قدرها 16 تريليون دولارا ( 16 ألف مليار دولار)، بزيادة بنحو تريليونَيْ دولار عن العام 2024، أو أكثر من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي باستثناء الولايات المتحدة والصين.
تضم القائمة 13 مليارديرًا أمريكيا، تفوق ثروة كل منهم مائة مليار دولارا، ومن بينهم عشرة مليارديرات يحتلون مناصب رسمية في إدارة دونالد ترامب، ومن أشهرهم دونالد ترامب نفسه وإيلون ماسك، رئيس إدارة كفاءة الحكومة، الذي أنفق ما يقرب من 300 مليون دولار على حملة دونالد ترامب الانتخابية، وهو يمتلك شركة تيسلا للسيارات الكهربائية، و شركة الصواريخ والأقمار الصناعية "سبيس إكس"، عيّن دونالد ترامب الملياردير "تيلمان فيرتيتا" سفيرًا لدى إيطاليا، ويمتلك نادي روكتس (أحد نوادي بطولة كرة السلة الأمريكية)، ومئات المطاعم، وثمانية كازينوهات غولدن ناجتس، و10% من منتجعات وين (مالكة فنادق وكازينوهات كبرى)، ومن بين المليارديرات الآخرين في إدارة ترامب ستيفن فينبيرغ، نائب وزير الحرب، و هوارد لوتنيك، وزير التجارة، و ليندا ماكماهون، وزيرة التعليم و جاريد إيزاكمان، مدير وكالة ناسا...
أعلن الرئيس دونالد ترامب إنشاء "احتياطي استراتيجي" من العملة المُشَفّرة "بيتكوين"، وأَبْرَمَ اتفاقًا مع شركة بلاك روك، أكبر صندوق استثماري برأسمال قدره عشر تريليونات دولار، وسوف تُسدّد شركة بلاك روك مبلغ 23 مليار دولار لشراء أكثر من 40 ميناء حول العالم، بما في ذلك تلك الموجودة في نهايات قناة بنما المملوكة للملياردير الصيني من هونغ كونغ، فيكتور لي تزار كوي، لإضافة حرب الموانئ إلى "حرب الرسوم الجمركية" ضدّ الصّين، والتي أثّرت كذلك على المستهلكين الأمريكيين – بفعل ارتفاع الأسعار – وعلى العديد من الشركات الأمريكية ومن بينها شركة أبل، التي تستخدم مكونات مُستَوْرَدَة من جميع أنحاء العالم، يتم تجميعها بشكل رئيسي في الصين، وعلى العديد من البلدان "الصديقة" ( أعضاء حلف شمال الأطلسي وبعض بلدان آسيا وأمريكا الجنوبية) مما يُمكّن الولايات المتحدة من تعزيز هيمنتها على "الحُلفاء" فضلا عن مقاومة المنافسين مثل روسيا والصين، وتتضمن خطة دونالد ترامب العديد من المخاطر، ومن بينها - على سبيل المثال – ارتفاع تكلفة إنتاج هاتف "آيفون 16 برو" ( iPhone 16 Pro ) من 550 دولارًا إلى 847 دولارًا، ولا يمكن لمجموعة آبل نَقْل نشاطها إلى الولايات المتحدة لأنها تستورد مكونات من جميع أنحاء العالم، ويتم تجميع هواتفها وحواسيبها في الصّين التي طَوّرت إنتاج الإلكترونيات منذ حوالي ثلاثة عُقُود، ولأن تكلفة إنتاجها في الصين تقل عن الولايات المتحدة أو أوروبا أو كوريا الجنوبية واليابان، وأدّى ارتفاع الرُّسُوم الجمركية إلى انخفاض قيمة أسهم آبل بنحو 25% خلال ثلاثة أيام، وفقدت آبل مكانتها كأكثر الشركات ربحية في العالم.

