عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث
(Aqeel Al Fatlawy)
الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 00:39
المحور:
كتابات ساخرة
في العراق، حيث تتداخل الخطابات الاقتصادية مع الأيديولوجيات السياسية، تتحول التنمية إلى ساحة معركة لا تُبنى فيها المشاريع، بل تُهدم فيها الفرص. فخلال السنوات الماضية، لم يكن الاقتصاد مجرد أرقام أو عقود استثمارية، بل كان ساحة لصراع المحاور، حيث يُسأل عن كل مشروع: لمن يصبّ في مصلحته؟ هل هو للمقاومة أم للتطبيع؟ أمريكي أم تركي؟ إيراني أم خليجي؟
وتحت ضغط الشارع الذي يئنّ من تردي الخدمات، خفتت حدة الصراعات الأيديولوجية، لكنها لم تختفِي. بل تحولت إلى سوقٍ لبيع الأوهام، حيث تُعلن الاتفاقيات وتُرفع الشعارات البراقة، ثم تتبخر مع الوقت. فالمشاريع تُوقّع بضجيج إعلامي، ثم تُدفن في أدراج الحكومة الجديدة، لتحل محلها تصريحات جديدة عن (التنمية والازدهار)، بينما تبقى الأرض على حالها.
حكومة محمد شياع السوداني، التي قيل إنها (حكومة الجميع)، ركّزت كثيراً على الخطاب الاقتصادي. في ظل برلمان هادئ، وزعيم التيار الصدري معتكف في الحنانة، وتوافق سياسي بقيادة شيعية، بدا أن العراق يدخل مرحلة جديدة. لكن الواقع يقول إننا ما زلنا ندور في الحلقة نفسها.
وقبل أيام، وصلت أكبر بعثة تجارية أمريكية إلى العراق، تضم ممثلين عن 60 شركة في مختلف القطاعات، ووقّعت ثلاث مذكرات تفاهم: واحدة في مجال الكهرباء (وصفت بـالتاريخية)، وأخرى في (الطاقة الشمسية )، وثالثة في (التعاون التجاري).
لكن عند التدقيق، نجد أن هذه المذكرات ليست عقوداً ملزمة، بل مجرد وعود تحتاج إلى تمويل بمليارات الدولارات، وهي معرّضة للتآكل والنسيان، مثل سابقاتها.
النائب ياسر الحسيني، عضو لجنة الاقتصاد والصناعة في البرلمان، وصف هذه الاتفاقيات بأنها (بلا جدوى اقتصادية)، وأنها جاءت نتيجة ضغوط أمريكية ومجاملات سياسية. وفي المقابل، وصل مسؤول إيراني رفيع إلى بغداد لتوقيع مذكرات تعاون في مجال النفط والطاقة، في وقت ما زال العراق عاجزاً عن حل أزمة الغاز الإيراني، بينما تحذّر واشنطن من استخدام ناقلات نفط إيرانية لوثائق عراقية مزورة.
بين إيران وأمريكا.. ضياع الفرص
الخلاصة أن العراق ما زال حائراً بين محورين: العلاقة مع إيران، والتحالف مع أمريكا. فمن جهة، هناك واشنطن التي دعمت العراق لسنوات، لكنها تراه الآن عاجزاً عن حماية تعاقداته. ومن جهة أخرى، هناك طهران التي ما زالت تعامل العراق كسوقٍ تابع لها، حيث (الصلاة مع المرشد أتم)، لكن (التجارة مع ترامب أدسم).
لم نربح من التحالف مع إيران سوى تبعية اقتصادية، ولم نحافظ على العلاقة مع أمريكا سوى استجداء استثناءات. والنتيجة؟ فرص ضائعة، واتفاقيات ورقية، وواقع لا يتغير. فكلما وُقّعت مذكرة تفاهم جديدة، تذكرنا كم من الفرص الذهبية أهدرناها.
وفي النهاية، يبقى السؤال: إلى متى سيستمر العراق في هذه الحلقة المفرغة؟ إلى متى سنظل نختار بين (الصلاة) و(التجارة)، بينما يُفقد البلد فرصته الحقيقية في الخروج من النفق؟
#عقيل_الفتلاوي (هاشتاغ)
Aqeel_Al_Fatlawy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