المناخ الجديد للعلاقات الدّولية
تُؤكد معظم الدّراسات إن الولايات المتحدة تواجه خسائر اقتصادية متصاعدة بسبب الحرب التجارية المستمرة مع الصين والتي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث تجد الشركات الأمريكية الرائدة (مثل آبل وتيسلا ) نفسها في وضع حَرِج بسبب اعتمادها الكبير على الصين كمركز تصنيع رئيسي وعلى السوق الصينية، وبذلك أصبحت القيود التجارية والرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات المصنعة في الصين عائقًا كبيرًا أمام ربحية هذه الشركات، ومن بينها شركات أشباه الموصلات التي تراجع نشاطها بفعل تجميد الصين تصدير بعض المواد الخام الأساسية المستخدمة في هذه الصناعات، ردًّا على الحرب التجارية الأمريكية، مما أدّى إلى انخفاض حاد في أسعار الأسهم، واضطرابات في سلاسل التوريد، وفقدان ثقة المستثمرين في استقرار السوق الأمريكية بسبب الانتشار الواسع للصناعات الصينية في جميع قطاعات الاقتصاد الأمريكي.
تُعدّ تأثيرات الحرب التجارية الأمريكية أَقَلَّ حِدّةً في الصين ( مقارنة بالولايات المتحدة) لأن الشعب الصيني يدعم قرارات الحكومة لمواجهة الضغوط الأمريكية، وهي قرارات سريعة وحازمة تدخل ضمن المناورات السياسية والاقتصادية الهادفة إلى اغتنام فرصة الحرب التجارية لزيادة نفوذها، في غياب أو عجْز مؤسسات التّحكيم الدّولي ومنظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة عن فَرْض "توازن" بين مختلف القوى، من خلال التفاوض والتّشاور الذي قد يُجنّب العالم والطبقة العاملة والشعوب الفقيرة "الأضرار الجانبية" لهذه الحرب التجارية في ظل العَوْلمة، حيث يَعْسُر فك الإرتباط بين اقتصاد وتجارة مختلف بلدان العالم، ففي سنة 2023، بلغت قيمة إجمالي الصادرات الأمريكية إلى الصين 154 مليار دولار، وبلغت قيمة الواردات الأمريكية من الصين 436 مليار دولار، ولا تزال الصين – رغم التوترات - ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، حيث بلغت الاستثمارات الأمريكية المباشرة في الصين 129,9 مليار دولار سنة 2023، وبلغت الاستثمارات الصينية المباشرة في الولايات المتحدة 28 مليار دولار خلال نفس السنة...
تُعتبر قرارات دونالد ترامب تفكيكًا لقواعد منظمة التجارة العالمية، من جانب واحد، أي بدون مفاوضات ولا وفاق بين أعضاء المُنظّمة، وبعد رُدُود الفعل من الصين وأوروبا، أعلن دونالد ترامب يوم التاسع من نيسان/ابريل 2025، تعليق الرسوم الجمركية لمدة تسعين يومًا على جميع الدول باستثناء الصين، التي بلغت الرسوم على صادراتها نحو الولايات المتحدة 145% وستبقى الرسوم الجمركية على الدول الأخرى بنسبة 10% حتى شهر تموز/يوليو 2025، وبعد يُوْمَين ( يوم الحادي عشر من نيسان/ابريل 2025) قرر دونالد ترامب إعفاء الهواتف "الذكية" وأجهزة الكمبيوتر وبعض الأجهزة الإلكترونية الأخرى من الرسوم الجمركية "المتبادلة"، بما في ذلك الرسوم البالغة 125% المفروضة على الواردات الصينية، مع الإشارة إن إفريقيا وأمريكا الجنوبية والهند هي أكبر الأسواق الخارجية لأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة المصنوعة في الصين، وعلى ذِكر الترابط الوثيق بين الأسواق في ظل العولمة الرأسمالية، من المتوقع أن تشتري الصين 6810 طائرات خلال العِقْدَيْن القادمَيْن، بقيمة تريليون دولارا، مُعظمها من الشركة الأمريكيّة "بوينغ" التي توظف 150 ألف عامل في مصانعها الأمريكية، كما إن المجموعة الأمريكية "وول مارت"، أكبر شركة دولية لتجارة التجزئة تشتري السلع الرخيصة من الصين لتُسوّقَها في متاجرها الأمريكية، وسوف يكون ارتفاع أسعار هذه السّلع هائلا، بفعل الرسوم التجارية الأمريكية تطبيقًا لشعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" ( Make America Great Again - MAGA ) غير إن عظمة أمريكا في تراجع، حيث انخفضت حصة الدّولار من الإحتياطي العالمي، ولو كان الإنخفاض بطيئا، كما أدّى الدّعم الأمريكي المُطلق للعدوان الصهيوني إلى إطلاق حملة لمقاطعة الإنتاج الأمريكي...
يُؤكّد دونالد ترامب على "العجز التّجاري" الأمريكي كتِعِلّةٍ لتبرير رَفْع الرّسُوم الجمركية، وبالفعل تشير البيانات إلى استيراد الولايات المتحدة، سنة 2024، بضائع بقيمة 3,3 تريليون دولار، وصدّرت سِلَعًا بقيمة 2,1 تريليون دولار، أي إن العجز التجاري التراكمي في السلع يُقَدّر ب 1,21 تريليون دولارًا، وهو أكبر عجز تجاري في تاريخ الولايات المتحدة الذي يمتد لنحو 250 عامًا، لكن هذا العجز نِسْبِي، لأن للولايات المتحدة فائض تجاري في مجال "الخَدمات" الذي ما فَتِئ يرتفع طيلة سنوات القرن الواحد والعشرين، من 77 مليار دولارا سنة 2000 إلى أن بلغ فائض صادرات الخدمات لصالح الولايات المتحدة 295 مليار دولارا، سنة 2023، ويمكن تفسير ذلك بترحيل الصناعات الأمريكية ذات القيمة المُضافة الضّعيفة والمُلوثة والتي تتطلب عمالة مُكثّفة وغير ماهرة ( النسيج وبعض مجالات الكيمياء وتركيب الإلكترونيك والسيارات والطائرات المدنية...) والإحتفاظ بالتكنولوجيا والصناعات الحربية وصناعة الفضاء والبحث العلمي والتّطوير، وهي قطاعات ذات قيمة زائدة مرتفعة وتتطلب كفاءات ومهارات من ذوي الإختصاصات كالمهندسين والفنِّيِّين والإختصاصيين في مجالات تقنية متطورة، فانخفض الفائض في صادرات السلع الذي كان سائدًا منتصف القرن العشرين، حدّ العجز، وارتفع فائض تجارة الخدمات تدريجيا ليصبح قطاع الخدمات ( كالبرمجيات والمنتجات المَالية ودَخل السياحة، لأن الولايات المتحدة هي أول بلد يستفيد من دخل السائحين الأجانب منذ حوالي عشرين سنة رغم تفوق إسبانيا وفرنسا بعدد السائحين) مهيمنًا في الاقتصاد الأمريكي، وأصبحت الأسواق الخارجية أهم من السوق الدّاخلية الأمريكية في بعض مجالات الخَدَمات، ولهذا التّحوّل "أضرار جانبية" تمثلت في ارتفاع حجم التّهرّب الضّريبي للشركات الأمريكية المُصدّرَة للخدمات والتي يتم تسجيل العديد منها في الملاذات الضريبية، أو في دول أخرى تنخفض فيها ضرائب أرباح الشركات، ثم تُسدّد تلك الفُرُوع رسومًا للشركة الأم الأمريكية، ويتم تسجيل تلك الرّسوم بعنوان "رُسُوم إدارة الأُصُول" أو رسوم "الملكية الفكرية"، ويتم تصنيفها ضمن "صادرات الخدمات" مما يُفسّر الفائض التجاري الكبير للولايات المتحدة في مجال الخدمات مع الدّول التي تلجأ إليها الشركات المالية والتكنولوجية الأمريكية، مثل أيرلندا وسويسرا وجزر كايمان، وباحتساب صادرات وواردات السّلع والخدمات يُصبح الميزان التجاري مُتوازنًا بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي فالولايات المتحدة تستورد السلع فيما تستورد أوروبا الخدمات. أما حكومة الصين فتعتبر إنه يجب احتساب تجارة السلع والخدمات والمبيعات في الأسواق المحلية لشركات الطّرَفَيْن في العلاقات الإقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصّين، واستنتج وزير التجارة الصيني إن طريقة الإحتساب هذه تجعل المبادلات التجارية متوازنة تقريبًا، وتهدّد الصين والإتحاد الأوروبي بتحذير وثَنْي المُسافرين إلى الولايات المتحدة، فضلا عن مُقاطعة العلامات التجارية الأميركية في كندا وأوروبا، وإلغاء الإشتركات في خدمات البث الأمريكية مثل نتفليكس وديزني+ وأمازون برايم فيديو وغيرها…

بعض الملاحظات حول نشأة الحرب الاقتصادية الحالية:
إن الحرب الاقتصادية والتجارية التي أطلقتها السلطات الأمريكية تعلن نهاية النظام الرأسمالي العالمي الذي أقيم بعد سنة 1945، لكن دونالد ترامب ليس هو أصل هذه العملية، بل ما هو سوى محفز أو مُسرِّع لهذا التغيير العنيف الذي بدأ مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وينعكس هذا التغيير في الليبرالية الجديدة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وكذلك في الاضطرابات العنيفة: الحروب والأزمات الاقتصادية والانتفاضات والخطر الفاشي وما إلى ذلك، وانتهى القرن العشرون بالحروب الأمريكية الأطلسية التي استمرت منذ نهاية القرن العشرين واستمرت خلال الربع الأول من القرن الواحد والعشرين ضد شعوب يوغوسلافيا والعراق وأفغانستان والصومال ولبنان واليمن، بالإضافة إلى تسارع الاستعمار الصهيوني لفلسطين...
إن ظهور الصين كمنافس اقتصادي للولايات المتحدة يعد حدثا كبيرا لأنه لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 أصبح للإمبريالية المهيمنة منافس اقتصادي وهو كذلك منافس جيوسياسي وعسكري، في حين كان الإتحاد السوفييتي ( من 1945 إلى 1990 ) منافسًا عسكريا وجيوسياسيًّا ولم يكن قطّ منافسًا اقتصاديا.
منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، قامت الدول الرأسمالية المتقدمة بنقل الصناعات الأقل ربحية إلى الخارج ــ بسبب مخاطر انخفاض معدلات الربح ــ ولكنها احتفظت بالصناعات ذات القيمة المضافة العالية أو تلك التي تعتبر "استراتيجية" وطوّرتها من خلال زيادة إنتاجية العمل (استبدال فئات معينة من العمال غير المهرة بالآلات)، وفي الوقت نفسه، فتحت الصين أسواقها من خلال الإصلاحات الرأسمالية، وقامت الشركات الأجنبية بتوظيف مئات الملايين من العمال الصينيين المهرة وغير المهرة ـ بتكلفة منخفضة ـ والذين هاجر مئات الآلاف منهم من المناطق الريفية، كما استفادت الشركات الغربية من البنية التحتية الصينية والاستقرار السياسي والرقابة الاجتماعية التي يمارسها نظام سياسي يدّعي "الشيوعية" لكنه يضمن الاستثمارات والأرباح للشركات الغربية، وخلقت الدولة الصينية ظروفًا مواتية للاستثمارات الصناعية الأجنبية التي استغلت العمال الصينيين على نطاق واسع، وفي المقابل، جلب الرأسماليون الغربيون، الباحثين عن النسبة القصْوَى من الأرباح، رأس المال والتكنولوجيا، وتقاسموا الأرباح مع الرأسماليين المحليين ــ بما في ذلك قيادات الحزب الواحد الحاكم وأجهزة الدولة ــ الذين تمكنوا من تجميع الثروة من خلال الإستحواذ على المؤسسات العامة والأراضي التي تمت خصخصتها ومن خلال التعاون مع المستثمرين الأجانب.
من جهة أخرى، استغلت الصين ثروات العديد من الدول الأفريقية والآسيوية، وغمرت أسواق الدّول الفقيرة بالمنتجات الصينية الرخيصة وذات الجودة المنخفضة، قبل أن تستوعب تدريجيا التكنولوجيات الأكثر تقدما، ولم تر الدّول الرأسمالية المتطورة وشركاتها العابرة للقارات أي خَطَرٍ قد تُشكّله الصين ما دامت الصين تعمل كمتعاقد صناعي فرعي مع البلدان المتقدمة و"تهيمن" على إنتاج السلع ذات القيمة المضافة المنخفضة (صناعة النسيج والإلكترونيات منخفضة التقنية وما إلى ذلك)، بل على العكس من ذلك، فقد كانت الصين مَصْدَرَ رِبْحٍ للعديد من الرأسماليين الغربيين الذين استثمروا فيها، وبالإضافة إلى ذلك، تعمل المنتجات الصينية الرخيصة على خفض تكلفة الإنتاج بالنسبة للعمال في الدول الغربية، مما يسمح بخفض أجورهم.
عندما بدأت الشركات الصينية في التنافس مع الشركات الغربية في قطاعات التكنولوجيا والقيمة المضافة العالية، دقت حكومات أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان، وكذلك الشركات العابرة للقارات، أجراس الإنذار، لأن الصين حققت تقدّمًا سريعا وقياسيا في مجالات التكنولوجيا وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والتطبيقات التجارية ( البيع عن بُعد)، والمركبات الكهربائية والبطاريات والطاقة المتجددة وما إلى ذلك، وربما اكتسبت الشركات الصينية بالفعل تقدماً حاسماً، سواء في النسيج الصناعي أو الإتقان التكنولوجي، فقد خصصت الصين استثمارات ضخمة للبحث العلمي والابتكار، مما منحها التفوق الصناعي وبناء جيش حديث ومجهز تجهيزا جيدا.

الولايات المتحدة الأمريكية - الصين
لقد أدى المناخ السياسي والعسكري في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 واتفاقيات بريتن وودز إلى ضمان هيمنة الولايات المتحدة، بالتحالف مع جميع الدول الرأسمالية المتقدمة في المناطق الثلاث من العالم (أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا والمحيط الهادئ)، والتي كانت جميعها مُرْهَقَة من الحرب، بينما استفادت الولايات المتحدة – ولا تزال تستفيد - من ثلاث مزايا حاسمة:
التفوق العسكري في المناطق الثلاث الأكثر أهمية للرأسمالية العالمية: أمريكا الشمالية وأوروبا وجنوب شرق آسيا (بالإضافة إلى الشرق الأوسط) وضمان حماية الدول الرأسمالية المتقدمة الأخرى.
التفوق الصناعي في المنتجات والخدمات ذات القيمة المضافة العالية التي تُوَلِّدُ أكبر قَدْرٍ من الأرباح
الهيمنة المالية بواسطة الدولار وهيمنة الأسواق المالية الأميركية: وصول الأسواق المالية الأميركية إلى جميع الدول الرأسمالية المتقدمة والدور الفعال للدولار الأميركي كملاذ آمن
حرية الحركة النسبية للسلع المادية والخدمات ورأس المال
على النقيض من ادعاءات ترامب، فإن هذا الترتيب الذي تم التوصل إليه بعد عام 1945 لم تكن تشكل "عبئا" على الولايات المتحدة أو هدية أميركية لبقية العالم، فقد سمح هذا "الترتيب" ( أو "المفاهمات") بالحفاظ على الهيمنة الأميركية من خلال إبطاء ظهور المنافسين الاقتصاديين بين الدول الرأسمالية المتقدمة (اليابان، وألمانيا، وبريطانيا العظمى، وغيرها) ومنع هذه المنافسات الاقتصادية من التحول إلى منافسات جيوسياسية كبرى، ولكن اتفاقية بريتن وودز (1944) أو وِفَاق واشنطن (1989) لم يتمكنا من احتواء ظهور الصين كمنافس اقتصادي وجيوسياسي للولايات المتحدة.
تهدف سياسة ترامب ( ومن سبقه من الرؤساء "الديمقراطيين: أوباما وبايدن) إلى تقييد التنمية الاقتصادية للصين وقدرتها على الوصول إلى أسواق التصدير والتكنولوجيا العالية قدر الإمكان، ومن ناحية أخرى، تستغل الولايات المتحدة هذه الفرصة لجعل الدول الحليفة أكثر اعتمادًا عليها، لكن الترابط الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة مهم للغاية، فأي قرار يُؤجّج الحرب التجارية قد يُؤَدِّي إلى عواقب غير متوقعة، مثل زعزعة استقرار سوق سندات الخزانة الحكومية الأميركية، والتي تقدر قيمتها بأكثر من 33 تريليون دولار، مما قد يؤدي إلى أزمة مالية عالمية لا يمكن السيطرة عليها من شأنها أن تُقَوّض القوة المالية للولايات المتحدة، وكتبت صحيفة فاينانشال تايمز، غداة تراجع دونالد ترامب وقراره تعليق الرسوم الجمركية لفترة تسعين يوما ( باستثناء الرسوم على المنتجات الصينية): "إن التراجع المؤقت بشأن التعريفات الجمركية المتبادلة أظهر أن سوق سندات الخزانة هي التي تحدد حجم عصا ترامب - وأن هذه العصا أصغر مما كان يعتقد ترامب"، ناهيك عن أن العديد من الرأسماليين الأميركيين يحققون أرباحا ضخمة من استثماراهم وعلاقاتهم مع الصين، وقد تكون الرسوم الجمركية سببًا في تزايد الإنقسامات الخطيرة التي بدأت تظهر في صفوف البرجوازية الأميركية، فيما سوف تكتشف الأقلية من الطبقة العاملة (والنقابات) التي أعلنت تأييدها لسياسات ترامب قريبا أنها تعرضت للخداع.



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلسلة محاولات تبسيط بعض المفاهيم الإقتصادية – الجزء الرابع
- سلسلة محاولات تبسيط بعض المفاهيم الإقتصادية – الجزء الثالث
- سلسلة محاولات تبسيط بعض المفاهيم الإقتصادية – الجزء الثاني
- سلسلة محاولات تبسيط بعض المفاهيم الإقتصادية
- مُتابعات - العدد التّاسع عشر بعد المائة بتاريخ الثاني عشر من ...
- الحرب التجارية – حلقة من المعارك الأمريكية للسيطرة على العال ...
- مُوجَز نظرية القيمة في كتاب رأس المال - كارل ماركس
- سينما - عرض شريط -أنا ما زِلْتُ هنا - للمُخْرِج والتر ساليس
- الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة -النّاعمة- – الجزء الرابع
- مُتابعات - العدد الثامن عشر بعد المائة بتاريخ الخامس من نيسا ...
- الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة -النّاعمة- – الجزء الثالث
- الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة -النّاعمة- – الجزء الثاني
- الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة -النّاعمة- – الجزء الأول
- مُتابعات - عدد خاص – العدد السّابع عشر بعد المائة بتاريخ الت ...
- الليبرالية الإنتقائية - من العَولمة إلى الحِمائية
- دوّامة الدُّيُون في البلدان الفقيرة
- المغرب 23 آذار/مارس 1965 – 2025
- الولايات المتحدة وإعادة تشكيل النظام الرأسمالي العالمي
- متابعات – العدد السّادس عشر بعد المائة بتاريخ الثّاني والعشر ...
- السُّجُون الأمريكية - قطاع اقتصادي مُرْبِح


المزيد.....




- الكويت: القبض على مقيم بحوزته سلاح ناري دهس رجل أمن عمدا وفر ...
- آلاف المؤمنين في ملقة يشاركون في موكب عيد الفصح السنوي
- تقرير يحصي تكلفة وعدد المسيرات الأمريكية التي أسقطها الحوثيو ...
- إعلام أمريكي: كييف وافقت بنسبة 90% على مقترح ترامب للسلام
- السلطات الأمريكية تلغي أكثر من 400 منحة لبرامج التنوع والمسا ...
- البيت الأبيض يشعل أزمة مع جامعة هارفارد بـ-رسالة خطأ-
- ارتفاع حصيلة الضربات الأميركية على رأس عيسى إلى 74 قتيلا
- الكرملين: انتهاء صلاحية عدم استهداف منشآت الطاقة الأوكرانية ...
- في ظلال المجرات… الكشف عن نصف الكون الذي لم نره من قبل
- القوات الروسية تتقدم وتسيطر على ثالث بلدة في دونيتسك


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - الحرب الإقتصادية – مقوّمات القوة والضُّعْف الأمريكيَّيْن